الجمعة مايو 9, 2025

قصة حنين جذع النخلة لفراق النبي صلى الله عليه وسلم
إن معجزة حنين الجذع الخشبي إلى النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم خبرها متواتر يفيد العلم القطعيّ كما قال العلماء، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما :” كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع فلما اتخذ المنبر تحوّل إليه فحنّ الجذع فأتاه فمسح يده عليه” رواه البخاري والبيهقي. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة فقالت امرأةٌ من الأنصار أو رجلٌ : يا رسول الله ألا نجعل لك منبرًا ؟ قال:” إن شئتم”، فجعلوا له منبرًا، فلما كان يوم الجمعة رُفع إلى المنبر، فصاحت النخلة صياح الصبيّ ثم نزل النبيّ صلى الله عليه وسلم فضمّها إليه تئنُّ أنين الصبي الذي يسكنُ، رواه البخاري. اي أن الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم نزل من منبره فالتزمه أي ضمّه واعتنقه حتى سكت.
ومن الروايات الواردة في معجزة حنين الجذع لرسول الله صلى الله عليه وسلم حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وفيه:” والذي نفسي بيده لو لم ألتزمه لما زال هكذا إلى يوم القيامة حُزنًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمر به فدُفن” أخرجه أبو عوانة وابن خزيمة.
وفي حديث الحسن البصري عن أنس إذا حدّث بهذا الحديث يقول: يا معشر المسلمين الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم شوقاً إلى لقائه فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه .
وفي رواية ايضًا لمعجزة الجذع شوقًا للنبيّ صلى الله عليه وسلم من حديث بريدة عند الدارمي أن النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم قال للجذع عندما ضمه واعتنقه بعد صياحه وحنينه :” اختر أن أَغْرسك في المكان الذي كنت فيه فتكون كما كنت_ يعني قبل أن تصير جذعًا_ وإن شئت أغرسك في الجنة فتشرب من أنهارها فيحسُن نبْتك وتثمر فيأكل منك أولياء الله, فقال النبي صلى الله عليه وسلم اختار أن أغرسه في الجنة”.
فهذا الجذع الذي حنّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، الله تبارك وتعالى خلق فيه الإدراك والمحبة والشوق لرسول الله صلى الله عليه وسلم سيد العالمين، فحنّ من شدة الشوق .
وفي إحدى روايات هذا الحديث:” خَارَ ذلك الجذع كخُوارِ الثّور”، وفي رواية أيضًا أنه تصدّع وانشقّ من شدة شوقه للنبي الأعظم صلى الله عليه وسلم وكان هذا الجذع الخشبيّ في قبلة المسجد.
وحديث حنين الجذع للنبيّ صلى الله عليه وسلم ثابت متواترٌ عند علماء الحديث، وهذه المعجزة من أعجب المعجزات التي يؤيد الله تبارك وتعالى بها أنبياءه لتدلّ على صدقهم فيما جاؤوا به من عند الله تعالى، ويصح أن نقول إن معجزة الجذع لنبينا عليه الصلاة والسلام أعجب من معجزة إحياء الموتى التي حصلت للمسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام، لأن إحياء الموتى يتضمن رجوع هؤلاء الأشخاص إلى مثل ما كانوا عليه قبل أن يموتوا ، وأما الجذع الخشبيّ حنّ للنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم فهو من الجماد الذي لم يكن من عادته أن يتكلم بإرادة فهو أعجبُ، وبذلك تكون معجزة حنين الجذع الخشبي للنبيّ المصطفى عليه الصلاة والسلام من أعجب وأظهر المعجزات.
وقد نقل ابن أبي حاتم في كتاب “مناقب الشافعي” عن أبيه عن عمر ابن سواد عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال: ما أعطى الله نبيًا ما أعطى محمدًا ، قلت: أعطى عيسى إحياء الموتى، قال( أي الشافعي) : أعطيَ محمدٌ حنين الجذع حتى سُمع صوته ، فهذا أكبر من ذلك.
فائدة: قال الإمام البيهقي رضي الله عنه: قصة حنين الجذع من الأمور الظاهرة التي حملها الخلف عن السلف، وفي الحديث دلالة على أن الجمادات قد يخلق الله لها إدراكًا كالحيوان بل كأشرف الحيوان وفيه تأييد لقول من يحمِل قوله تعالى:” وإن من شىءٍ إلاّ يُسبّحُ بحمده(44) على ظاهره.
وأنشد لسان الحال:
ويح قوم جَفَوا نبياً بأرض — ألِفته ضِبابها والظباء
وسلوهُ وحنّ جـذع إليه — وقَلَوه وَوَدَّه الغربـــاء
أخرجوه منها وأواهُ غار— وَحَمته حَمامة وَرقَاء
صلى عليك الله يا علم الهدى ما هبّت النسائم وما ناحت على الأيكِ الحمائم