الجمعة أكتوبر 11, 2024

كفالة زكريا عليه السلام لمريم أم نبي الله عيسى عليهم السلام

 

كان نبي الله زكريا عليه السلام متزوجًا بإشياع أخت مريم وهذا قول الجمهور، وقيل زوج خالتها إشياع والله أعلم. وكانت حنة زوجة عمران من الصالحات العابدات قد كبِرت وعجزت ولم تلد ولدًا، فبينما هي في ظل شجرة إذ أبصرت طائرًا يطعم فرخًا له، فاشتهت الولد ودعت الله تعالى أن يهبها ولدًا، ونذرت إن رزقها الله تعالى ولدًا أن تجعله من سَدَنة بيت المقدس وخدمه، وحررت ما في بطنها ولم تكن تعلم ما هو، وكان النذر المحرر عندهم هو أن يجعل الولد لله يقوم بخدمة المسجد ولا يبرح منه حتى يبلغ الحلم فإذا بلغ خيّر، فإن أحب أن يقيم فيه أقام وإن أحب أن يذهب ذهب حيث شاء. ثم مات عمران زوج حنة وهي حامل بمريم عليها السلام، فلما وضعت حملها إذا هو أنثى، يقول الله تعالى إخبارًا عن أم مريم حنة قالت: {ربِّ إنِّي وضَعتُها أنثى واللهُ أعلَمُ بما وضَعتُ وليسَ الذَّكرُ كالأنثى} [سورة ءال عمران/٣٦] قيل: هذا من تمام اعتذارها، ومعناه لا تصلح الأنثى لما يصلح له الذكر من خدمته المسجد والإقامة فيه لما يلحق الأنثى من الحيض والنفاس، ويقول تعالى حكاية عنها أيضًا: {وإنِّي سَمَّيتُها مريمَ وإنِّي أُعيذُها بِكَ وذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيطانِ الرجيم} [سورة ءال عمران/٣٦].

 

وعندما ولدت “حنة” زوجة عمران مريم عليها السلام لفّتها في خرقة وحملتها وانطلقت بها إلى المسجد ووضعتها عند الأحبار العلماء أبناء هارون، وكانوا يلون من بيت المقدس ما يلي بنو شيبة من الكعبة المشرفة وقالت لهم: “دونكم هذه المنذورة” فتنافسوا فيها لأنها كانت بنت إمامهم وسيدهم عمران الذي كان من علماء بني إسرائيل الصالحين وكانوا يقترعون على الذين يؤتون بهم إلى المسجد لخدمته، فقال زكريا عليه السلام وكان نبيهم يومئذ: أنا أحق بها لأن خالتها عندي، وذلك أن الخالة كما ورد في الحديث بمنزلة الأم، فأبوا وطلبوا الاقتراع عليها وقالوا: نطرحُ أقلامنا في النهر الجار قيل هو نهر الأردن فمن صعد قلمه فوق الماء فهو أحق بها، فذهبوا إلى ذلك النهر وألقوا فيه أقلامهم التي كانوا يكتبون بها التوراة فارتفع قلم زكريا فوق الماء ورسبت أقلامهم، فأخذها زكريا عليه السلام وكفلها وضمنها إلى خالتها “أم يحيى” واسترضع لها حتى كبرت ووضعها في غرفة في المسجد لا يرقى إليها إلا بسلم ولا يصعد إليها غيره، وكان يغلق عليها الباب ومعه المفتاح لا يأمن عليه أحدًا، وكانت إذا حاضت أخرجها إلى منزله لتكون مع خالتها “أم يحيى”، وقد كان نبي الله زكريا عليه السلام يرى من عجائب قدرة الله تعالى من الكرامات في حفظ هذه السيدة الطاهرة العفيفة ما يبهر العقول، يقول الله تبارك وتعالى: {فَتَقبَّلها ربُّها بقبولٍ حَسَنٍ وأنبتها نباتًا حَسَنًا وكفَّلَها زكريا كُلَّما دخلَ عليها زكريا المحرابَ وجدَ عندها رِزقًا قالَ يا مريمُ أنَّى لكِ هذا قالتْ هُوَ مِنْ عندِ اللهِ إنَّ اللهَ يرزُقُ مَن يشاءُ بغيرِ حساب} [سورة ءال عمران/٣٧].

 

كان نبي الله زكريا عليه السلام إذا دخل على مريم عليها السلام في المحراب وهو معبدها الذي تعبد فيه الله تعالى وهو سيد المجالس وأشرفها في المسجد يجد عندها من الرزق وهو الفاكهة ما لا يوجد مثله في البلد أو عند سائر الناس، فقد كان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف، وهذه من الكرامات التي يُكرم الله تعالى بها أولياءه الأولياء والوليّات.

 

وقد كانت السيدة الجليلة مريم عليها السلام من الصالحات العابدات تقوم بالعبادة ليلها ونهارها، حتى صارت يُضرب بها المثل بالعبادة والطاعة في بني إسرائيل، ولقد اشتهرت هذه السيدة الطاهرة العفيفة بما ظهر عليها من الأحوال الكريمة والصفات الشريفة.