الأحد أكتوبر 27, 2024

قول المحدّث أحمد بن عمر القرطبيّ([1])
صاحب كتاب المُفْهِم شرح مسلم (ت 656هـ)

قال الحافظ ابن حجر العسقلانيّ([2]): «وقال القرطبيّ في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: «عن عبد الله أنّ يهوديًّا جاء إلى النبيّ ﷺ فقال: يا محمّدُ، إِنَّ الله يمسِكُ السَّموات على إِصبعٍ والأَرَضِينَ على إِصبَع والجبالَ على إصبَع والشَّجر على إصبعٍ والخلائقَ على إصبَعٍ ثمَّ يقولُ أنا الملِكُ، فضَحِك رسول اللهِ ﷺ حتى بدتْ نواجِذُه ثمَّ قرأَ: وَمَا قَدَرُواْ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ {91} (الأنعام). قوله «إن الله يمسك» إلى آخر الحديث، هذا كلّه قول اليهوديّ وهم يعتقدون التجسيم وأن الله شخص ذو جوارح كما يعتقد غلاةُ المشبهة من هذه الأمة، وضَحِكُ النبيّ ﷺ إنما هو للتعجّب من جهل اليهوديّ، ولهذا قرأ عند ذلك: وَمَا قَدَرُواْ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ {91} (الأنعام) أي: ما عرفوه حقَّ معرفته ولا عظَّموه حقَّ تعظيمه.

فهذه الرواية هي الصحيحة المحقَّقة، وأما من زاد: «وتصديقًا له» فليست بشىء، فإنها من قول الراوي وهي باطلة لأنّ النبيّ ﷺ لا يصدّق المحال، وهذه الأوصاف في حقّ الله محال، إذ لو كان ذا يد وأصابع وجوارح كان كواحدٍ منّا فكان يجب له من الافتقار والحدوث والنقص والعجز ما يجب لنا، ولو كان كذلك لاستحال أن يكون إلهًا، إذ لو جازت الإلهية لمن هذه صفته لصحّت للدجّال، وهو محال، فالمفضي إليه كذب.

فقول اليهوديّ كذب ومحال، ولذلك أنزل الله في الردّ عليه: وَمَا قَدَرُواْ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ {91} (الأنعام)، وإنما تعجّب النبيّ ﷺ من جهله، فظنّ الراوي أن ذلك التعجّب تصديق، وليس كذلك.

فإن قيل: قد صحّ حديث([3]): «إنَّ قلوبَ بني آدمَ كلَّها بينَ إصبعينِ منْ أصابعِ الرحمنِ»، فالجواب أنه إذا جاءنا مثل هذا في الكلام الصادق تأوّلناه أو توقّفنا فيه إلى أن يتبيّن وجهه مع القطع باستحالة ظاهره لضرورة صدق من دلّت المعجزة على صدقه، وأما إذا جاء على لسان من يجوز عليه الكذب، بل على لسان من أخبر الصادق عن نوعه بالكذب والتحريف، كذّبناه وقبّحناه.

ثم لو سلّمنا أن النبيّ ﷺ صرّح بتصديقه لم يكن ذلك تصديقًا له في المعنى، بل في اللفظ الذي نقله من كتابه عن نبيّه، ونقطع بأن ظاهره غير مراد» اهـ.

[1] ) أحمد بن عمر بن إبراهيم، أبو العباس الأنصاريّ القرطبيّ، ت 656هـ، فقيه مالكيّ، من رجال الحديث. يعرف بابن الـمُزَيّن، كان مدرسًا بالإسكندرية وتوفي بها. ومولده بقرطبة. من كتبه: «المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم» شرح به كتابًا من تصنيفه في اختصار مسلم. الأعلام، الزركلي، 1/186.

 

[2] ) فتح الباري، ابن حجر، 13/398.

 

[3] ) صحيح مسلم، مسلم، كتاب القدر، باب تصريف الله تعالى القلوب كيف يشاء، 6/ 204.