قال القرطبيّ: «وكان الصرح صحنًا من زجاج تحته ماء وفيه الحيتان، عَمِلَهُ لَيُرِيَها مُلْكًا أعظمَ مِنْ مُلْكِهَا، قاله مجاهد([1])».اهـ.
والقول الصحيح الذي لا مِرْية فيه أن غرض سليمان عليه الصلاة والسلام من بنائه الصرح هو أن يريَها عظمة ملكه وسلطانه، وأن الله سبحانه وتعالى أعطاه من الملك ومن أسباب العُمْران والحضارة ما لم يُعْطِهِ لغيره، فضلًا عن النبوّة التي هي فوق الملك، والتي دونها أية نعمة، وحاشا لسليمان عليه السلام أن يتحايل مثل هذا التحايل حتى ينظر إلى ما حرّم الله عليه، وهما ساقاها، فهو نبيٌّ معصوم، ومقام الأنبياء أجلُّ من مثل هذه الرذائل والدنايا. ولولا أنها رأت من سليمان عليه السلام ما كان عليه من الدين المتين والخلق الرفيع، لَـمَا أذعنت إليه لـمَّا دعاها إلى الله الواحد الحقّ، ولَـمَا ندمت على ما فرط منها من عبادة الكواكب والشمس، وأسلمت مع سليمان لله ربّ العالمين: {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل: 44].
ويظلّ الميزان الشرعيّ هو الفيصل بين القصص الحقيقية والسليمة لأنبياء الله تعالى والقصص المفتراة عليهم، إذ بالعلم يتبيّن ما دُسَّ وكُذِبَ وما يليق بهم عليهم السلام. فحَذَارِ حَذَارِ أيها القارئ فقد شاع كثير من الحكايات الموضوعة في بعض كتب التفسير أو على ألسنة المنتمين إلى الوعظ والإفتاء فتراهم يخوضون في أوصاف الأنبياء عليهم السلام بما لا يليق ويتفكّهون في أعراضهم بما لا يرتضيه الواحد لنفسه فكيف لأنبياء الله الذين هم صفوة الخلق.
[1])) الجامع لأحكام القرآن، القرطبيّ، (13/208).