الجمعة يوليو 26, 2024

قصة قارون مع موسى عليه السلام

 

قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ* وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ* قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ* فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ* وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ* فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ* وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ* تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [سورة القصص/٧٦-٨٣].

 

قارون الذي ذكره الله تعالى في القرءان هو ابن عم موسى عليه السلام وقيل غير ذلك، وكان من أتباع فرعون مصر الكافرين الذين اتبعوا فرعون على كفره وضلاله، وكان رجلاً طاغيًا فاسدًا غرته الحياة الدنيا، وكان كثير المال والكنوز، وقد ذكر الله تبارك وتعالى كثرة كنوزه وبيّن أن كنوزه كان يثقل حمل مفاتيحها على الرجال الاقوياء الأشداء حتى قيل: إن مفاتيح خزائن كنوزه كانت تحمل على أربعين بغلاً.

 

ولكن قارون غرته الحياة الدنيا وغرّه ما عنده من أموال وكنوز، وطغى وبغى على قومه بكثرة أمواله وافتخر عليهم واستكبر بما ءاتاه الله تعالى من الأموال والكنوز، فنصحه النصحاء من قومه ووعظوه ونهوه عن فساده وبغيه وقالوا له ما أخبر الله تعالى: {لا تفرحْ إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الفَرِحين} [سورة القصص/٧٦] أي لا تبطر بما أعطيت وتفخر على غيرك وتستكبر إن الله لا يحب الذين يفتخرون بأموالهم على الناس وقالوا له: {وابتغِ فيما ءاتاكَ اللهُ الدّارَ الآخرة} [سورة القصص/٧٧] أي لتكن همتك مصروفة لتحصيل ثواب الله في الدار الآخرة بالإيمان والعمل الصالح فإن هذا خير وأبقى وقالوا له: {ولا تنسَ نَصيبَكَ مِنَ الدُّنيا} [سورة القصص/٧٧]أي ولا تنس أن تأخذ من الدنيا لآخرتك بالتزود لها والاستعداد كما قال ابن عباس. ثم نصحوه قائلين له: {وأحسِنْ كما أحسنَ اللهُ إليكَ ولا تبغِ الفسادَ في الأرضِ إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُفسدين} [سورة القصص/٧٧] أي أحسن إلى خلق الله كما أحسن الله تعالى خالقهم إليك، ولا تفسد فيهم وتبغ فتعاملهم بخلاف ما أمرت به، ولكن قارون أجابهم جواب مغتر مفتون مستكبر فقال لهم: {قالَ إنَّما أوتيتُهُ على علمٍ عندي} [سورة القصص/٧٨]يعني أنا لا احتاج إلى نصيحتكم أي أوتيته على معرفة مني وخبرة، ثم أخذ يزداد في بغيه وفساده معتقدًا أن الله سبحانه يحبه ولذلك أعطاه هذا المال الكثير.

 

قال الله تعالى ردًا عليه فيما ذهب واعتقد: {أوَلَمْ يعلمْ أنَّ اللهَ قدْ أهلكَ مِنْ قبلهِ مِنَ القرونِ مَنْ هُوَ أشدُّ منهُ قوةً وأكثرُ جمعًا} [سورة القصص/٧٨]أي قد أهلكنا من الأمم الماضين بذنوبهم وخطاياهم من هو أشد من قارون قوة وأكثر مالاً فلو كان إفاضة المال الكثير على عبد من عباد الله دليلاً على محبة الله تعالى لهذا العبد لما عاقب الله تعالى أحدًا ممن كان أكثر مالاً منه كما قال الله تبارك وتعالى: {وما أموالُكم ولا أولادُكم بالتي تُقَرِّبُكم عندنا زُلفى إلا مَنْ ءامنَ وعَمِلَ صالحًا} [سورة سبأ/٣٧]

 

وخرج قارون يومًا متجملاً في موكب عظيم من ملابس ومراكب وخدم وحشم فلما رءاه قومه من هو مغرور بزهرة الحياة الدنيا تمنوا أن لو كانوا مثله وغبطوه بما عليه من زينة وما له من كنوز وأموال، فلما علم بمقالتهم العلماء العارفون ذوو الفهم الصحيح والزهاد قالوا لهم: {وَيْلكم ثوابُ اللهِ خيرٌ لمن ءامَنَ وعَمِلَ صالحًا} [سورة القصص/٨٠]أي ثواب الله في الدار الآخرة خير وأبقى وأجل وأعلى، قال الله تعالى: {ولا يُلَقَّاها إلا الصَّابرون} [سورة القصص/٨٠]أي وما يُلقّى هذه الهمة السامية إلى الدار الآخرة عند النظر إلى نعيم هذه الدنيا الزائل الفاني إلا من هدى الله تعالى قلبه وثبت فؤاده وجعله من الصابرين.

 

بينما قارون في موكبه خسف الله تعالى الارض به وبداره فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة، قال الله تعالى: {فخسَفنا بهِ وبدارهِ الارضَ فما كانَ لهُ من فئةٍ ينصُرونهُ من دونِ اللهِ وما كانَ مِنَ المُنتصرين} [سورة القصص/٨١].

 

وقد حلّ بقارون ما حل من خسف وذهاب الأموال وخراب الدار وخسفها، فندم من كان تمنّى مثل ما أوتي وشكروا الله تعالى الذي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدره ويضيقه على من يشاء، وشكروا الله تعالى الذي لم يجعلهم كقارون طغاة متجبرين متكبرين فيخسف بهم الأرض.

 

قال الله تعالى: {وتلكَ الدارُ الآخرةُ نجْعلُها للذينَ لا يريدونَ عُلوًا في الارضِ ولا فسادًا والعاقبةُ للمُتَّقين} [سورة القصص/٨٣]أي أن الدار الآخرة وهي الجنة معدة للذين لا يريدون تكبرًا وفخرًا وأشرًا وبطرًا في الارض ولا يريدون الفساد بها وأخذ أموال الناس وإفساد معايشهم والإساءة إليهم وعدم النصح لهم، ثم أخبر تعالى أن العاقبة المحمودة لعباده المتقين الذين يلتزمون أوامره فيؤدون الواجبات ويجتنبون المحرمات.

 

فائدة: يروى أن الله تبارك وتعالى أمر قارون بالزكاة فجاء إلى موسى عليه السلام من كل ألف ديناء بدينار، ثم جمع مفرًا يثق بهم من بني إسرائيل فقال: إنّ موسى أمركم بكل شيء فأطعتموه وهو الآن يريد أخذ أموالكم، فقالوا له: مرنا بما شئت قال: ءامركم أن تحضروا فلانة البغيّ فتجعلوا لها جعلاً أي أجرة فتقذفه بنفسها ففعلوا ذلك فأجابتهم إليه، ثم أتى قارون إلى موسى عليه السلام فقال: إن قومك قد اجتمعوا لك لتأمرهم وتنهاهم، فخرج إليهم نبي الله موسى عليه السلام فقال لهم: من سرق قطعناه ومن زنى وليس له امرأة جلدناه مائة جلدة، وإن كانت له امرأة رجمناه حتى يموت.

 

فقال له قارون: إن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة، فقال عليه السلام: أدعوها، فلما جاءت قال لها موسى عليه السلام: أقسمت عليك بالذي أنزل التوراة إلا صدقت، أنا فعلت بك ما يقول هؤلاء؟ قالت: لا، كذبوا ولكن جعلوا لي جعلاً على أن أقذفك، فسجد موسى عليه السلام ودعا الله عليهم فأوحى الله تعالى إليه: مُرِ الأرض بما شئت تطعك، فقال موسى عليه السلام: يا أرض خذيهم، فاضطربت داره وساخت بقارون وأصحابه إلى الكعبين وجعل يقول: يا موسى ارحمني، قال: يا أرض خذيهم، فلم يزل يستعطفه وهو يقول: يا أرض خذيهم حتى خُسفت بهم.