السبت يوليو 27, 2024

قصة فاطمة الزبيرية

الحمدُ لله ربّ العالمينَ لهُ النّعمةُ ولهُ الفضلُ ولهُ الثّناءُ الحسنُ وصلواتُ الله البَرّ الرّحيم والملائكة المقرّبين على سيّد المرسلينَ وعلى ءاله الطّيّبينَ الطّاهرينَ.

أمَّا بعدُ: فبيانًا لأهمية الصلاة فِي الدين ذكر الشيخ عبد الله بن محمد الهرريّ رحمه الله تعالى قسمًا كبيرًا من ترجمة فاطمة بنت أحمد بن عبد الدائم الزبيرية نسبة لبلدة الزبير فِي العراق من كتاب «السحب الوابلة على طبقات الحنابلة» وقَد قُرِئتْ على شيخِنا رحمهُ الله ليلة الأحد الحادِي والعشرين من ذي القعدة سنة عشرين وأربعمائة وألف من الهجرة الموافق للسادس والعشرين من شباط سنة ألفين رومية. قالَ صاحبُ كتاب «السُّحب» فاطمةُ ابنةُ أحمدَ بن عبد الدّائم أمُّ عائشةَ بنت حمد الفُضَيْلِيّ الزُّبَيريّة وتُعرَف بالشَّيخة الفُضَيْلِيَّة بضم الفاء وفتح الضّاد المعجمة وإسكان الياء التحتيّة وبعدَها لامٌ مكسورةٌ فياءٌ تحتيّةٌ مشدّدةٌ الشّيخةُ الصّالحةُ العابدةُ الزّاهدةُ وُلدَت فِي بلد سيّدنا الزُّبير قُبَيل المائتين ونشَأت بها وقرَأتْ على شُيوخها وأكثرتْ عن الشّيخ إبراهيمَ بن جديد فأخذَت عنهُ التّفسيرَ والحديثَ والأصلَين والفقهَ والتّصوفَ وقرأَت على غيره كثيرًا وتوجّهت إلى العِلم توجّهًا تامًّا وتعلّمَت الخطَّ مِن صِغَرها فأتقنتهُ وكَتبتْ كتبًا كثيرةً فِي فنونٍ شتّى وخطّها حَسنٌ منوّرٌ مضبوطٌ وصارَ لَهَا هِمَّةٌ فِي جمع الكتب فجَمعت كتبًا كثيرةً فِي سائر الفنون ولها محبّةٌ فِي الحديث وأهلِه فسَمِعت كثيرًا منَ المسلسلات وقرأت شَيئًا من كتب الحديث وأجازها جمعٌ منَ العلماء واشتهَرت فِي مِصرِها وفِي عصرِها وكاتَبها الأفاضلُ منَ الآفاق وكاتبتْهُمْ بأبلغ عباراتٍ وأعظم مدح ثمَّ حَجَّتْ وزَارتْ ورَجعتْ إلى مكّةَ المشرّفة وأقامَت بها فِي باب الزّيادة فِي بيتٍ ملاصقٍ للمَسجد الحرَام ترَى منهُ الكعبةَ المشرّفة وعزَمت على الإقامة فيها إلى الممات فتردَّد إليها غالبُ علماء مكّةَ المشرّفة وسمِعوا مِنها وأسمَعوها وأَجَازَتْهُمْ وأجازُوها خُصوصًا قَمَرَيْها النَّيّرَين العلامةُ الورعُ الزّاهدُ الثَّبْتُ القدوةُ شيخُ الإسلام الشيخُ عُمر عبد الرسول الحنفِي والعلامةُ الحجةُ الورعُ العمدةُ الشيخُ محمد صالح الرّيس مُفْتِي الشافعيّة فإنهما كانا كَثِيرَي التَّرَدُّد إليها والسّماع منها من وراء ستارةٍ ويَريان أنهما يستفيدان منها وهِيَ تَرَى كذلكَ كما أخبرني بذلكَ تلامذتُها منهُم الشّيخُ محمّدُ بنُ خضر البصريُّ قالَ وكانَت هذه حالهما مع بعضِهما فإنَّ الشّيخَ عمر كانَ يُسابِقني إلى حمل مداس الشيخ محمّد صالح وتقديمِها لهُ من غير أن يَعلمَ والشّيخُ محمد صالح يقولُ: يا ليتَني شعرةً فِي جسد الشّيخ عمر فصارَ للشّيخة المذكورة شهرةٌ عظيمةٌ وصيتٌ بالغٌ وأسندَتْ كثيرًا منَ المسلسلات وأخذَت الطّريقةَ النقشبنديّةَ والقادريَة وكانَ لها أورادٌ وأحزابٌ ومَشربٌ رَوِيٌّ فِي التّصوف وأرشدَتْ خَلقًا منَ النّاس سيّما النّساء فقَد لازمْنَهَا مُلازمةً كلّيّةً وانتفَعْنَ بها انتفاعًا ظاهرًا وصَلحتْ أحوالُ كثيرٍ منهنَّ وصارَ مَن يتردّدُ إليها منهنَّ يُعرفُ من بين النّساء بالدّين والتّقوَى والوَرع والمواظبة على فرائض الدّين والقناعة والصّبر وحسن السّلوك.

واتّفقَ لها كَرامةٌ ظاهرةٌ باهرةٌ لا يمكن ادّعاؤُها وهِيَ أنهُ كُفَّ بَصرُها فِي ءاخِر عُمرها فبَقيَتْ على ذلكَ نحوَ سنتين أو أكثرَ وكانت بعضُ النّساء الصّالحات تخدِمها محبّةً فيها وتبرّكًا بها فعَرضَ لها شغلٌ فِي بعض الليالي عندَ زوجِها وأولادِها فاستأذنت الشّيخةَ فِي المبيت عند زوجها وأولادها فاستأذنت الشيخة في المبيت عندهم تلك الليلة فأذِنت لها فقامَت الشّيخةُ تلك الليلة للتهجّد على العادة ولَم يكنْ لها خَبرٌ بالدَّرجة فتوضّأتْ وزَلِفتْ رِجْلُهَا فسَقطتْ وانكسرَ ضِلَعَان من أضلاعِها فَعَصَبَتْهُما وصَلَّتْ راتِبَها بغاية التكلّف والمشقّة ثمَّ غَفَتْ فرأت النبيّ  ومعَهُ أبو بكرٍ وعمرُ رَضِيَ الله عنهُما مُقْبِلِين من نحو الكعبة قالتْ فأخذَ النبيّ  مِن رِيقِه الشّريف بطرف ردائه وقال امْسَحِي عينَيك فَمَسَحَتْهُما فأبصرَتْ فِي الحال ثم مَسحتْ على الكسر فَبَرَأَ فِي الحال فقالَ: يا فاطمةُ من غير استئذانٍ فقلتُ: يا سيّدي يا رسولَ الله إنَّ الحدثَ الأصغرَ يندرجُ فِي الأكبر وأنتَ قد أذِنْتَ فِي البَصر وهو أعظمُ فتبسَّم  وقالَ عمرُ عبد الرسول ومحمد صالح الريس فِي مكانهما كأبي بكرٍ وعمرَ فِي زمانِهما وفلان وفلان عندَ الناس منَ العلماء وهما عندَ الله منَ الفسّاق.اهـ. فلمَّا أصبحَتْ وأتى النّساءُ إليها على العادة وَجَدْنَهَا مُبصِرةً وقَصَّتْ عليهِم الرّؤيا وأتى الشّيخان المذكوران فأخبرَتهما فبَكيا وَبَكَتْ وسألاها أن لا تخبرَ بأسمائِهما فقالَت: لا أكتم ذلكَ وهوَ بإشارة النبيّ  فناشَداها اللهَ فِي ذلكَ فقالَت: لكُما عليَّ ذلكَ إلى قُرْب وَفَاتي أو مَوْتِكُمَا قَبْلِي فَقَدَّرَ اللهُ وفاتَهما قبلَها فأخبرَتْ بأنهما الممدوحان وأما المذمومان فلَم تُخبِر أحدًا؛ بل يقالُ: إنها أرسلَت إليهما وأخبرَتهما ونصحَتهما ولم يُعْلَم مَنْ هما إلى الآنَ إلا بالظّنّ والتّخمين واللهُ العالـمُ بالسّرائر والضّمائر، واشتهَرتْ هذه الرّؤيا وتناقلَتها الرّكبان وكاتَبَها علماءُ الشّام والغرب بأنْ تكتُبَ لهم هذه الواقعةَ بخطّها ورأيتُ كتُبهم البليغةَ بطلب ذلكَ.اهـ. إلى أنْ قالَ وأما النّساءُ فاعتقادُهُنَّ فيها فوق الحدّ وانتفاعُهُن
 بها لا يُحْصَى بالعدّ حتى إنَّ مَنْ صحِبها منَ النّساء إلى اليوم يُعرَفنَ بالتّفقه والصّلاح والعبادة والحرص على الخير والقناعة والورع وبالجملة فقد كانَت مِن عجائب الزّمان جمالًا للوَقت وفَخرًا للنّساء ووَقفتْ كُتُبَهَا جميعَها على طلبة العلم منَ الحنابلة وجعلت النّاظرَ عليها بَلَدِيَّها التقيَّ الصّالحَ شيخَنا الشّيخَ محمدًا الهديبيَّ فكانَت عندَه إلى أنْ أرادَ النُّقْلَةَ إلى المدينة… إلخ. وذكرَ أنّها توفّيَت سنةَ ألفٍ ومائتين وسبع وأربعينَ ودُفنَت فِي الـمُعلَّاة فِي شعبة النّور لَصِيقَةً لقبر الشّيخ محمّد صالح الريس بوصيةٍ منها رحمَهُم اللهُ تعالى. انتهَىَ.

والله تعالى أعلم.