عثمان بن عفان
عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ
ثَالِثُ الـخُلَفَاءِ الرَّاشِدِيْنَ
تَرْجَمَتُهُ:
هُوَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ بْنُ أَبِي العَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ القُرَشِيُّ وَأُمُّهُ أَرْوَى بِنْتُ كُرَيْزِ بْنِ رَبِيْعَةَ بْنِ حَبِيْبِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ. وُلِدَ بِالطَّائِفِ بَعْدَ الفِيْلِ بِسِتِّ سِنِيْنَ دَخَلَ فِي الإِسْلَامِ عَلَى يَدِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَعُمُرُهُ حِيْنَئِذٍ تِسْعٌ وَثَلَاثُوْنَ سَنَةً وَكَانَ هَذَا قَبْلَ دُخُوْلِ الرَّسُوْلِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَارَ الأَرْقَمِ فَسَيِّدُنَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنَ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ الَّذِيْنَ ذَكَرَهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي القُرْءَانِ بِقَوْلِهِ: {وَالسَّابِقُوْنَ الأَوَّلُوْنَ مِنَ الـمُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِيْنَ اتَّبَعُوْهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوْا عَنْهُ{(سورة التوبة/ الآية:100).
وَهُوَ أَحَدُ العَشَرَةِ الـمُبَشَّرِيْنَ بِالـجَنَّةِ الَّذِيْنَ ذَكَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيْثٍ وَاحِدٍ وَفِي سِيَاقٍ وَاحِدٍ: “أَبُوْ بَكْرٍ فِي الـجَنَّةِ وَعُمَرُ فِي الـجَنَّةِ وَعَلِيٌّ فِي الـجَنَّةِ وَعُثْمَانُ فِي الـجَنَّةِ وَطَلْحَةُ فِي الـجَنَّةِ وَالزُّبَيْرُ فِي الـجَنَّةِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنُ بْنُ عَوْفٍ فِي الـجَنَّةِ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الـجَنَّةِ وَسَعِيْدُ بْنُ زَيْدٍ فِي الـجَنَّةِ وَأَبُوْ عُبَيْدَةَ بْنُ الـجَرَّاحِ فِي الـجَنَّةِ”. رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ.
وَكَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَوَّلَ مَنْ هَاجَرَ بِأَهْلِهِ وَقَدْ هَاجَرَ الـهِجْرَتَيْنِ الأُوْلَى إِلَى الـحَبَشَةِ وَالثَّانِيَةُ إِلَى الـمَدِيْنَةِ الـمُنَوَّرَةِ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ طَيَّبَ الـمَسْجِدَ وَأَوَّلُ مَنْ زَادَ أَذَانًا ثَانِيًا يَوْمَ الـجُمُعَةِ وَأَوَّلُ مَنْ أَعْطَى أُجْرَةً لِلْمُؤَذِّنِيْنَ وَأَوَّلُ مَنْ فَوَّضَ إِلَى النَّاسِ إِخْرَاجَ زَكَاتِهِمْ وَأَوَّلُ مَنْ وُلِّيَ الـخِلَافَةَ فِي حَيَاةِ أُمِّهِ وَأَوَّلُ مَنِ اتَّخَذَ صَاحِبَ الشُّرْطَةِ. وَقَدْ شَهِدَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الـمَشَاهِدَ كُلَّهَا إِلَّا بَدْرًا لِأَنَّ زَوْجَتَهُ رُقَيَّةَ كَانَتْ مَرِيْضَةً فَأَمَرَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقِيْمَ بِالـمَدِيْنَةِ لِيُمَرِّضَهَا وَعَدَّهُ الرَّسُوْلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَأَسْهَمَ لَهُ فِي غَنَائِمِهَا.
ذِكْرُ زَوْجَاتِهِ وَأَوْلَادِهِ:
قَبْلَ نُزُوْلِ الوَحْيِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ابْنَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ هَاجَرَتْ مَعَهُ إِلَى الـحَبَشَةِ وَمَاتَتْ عِنْدَهُ فِي لَيَالِي بَدْرٍ وَهِيَ الَّتِي وَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ اللهِ فَصَارَ يُكَنَّى بِأَبِي عَبْدِ اللهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ يُكَنَّى بِأَبِي عَمْرٍو ثُمَّ زَوَّجَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ ابْنَتِهِ أُمِّ كُلْثُوْمٍ وَبَقِيَتْ عِنْدَهُ إِلَى أَنْ مَاتَتْ سَنَةَ تِسْعٍ لِلْهِجْرَةِ وَبِـهَذَا سُمِّيَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِذِي النُّوْرَيْنِ لِأَنَّهُ تَزَوَّجَ ابْنَتَي رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَتَزَوَّجَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَاخِتَةَ بِنْتَ غَزْوَانَ فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ اللهِ الأَصْغَرَ وَتَزَوَّجَ أُمَّ عَمْرٍو بِنْتَ جُنْدُبٍ الدَّوْسِيَّةَ فَوَلَدَتْ لَهُ عَمْرًا وَخَالِدًا وَأَبَانًا وَعُمَرَ وَمَرْيَمَ وَتَزَوَّجَ فَاطِمَةَ بِنْتَ الوَلِيْدِ بْنِ الـمُغِيْرَةِ فَوَلَدَتْ لَهُ الوَلِيْدَ وَسِعِيْدًا وَأُمَّ سَعِيْدٍ وَتَزَوَّجَ أُمَّ البَنِيْنِ بِنْتَ عُيَيْنَةَ الغَزَارِيَّةَ فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الـمَلِكِ وَتَزَوَّجَ رَمْلَةَ بِنْتَ شَيْبَةَ فَوَلَدَتْ لَهُ عَائِشَةَ وَأُمَّ أَبَانَ وَأُمَّ عَمْرٍو وَتَزَوَّجَ نَائِلَةَ بِنْتَ الفَرَافِصَةِ الكَلْبِيَّةَ فَوَلَدَتْ لَهُ مَرْيَمَ وَقِيْلَ إِنَّهَا وَلَدَتْ بِهِ عَنْبَسَةَ وَأُخْتًا لَهَا تُسَمَّى أُمَّ البَنِيْنِ.
ذِكْرُ صِفَاتِهِ الخَلْقِيَّةِ:
كَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رَبْعَةً أَيْ مُعْتَدِلَ القَامَةِ لَيْسَ طَوِيْلًا وَلَا قَصِيْرًا حَسَنَ الوَجْهِ أَبْيَضَ مُشْرَبًا بِحُمْرَةٍ رَقِيْقَ البَشَرَةِ، عَظِيْمَ الكَرَادِيْسِ أَيْ مَفَاصِلِ عِظَامِهِ كَانَتْ عَظِيْمَةً بَعِيْدَ مَا بَيْنَ الـمِنْكِبَيْنِ كَثِيْرَ شَعَرِ الرَّأْسِ عَظِيْمَ اللِّحْيَةِ.
نَبْذَةٌ عَنْ شَمَائِلِهِ وَفَضَائِلِهِ:
لَقَدْ جَعَلَ كَثِيْرٌ مِنْ أَهْلِ التَّرَاجِمِ وَالسِّيَرِ فُصُوْلًا تَتَنَاوَلُ مَنَاقِبَهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حَتَّى إِنَّ التِّرْمِذِيَّ رَحِمَهُ اللهُ أَلَّفَ كِتَابًا خَاصًّا بِهِ سَمَّاهُ “مَنَاقِبَ عُثْمَانَ”.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي فَضَائِلِ عُثْمَانَ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ جَالِسًا كَاشِفًا عَنْ فَخِذِهِ فَاسْتَأْذَنَ أَبُوْ بَكْرٍ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ فَأَرْخَى عَلَيْهِ ثِيَابَهُ، فَلَمَّا قَامُوْا قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ اسْتَأْذَنَ عَلَيْكَ أَبُوْ بَكْرٍ وَعُمَرُ فَأَذِنْتَ لَهُمَا وَأَنْتَ عَلَى حَالِكَ فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ أَرْخَيْتَ عَلَيْكَ ثِيَابَكَ* فَقَالَ: “يَا عَائِشَةُ أَلَا أَسْتَحْيِيْ مِنْ رَجُلٍ، وَاللهِ إِنَّ الـمَلَائِكَةَ لَتَسْتَحْيِيْ مِنْهُ”.
وَرَوَى ابْنُ الـجَوْزِيِّ عَنْ أَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطٍ مِنْ حِيْطَانِ الـمَدِيْنَةِ فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْتَفْتِحُ فَقَالَ النَّبِيُّ: “افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالـجَنَّةِ” فَفَتَحْتُ فَإِذَا أَبُوْ بَكْرٍ فَبَشَّرْتُهُ بِالـجَنَّةِ، ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ ءَاخَرُ فَقَالَ: “افْتَحْ وَبَشِّرْهُ بِالـجَنَّةِ” فَإِذَا عُمَرُ فَفَتَحْتُ وَبَشَّرْتُهُ بِالـجَنَّةِ ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ ءَاخَرُ وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَجَلَسَ فَقَالَ: “افْتَحْ بِهِ وَبَشِّرْهُ بِالـجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيْبُهُ” فَإِذَا عُثْمَانُ فَفَتَحْتُ لَهُ وَبَشَّرْتُهُ بِالـجَنَّةِ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي قَالَ، فَقَالَ: اللهُ الـمُسْتَعَانُ.
وَأَخْرَجَ البُخَارِيُّ فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُوْ دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَنَّ جَبَلَ أُحُدٍ ارْتَجَّ وَعَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُوْ بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “اسْكُنْ أُحُدُ، فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ وَصِدِّيْقٌ وَشَهِيْدَانِ”.
وَفِي تَارِيْخِ ابْنِ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الـخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (أَنَّهُ) قَالَ: رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إِلَى أَنْ طَلَعَ الفَجْرُ رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُوْ لِعُثْمَانَ: “اللَّهُمَّ عُثْمَانُ رَضِيْتُ عَنْهُ فَارْضَ عَنْهُ”.
وَرَوَى الـحَافِظُ أَبُوْ نُعَيْمٍ الأَصْفَهَانِيُّ فِي كِتَابِهِ “حِلْيَةِ الأَوْلِيَاءِ” عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: “اشْتَرَى عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ الـجَنَّةَ مَرَّتَيْنِ، حِيْنَ حَفَرَ بِئْرَ رُوْمَةَ وَحِيْنَ جَهَّزَ جَيْشَ العُسْرَةِ”.
وَكَانَتْ بِئْرُ رُوْمَةَ يُبَاعُ مَاؤُهَا لِلْمُسْلِمِيْنَ فَاشْتَرَاهَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَحَفَرَهَا وَجَعَلَهَا عَامَّةً لِلْمُسْلِمِيْنَ. (وَلَا تَزَالُ إِلَى الآنَ مَعْرُوْفَةً فِي الـمَدِيْنَةِ الـمُنَوَّرَةِ).
وَتَفْصِيْلُ حَادِثَةِ تَجْهِيْزِ جَيْشِ العُسْرَةِ فِي مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَبَابٍ السَّلَمِيِّ (أَنَّهُ) قَالَ: خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَثَّ النَّاسَ عَلَى جَيْشِ العُسْرَةِ فَقَالَ عُثْمَانُ: عَلَيَّ مِائَةُ بَعِيْرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا، ثُمَّ حَثَّ فَقَالَ عُثْمَانُ: عَلَيَّ مِائَةٌ أُخْرَى بِأَحْلاسِهَا وَأَقْتَابِهَا. قَالَ السَّلَمِيُّ: فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُوْلُ بِيَدِهِ يُحَرِّكُهَا: “مَا عَلَى عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذَا”.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْحَاكِمِ النَّيْسَابُوْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ (أَنَّهُ) قَالَ: جَاءَ عُثْمَانُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَلْفِ دِيْنَارٍ حِيْنَ جَهَّزَ جَيْشَ العُسْرَةِ فَنَثَرَهَا فِي حُجْرِهِ فَجَعَلَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَلِّبُهَا وَيَقُوْلُ: “مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ اليَوْمِ” مَرَّتَيْنِ.
وَأَخْرَجَ صَاحِبُ “حِلْيَةِ الأَوْلِيَاءِ” عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوْقٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُوْدٍ (أَنَّهُ) قَالَ: رَأَى رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَوْمَ جَيْشِ العُسْرَةِ جَائِيًا وَذَاهِبًا فَقَالَ: “اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُثْمَانَ مَا أَقْبَلَ وَمَا أَدْبَرَ، وَمَا أَخْفَى وَمَا أَعْلَنَ، وَمَا أَسَرَّ وَمَا أَجْهَرَ”.
كَمَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “عُثْمَانُ أَحْيَا أُمَّتِي وَأَكْرَمُهَا”.
جَمْعُهُ القُرْءَانَ الكَرِيْمِ:
ذَكَرَ البُخَارِيُّ فِي صَحِيْحِهِ مَبْدَأَ أَمْرِ جَمْعِ القُرْءَانِ فِي مُصْحَفٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيْقَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَرْسَلَ إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَهُوَ مِنْ كَتَبَةِ الوَحْيِ فَأَتَاهُ زَيْدٌ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الـخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عِنْدَهُ فَقَالَ الصِّدِّيْقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ: إِنَّ القَتْلَ قَدِ اسَتَحَرَّ يَوْمَ اليَمَامَةِ بِقُرَّاءِ القُرْءَانِ (أَيْ كَثُرَ) وَإِنِّي أَخْشَى إِنِ اسْتَحَرَّ القَتْلُ بِالقُرَّاءِ بِالـمَوَاطِنِ فَيَذْهَبَ كَثِيْرٌ مِنَ القُرْءَانِ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ القُرْءَانِ. فَقَالَ زَيْدٌ لِعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كَيْفَ نَفْعَلُ شَيْئًا لَـمْ يَفْعَلْهُ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟!!، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: هَذَا وَاللهِ خَيْرٌ. قَالَ زَيْدٌ: “فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِذَلِكَ وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَى عُمَرُ”. وَتَتَبَّعَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ القُرْءَانَ فَصَارَ يَـجْمَعُهُ مِنَ العُسُبِ وَاللِّخَافِ (وَهِيَ الحِجَارَةُ البَيْضَاءُ الرَّقِيْقَةُ) وَصُدُوْرِ النَّاسِ، وَكَانَتْ فِي صُحُفٍ عَدِيْدَةٍ جُمِعَتْ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
وَلَمَّا بُوْيِعَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِالـخِلَافَةِ اسْتَشَارَ الصَّحَابَةَ فَكَانَ الرَّأْيُ أَنْ يُجْمَعَ القُرْءَانُ فِي مُصْحَفٍ وَاحِدٍ، فَجَمَعَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَدَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ، قَالَ أَبُوْ دَاوُدَ: كَانُوْا اثْنَي عَشَرَ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ وَكَانَ بَيْنَهُمْ مَنْ كَتَبَ الوَحْيَ وَأَرْسَلَ إِلَى حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا يَطْلُبُ مِنْهَا الصُّحُفَ الَّتِي جَمَعَهَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ثُمَّ نَسَخَهَا فِي كِتَابٍ وَاحِدٍ.
وَفِي “فَتْحِ البَارِي” لِابْنِ حَجَرٍ العَسْقَلَانِيِّ أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَنْ أَكْتَبُ النَّاسِ؟ قَالُوْا: زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ أَفْصَحُ؟ قَالُوْا: سَعِيْدُ بْنُ العَاصِ، فَقَالَ: فَلْيُمْلِ سَعِيْدٌ وَلْيَكْتُبْ زَيْدٌ.
وَلَمَّا انْتَهَوْا مِنْ نَسْخِ الـمُصْحَفِ جَعَلَ مِنْهُ نُسَخًا وَأَرْسَلَهَا إِلَى الأَمْصَارِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي عَدَدِ النُّسَخِ هَذِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ أَرْبَعَةٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: خَمْسَةٌ، وَقِيْلَ: سِتَّةٌ وَسَبْعَةٌ، ثُمَّ جَمَعَ مَا سِوَى هَذِهِ النُّسَخِ مِنَ القُرْءَانِ فَأَحْرَقَهَا وَأَمَرَ إِلَى أَهْلِ الأَمْصَارِ بِذَلِكَ.
وَقَدْ كَانَ جَمْعُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِلْقُرْءَانِ لَـمَّا كَثُرَ الاخْتِلَافُ فِي وُجُوْهِ القِرَاءَاتِ عَلَى اخْتِلَافِ لُغَاتِ العَرَبِ فَتَنَازَعَ أُنَاسٌ وَخَطَّأَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَخَشِيَ مِنْ تَفَاقُمِ الأَمْرِ فِي ذَلِكَ حَتَّى جَمَعَهُ عَلَى لُغَةِ قُرَيْشٍ، وَلَا يَعْنِي ذَلِكَ مَنْعُ قِرَاءَتِهِ بِلُغَاتِ العَرَبِ الأُخْرَى وَذَلِكَ أَنَّهُ جَاءَ فِي صَحِيْحِ البُخَارِيِّ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ هَذَا القُرْءَانَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوْا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ”.
ثَنَاءُ النَّاسِ عَلَيْهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
قَالَ الإِمَامُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كَانَ عُثْمَانُ مِنَ الَّذِيْنَ: {ءَامَنُوْا وَعَمِلُوْا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَءَامَنُوْا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوْا وَاللهُ يُحِبُّ الـمُحْسِنِيْنَ}(سُوْرَةُ الـمَائِدَةِ/الآيَةُ:93) ذَكَرَهُ الأَصْفَهَانِيُّ فِي “حِلْيَةِ الأَوْلِيَاءِ”.
وَرَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رُهَيْمَةَ جَدَّةِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ عُثْمَانُ يَصُوْمُ الدَّهْرَ وَيَقُوْمُ اللَّيْلَ إِلَّا هَجْعَةً مِنْ أَوَّلِهِ.
وَقَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ رَحِمَهُ اللهُ: “قَالَتِ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حِيْنَ أَطَافُوْا يُرِيْدُوْنَ قَتْلَهُ: إِنْ تَقْتُلُوْهُ أَوْ تَتْـرُكُوْهُ فَقَدْ كَانَ يُحْيِيْ اللَّيْلَ كُلَّهُ فِي رَكْعَةِ يَجْمَعُ فِيْهَا القُرْءَانَ” رَوَاهُ ابْنُ الـجَوْزِيِّ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ: خَصْلَتَانِ لِعُثْمَانَ لَيْسَتَا لِأَبِي بَكْرٍ وَلَا لِعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ: صَبْرُهُ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى قُتِلَ مَظْلُوْمًا وَجَمْعُهُ النَّاسَ عَلَى الـمُصْحَفِ.
تَوَاضُعُهُ:
إِضَافَةً إِلَى مَا اجْتَمَعَ فِي سَيِّدِنَا عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنَ الـخِصَالِ الـمَرْضِيَّةِ وَالصِّفَاتِ السَّنِيَّةِ مِنْ حِلْمٍ وَعِلْمٍ وَكَرَمٍ وَجُوْدٍ وَحَيَاءٍ وَصَفَاءٍ وَوَرَعٍ وَزُهْدٍ كَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ تَوَاضُعًا.
أَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ الرُّوْمِيِّ قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ يَلِي وَضُوْءَ اللَّيْلِ بِنَفْسِهِ فَقِيْلَ لَهُ: لَوْ أَمَرْتَ بَعْضَ الـخَدَمِ فَكَفَوْكَ، قَالَ: لَا، اللَّيْلُ لَـهُمْ يَسْتَرِيـْحُوْنَ فِيْهِ.
وَرَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ أَنَّ الـحَسَنَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ سُئِلَ عَنِ القَائِلِيْنَ فِي الـمَسْجِدِ (أَيِ الَّذِيْنَ يَنَامُوْنَ أَوْ يَسْتَلْقُوْنَ فِي الـمَسْجِدِ عِنْدَ مُنْتَصَفِ النَّهَارِ) فَقَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقِيْلُ فِي الـمَسْجِدِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ خَلِيْفَةٌ وَأَثَّرَ الـحَصَى بِـجَنْبِهِ فَيُقَالُ: هَذَا أَمِيْرُ الـمُؤْمِنِيْنَ هَذَا أَمِيْرُ الـمُؤْمِنِيْنَ. وَعَنْ شُرَحْبِيْلَ بْنِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُطْعِمُ النَّاسَ طَعَامَ الإِمَارَةِ وَيَدْخُلُ بَيْتَهُ فَيَأْكُلُ الـخَلَّ وَالزَّيْتَ.
ذِكْرُ خِلَافَتِهِ:
بَعْدَ دَفْنِ عُمَرَ بْنِ الـخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِثَلَاثِ لَيَالٍ بُوْيِعَ سَيِّدُنَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِالـخِلَافَةِ يَوْمَ الإِثْنَيْنِ لِلَيْلَةٍ بَقِيَتْ مِنْ شَهْرِ ذِي الـحِجَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِيْنَ مِنَ الـهِجْرَةِ وَاسْتَقْبَلَ بِـخِلَافَتِهِ الـمَحَرَّمَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَعَاشَ فِي الـخِلَافَةِ اثْنَتَي عَشَرَ سَنَةً وَكَانَ خَاتَمُهُ خَاتَمَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.
وَفِي خِلَافَتِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ غَزَا الـمُسْلِمُوْنَ فَفَتَحُوْا الكَثِيْرَ مِنَ البِلَادِ فَتَوَسَّعَتْ بِـهِمْ بِلَادُ الإِسْلَامِ، وَمِنْ هَذِهِ البِلَادِ الَّتِي افْتُتِحَتْ جَزِيْرَةُ قُبْرُصَ وَكَرَمَانَ وَسِجِسْتَانَ وَكَابُلَ وَبِلَادٍ أُخْرَى فِي أَفْرِيْقِيَةَ.
قِصَّةُ اسْتِشْهَادِهِ وَمَا جَرَى عَلَيْهِ:
لَمَّا تَمَّتِ الفُتُوْحَاتُ لِلْأُمَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ وَقَوِيَ الـمُلْكُ فِي الأَمْصَارِ وَاخْتَلَطَتِ العَرَبُ بِالأُمَمِ وَالأَقْوَامِ الـمُخْتَلِفَةِ اللُّغَاتِ وَكَثُرَ الطَّعْنُ وَالقِيْلُ وَالقَالُ فِي الـمَدِيْنَةِ الـمُنَوَّرَةِ كَتَبَ رُؤَسَاءُ الفِتْنَةِ إِلَى جَمَاعَتِهِمْ فِي الأَمْصَارِ يَسْتَقْدِمُوْنَـهُمْ إِلَى الـمَدِيْنةِ الـمُنَوَّرَةِ إِرَادَةَ الفِتْنَةِ وَالـمَكِيْدَةِ لِلْخَلِيْفَةِ فَحَاصَرُوْهُ فِي بَيْتِهِ أَيَّامًا وَكَانَ سَيِّدُنَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُوْلُ: “إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا فَأَنَا صَابِرٌ عَلَيْهِ” رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي مَنَاقِبِ عُثْمَانَ.
فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “يَا عُثْمَانُ إِنَّهُ لَعَلَّ اللهَ يُقْمِصُكَ قَمِيْصًا (أَيِ الـخِلَافَةَ)، فَإِنْ أَرَادَكَ الـمُنَافِقُوْنَ عَلَى خَلْعِهِ فَلَا تَخْلَعْهُ حَتَّى تَلْقَانِي” أَخْرَجَهُ الـحَاكِمُ وَالتِّرْمِذِيُّ.
فَلَمَّا بَلَغَ سَيِّدَنَا عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ أَصْحَابَ الفِتْنَةِ حَاصَرُوْا عُثْمَانَ وَمَنَعُوْهُ الـمَاءَ وَأَرَادُوْا قَتْلَهُ، أَرْسَلَ إِلَيْهِ بِثَلَاثِ قُرَبٍ مَـمْلُوْءَةً بِالـمَاءِ وَقَالَ لِلْحَسَنِ وَالـحُسَيْنِ: اذْهَبَا بِسَيْفِكُمَا حَتَّى تَقُوْمَا عَلَى بَابِ عُثْمَانَ فَلَا تَدَعَا أَحَدًا يَصِلُ إِلَيْهِ وَبَعَثَ الزُّبَيْرُ ابْنَهُ وَبَعَثَ طَلْحَةُ ابْنَهُ وَبَعَثَ عِدَّةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَبْنَاءَهُمْ يَـمْنَعُوْنَ النَّاسَ مِنْ أَنْ يَدْخُلُوْا عَلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَلَكِنَّ رِجَالًا مِنَ الَّذِيْنَ أَرَادُوْا بِسَيِّدِنَا عُثْمَانَ شَرًّا تَسَوَّرُوْا مِنْ دَارِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ حَتَّى دَخَلُوْا عَلَيْهِ وَكَانَ يَقْرَأُ القُرْءَانَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَضَرَبَهُ أَحَدُهُمْ بِالسَّيْفِ فَأَكَبَّتْ عَلَيْهِ نَائِلَةُ زَوْجَتُهُ فَقُطِعَتْ أَصَابِعُ يَدِهَا وَلَـمْ يَكُنْ مَعَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ سِوَاهَا فِي الدَّارِ، فَقُتِلَ شَهِيْدًا رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ يَوْمَ الـجُمُعَةِ لِثَمَانِ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ ذِي الـحِجَّةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِيْنَ لِلْهِجْرَةِ، وَعُمُرُهُ تِسْعُوْنَ وَقِيْلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَقِيْلَ أَقَلُّ وَدُفِنَ لَيْلَةَ السَّبْتِ بَيْنَ الـمَغْرِبِ وَالعِشَاءِ بِـمَقْبُرَةِ البَقِيْعِ بِالـمَدِيْنَةِ الـمُنَوَّرَةِ وَصَلَّى عَلَيْهِ الزُّبَيْرُ.
وَقَدْ قَالَ سَيِّدُنَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَبْلَ قَتْلِهِ: إِنِّي رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الـمَنَامِ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَالُوْا: اصْبِرْ فَإِنَّكَ تُفْطِرُ عِنْدَنَا القَابِلَةَ.
وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ الأَثِيْرِ فِي كِتَابِهِ “الكَامِلِ فِي التَّارِيْخِ” أَبْيَاتًا لِـحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ فِي الَّذِيْنَ قَدِمُوْا الـمَدِيْنَةَ مِنْ مِصْرَ وَاجْتَمَعُوْا عَلَى قَتْلِهِ:
أَتَرَكْتُمْ غَزَوْ الدُّرُوْبِ وَرَاءَكُمْ *** وَغَزَوْتُـمُوْنَا عِنْدَ قَبْرِ مُـحَمَّدِ
فَلَبِئْسَ هَدْيُ الـمُسْلِمِيْنَ هُدِيْتُمُ *** وَلَبِئْسَ أَمْرُ الفَاجِرِ الـمُتَعَمَّدِ
إِنْ تُقْدِمُوْا نَجْعَلْ قُرَى سَرَوَاتِكُمْ *** حَوْلَ الـمَدِيْنَةِ كُلَّ لَيْنٍ مُذَوَّدِ
أَوْ تُدْبِرُوا فَلَبِئْسَ مَا سَفَرْتُمُ *** وَلَمِثْلُ أَمْرِ أَمِيْرِكُمْ لَـمْ يُرْشَدِ
وَكَأَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ عَشِيَّةً *** بُدْنٌ تُذَبَّحُ عِنْدَ بَابِ الـمَسْجِدِ
أَبْكِي أَبَا عَمْرٍو لِـحُسْنِ بَلَائِهِ *** أَمْسَى ضَجِيْعًا فِي بَقِيْع الغَرْقَدِ
وَبَعْدُ فَإِنَّمَا هَذَا غَيْضٌ غَائِضٌ مِنْ فَيْضٍ فَائِضٍ مِنْ بَـحْرِ فَضَائِلِ سَيِّدِنَا عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ وَجَزَاهُ عَنِ الإِسْلَامِ وَالـمُسْلِمِيْنَ خَيْرًا وَنَفَعَنَا بِبَرَكَتِهِ وَحَشَرَنَا فِي زُمْرَتِهِ وَأَمَاتَنَا عَلَى سُنَّتِهِ وَمَحَبَّتِهِ، إِنَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَدِيْرٌ وَبِعِبَادِهِ لَطِيْفٌ خَبِيْرٌ.