علاماتُ ومظاهرُ محبةِ النبي الأعظم ﷺ
اعلموا أنّ من أحبّ أحداً آثره، وآثر موافقته ومتابعته وإلا لم يكن صادقاً في حبه وكان مدعياً.
والصادق في حب النبي الأعظم ﷺ تظهر عليه علامات ذلك الحب الأسمى.
ومن علامات محبة النبي المصطفى ﷺ
أولاً: الاقتداء به ﷺ وتتبع سننه واتباع أقواله وأفعاله وامتثال أوامره واجتناب نواهيه والتأدب بآدابه في جميع الأحوال، وشاهد ذلك قوله تبارك وتعالى: { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } [سورة النساء/31].
وقال سبحانه وتعالى: { مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } [سورة النساء/80].
يقول العارف بالله الجنيد البغدادي رضي الله عنه وكان سيد الطائفة الصوفية في زمانه: الطريق إلى الله مسدود على خلق الله عزّ وجلّ إلا على المقتفين([1]) آثار رسول الله ﷺ والتابعين لسنته (أي لشريعته، العقيدة والأحكام) كما قال عز وجل: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً } [سورة الأحزاب /21].
يقول الرسول الأعظم ﷺ: “لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به” رواه البخاري. هذا الحديث الشريف معناه: أن المؤمن لا يكون كامل الإيمان حتى يصير ميل قلبه تابعاً للشرع الذي جاء به رسول الله ﷺ، فيصير مؤدياً للواجبات مجتنباً للمحرمات، وهذا هو المؤمن الكامل.
ويقول الإمام الصوفي العارف بالله ذو النون المصري رضي الله عنه: “من علامات المحب لله عز وجل متابعة حبيب الله ﷺ في أخلاقه وأفعاله وأوامره وسننه” ويقول الصوفي العارف بالله سهل التستري رضي الله عنه: “أصول مذهبنا (أي التصوف) ثلاثة: الاقتداء بالنبي ﷺ في الأخلاق والأفعال، والأكل من الحلال، وإخلاص النية في جميع الأعمال”.
ويقول الولي الصالح أبو الخير الأقطع رضي الله عنه: “ما بلغ أحد إلى حالة شريفة إلا بملازمة الموافقة ومعانقة الأدب وأداء الفرائض وصحبة الصالحين”.
ثانياً: ومن علامات محبته ﷺ إيثار ما شرعه ﷺ وما حضّ وحث عليه أمته على شهوة النفس وهواها. قال الله تبارك وتعالى: { وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ (9)} ([2]) [سورة الحشر].
ثالثاً: ومن علامات محبته ﷺ إسخاط العباد في رضا ومحبة الله ورسولهﷺ. يقول الرسول الأعظم ﷺ: “من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس (أي الخيار الأتقياء)، ومن أسخط الله برضى الناس سخط الله عليه وأسخط عليه الناس (أي الخيار الأتقياء) رواه ابن حبان وصححه.
واعلموا يا عشاق محمد ويا أحباب محمد النبي الأعظم أن لسان حال الصادق المحب لله تعالى ورسوله المصطفى ﷺ في جميع أحواله يقول:
إن صحّ منك الرضا يا من هو الطلب |
| فلا أبالي بكل الناس إن غضبوا |
رابعاً: ومن علامات محبة الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام كثرة ذكر المحب للنبي المصطفى ﷺ وكثرة الصلاة عليه، لأن من أحب شيئاً أكثر من ذكره في كثير أحواله.
يقول الرسول الأعظم ﷺ: “إنّ أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاة” رواه البيهقي.
ويقول عليه الصلاة والسلام: “البخيل من ذكرتُ عنده فلم يصلي علي” رواه الترمذي.
فأكثروا يا عشاق الحبيب محمد ويا أحباب محمد من الصلاة على الرسول المصطفى ﷺ فالصلاة عليه ترياق العارفين ولذة عباد الله الصالحين، وهي نعمة عظيمة من الله عز وجل على عباده المؤمنين، جعل الله تبارك وتعالى فيها الهناء والسرور، والفرح والحبور وتيسير الأمور، وهي سيرة مرضية تمحى بها الآثام والذنوب، وتنشرح بها الصدور، وتكشف بها الهموم وتنجلي بها الغموم، وتدفع بها العاهات وتقضى بها الحاجات، وترفع بها الدرجات، وتكفر بها الخطيئات والزلات، وتكثر بها الأرزاق، وهي وسيلة خير مباركة تنال بها بإذن الله تعالى شفاعة الرسول الأعظم ﷺ يوم القيامة.
خامساً: ومن علامات محبته ﷺ كثرة الشوق إلى لقائه وكثرة ذكره وتعظيمه ﷺ.
إنّ كلّ حبيبٍ يحنُّ للقاء محبوبه وحبيبه، وكما قال أحدهم:
إذا ذكر المحبوب عند حبيبه |
| ترنَّح نشوان وحنّ طروب |
إن المؤمن الكامل وعباد الله الصالحين قلوبهم عامرة وهائمة بحب الله تعالى وحب رسوله المصطفى ﷺ وهي تحن دائماً شوقاً للقاء حبيبهم محمد ﷺ ورؤيته.
إنّ من علامات محبة النبي الأعظم ﷺ مع كثرة ذكره، تعظيمه وتوقيره عند ذكره ﷺ وإظهار الخشوع والانكسار عند سماع اسمه ﷺ ، ولقد قيل إن أصحاب النبيل المصطفى ﷺ وكذلك كثير من التابعين كانوا بعد وفاة النبي المصطفى ﷺ إذا ذكروه خشعوا واقشعرت جلودهم وبكوا بكاء شديداً محبة وشوقاً إليه ﷺ ، ومنهم من كان يفعل ذلك تهيباً وتوقيراً، وكيف لا يكون ذلك منهم والرسول الأعظم ﷺ قد حوى وجمع جمال الصورة والظاهر وكمال الأخلاق وطهارة الباطن وله ﷺ فضل عظيم على أمته من حيث إحسانه وإنعامه عليهم من أوصاف وصفه الله تبارك وتعالى بها في القرآن الكريم. فما أعظم وأجلّ نبينا المصطفى ﷺ!!
يقول أحد العاشقين العارفين بعظيم جاه وقدر النبي الأعظم ﷺ
أرى كُلّ مدحٍ في النبي مقصّرا |
| وإن بالغ المثني عليه وأكثرا |
إذا الله أثنى في الكتاب المنزّل |
| عليه فما مقدار ما تمدح الورى |
سادساً: محبة من أحبه النبي الأعظم ﷺ
إنّ من علامات محبة النبي الأعظم ﷺ أن يحب المؤمن من أحبه النبي المصطفى ﷺ ومن هو بسببه من آل بيت النبي ﷺ وصحابته من المهاجرين والأنصار… وعداوة من عاداهم وبغض من أبغضهم وسبهم، لأن من أحب أحداً أحب من يحب، فعن معاذ أن رسول الله ﷺ أخذ بيده يوماً ثم قال: “يا معاذ والله إني لأحبك”. فقال: “أوصيك يا معاذ لا تدعنّ في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك”. رواه ابو داود.
محبة آل بيت النبي المصطفى ﷺ
إنّ من مظاهر وعلامات محبة النبي الأعظم ﷺ محبة من أحبه نبينا المصطفى ﷺ، ومن هؤلاء آل بيته ﷺ وهم أزواجه وأقرباؤه المؤمنون، فيجب محبة هؤلاء لما خصوا به من الفضل، يقول الله تبارك وتعالى: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً } [سورة الأحزاب/33].
ويقول الصحابي الجليل ابو بكر الصديق رضي الله عنه: “ارقبوا محمداً ﷺ في أهل بيته” أي راعوه واحترموه وأكرموه.
لقد خطب يوماً الحبيب المصطفى ﷺ فقال: “أما بعد: ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي أي عزرائيل عليه السلام فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين (أي شيئين عظيمين كبيري الشأن) أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به” فحث عليه الصلاة والسلام على التمسك بكتاب الله القرآن ورغب فيه ثم قال: “وأهل بيتي، أُذكّركم الله في أهل بيتي، أُذكّركم الله في أهل بيتي”. رواه مسلم.
وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: “تركت فيكم امرين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وعترتي أهل بيتي”.
ومعنى “عترتي” ذريتي…أي الحسن والحسين وذريتهما. أي اتبعوا القرآن الكريم وخيار أهل البيت، لأن خيار أهل البيت لا يضلون، وأهل البيت لا يزال فيهم صالحون إلى يوم القيامة، هؤلاء الأخيار من أهل البيت هم قدوة يقتدى بهم.
ويقول الرسول المصطفى ﷺ في الحسن والحسين رضي الله عنهما: “اللهم إني أحبهما فأحبهما” رواه البخاري وأحمد. وأخبر الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي المصطفى ﷺ التزم يوماً الحسن بن علي رضي الله عنه أي ضمه وقال: “اللهم إني أحبه فأحبه، وأحب من يحبه” قال ابو هريرة رضي الله عنه: فما كان أحد أحب إليّ من الحسن بن علي، بعدما قال رسول الله ﷺ ما قال، رواه البخاري.
وقال النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام في الحسن والحسين رضي الله عنهما: “من أحبّهما فقد أحبّني، ومن أحبني فقد أحبّ الله، ومن أبغضهما فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله”.
وكان الرسول المصطفى ﷺ يحبّ ويود ابنته السيدة الجليلة فاطمة الزهراء رضي الله عنها وكان يُكرمها في حياته وقال ﷺ في حقها رضي الله عنها: “إنها بضعة مني، يُغضبني ما أغضبها” رواه أبو نعيم في كتابه حلية الأولياء.
وقال عليه الصلاة والسلام لزوجته عائشة رضي الله عنها في حبه ومحبوبه أسامة بن زيد رضي الله عنهما: “يا عائشةُ أحبيه فإني أحبه” رواه ابن حبان.
وقال عليه الصلاة والسلام في ابن عمه الإمام علي بن ابي طالب رضي الله عنه: “إنه لا يحبُّ عليّاً إلا مؤمن ولا يبغضهُ إلا منافق” رواه مسلم.
فائدتـان:
1- بيان فضل السيدة الجليلة فاطمة الزهراء رضي الله عنها يوم القيامة.
عن الإمام علي عليه السلام قال: سمعت النبي ﷺ يقول: “إذا كان يوم القيامة نادى مُنادٍ من وراء الحجب يا أهل الجمع غضوا أبصاركم عن فاطمة بنت محمد ﷺ حتى تمر” رواه الحاكم في المستدرك. والمراد غير محارمها.
2- في مناجاة الإمام الجليل علي بن أبي طالب والد الحسن والحسين، وزوج السيدة الجليلة فاطمة الزهراء رضي الله عنهم.
يا أبا الحسنين علياً
أبا الحسنين مولانا علياً… عليك سلامُ رب العالمينا
يا من حبه إيمان وبغضه نفاق… عليك سلام رب العالمينا
يا أسد الله مولانا علياً… عليك سلامُ رب العالمينا
سابعاً: ومن علامات محبة الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام محبة صحابة النبي المصطفى ﷺ من المهاجرين والأنصار.
إن من مظاهر وعلامات محبة الرسول الأعظم ﷺ محبة صحابة رسول الله ﷺ.
ومعنى محبة الصحابة تعظيمهم عليهم السلام لأنهم أنصار دين الله تعالى، ولا سيما السابقون الأولون منهم من المهاجرين والأنصار. قال الله تبارك وتعالى: { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ (100)} [سورة التوبة].
وهؤلاء المذكورون في الآية – يا أحباب رسول الله- هم أولياء الصحابة، وسب أحدهم أعظم إثماً وأشد ذنباً من سب غيره. وأما سب الصحابة جملة كالذي يقول مستخفاً بهم: لا فضل لهم، أو أنهم لا يؤتمنون في نقل الشريعة فهذا – يا إخوتي- كفر وضلال، لأن الصحابة عليهم السلام هم نقلة الشريعة إلينا، ولأننا لم نعرف الشريعة إلا بواسطتهم، كما أن القرآن الكريم وصل إلينا عن طريقهم، وكذلك أمور الدين المنقولة عن الرسول المصطفى ﷺ كلها وصلت إلينا من طريقهم.
يقول النبي المصطفى ﷺ: “الله الله في أصحابي، الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضاً بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فبغضبي أبغضهم..” الحديث أخرجه أحمد في مسنده.
فهذا الحديث- يا أحباب رسول الله- محمولٌ على من سب صحابة رسول الله جملة فهذا والعياذ بالله يكون كافراً، ومحمول أيضاً على من سبّ بعضاً منهم بغير سبب شرعي فهذا يكون وقع في معصية كبيرة.
اعلموا أنه يجب محبة الصحابة وتعظيمهم من حيث الإجمال، وهذا من علامة حب النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام، وقد كان التابعي الجليل خالد ابن معدان رضي الله عنه عندما يأوي إلى فراشه يذكر من شوقه العظيم إلى رسول ﷺ الله وإلى أصحابه من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم يسميهم ويول: “هم أصلي وفصلي وإليهم يحنُّ قلبي، طال شوقي إليهم فعجل ربّ قبضي إليك حتى يغلبه النوم”.
([1] ) معنى “المقتفين” آثار رسول الله r أي التابعين له فيما جاء به من عند الله عز وجل.