غزوة حنينٍ (2)
وكان عليه الصلاة والسلام على بغلته الشهباء واسمها “دُلدُلُ” يقودها أبو سفيان بن الحارث والعباس عمُّ النبيّ.
وقد قال العلماء: إن ركوبه r البغلة في موطن الحرب وعند اشتداد الناس هو النهاية في الشجاعة والثبات ولأنه يكون معتمدًا يرجع المسلمون إليه وتطمئنُّ قلوبهم به وبمكانه وإنما فعل هذا عمدًا وإلا فقد كانت له r أفراسٌ معروفة.
فصار رسول الله r يقول: ” أيها الناس أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله” وأمر العباس وكان جهير الصوت أن ينادي : “يا معشر الأنصار، يا معشر المهاجرين، يام معشر الخزرج”، فلما سمعوا الصوت أجابوا: “لبيك، لبيك” فلما ذهبوا ليرجعوا كان الرجل منهم لا يستطيع أن ينفذ ببعيره لكثرة الأعراب المنهزمين فكان يأخذ سيفه ودرعه ويقتحم عن بعيره ويخلي سبيله ويكرُّ راجعًا على قدميه إلى رسول الله، حتى إذا اجتمع حواليه r مائة رجلٍ أو نحوهم استقبلوا هوازن بالضرب.
واشتدت الحرب، وكثر الطعن والجلاد، فقام رسول الله r في ركائبه فنظر إلى مجتلد القوم (أي مكان جلادهم وعراكهم) فقال: “الآن حمي الوطيس”. ونزل عن بغلته وجعل يقول: “أنا النبيُّ لا كذب، أنا ابن عبد المطَّلب” فما رئي من الناس أشدُّ منه، وقد غشاه المشركون، وهذه نهاية الثبات والشجاعة والصبر.
وقد أخبرت الصحابة بشجاعته في جميع المواطن وأنهم كانوا يتقون به في الحرب.
وقد أراد النبيُّ بقوله: “أنا النبيُّ لا كذب أنا ابن عبد المطلب” تذكيرهم وتنبيههم بأنه لا بد من ظهوره على الأعداء وأن العاقبة له، لتقوى نفوسهم، وأعلمهم أيضًا بأنه ثابتٌ ملازمٌ للحرب، وعرّفهم موضعه ليرجع إليه الراجعون.
وقذف الله عزَّ وجلَّ في قلوب هوازن الرعب حين وصلوا إلى رسول الله r، وذلك أنّ رسول الله إذا واجههم وواجهوه صاح بهم صيحةً ورمي في وجوههم بالحصا وقال: “شاهت الوجوه، شاهت الوجوه” فلم تبق عينٌ إلا دخلها من ذلك فلم يملكوا أنفسهم وولّوا مدبرين وفي ذلك يقول الله عزّ وجلّ: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) [سورة الأنفال/17]
أسئلة: