الأحد نوفمبر 9, 2025

قال المؤلف رحمه الله: [والتكوين صفةٌ لله تعالى أزليةٌ وهو تكوينُهُ للعالَمِ ولكلِّ جُزءٍ من أجزائِهِ لوقتِ وجودِه].

(الشرحُ): أنَّ التكوين عبارةٌ عن إيجاد الله تعالى الذي هو قائم بذاته للمخلوقات التي لم تكن في الأزل موجودةً لِتُوجَدَ في أوقات وجودها على حسب علمه وإرادته. فالتكوينُ صفةٌ من صفاتِ الله وهو صفة أزلية أبدية وقد دلَّ النقل والعقل على أنَّ اللهَ تعالى خالقٌ للعالم مكوِّنٌ له، ويمتنعُ إطلاق المشتقِّ على الشيء من غير أن يكون مأخذُ الاشتقاقِ وصفًا له قائمًا به لذلك قالوا بأزليةِ التكوينِ وهذا هو المعروف عند الماتريدية وهو قولُ البخاريِّ وعددٍ مِنْ متقدِّمي الأشاعرة.

واستدلَّ الماتريدية على قولِهِمْ هذ بامتناعِ قيامِ الحوادث بذاته تعالى وبأن الله تعالى وصف ذاته في كلامه الأزلي بأنه الخلاق فلو لم يكن في الأزل خالقًا لَلَزِمَ الكذبُ أو العدولُ إلى المَجاز بمعنَى الخالقِ فيما يُستقبل أو القادر على الخلق من غير تعذر الحقيقة والعدولُ عن الحقيقة إلى المجاز بغير دليل لا يجوز وهنا لا دليلَ يُوجب ذلك فامتنع التأويل بأنه أُريد به الذي يخلق فيما يُستقبل أو الذي هو قادر على أن يخلق.

والحاصلُ: أن التكوين عندهم أزليٌّ لكن المُكَوَّنُ حادث، فالتخليق أيْ تخليقُ اللهِ المخلوقاتِ أزليٌّ والمخلوقاتُ حادثةٌ، قالوا كالقدرة فإن القدرة صفة أزلية والمقدور الذي تتعلق به حادث، فالتكوينُ باقٍ أزلًا وأبدًا والمكوَّنُ حادثٌ بحدوثِ التَّعَلُّقِ كما في العلم والقدرة وغيرهما من الصفات القديمة التي لا يلزم من قدمها قدمُ متعلَّقاتها لكون تعلقاتِها حادثةً.

قال المؤلف رحمه الله: [وهوَ غيرُ المكوَّنِ عندَنا].

(الشرحُ): أنَّ التكوين غيرُ المكوَّن عند الماتريديةِ وجماعةٍ مِن قدماءِ الأشاعرةِ لأن الفعل يغاير المفعول بالضرورة كالضرب مع المضروب والأكل مع المأكول فإنَّ الضربَ غيرُ المضروب والأكلَ غيرُ المأكول.

أمَّا أغلبُ الأشاعرةِ فلمَّا كان التكوينُ عندهم عبارةً عن أثرِ القدرةِ القديمةِ وليس صفةً قائمة بذاتِ اللهِ فقد قالوا التكوينُ هو المُكَوَّنُ والمحظورُ الذي اتفق الفريقان أي الأشعرية والماتريدية على بطلانه هو جعلُ المكوَّنِ قديمًا أزليًّا.