علي بن أبي طالب
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
رَابِعُ الـخُلَفَاءِ الرَّاشِدِيْنَ
تَرْجَمَتُهُ:
هُوَ سَيِّدُنَا أَبُوْ الـحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بْنِ عَبْدِ الـمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ابْنُ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ وَصِهْرُهُ وَأَبُوْ السِّبْطَيْنِ الـحَسَنِ وَالـحُسَيْنِ سَيِّدَيْ شَبَابِ أَهْلِ الـجَنَّةِ وَأَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الصِّبْيَانِ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ الدِّيْنِ وَمِنْ أَبْرَزِ الـمُجَاهِدِيْنَ وَالشُّجْعَانِ وَقُدْوَةٌ لِلْزَّاهِدِيْنَ وَمِنْ أَشْهَرِ الـخُطَبَاءِ وَالـمَفَوَّهِيْنَ وَالعُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ أُمُّهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ هَاشِمٍ وُلِدَ قَبْلَ البِعْثَةِ بِعَشْرِ سِنِيْنَ وَتَرَبَّى فِي حُجْرِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي بَيْتِهِ وَكَانَ يُلَقَّبُ حَيْدَرَةَ وَقِيْلَ إِنَّ أُمُّهُ هِيَ الَّتِي سَمَّتْهُ حَيْدَرَةَ.
وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ بِأَبِي تُرَابٍ فَإِنَّ رَسُوْلَ اللهِ هُوَ الَّذِي سَمَّاهُ أَبَا تُرَابٍ وَلِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ قِصَّةٌ وَهِيَ أَنَّ الرَّسُوْلَ دَخَلَ عَلَى فَاطِمَةَ فَسَأَلَهَا عَنْ عَلِيٍّ: “أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ”، قَالَتْ: هُوَ ذَاكَ مُضْطَجِعٌ فِي الـمَسْجِدِ فَجَاءَهُ رَسُوْلُ اللهِ فَوَجَدَهُ قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ ظَهْرِهِ فَجَعَلَ يَمْسَحُ التُّرَابَ عَنْ ظَهْرِهِ وَيَقُوْلُ: “اجْلِسْ أَبَا تُرَابٍ”، فَوَاللهِ مَا سَمَّاهُ بِهِ إِلَّا رَسُوْلُ اللهِ وَوَاللهِ مَا كَانَ لَهُ اسْمٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ فِي غَزْوَةِ العُشَيْرَةِ سَمَّاهُ الرَّسُوْلُ أَبَا تُرَابٍ وَكَانَ خَارِجَ الـمَسْجِدِ، وَقَالَ لَهُ: “قُمْ أَبَا تُرَابٍ، أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَشْقَى النَّاسِ أَحْمَرُ ثَمُوْدَ عَاقِرُ النَّاقَةِ، وَالَّذِي يَضْرِبُكَ عَلَى هَذَا، (يَعْنِي قَرْنَهُ) فَيُخْضَبُ هَذِهِ مِنْهَا (وَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ)”.
كَفَلَهُ النَّبِيُّ قَبْلَ أَنْ يُوْحَى إِلَيْهِ لِأَنَّ قُرَيْشًا أَصَابَتْهُمْ أَزْمَةٌ شَدِيْدَةٌ وَكَانَ أَبُوْ طَالِبٍ كَثِيْرَ العِيَالِ قَلِيْلَ الـمَالِ فَأَخَذَ الرَّسُوْلُ عَلِيًّا وَضَمَّهُ إِلَيْهِ وَأَخَذَ العَبَّاسُ جَعْفَرًا وَضَمَّهُ إِلَيْهِ تَخْفِيْفًا عَنْ أَبِي طَالِبٍ.
وَصْفُهُ:
كَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رَجُلًا رَبْعَةً أَمْيَلَ إِلَى القِصَرِ ءَادَمَ اللَّوْنِ عَرِيْضَ اللِّحْيَةِ أَبْيَضَهَا لَا يَخْضِبُهَا وَقَدْ خَضَبَهَا مَرَّةً بِالـحَنَّاءِ ثُمَّ تَرَكَهَا أَصْلَعَ عَلَى رَأْسِهِ غَيْبَاتٌ ضَخْمَ البَطْنِ ضَخْمَ مُشَاشَةِ الـمِنْكَبِ ضَخْمَ عَضَلَةِ الذِّرَاعِ دَقِيْقَ مُسَتَدَقِّهَا حَسَنَ الوَجْهِ ضَخْمَ عَضَلَةِ السَّاقِ دَقِيْقَ مُسْتَدَقِّهَا عَظِيْمَ العَيْنَيْنِ أَدْعَجَهُمَا وَرُؤِيَ عَلَى عَيْنَيْهِ أَثَرُ الكُحْلِ شَثَنَ الكَفَّيْنِ كَثِيْرَ الشَّعَرِ ضَحُوْكَ السِّنِّ مِنْ أَشْجَعِ الصَّحَابَةِ وَأَعْلَمِهِمْ قَضَاءً وَمِنْ أَزْهَدِهِمْ فِي الدُّنْيَا لَـمْ يَسْجُدْ لِصَنَمٍ قَطُّ إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ شَدِيْدَ السَّاعِدِ وَاليَدِ ثَبْتَ الـجَنَانِ مَا صَارَعَ أَحَدًا إِلَّا صَرَعَهُ شُجَاعًا مَنْصُوْرًا عَلَى مَنْ لَاقَاهُ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِضِرَارٍ الصَّدَائِيِّ: صِفْ لِي عَلِيًّا فَقَالَ: اعْفِنِي* قَالَ: لَتَصِفَنَّهُ. قَالَ: إِذْ لَا بُدَّ مِنْ وَصْفِهِ كَانَ وَاللهِ بَعِيْدَ الـمَدَى شَدِيْدَ القُوَى يَقُوْلُ فَصْلًا وَيَـحْكُمُ عَدْلًا يَتَفَجَّرُ العِلْمُ مِنْ جَوَانِبِهِ وَتَنْطِقُ الـحِكْمَةُ مِنْ نَوَاحِيْهِ يَسْتَوْحِشُ مِنَ الدُّنْيَا وَزُهْرَتِـهَا وَيَأْنَسُ إِلَى اللَّيْلِ وَوَحْشَتِهِ وَكَانَ غَزِيْرَ العَبْرَةِ طَوِيْلَ الفِكْرَةِ كَانَ فِيْنَا كَأَحَدِنَا يُـجِيْبُنَا إِذَا سَأَلْنَاهُ وَنَحْنُ مِنْ تَقْرِيْبِهِ إِيَّانَا وَقُرْبِهِ مِنَّا لَا نَكَادُ نُكَلِّمُهُ هَيْبَةً لَهُ يُعَظِّمُ أَهْلَ الدِّيْنِ وَيُقَرِّبُ الـمَسَاكِيْنَ وَلَا يَطْمَعُ القَوِيُّ فِي بَاطِلِهِ وَلَا يَيْأَسُ الضَّعِيْفُ مِنْ عَدْلِهِ وَأَشْهَدُ لَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ مَوَاقِفِهِ وَقَدْ أَرْخَى اللَّيْلُ سُدُوْلَهُ وَغَارَتْ نُجُوْمُهُ قَابِضًا عَلَى لِـحْيَتِهِ يَتَمَلْمَلُ تَـمَلْمُلَ السَّقِيْمِ وَيَبْكِي بُكَاءَ الـحَزِيْنِ وَيَقُوْلُ يَا دُنْيَا غُرِّي غَيْرِي إِلَيَّ تَعَرَّضْتِ أَمْ إِلَيَّ تَشَوَّفْتِ؟ هَيْهَاتَ قَدْ طَلَّقْتُكِ ثَلَاثًا لَا رَجْعَةَ فِيْهَا فَعُمُرُكِ قَصِيْرٌ وَخَطَرُكِ قَلِيْلٌ ءَاهٍ ءَاهٍ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ وَبُعْدِ السَّفَرِ وَوَحْشَةِ الطَّرِيْقِ فَبَكَى مُعَاوِيَةُ وَقَالَ: رَحِمَ اللهُ أَبَا الـحَسَنِ كَانَ وَاللهِ كَذَلِكَ فَكَيْفَ حُزْنُكَ عَلَيْهِ يَا ضِرَارُ قَالَ: حُزْنُ مَنْ ذُبِحَ وَاحِدُهَا فِي حُجْرِهَا.
لِبَاسُهُ:
عَنْ خَالِدِ بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا وَقَدْ لَحِقَ إِزَارُهُ بِرُكْبَتَيْهِ وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي الـهُذَيْلِ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا عَلَيْهِ قَمِيْصٌ رَازِيٌّ، إِذَا مَدَّ كُمَّهُ بَلَغَ الظُّفْرَ، فَإِذَا أَرْخَاهُ بَلَغَ نِصْفَ سَاعِدِهِ.
وَكَانَ يَلْبَسُ إِزَارًا مَرْفُوْعًا، فَقِيْلَ لَهُ، فَقَالَ: يُخَشِّعُ القَلْبَ وَيَقْتَدِي بِهِ الـمُؤْمِنُ، وَرُؤِيَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَعَلَيْهِ إِزَارٌ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ، وَرِدَاءٌ مُشَمَّرٌ قَرِيْبٌ مِنْهُ وَمَعَهُ دِرَّةٌ لَهُ يَمْشِي بِهَا فِي الأَسْوَاقِ وَيَأْمُرُهُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَحُسْنِ البَيْعِ وَيَقُوْلُ: أَوْفُوْا الكَيْلَ وَالـمِيْزَانَ، وَيَقُوْلُ: لَا تَنْفُخُوا اللَّحْمَ. وَكَانَ يَتَعَصَّبُ بِعِصَابَةٍ سَوْدَاءَ. وَيَلْبَسُ عِمَامَةٍ سَوْدَاءَ، وَقَبْلَهُ حَبِيْبُنَا مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. لَبِسَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ عِمَامَةً سَوْدَاءَ أَرْخَى عَذَبَتَهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ الشَّرِيْفَيْنِ.
وَكَانَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ، وَكَانَ نَقْشُ خَاتَمِهِ “مُحَمَّدٌ رَسُوْلُ اللهِ” وَنَقَشَ عَلَى خَاتَمِهِ أَيْضًا “لِلَّهِ الـمُلْكُ”.
زُهْدُهُ وَتَقَشُّفُهُ وَوَرَعُهُ:
رُوِيَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (أَنَّهُ) قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِعَلِيٍّ: “إِنَّ اللهَ قَدْ زَيَّنَكَ بِزِيْنَةٍ لَـمْ يُزَيِّنِ العِبَادَ بِزِيْنَةٍ أَحَبَّ مِنْهَا، هِيَ زِيْنَةُ الأَبْرَارِ عِنْدَ اللهِ، الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا. فَجَعَلَكَ لَا تَرْزَأُ مِنَ الدُّنْيَا [أَيْ لَا يُصِيْبُ مِنَ الدُّنْيَا] وَلَا تَرْزَأُ الدُّنْيَا مِنْكَ شَيْئًا، وَوَصَبَ لَكَ الـمَسَاكِيْنَ [أَيْ أَدَامَ لَكَ الـمَسَاكِيْنَ] فَجَعَلَكَ تَرْضَى بِـهِمْ أَتْبَاعًا وَيَرْضَوْنَ بِكَ إِمَامًا”.
وَجَاءَهُ ابْنُ التَّيَّاحِ فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ الـمُؤْمِنِيْنَ امْتَلَأَ بَيْتُ الـمَالِ مِنْ صَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ. فَقَالَ: اللهُ أَكْبَرُ فَقَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى ابْنِ التَّيَّاحِ حَتَّى قَامَ عَلَى بَيْتِ الـمَالِ وَهُوَ يَقُوْلُ: يَا صَفْرَاءُ وَيَا بَيْضَاءُ غُرِّي غَيْرِي هَاء هَاء، حَتَّى مَا بَقِيَ فِيْهِ دِيْنَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ. ثُمَّ أَمَرَ بِنَضْحِهِ وَصَلَّى فِيْهِ رَكْعَتَيْنِ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ دَخَلَ مَرَّةً بَيْتَ الـمَالِ فَرَأَى فِيْهِ شَيْئًا، فَقَالَ: لَا أَرَى هَذَا هُنَا وَبِالنَّاسِ حَاجَةٌ إِلَيْهِ، فَأَمَرَ بِهِ فَقُسِّمَ، وَأَمَرَ بِالبَيْتِ فَكُنِّسَ، وَنُضِحَ فَصَلَّى فِيْهِ أَوْ نَامَ فِيْهِ.
وَصَعِدَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَوْمًا الـمِنْبَرَ، وَقَالَ: مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي سَيْفِي هَذَا، فَلَوْ كَانَ عِنْدِي ثَمَنُ إِزَارٍ مَا بِعْتُهُ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ وَقَالَ: أُسْلِفُكَ ثَمَنَ إِزَارٍ.
وَاشْتَرَى مَرَّةً تَـمْرًا بِدِرْهَمٍ فَحَمَلَهُ فِي مِلْحَفَتِهِ فَقِيْلَ لَهُ: يَا أَمِيْرَ الـمُؤْمِنِيْنَ أَلَا نَحْمِلُهُ عَنْكَ فَقَالَ: أَبُوْ العِيَالِ أَحَقُّ بِحَمْلِهِ. وَعُوْتِبَ فِي لِبَاسِهِ، فَقَالَ: مَا لَكُمْ وَلِلِبَاسِي هَذَا هُوَ أَبْعَدُ مِنَ الكِبَرِ وَأَجْدَرُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ الـمُسْلِمُ.
كَرَامَاتُهُ:
عَنِ الأَصْبَغِ (أَنَّهُ) قَالَ: أَتَيْنَا مَعَ عَلِيٍّ فَمَرَرْنَا عَلَى قَبْرِ الـحُسَيْنِ فَقَالَ عَلِيٌّ: هَهُنَا مُنَاخُ رَكَائِبِهِمْ وَهَهُنَا مَوْضِعُ رِحَالِـهِمْ، وَهَهُنَا مِهْرَاقُ دِمَائِهِمْ، فِتْيَةٌ مِنْ ءَالِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ زَاذَانَ، أَنَّ عَلِيًّا حَدَّثَ حَدِيْثًا فَكَذَّبَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَدْعُوْ عَلَيْكَ إِنْ كُنْتُ صَادِقًا، قَالَ: نَعَمْ، فَدَعَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَنْصَرِفْ حَتَّى ذَهَبَ بَصَرُهُ.
عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (أَنَّهُ) قَالَ: بَعَثَنِي رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْعُوْ عَلِيًّا، فَأَتَيْتُ بَيْتَهُ فَنَادَيْتُهُ فَلَمْ يُجِبْنِي فَعُدْتُ فَأَخْبَرْتُ رَسُوْلَ اللهِ، فَقَالَ لِي: “عُدْ إِلَيْهِ ادْعُهُ”. قَالَ: فَعُدْتُ أُنَادِيْهِ فَسَمِعْتُ صَوْتَ رَحًى تَطْحَنُ، فَشَارَفْتُ فَإِذَا الرَّحَى تَطْحَنُ وَلَيْسَ مَعَهَا أَحَدٌ، فَنَادَيْتُهُ فَخَرَجَ إِلَيَّ مُنْشَرِحًا، فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ يَدْعُوْكَ. فَجَاءَ ثُمَّ لَـمْ أَزَلْ أَنْظُرُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ وَيَنْظُرُ إِلَيَّ. ثُمَّ قَالَ: “يَا أَبَا ذَرٍّ مَا شَأْنُكَ”، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ عَجِيْبٌ مِنَ العَجَبِ، رَأَيْتُ رَحًى تَطْحَنُ فِي بَيْتِ عَلِيٍّ َوَلَيْسَ مَعَهَا أَحَدٌ يَرْحَى.
وَمَرَّةً عُرِضَ لِعَلِيًّ رَجُلَانِ فِي الـخُصُوْمَةِ فَجَلَسَ فِي أَصْلِ جِدَارٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَمِيْرَ الـمُؤْمِنِيْنَ، الجُدُرُ تَقَعُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: امْضِ كَفَى بِاللهِ حَارِسًا. فَقَضَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ وَقَامَ فَسَقَطَ الـجِدَارُ.
لَقَدْ وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: “أَقْضَى أُمَّتِي عَلِيٌّ”، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الـخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (أَنَّهُ) قَالَ: أَقْضَانَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (أَنَّهُ) قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ أَقْضَى أَهْلِ الـمَدِيْنَةِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَعَنْ قُوَّتِهِ وَإِصَابَتِهِ فِي القَضَاءِ قِصَّةٌ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِيْهَا أَنَّهُ: لَـمَّا بَعَثَهُ رَسُوْلُ اللهِ إِلَى اليَمَنِ، وَجَدَ أَرْبَعَةً وَقَعُوْا فِي حُفْرَةٍ يَصْطَادُ فِيْهَا الأَسَدُ، سَقَطَ أَوَّلًا رَجُلٌ فَتَعَلَّقَ بِآخَرَ، وَتَعَلَّقَ الآخَرُ بِآخَرَ حَتَّى تَسَاقَطَ الأَرْبَعَةُ فَخَرَجَ الأَسَدُ وَمَاتُوْا مِنْ جِرَاحَتِهِ، فَتَنَازَعَ أَوْلِيَاؤُهُمْ حَتَّى كَادُوْا أَنْ يَقْتَتِلُوْا، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ، فَإِنْ رَضِيْتُمْ فَهُوَ القَضَاءُ، وَإِلَّا حَجَزْتُ بَعْضَكُمْ عَنْ بَعْضٍ حَتَّى تَأْتُوْا رَسُوْلَ اللهِ لِيَقْضِيَ بَيْنَكُمْ. اجْمَعُوْا مِنَ القَبَائِلِ الَّتِي حَفَرُوْا البِئْرَ رُبْعَ الدِّيَةِ وَثُلَثَهَا وَنِصْفَهَا وَكَامِلَهَا، فَلِلْأَوَّلِ رُبْعُ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ فَوْقَهُ، وَلِلَّذِي يَلِيْهِ ثُلَثُهَا لِأَنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ فَوْقَهُ، وَلِلْثَّالِثِ النِّصْفُ لِأَنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ فَوْقَهُ، وَلِلْرَّابِعِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، فَأَبَوْا أَنْ يَرْضَوْا فَأَتَوْا رَسُوْلَ اللهِ فَلَقَوْهُ عِنْدَ مَقَامِ إِبْرَاهِيْمَ فَقَصُّوْا عَلَيْهِ القِصَّةَ، فَقَالَ: أَنَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: إِنَّ عَلِيًّا قَضَى بَيْنَنَا، فَلَمَّا قَصُّوْا عَلَيْهِ القِصَّةَ أَجَازَهُ.
وَرُوِيَ عَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّهُ قَضَى بَيْنَ اثْنَيْنِ يَتَغَدَّيَانِ، وَمَعَ أَحَدِهِمَا خَمْسَةُ أَرْغِفَةٍ، وَالآخَرُ ثَلَاثَةُ أَرْغِفَةٍ، وَجَلَسَ إِلَيْهِمَا ثَالِثٌ وَاسْتَأْذَنَهُمَا فِي أَنْ يُصِيْبَ مِنْ طَعَامِهِمَا فَأَذِنَا لَهُ، فَأَكَلُوْا عَلَى السَّوَاء، ثُمَّ أَلْقَى إِلَيْهِمَا ثَمَانِيَةَ دَرَاهِمَ وَقَالَ: هَذَا عِوَضُ مَا أَكَلْتُ مِنْ طَعَامِكُمَا، فَتَنَازَعَا فِي قِسْمَتِهَا فَقَالَ صَاحِبُ الـخَمْسَةِ: لِي خَمْسَةٌ وَلَكَ ثَلَاثَةٌ، وَقَالَ صَاحِبُ الثَّلَاثَةِ: بَلْ نَقْسِمُهَا عَلَى السَّوَاءِ، فَتَرَافَعَا إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. فَقَالَ لِصَاحِبِ الثَّلَاثَةِ: اقْبَلْ مِنْ صَاحِبِكَ مَا عَرَضَ عَلَيْكَ، فَأَبَى وَقَالَ: مَا أُرِيْدُ إِلَّا مرَّ الـحَقِّ. فَقَالَ عَلِيٌّ: لَكَ فِي مرِّ الـحَقِّ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ وَلَهُ سَبْعَةٌ. قَالَ: وَكَيْفَ ذَاكَ يَا أَمِيْرَ الـمُؤْمِنِيْنَ؟ قَالَ: لِأَنَّ الثَّمَانِيَةَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُوْنَ ثُلُثًا، لِصَاحِبِ الـخَمْسَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَكَ تِسْعَةٌ، وَقَدِ اسْتَوَيْتُمْ فِي الأَكْلِ، فَأَكَلْتَ ثَمَانِيَةً وَبَقِيَ لَكَ وَاحِدٌ، وَأَكَلَ صَاحِبُكَ ثَمَانِيَةً وَبَقِيَ لَهُ سَبْعَةٌ، وَأَكَلَ الثَّالِثُ ثَمَانِيَةً، سَبْعَةٌ لِصَاحِبِكَ وَوَاحِدٌ لَكَ، قَالَ: قَدْ رَضِيْتُ الآنَ.
الأَحَادِيْثُ الوَارِدَةُ فِي فَضْلِهِ:
رَوَى أَحْمَدُ وَالـحَاكِمُ وَغَيْرُهُمَا: أَنَّ الرَّسُوْلَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “مَنْ سَبَّ عَلِيًّا فَقَدْ سَبَّنِي، وَمَنْ سَبَّنِي فَقَدْ سَبَّ اللهَ” فَالَّذِي يَسُبُّ عَلِيًّا وَيُبْغِضُهُ وَلَا يُحِبُّهُ يَكُوْنُ فَاسِقًا وَهَذَا تَحْذِيْرٌ مِنْ سَبِّ عَلِيٍّ. وَمَعْنَى “فَقَدْ سَبَّنِي”: كَأَنَّهُ سَبَّنِي.
وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ أَنَّ سَيِّدَنَا عَلِيًّا قَالَ: إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الأُمِيِّ إِلَيَّ أَنْ لَا يُحِبُّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُنِي إِلَّا مُنَافِقٌ. فَإِذَا كَانَ سِبَابُ الـمُسْلِمِ فُسُوْقًا فَكَيْفَ بِمَنْ يَسُبُّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَفِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ مَا نَصُّهُ: عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيْهِ (أَنَّهُ) قَالَ: أَمَرَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ سَعْدًا فَقَالَ: مَا يَـمْنَعُكَ أَنْ تَسُبَّ أَبَا تُرَابٍ؟، فَقَالَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتُ ثَلَاثًا قَالَهُنَّ لَهُ رَسُوْلُ اللهِ فَلَنْ أَسُبَّهُ، لَأَنْ يَكُوْنَ لِي وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ حُمَرِ النِّعَمِ، سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ يَقُوْلُ لَهُ حِيْنَ خَلَّفَهُ فِي بَعْضِ مَغَازِيْهِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: يَا رَسُوْلَ اللهِ خَلَّفْتَنِي مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟، فَقَالَ لَهُ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُوْنَ مِنِّي بِـمَنْزِلَةِ هَارُوْنَ مِنْ مُوْسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نُبُوَّةَ بَعْدِي“، وَسَمِعْتُهُ يَوْمَ خَيْبَرَ يَقُوْلُ: “لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُوْلَهُ وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُوْلُهُ”، قَالَ فَتَطَاوَلْنَا لَـهَا فَقَالَ: “ادْعُ لِي عَلِيًا”، فَأَتَى بِهِ أَرْمَدَ فَبَصَقَ فِي عَيْنِهِ وَدَفَعَ الرَّايَةَ لَه،ُ فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ. وَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} (سُوْرَةُ ءَالِ عِمْرَانَ/الآيَةُ:61) دَعَا رَسُوْلُ اللهِ عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا فَقَالَ: “اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي” وَرَوَاهُ أَيْضًا النَّسَائِيُّ.
وَرَوَى الـحَاكِمُ رَحِمَهُ اللهُ فِي الـمُسْتَدْرَكِ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ إِيَاسٍ الضَّبِّيِّ عَنْ أَبِيْهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ عَلِيٍّ يَوْمَ الـجَمَلِ، فَبَعَثَ إِلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ أَنْ الْقِنِي، فَأَتَاهُ طَلْحَةُ فَقَالَ: نَشَدْتُكَ اللهَ هَلْ سَمِعْتَ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُوْلُ: “مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ” قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَلِمَ تُقَاتِلُنِي؟، قَالَ: لَـمْ أَذْكُرْ، قَالَ فَانْصَرَفَ طَلْحَةُ. ثُمَّ قَتَلَهُ مَرْوَانُ بْنُ الـحَكَمِ وَهُوَ مُنْصَرِفٌ.
قَالَ أَبُوْ عُمَرَ بْنُ عَبْدِ البَرِّ: “لَا يَخْتَلِفُ العُلَمَاءُ وَالثِّقَاتُ فِي أَنَّ مَرْوَانَ قَتَلَ طَلْحَةَ”. وَيَكْفِيْهِ فَضْلًا أَيْضًا حَدِيْثُ: “أَنَا مَدِيْنَةُ العِلْمِ وَعَلِيٌّ بَابُهَا” وَأَيْضًا شَرَفًا أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الصِّبْيَانِ، وَفَضْلًا أَنَّهُ نَزَلَ قَبْرَ الرَّسُوْلِ لَمَّا مَاتَ الرَّسُوْلِ لِيُوَارِيْهِ وَشَارَكَ فِي غَسْلِهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الـمَنَاقِبِ وَالفَضَائِلِ وَالصِّفَاتِ الـحَمِيْدَةِ، وَالأَخْلَاقِ الـحَسَنَةِ، وَأَنَّهُ مُبَشَّرٌ بِالـجَنَّةِ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ(صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
شَجَاعَتُهُ فِي الـجِهَادِ:
شَهِدَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الغَزَوَاتِ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ، فَكَانَ لَهُ فِيْهَا شَأْنٌ عَظِيْمٌ، وَأَظْهَرَ شَجَاعَةً عَجِيْبَةً، وَأَعْطَاهُ الرَّسُوْلُ اللِّوَاءَ فِي مَوَاطِنَ كَثِيْرَةٍ، فَلَمَّا غَزَا رَسُوْلُ اللهِ كُزز بْنَ جَابِرٍ الفِهْرِي (غَزْوَةَ بَدْرٍ الأُوْلَى)، أَعْطَاهُ لِوَاءَهُ الأَبْيَضَ، وَفِي غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى، كَانَ أَمَامَ رَسُوْلِ اللهِ رَايَتَانِ سَوْدَاوَانِ، إِحْدَاهُمَا مَعَ عَلِيٍّ يُقَالُ لَـهَا العُقَابُ، وَالأُخْرَى مَعَ بَعْضِ الأَنْصَارِ، وَأَمَرَهُ رَسُوْلُ اللهِ أَنْ يُبَارِزَ فِي هَذِهِ الغَزْوَةِ الوَلِيْدَ بْنَ عُتْبَةَ، فَبَارَزَهُ عَلِيٌّ وَقَتَلَهُ.
وَفِي غَزْوَةِ أُحُدٍ قَتَلَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ ثَلَاثَةً مِنْ أَصْحَابِ الأَلْوِيَةِ وَرُءُوْسًا كَبِيْرَةً عُرِفَتْ بِعَدَائِهَا لِلْإِسْلَامِ وَكَانَ وَقْتَهَا فِي عُنْفُوَانِ شَبَابِهِ مُمْتَلِئًا قُوَّةً وَنَشَاطًا وَإِيْمَانًا.
وَفِي غَزْوَةِ الخَنْدَقِ لَمَّا أَقْحَمَ بَعْضُ الـمُشْرِكِيْنَ خَيْلَهُمْ وَأَقْبَلَتِ الفُرْسَانُ تَعْنِقُ نَحْوَهُمْ، وَمِنْهُمْ عَمْرُوْ بْنُ عَبْدِ وُدٍّ العَامِرِيُّ، وَكَانَ مِنْ أَقْوِيَاءِ العَرَبِ الـمَشْهُوْرِيْنَ وَكَانَ وَقْتَئِذٍ كَبِيْرَ السِّنِّ، فَلَمَّا وَقَفَ هُوَ وَخَيْلُهُ، قَالَ لَهُ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ: أَدْعُوْكَ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُوْلِهِ وَإِلَى الإِسْلَامِ، قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي بِذَلِكَ. فَقَالَ: فَإِنِّي أَدْعُوْكَ إِلَى النِّزَالِ، قَالَ: وَلِـمَ يَا ابْنَ أَخِي فَوَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَكَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَلَكِنِّي وَاللهِ أُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَكَ، فَحَمِيَ عَمْرٌو عِنْدَ ذَلِكَ، فَاقْتَحَمَ عَنْ فَرَسِهِ فَعَقَرَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ فَتَنَازَلَا وَتَجَادَلَا فَقَتَلَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَخَرَجَتْ خَيْلُهُ مُنْهَزِمَةً، وَهَذِهِ شَجَاعَةٌ نَادِرَةٌ مِنْ أَبِي الـحَسَنِ.
وَفِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ مَعْرُوْفٌ عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ قَتْلُهُ لِمَرْحَبٍ زَعِيْمٍ حَرْبِيٍّ مِنْ زُعَمَاءِ اليَهُوْدِ، ضَرَبَهُ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ عَلَى هَامَتِهِ، حَتَّى عَضَّ السَّيْفَ مِنْهَا بِأَضْرَاسِهِ، وَسَمِعَ أَهْلُ الـمُعَسْكَرِ ضَرْبَتَهُ، ثُمَّ لَمَّا وَقَعَ التُّرْسُ مِنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ أَخَذَ بَابًا عِنْدَ الـحُصْنِ فَتَتَرَّسَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَمْ يَزَلْ فِي يَدِهِ وَهُوَ مُقَاتِلٌ حَتَّى فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَلْقَاهُ مِنْ يَدِهِ حِيْنَ فَرَغَ، وَكَانَ ذَاكَ البَابُ يَحْتَاجُ لِثَمَانِيَةِ رِجَالٍ حَتَّى يَقْلِبُوْهُ لَيْسَ لِـحَمْلِهِ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُوْ رَافِعٍ مَوْلَى رَسُوْلِ اللهِ(صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
وَسَيِّدُنَا عَلِيٌّ هُوَ الَّذِي قَتَلَ الـحُوَيْرِثَ بْنَ نَقِيْدٍ الَّذِي أَهْدَرَ دَمَهُ رَسُوْلُ اللهِ وَكَانَ يَهْجُوْ رَسُوْلَ اللهِ، وَيُكْثِرُ أَذَاهُ وَهُوَ بِمَكَّةَ.
وَفِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ كَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ثَابِتًا مَعَ مَنْ ثَبَتَ مِنَ الـمُسْلِمِيْنَ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ كَمَا ثَبَتَ فِي أُحُدٍ وَغَيْرِهَا وَكُلَّمَا رَاجَعْنَا السِّيَرَ وَالغَزَوَاتِ وَجَدْنَا اسْمَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَأْلَاءً مُضِيْئًا قَضَى عُمَرَهُ مُجَاهِدًا مُدَافِعًا عَنْ دِيْنِ اللهِ. يَفْتَحُ الـحُصُوْنَ الـمُسْتَعْصِيَةِ وَيَهْدِمُ الأَصْنَامَ إِعْلَاءً لِكَلِمَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
مِنْ أَقْوَالِهِ:
مَا أَكْثَرَ العِبَرَ وَأَقَلَّ الاعْتِبَارَ، وَمَا زَنَى غَيُّوْرٌ قَطُّ. مَا أَحْسَنَ تَوَاضُعَ الأَغْنِيَاءِ طَلَبًا لِـمَا عِنْدَ اللهِ، وَأَحْسَنَ مِنْهُ تِيْهُ الفُقَرَاءِ عَلَى الأَغْنِيَاءِ اتِّكَالًا عَلَى اللهِ سُبْحَانَهُ.
كَفَاكَ أَدَبًا لِنَفْسِكَ اجْتِنَابُ مَا تَكْرَهُهُ مِنْ غَيْرِكَ. مَنْ نَظَرَ فِي عُيُوْبِ غَيْرِهِ فَأَنْكَرَهَا ثُمَّ رَضِيَهَا لِنَفْسِهِ فَذَلِكَ هُوَ الأَحْمَقُ بِعَيْنِهِ. لَا تَظُنَّنَ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَحَدٍ سَوَاءًا وَأَنْتَ تَجِدُ لَـهَا فِي الخَيْرِ مَحْمَلًا.
وَفَاتُهُ:
تُوُفِّيَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ شَهِيْدًا سَعِيْدًا مُبَشَّرًا بِالـجَنَّةِ وَنَعِيْمِهَا، وَعُمَرُهُ سِتُّوْنَ سَنَةً وَكَانَتْ خِلَافُتُهُ أَرْبَعُ سَنَوَاتٍ وَتِسْعَةُ شُهُوْرٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَكَرَّمَ وَجْهَهُ وَغَفَرَ لَنَا بِجَاهِهِ وَحَشَرَنَا مَعَهُ وَمَعَ الشُّهَدَاءِ وَالصِّدِّيْقِيْنَ وَالصَّالِـحِيْنَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيْقًا.