عبد الرحمن بن عوف
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ
الثِّقَةُ الأَمِيْنُ فِي الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ
تَرْجَمَتُهُ:
هُوَ أَبُوْ مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ الـحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، كَانَ اسْمُهُ فِي الـجَاهِلِيَّةِ عَبْدَ عَمْرٍو وَقِيْلَ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ الـحَارِثِ وَقِيْلَ عَبْدَ الكَعْبَةِ، فَسَمَّاهُ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَذَكَرَ الـحَافِظُ العَسْقَلَانِيُّ فِي “الإِصَابَةِ” أَنَّهُ وُلِدَ بَعْدَ عَامِ الفِيْلِ بِعَشْرِ سِنِيْنَ.
وَهُوَ أَحَدُ العَشَرَةِ الـمُبَشَّرِيْنَ بِالـجَنَّةِ وَأَحَدُ السِّتَّةِ أَهْلِ الشُّوْرَى وَأَحَدُ الثَّمَانِيَةِ الأَوَائِلِ الَّذِيْنَ أَسْلَمُوْا قَدِيـْمًا قَبْلَ دُخُوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَارَ الأَرْقَمِ.
وَهُوَ أَحَدُ الَّذِيْنَ هَاجَرُوْا الـهِجْرَتَيْنِ: الـهِجْرَةَ إِلَى الـحَبَشَةِ وَالـهِجْرَةَ إِلَى الـمَدِيْنَةِ الـمُنَوَّرَةِ وَأَحَدُ السَّابِقِيْنِ الَّذِيْنَ شَهِدُوْا بَدْرًا وَكَذَا شَهِدَ الـمَشَاهِدَ كُلَّهَا.
وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَبَنُوْهُ: إِبْرَاهِيْمُ وَحُمَيْدٌ وَأَبُوْ سَلَمَةَ وَعَمْرٌوْ وَمُصْعَبٌ* وَرَوَى عَنْهُ مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَالـمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ وَغَيْرُهُمْ.
وَلَهُ فِي الصَّحِيْحَيْنِ حَدِيْثَانِ. وَانْفَرَدَ لَهُ البُخَارِيُّ بِخَمْسَةِ أَحَادِيْثَ.
مَنَاقِبُهُ:
كَانَ الصَّحَابِيُّ الـجَلِيْلُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَاحِدًا مِنْ أُوْلَئِكَ الأَبْطَالِ الَّذِيْنَ أُثِرَ عَنْهُمْ بَذْلُ النَّفِيْسِ فِي سَبِيْلِ اللهِ وَنُصْرَةِ دِيْنِهِ، فَقَدْ رَوَى ابْنُ الـجَوْزِيِّ فِي “صِفَةِ الصَّفْوَةِ” عَنْ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ (أَنَّهُ) قَالَ: بَيْنَمَا عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فِي بَيْتِهَا إِذْ سَمِعَتْ صَوْتًا رَجَّتْ مِنْهُ الـمَدِيْنَةُ فَقَالَتْ: مَا هَذَا؟، قَالُوْا: عِيْرٌ قَدِمَتْ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مِنَ الشَّامِ، وَكَانَتْ سَبْعَمِائَةِ رَاحَلَةٍ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنُ بْنُ عَوْفٍ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: فَإِنِّي أُشْهِدُكِ أَنَّـهَا بِأَحْمَالِـهَا وَأَقْتَابِـهَا وَأَحْلَاسِهَا فِي سَبِيْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَتْنَا أُمُّ بَكْرٍ بِنْتُ الـمِسْوَرِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بَاعَ أَرْضًا لَهُ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بِأَرْبَعِيْنَ أَلْفِ دِيْنَارٍ فَأَخَذَ الـمَالَ وَقَسَّمَهُ فِي فُقَرَاءِ بَنِي زُهْرَةَ وَفِي الـمُهَاجِرِيْنَ وَأُمَّهَاتِ الـمُؤْمِنِيْنَ.
قَالَ الـمِسْوَرُ: فَأَتَيْتُ عَائِشَةَ بِنَصِيْبِهَا فَقَالَتْ: مَنْ أَرْسَلَ بِـهَذَا؟، قُلْتُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَقَالَتْ: أَمَّا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُوْلُ: “لَا يَحْنُوْ عَلَيْكُنَّ بَعْدِي إِلَّا الصَّابِرُوْنَ”. وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هَذَا الـحَدِيْثَ فِي مُسْنَدِهِ.
وَذَكَرَ الذَّهَبِيُّ فِي سِيَرِهِ عَنِ ابْنِ لُـهَيْعَةَ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أَوْصَى بِـخَمْسِيْنَ أَلْفِ دِيْنَارٍ فِي سَبِيْلِ اللهِ، فَكَانَ الرَّجُلُ يُعْطَى مِنْهَا أَلْفَ دِيْنَارٍ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أَوْصَى لِلْبَدْرِيِّيْنَ بِـمَالٍ فَوُجَدُوْا مِائَةً، فَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْبَعَمِائَةِ دِيْنَارٍ فَكَانَ مِنْهُمْ سَيِّدُنَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَأَخَذَهَا.
وَبِإِسْنَادٍ ءَاخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَوْصَى بِأَلْفِ فَرَسٍ فِي سَبِيْلِ اللهِ.
وَفِي “صِفَةِ الصَّفْوَةِ” لِابْنِ الـجَوْزِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: تَصَدَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِشَطْرِ مَالِهِ أَرْبَعَةَ ءَالَافٍ، ثُمَّ تَصَدَّقَ بِأَرْبَعِيْنَ أَلْفًا ثُمَّ تَصَدَّقَ بِأَرْبَعِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ، ثُمَّ حَمَلَ عَلَى خَمْسِمِائَةِ فَرَسٍ فِي سَبِيْلِ اللهِ تَعَالَى، ثُمَّ حَمَلَ عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ رَاحِلَةٍ فِي سَبِيْلِ اللهِ تَعَالَى، وَكَانَ عَامَّةُ مَالِهِ مِنَ التِّجَارَةِ.
وَشَهِدَ لَهُ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالـجَنَّةِ فِي الـحَدِيْثِ الَّذِي ذُكِرَ فِيْهِ العَشَرَةُ الـمُبَشَّرُوْنَ وَذَكَرْنَا ءَانِفًا مَا كَانَ لَهُ مِنَ الصَّدَقَاتِ الكَثِيْرَةِ الَّتِي وَزَّعَهَا عَلَى أُمَّهَاتِ الـمُؤْمِنِيْنَ وَفُقَرَاءِ الـمُهَاجِرِيْنَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الفُقَرَاءِ وَعَابِرِي السَّبِيْلِ وَالأَرَامِلِ وَالأَيْتَامِ.
وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَقِيْرًا حِيْنَ هَاجَرَ إِلَى الـمَدِيْنَةِ فَآخَى رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيْعِ أَحَدِ النُّقَبَاءِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: إِنِّي أَكْثَرُ الأَنْصَارِ مَالًا، فَأُقْسِمُ لَكَ نِصْفَ مَالِي وَانْظُرْ أَيَّ زَوْجَتَيَّ هَوَيْتَ نَزَلْتُ لَكَ عَنْهَا فَإِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لَا حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ، بَارَكَ اللهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، وَلَكِنْ دُلَّنِي عَلَى السُّوْقِ. فَذَهَبَ وَبَاعَ وَاشْتَرَى وَرَبِحَ، وَلَـمْ يَزَلْ عَلَى هَذِهِ الـحَالِ حَتَّى كَثُرَ مَالُهُ وَكَانَ لَهُ مَا كَانَ مِنَ الـمَالِ وَالصَّدَقَاتِ.
وَكَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنْ أَعْدَلِ وَأَثْبَتِ الصَّحَابَةِ رِوَايَةً لِلْأَحَادِيْثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِي سِيَرِ الذَّهَبِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: جَلَسْنَا مَعَ عُمَرَ فَقَالَ: هَلْ سَمِعْتَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ شَيْئًا أَمَرَ بِهِ الـمَرْءَ الـمُسْلِمَ إِذَا سَهَا فِي صَلَاتِهِ كَيْفَ يَصْنَعُ؟
فَقُلْتُ: لَا وَاللهِ، أَوَ مَا سَمِعْتَ أَنْتَ يَا أَمِيْرَ الـمُؤْمِنِيْنَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ فِي ذَلِكَ شَيْئًا؟ فَقَالَ: لَا وَاللهِ، فَبَيْنَا نَحْنُ فِي ذَلِكَ أَتَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَقَالَ: فِيْمَ أَنْتُمَا؟* فَأَخْبَرَهُ عُمَرُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لَكِنِّي قَدْ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: لَهُ عُمَرُ: فَأَنْتَ عِنْدَنَا عَدْلٌ، فَمَاذَا سَمِعْتَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُوْلُ: “إِذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ حَتَّى لَا يَدْرِي أَزَادَ أَمْ نَقَصَ، فَإِنْ كَانَ شَكَّ فِي الوَاحِدَةِ وَالثِنْتَيْنِ فَلْيَجْعَلْهَا وَاحِدَةً، وَإِذَا شَكَّ فِي الثِّنْتَيْنِ أَوِ الثَّلَاثِ فَلْيَجْعَلْهَا ثِنْتَيْنِ، وَإِذَا شَكَّ فِي الثَّلَاثِ وَالأَرْبَعِ فَلْيَجْعَلْهَا ثَلَاثًا حَتَّى يَكُوْنَ الوَهْمُ فِي الزِّيَادَةِ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ثُمَّ يُسَلِّمَ.
وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الـحَافِظُ العَسْقَلَانِيُّ فِي “الإِصَابَةِ” أَنَّ سَيِّدَنَا عُمَرَ بْنَ الـخَطَّابِ لَـمْ يَكُنْ يَأْخُذُ الـجِزْيَةَ مِنَ الـمَجُوْسِ حَتَّى سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ يَشْهَدُ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخَذَ الـجِزْيَةَ مِنْ مَجُوْسِ هَجَرَ، فَصَارَ بَعْدَهَا سَيِّدُنَا عُمَرُ بْنُ الـخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَأْخُذُهَا مِنْهُمْ.
وَفِي “الإِصَابَةِ” أَيْضًا لِلْحَافِظِ العَسْقَلَانِيِّ مِنْ حَدِيْثِ الـمُغِيْرَةَ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “الَّذِي يُحَافِظُ عَلَى أَزْوَاجِي مِنْ بَعْدِي هُوَ الصَّادِقُ البَارُّ” فَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَخْرُجُ بِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ وَيَحُجَّ مَعَهُنَّ وَيَجْعَلُ عَلَى هَوَادِجِهِنَّ الطَّيَالِسَةَ.
وَمِنْ مَنَاقِبِهِ أَنَّهُ صَلَّى بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِمَامًا، فَعَنِ الـمُغِيْرَةَ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ سُئِلَ هَلْ أَمَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ؟، فَقَالَ: نَعَمْ، فَذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ تَوَضَّأَ وَالـمُغِيْرَةَ مَعَهُ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَعِمَامَتِهِ (أَيْ مَسَحَ شَيْئًا مِنَ الرَّأْسِ ثُمَّ أَكْمَلَ عَلَى العِمَامَةِ)، وَأَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ.
وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ الرَّسُوْلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَهُوَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَأَرَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَنْ يَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَنْ مَكَانَكَ، فَصَلَّى وَصَلَّى رَسُوْلُ اللهِ بِصَلَاةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَكْعَةً وَاحِدَةً وَأَتَمَّ الَّذِي فَاتَهُ.
وَفِي “صِفَةِ الصَّفْوَةِ” أَنَّ الرَّسُوْلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “مَا قُبِضَ نَبِيٌّ حَتَّى يُصَلِّيَ خَلْفَ رَجُلٍ صَالِحٍ مِنْ أُمَّتِهِ”.
وَعَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ بَيْنَ خَالِدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ شَيْءٌ، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِـخَالِدٍ: “دَعُوْا لِي أَصْحَابِي، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا لَـمْ يُدْرِكْ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيْفَهُ”. ذَكَرَهُ الـهَيْثَمِيُّ فِي “مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ” وَنَسَبَهُ إِلَى البَزَّارِ وَقَالَ: رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيْحِ.
وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فِي الصَّحِيْحِ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِـخَالِدٍ: “لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيْفَهُ”.
وَامْتَدَحَهُ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ، فَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَرَدَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِيْهِ: “عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَمِيْنٌ فِي السَّمَاءِ وَأَمِيْنٌ فِي الأَرْضِ”، وَعُمَرُ بْنُ الـخَطَّابِ قَالَ فِيْهِ: “عَبْدُ الرَّحْمَنِ سَيِّدٌ مِنْ سَادَاتِ الـمُسْلِمِيْن”.
وَعَنْ سَعِيْدِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى جَبَلِ حِرَاءَ وَكَانَ مَعَهُ أَبُوْ بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “اثْبُتْ حِرَاءُ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيْقٌ أَوْ شَهِيْدٌ”.
خِصَالٌ وَشَمَائِلُ:
وَلَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَعَ كَثْرَةِ مَالِهِ مُتَوَاضِعًا عَفِيْفَ النَّفْسِ مُتَفَكِّرًا بِالآخِرَةِ، فَقَدْ رُوِيَ فِي “صِفَةِ الصَّفْوَةِ” عَنْ نَوْفَلِ بْنِ إِيَاسٍ الهُذَلِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَنَا جَلِيْسًا وَكَانَ نِعْمَ الـجَلِيْسُ، وَإِنَّهُ انْقَلَبَ بِنَا يَوْمًا حَتَّى دَخَلْنَا بَيْتَهُ فَدَخَلَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ خَرَجَ فَجَلَسَ مَعَنَا وَأُتِيْنَا بِصَحْفَةٍ فِيْهَا خُبْزٌ وَلَـحْمٌ، فَلَمَّا وُضِعَتْ بَكَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ مَا يُبْكِيْكَ؟، فَقَالَ: مَاتَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَـمْ يَشْبَعْ هُوَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ مِنْ خُبْزٍ وَشَعِيْرٍ، وَلَا أَرَانَا أُخِّرْنَا لَـهَا لِـمَا هُوَ خَيْرٌ لَنَا.
وَأَخْرَجَ البُخَارِيُّ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيْمَ عَنْ أَبِيْهِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أُتِيَ بِطَعَامٍ وَكَانَ صَائِمًا فَقَالَ: قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي فَكُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ إِنْ غُطِّيَ رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ، وَإِنْ غُطِّيَتْ رِجَلَاهُ بَدَا رَأْسُهُ، وَقُتِلَ حَمْزَةُ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي فَلَمْ يُوْجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيْهِ إِلَّا بُرْدَةً، ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنَ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ، وَأُعْطِيْنَا مِنَ الدُّنْيَا مَا أُعْطِيْنَا وَقَدْ خَشِيْنَا أَنْ تَكُوْنَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا، ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ.
وَفِي حِلْيَةِ الأَوْلِيَاءِ لِأَبِي نُعَيْمٍ أَنَّ رَجُلًا قَرَأَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القُرْءَانَ وَكَانَ لَيِّنَ الصَّوْتِ، فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنَ القَوْمِ إِلَّا فَاضَتْ عَيْنُهُ غَيْرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِنْ لَـمْ يَكُنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَاضَتْ عَيْنُهُ فَقَدْ فَاضَ قَلْبُهُ”.
وَمِنْ مَنَاقِبِهِ أَيْضًا عَزْلُ نَفْسِهِ عَنِ الـخِلَافَةِ وَرَفْضُهُ إِيَّاهَا وَكَانَ جَدِيْرًا بِـهَا، فَلَمَّا قُتِلَ عُمَرُ بْنُ الـخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ اجْتَمَعَ أَهْلُ الشُّوْرَى لِـمُبَايَعَةِ خَلِيْفَةٍ جَدِيْدٍ لِلْمُسْلِمِيْنَ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: هَلْ لَكُمْ أَنْ أَخْتَارَ لَكُمْ وَأَنْفَصِلَ مِنْهَا؟، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ رَضِيَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُوْلُ: “إِنَّكَ أَمِيْنٌ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ، أَمِيْنٌ فِي أَهْلِ الأَرْضِ”.
وَعَنْ سَعِيْدِ بْنِ الـمُسَيَّبِ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ أَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَجُلًا وَهُوَ قَائِمٌ يَخْطُبُ: أَنِ ارْفَعْ رَأْسَكَ إِلَى أَمْرِ النَّاسِ، أَيِ ادْعُ إِلَى نَفْسِكَ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: ثَكِلَتْكَ أَمُّكَ، إِنَّهُ لَنْ يَلِيَ هَذَا الأَمْرَ أَحَدٌ بَعْدَ عُمَرَ إِلَّا لَامَهُ النَّاسُ.
وَعَنِ الـمِسْوَرِ بْنِ مَخْرُمَةَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ قَالَ حِيْنَ طُلِبَ مِنْهُ أَنْ يَدْعُوَ إِلَى نَفْسِهِ: وَاللهِ لَأَنْ تُؤْخَذَ مِدْيَةٌ فَتُوْضَعُ فِي حَلْقِي ثُمَّ يُنْفُذُ بِهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ.
وَفَاتُهُ:
تُوُفِّيَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِيْنَ لِلْهِجْرَةِ عَنْ خَمْسَةٍ وَسَبْعِيْنَ عَامًا، وَقِيْلَ اثْنَيْنِ وَسَبْعِيْنَ.
وَصَلَّى عَلَيْهِ سَيِّدُنَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَقِيْلَ الزُّبَيْرُ بْنُ العَوَامِ، وَدُفِنَ فِي البَقِيْعِ بِالـمَدِيْنَةِ الـمُنَوَّرَةِ.
رَحِمَ اللهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ صَاحِبَ رَسُوْلِ اللهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.