الثلاثاء يوليو 8, 2025

شكر الله بالإسلام

العناوين الداخلية:

  • أعظم نعم الله على الإنسان الإسلام.
  • حال المسلم العاصي.
  • تعلم علم الدين من أفضل الواجبات.
  • علم التوحيد أساس الدين.

 

أعظم نعم الله على الإنسان الإسلام:

قال الإمام الحافظ عبد الله الهرري رحمه الله تعالى ونفعنا به:

الحمد لله رب العالمين وصلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمد أشرف المرسلين وعلى آله الطيبيين الطاهرين، أما بعد.

فإن أعظم نعم الله على الإنسان الإسلام، لأن الإسلام هو شكر لله تعالى، فمن لم يسلم لا يكون شاكراً لله، مهما عمل من الإحسان إلى الناس، وإغاثة الملهوفين وإطعام الفقراء والأرامل، كل ذلك لا يكون شكراً من هذا الإنسان لربه، إنما شكر الله بالإسلام بعبادته وحده، لأن من لم يعبد الله وحده لا يكون شاكراً.

الإسلام هو أعظم نعم الله، لأن الإنسان يكون شاكراً لخالقه بالإسلام. ثم بعد الإسلام إذا أكثر الحسنات، على حسب إكثاره من الحسنات، وتقوى الله يكون عند الله تعالى زائداً في الشكر يقال له شاكر وشكور، الشكور هي أعلى درجة، الشكور هي مرتبة الأنبياء والأولياء، هؤلاء يقال لهم: شكورون لأنهم أدوا حقوق الله على التمام على الكمال.

أما من لم يكن كذلك، بأن كان لم يصل إلى درجة التقوى أي ما أدى الواجبات كلها ولا اجتنب المحرمات كلها فهذا لا يقال له شاكر، إنما الشكور من كمل شكره لله تعالى، بأداء الفرائض واجتناب المحرمات والإكثار من النوافل والسنن التي هي ليست من الفرائض. الشكر لا يحصل مع الكفر، لا يحصل مع الكفر إلا مع الإسلام. الكافر ليس له شيء عند الله تعالى، بعد خروجه من هذه الدنيا ليس له شيء من الرحمة إلا العذاب المتواصل، ثم في الآخرة يكون أشد، عذاب الكافر في الآخرة يكون أشد، لأن عذابه في القبر قليل وخفيف بالنسبة لعذاب الآخرة.

 

حال المسلم العاصي:

أما المسلم الذي لا يتجنب المعاصي، فهذا حاله أقل من حال الشاكرين، ثم هو يرجو رحمة الله، فإما أن يدخله الله الجنة بلا عذاب ولا نكد ويكون محفوظاً في قبره من النكد والشدة، وإما أن يعاقب في القبر بنوع من النقمة والنكد والشدة، ثم يستوفي ما بقي له من العقاب في الآخرة ثم مآله الجنة، لا يرى بعد دخول الجنة نوعاً من النكد إلا الراحة والفرح والسرور الذي لا ينقطع، بحيث إنهم لا ينامون لأنه لا يلحقهم تعب لا في الجسم ولا في الفكر، ولا يجد النوم منهم قابلية.

المسلم على كل حال لا بد أن ينال رحمة الله في الآخرة، المسلم العاصي الذي مات وكان ارتكب من الذنوب الكبيرة ثم لم يتب منها فمات غافلاً، فهذا المسلم إما أن يعاقب في القبر وفي الآخرة وإما أن يسامحه الله، مهما كثرت ذنوبه يسامحه الله، إن شاء الله تعالى يسامح من شاء من المسلمين الذين ماتوا بلا توبة، لكن الشخص المسلم لا يعلم هل هو من الذين يسامحهم ولا يعاقبهم بالذنب الكبير الذي ماتوا قبل التوبة منه، بالذنب الذي من الذنوب الكبيرة، فمات هذا المسلم قبل التوبة لا يعلم حاله، علمه عند الله.

 

تعلم علم الدين من أفضل الواجبات:

فالواجب على الإنسان أن يبذل جهده في أداء الفرض واجتناب المعاصي، هذا المسلم المتيقن المهتم لآخرته، ثم من أعظم الذنوب ترك تعلم علم الدين، هذا من أكبر الكبائر الذي لا يتعلم ما فرض الله من علم التوحيد، ومن علم الأحكام: على الصلاة والصيام والزكاة والمال الحلال والمال الحرام وما أشبه ذلك، فمن لم يتعلم العلم الذي هو فرض عليه فهذا يكفيه ذنباً، وكثير من أهل هذا الزمن يعيشون من دون أن يتعلموا علم الدين، الذي هو فرض مؤكد على كل رجل وامرأة، هؤلاء على خطر عظيم، من أراد السلامة يتعلم علم الدين، ثم يعمل على حسب ما تعلم، يؤدي الواجبات ويجتنب المحرمات، هذا المسلم على خير إن تعلم وطبق ما تعلمه بالعمل، هذا على حال حسن.

أما الذي لا يتعلم علم الدين، فقد يكثر من الصلاة والصيام والصدقات والذكر يظن أنه على حال عظيم، وهو ليس له شيء! لأن هذه العبادات التي عملها غير موافقة للشرع فيخيب ظنه، لا يجد شيئاً مما كان يظنه ذخراً له في الآخرة مثال ذلك: أناس يشتغلون بصلاة الليل، يصلون بعد نصف الليل ويذكرون الكثير من الذكر، ثم هم من حيث لا يعلمون دخل عليهم ما يفسد عباداتهم لجهلهم، بعض الناس يشتغلون بالذكر والطريقة بدون علمٍ، فيظنون بأنسفهم أنهم صاروا في درجة عالية وهم هالكون!

مثال ذلك أن رجلاً كبيراً جاءني في بيروت، وقال لي: “أنا أقوم الليل، وأصوم السنة كلها إلا خمسة أيام، ثم ذكر لي عن حاله، قال: أنا أقول في السجود سبحان الجالس!” على زعمه الله قاعد على العرش، جسم قاعد على العرش، فهذا الرجل ما عرف خالقه، فكيف تنفعه صلاته وصيامه؟ العبادات تنفع من عرف الله، فهذا الرجل من نظر إلى ظاهره، يقول: هذا من الصالحين، لكنه من الهالكين بسبب ترك تعلم علم الدين، وعدم معرفته توحيد الله، لأن هذا الرجل يعتقد أن الله جسم قاعد على العرش فهذا كافر، لكن هو لا يدري أنه كافر! لما أنا نبّهته قلت له: هذا كفر، وكان عنده غير هذا من الضلال، كان في عمر ستين تقريباً، هذا الرجل من “ديار بكر” أتى وسكن بيروت، الذي ينظر إلى ظاهره يقول: هذا من عباد الله الصالحين.

كثيرٌ أمثال هذا يظنون أنهم متديّنون متمسكون بالدين، وهم ليسوا على الإسلام! ثم أيضاً أناسٌ يأخذون الطريقة القادرية، يجتمعون بعد المغرب جماعة يقرؤون ورداً إلى صلاة العشاء جهاراً بصوت رجل واحد يقولون: “اللهم أجرنا وأجر والدنيا وجميع المسلمين من النار!” سبع مرات، يرددونها سبع مرات، هؤلاء من جهلهم حرّفوا الذكر الذي حث عليه الرسول ﷺ، بقوله عليه الصلاة والسلام: “من قال عقب صلاة المغرب قبل أن يتكلم: اللهم أجرني من النار، إن مات في ليلته لا تمسه النار (أي نار جهنم، أي لا يدخل جهنم)، وإن قال بعد السلام من صلاة الفجر قبل أن يتكلم فإن مات في ذلك اليوم لا تمسه النار”، هذا الذي قاله الرسول، هؤلاء من جهلهم زادوا على ما قاله الرسول، غيّروه فقالوا كلاماً ضد الشرع، لأنهم يقولون: يا رب، لا تدخل أحداً من المسلمين النار! وهذا كلام باطل، لأنه لا بد أن يدخل بعض المسلمين النار ثم يخرجون. هؤلاء من شدة الجهل قالوا: يا رب لا تدخلنا ولا آباءنا وأمهاتنا ولا أحداً من المسلمين النار! هذا ضد القرآن وضد الحديث كفروا وهم لا يشعرون، هم يظنون أن لهم أجراً عظيماً، هذا موجودٌ في الجزائر وفي سوريا وفي الحبشة، هؤلاء ينتسبون للطريقة القادرية، طريقة سيدنا عبد القادر الجيلاني، هذه ليست من طريقته، إنما من جهلهم تصرفوا فهلكوا، لو قالوا مثل ما ذكره الرسول: “اللهم أجرني من النار” حصلوا على هذا الفضل العظيم، وكذلك إن قالوا: “اللهم أجرنا وأجر والدينا” من دون أن يزيدوا: “وجميع المسلمين” كان فيه خيرٌ.

 

علم التوحيد أساس الدين:

فالعلم هو سبيل النجاة، علم الدين هو سبيل النجاة والفلاح، به يعلم ما يقبله الله من الأعمال وما لا يقبله، بالعلم يعرف الصلاة التي فيها ثواب والتي ليس فيها ثواب، وكذلك بالعلم يعرف الزكاة التي يقبلها الله والتي لا يقبلها الله، كذلك بالعلم يعرف الحج الذي يقبله الله والحج الذي لا يقبله الله، كذلك الصيام والذكر كذلك بالعلم يعلم الذكر الذي يقبله الله والذي لا يقبله الله.

وأهمّ علم الدين علم التوحيد لأنه هو أساس الدين، فكما أن البناء لا يثبت إلا على أساس كذلك الدين لا يثبت إلا على أساسه، وأساسه التوحيد: معرفة الله بأنه موجود لا يشبه غيره، لا يشبه الجسم اللطيف والجسم الكثيف، ولا تحويه الجهات الست، ليس حالاً في الفراغ، ولا حالاً في العرش ولا في السماء ولا في الأرض، الجسم يحل في مكان وجهة، الشمس والقمر والنجوم في الفراغ مكانهم الفراغ، والبشر مكانهم هذه الأرض، الله الذي خلق هذه الأشياء كلها هذه الأجسام، كيف يكون جسماً؟ كيف يخلق الجسم الجسم؟ هؤلاء عقولهم سخيفة، هؤلاء الذين يظنون أن الله جسم بقدر العرش أو أصغر من العرش أو أوسع من العرش عقولهم سخيفة. الجسم لا يخلق الجسم، قولوا لهم لهؤلاء الوهابية وغيرهم ممن يظن أن الله جسم قاعد على العرش: الجسم لا يخلق الجسم، الله لو كان جسماً ما استطاع أن يخلق الجسم، من سخافة العقول جعلوا العرش مسكناً لله.

العرش، والكعبة التي في مكة كلتاهما قبلة، الكعبة قبلة للبشر والجن، أما العرش قبلة للملائكة الذين هناك، هم أكثر الملائكة، ملائكة السماوات والأرض والجنة والنار، عددهم قليل بالنسبة للذين حول العرش. الله جعل الكعبة قبلة لنا مسكن لله، ولا هذا مسكن لله. مصيبة هؤلاء الذين يعتقدون أن الله جسم وأنه في جهة فوق قياسهم لله على خلقه، لأن الخلق لا بد أن يكون له مكان، لا بد أن يكون له مقدار إما كبير وإما صغير، فقاسوا الله تعالى على خلقه، فقالوا: هو أيضاً له مكان يحله ويستقر فيه! هذا من قياس الخالق على المخلوق! هذا من سخافة العقل، كيف يقاس الخالق على المخلوق؟! هؤلاء لو قيل لهم: أنتم تقولوا إن الموجود لا بد أن يكون في مكان، فالله موجود فلا بد أن يكون في مكان ومكانه العرش؟ يقال لهم: هذا العرش، وهذا الفراغ والسماوات، والنور والظلام، لم يكن موجوداً، كل هؤلاء والجهات الست ما كانت موجودة قبل أن يخلقها الله ثم خلقها الله، الله الذي كان موجوداً قبل العرش وقبل الفراغ، وقبل كل مكان قبل أن يخلق العالم، فهو موجود بعد أن خلق العالم بلا مكان، كما كان قبل العالم بلا مكان، هكذا قولوا لهم. والحمد لله رب العالمين