الأحد أكتوبر 27, 2024

قول الشيخ أبي عليّ بن أبي موسى([1]) الحنبليّ (ت 428هـ)

قال ابن العماد([2]): «قال ابن أبي يعلى في طبقاته، كان أبو عليّ بن أبي موسى سامي الذكر له القدم العالي والحظّ الوافر عند الإمامين القادر بالله([3]) والقائم بأمر الله([4])، صنّف الإرشاد في المذهب، وشرح كتاب الخِرَقِيّ([5])، وكانت حَلْقته بجامع المنصور، يفتي ويُشْهد.

قرأت على المبارك بن عبد الجبار من أصله في حلقتنا بجامع المنصور، قلت له: حدّثك القاضي الشريف أبو عليّ قال: باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب الديانات:

حقيقة الإيمان عند أهل الأديان الاعتقادُ بالقلب والنطق باللسان أن الله عزَّ وجلَّ واحد أحد فرد صمد لا يُغَيّرُه الأبدُ، ليس له والد ولا وَلَد، وأنه سميع بصير بديع قدير حكيم خبير عليٌّ كبير وليٌّ نصير قويٌّ مجير، ليس له شبيه ولا نظير ولا عون ولا ظهير([6]) ولا شريك ولا وزير ولا ندٌّ([7]) ولا مشير([8]).

سبق الأشياء فهو قديم لا كقِدَمها، وعلم كون وجودها في نهاية عدمها، لم تملكه الخواطر فتكيّفه، ولم يعدمه زمان فينطلق عليه التأوين([9])، ولم يتقدّمه دهر ولا حين ولا كان قبله كون ولا تكوين، ولا تجري ماهيته في مقال ولا يدخل في الأمثال والأشكال، صفاته كذاته([10])، ليس بجسم في صفاته، جلَّ أن يشبَّه بمبتدعاته أو يضاف إلى مصنوعاته لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {11} (الشورى). خلق الخلائق وأفعالهم وقدّر أرزاقهم وآجالهم، لا سَمِيَّ له في أرضه وسماواته، على العرش استوى([11])، وعلى الملك احتوى، وعلمه محيط بالأشياء.

كذلك سُئل الإمام أحمد بن حنبل عن قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا {7} (المجادلة)، فقال: علمه» اهـ. وهذا يدلُّ أن السلف الصالح كان منهم من يؤول تأويلًا تفصيليًّا بإعطاء الآية المتشابهة معنى مما تحتمله اللغة العربية ويوافق الشريعة الغرّاء، وسيأتي بيانه.

[1] ) محمد بن أحمد بن أبي موسى، أبو علي الهاشميّ الحنبليّ البغداديّ، ت 428هـ، صاحب التصانيف، أخذ عن أبي الحسن التميميّ وغيره، وحدّث عن ابن المظفر. وكان رئيسًا بعيد الصيت. شذرات الذهب، ابن العماد، 3/238، 241.

 

[2] ) شذرات الذهب، ابن العماد، 3/238.

 

[3] ) أحمد بن إسحاق بن المقتدر، أبو العباس، الخليفة العباسيّ القادر بالله، ت 450هـ، قال الخطيب: «كان القادر من الستر والديانة والسيادة وإدامة التهجّد بالليل وكثرة البر والصدقات وحسن الطريقة على صفة اشتهرت عنه وعرف بها كل أحد مع حسن المذهب وصحة الاعتقاد، وقد صنّف كتابًا في الأصول ذكر فيه فضائل الصحابة على ترتيب مذهب أصحاب الحديث، وأورد في كتابه فضائل عمر بن عبد العزيز وإكفار المعتزلة القائلين بخلق القرآن – أي الذين قالوا عن صفة الله: إنها مخلوقة -» اهـ. تاريخ الخلفاء، السيوطيّ، ص 329.

 

[4] ) عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن القادر بالله، أبو جعفر، الخليفة العباسيّ القائم بأمر الله، ت 467هـ، قال ابن الأثير: «كان جميلًا مليح الوجه أبيض مشربًا بحمرة حسن الجسم
ورعًا ديّنًا زاهدًا عالـمًا، قويّ اليقين بالله تعالى، كثير الصدقة والصبر، له عناية بالأدب، ومعرفة حسنة بالكتابة، مؤثرًا للعدل والإحسان وقضاء الحوائج، لا يرى المنع في شىء طُلِبَ منه» اهـ. تاريخ الخلفاء، السيوطيّ، ص 334.

 

[5] ) كتاب الخِرَقيّ مختصر في الفقه الحنبلي معروف، اشتهر باسم مؤلفه أبي القاسم عمر بن الحسين الخِرقي، توفي سنة 244هـ.

 

[6] ) «الظَّهِيرُ: المُعِين» اهـ. لسان العرب، ابن منظور، مادة ظ هـ ر، 4/520.

 

[7] ) «النّدُّ بالكسر المثل والنظير» اهـ. لسان العرب، ابن منظور، مادة ن د د، 3/413.

 

[8] ) «أَشارَ يُشِيرُ إِذا مَا وَجَّه الرَّأْيَ» اهـ. تاج العروس، الزَّبيديّ، مادة ش و ر، 12/257. ومعنى ولا مشير له: لا آمر ولا وزير له.

 

[9] ) التأوين: نسبة الأوان -أي الزمان- إلى الشىء، والمراد أن الله سبحانه وتعالى لا يجرى عليه زمان.

 

[10] ) أي صفاته لا تشبه صفات المخلوقين، كما أن ذاته لا يشبه ذوات المخلوقين.

 

[11] ) أي قهر العرش وحفظه، أو يقال: استوى استواءً يعلمه هو مع تنـزيهه عن استواء المخلوقين كالجلوس والاستقرار.