#7
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، قَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، إِمَامِ الْأَتْقِيَاءِ الْعَارِفِينَ، سَيِّدِنَا وَقَائِدِنَا وَحَبِيبِنَا وَنُورِ أَبْصَارِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ الْأُمِّيِّ الْأَمِينِ، الْعَالِي الْقَدْرِ، الْعَظِيمِ الْجَاهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ.
(72) السُّؤَالُ الثَّانِي وَالسَّبْعِينَ: اذْكُرْ بَعْضَ الأَحْكَامِ الَّتِى تَتَعَلَّقُ بِالرِّدَّةِ.
مِنَ الأَحْكَامِ الَّتِى تَتَعَلَّقُ بِالْمُرْتَدِّ أَنَّ صِيَامَهُ يَبْطُلُ وَكَذَا تَيَمُّمُهُ وَنِكَاحُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِنْ رَجَعَ إِلَى الإِسْلامِ أَمَّا بَعْدَ الدُّخُولِ فَإِنْ رَجَعَ إِلَى الإِسْلامِ قَبْلَ انْتِهَاءِ الْعِدَّةِ تَعُودُ لَهُ زَوْجَتُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشْتَرَطَ تَجْدِيدُ عَقْدِ النِّكَاحِ. وَكَذَلِكَ نِكَاحُ الْمُرْتَدِّ لا يَصِحُّ عَلَى مُسْلِمَةٍ وَلا يَهُودِيَّةٍ وَلا نَصْرَانِيَّةٍ وَلا غَيْرِهِنَّ وَيَحْرُمُ أَكْلُ ذَبِيحَتِهِ وَلا يَرِثُ وَلا يُورَثُ وَلا تَجُوزُ الصَّلاةُ عَلَيْهِ وَلا يَجِبُ غَسْلُهُ وَلا يَجِبُ تَكْفِينُهُ وَلا يَجُوزُ دَفْنُهُ فِى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَمَالُهُ فَىْءٌ أَىْ يُصْرَفُ فِى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.
الشَّرْحُ: مَنِ ارْتَدَّ عَنِ الإِسْلامِ بَطَلَ صَوْمُهُ وَتَيَمُّمُهُ وَيَحْرُمُ أَكْلُ ذَبِيحَتِهِ وَلا يَرِثُ مَنْ مَاتَ مِنْ أَقْرِبَائِهِ الْمُسْلِمِينَ وَلا تَجُوزُ الصَّلاةُ عَلَيْهِ إذا مَاتَ وَلا يَجُوزُ دَفْنُهُ فِى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَلا يَرِثُهُ قَرِيبُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلا يَجُوزُ التَّرَحُّمُ عَلَيْهِ وَلا الِاسْتِغْفَارُ لَهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ النِّسَاءِ ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِنَّ اللَّهَ لَيَغْفِرُ لِعَبْدِهِ مَا لَمْ يَقَعِ الْحِجَابُ قَالُوا وَمَا وُقُوعُ الْحِجَابِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَنْ تَمُوتَ النَّفْسُ وَهِىَ مُشْرِكَةٌ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ. وَكَذَلِكَ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ لا يَغْفِرُهَا اللَّهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ مُحَمَّدٍ ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أَىْ وَمَنَعُوا النَّاسَ مِنَ الدُّخُولِ فِى الإِسْلامِ ﴿ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ وَهَذَا قَيْدٌ لِعَدَمِ الْمَغْفِرَةِ لَهُمْ فَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ مَاتَ كَافِرًا فَهُوَ مَحْرُومٌ مِنَ الْمَغْفِرَةِ إِنْ مَنَعَ النَّاسَ مِنَ الدُّخُولِ فِى الإِسْلامِ أَوْ لَمْ يَمْنَعْ فَلا يَجُوزُ الِاسْتِغْفَارُ لَهُ وَمَنِ اسْتَغْفَرَ لَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِمَوْتِهِ عَلَى الْكُفْرِ كَفَرَ لِتَكْذِيبِهِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ مُحَمَّدٍ ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ وَقَوْلَهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ النِّسَاءِ ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ﴾ وَقَوْلَهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ التَّوْبَةِ ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِىِّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِى قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ وَقَوْلَهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ النِّسَاءِ ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ وَقَوْلَهُ ﷺ إِنَّ اللَّهَ لَيَغْفِرُ لِعَبْدِهِ مَا لَمْ يَقَعِ الْحِجَابُ قَالُوا وَمَا وُقُوعُ الْحِجَابِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَنْ تَمُوتَ النَّفْسُ وَهِىَ مُشْرِكَةٌ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ.
وَكَذَا يَكْفُرُ مَنِ اسْتَغْفَرَ لِلْكَافِرِ الْحَىِّ وَقَصَدَ أَنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لَهُ مَعَ مُوَاظَبَتِهِ عَلَى الْكُفْرِ إِلَى الْمَوْتِ. أَمَّا مَنْ قَالَ لِكَافِرٍ حَىٍّ اللَّهُ يَغْفِرُ لَكَ وَقَصَدَ أَنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لَهُ بِدُخُولِهِ فِى الإِسْلامِ فَلا يَكْفُرُ. أَمَّا مَا وَرَدَ فِى الْقُرْءَانِ أَنَّ سَيِّدَنَا نُوحًا عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ لِقَوْمِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾ فَمَعْنَاهُ اطْلُبُوا مَغْفِرَةَ اللَّهِ بِالدُّخُولِ فِى الإِسْلامِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِعَمِّهِ أَبِى طَالِبٍ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ، مَعْنَاهُ لَأَطْلُبَنَّ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَغْفِرَ لَكَ بِدُخُولِكَ فِى الإِسْلامِ إِلَّا إِذَا مِتَّ عَلَى الْكُفْرِ لِأَنَّ الرَّسُولَ مَنْهِىٌّ عَنِ الِاسْتِغْفَارِ لِمَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ الإِسْلامِ. فَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الرَّسُولَ ﷺ كَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقُولَ لِكَافِرٍ حَىٍّ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ عَلَى مَعْنَى اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ فِى الإِسْلامِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لَنَا فَيَجُوزُ مَعَ الْقَيْدِ أَىْ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقُولَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ بِالإِسْلامِ.
وَمَنِ ارْتَدَّ عَنِ الإِسْلامِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِالزَّوْجَةِ بَطَلَ نِكَاحُهُ وَلا تَحِلُّ لَهُ وَلَوْ عَادَ إِلَى الإِسْلامِ إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ وَكَذَا يَبْطُلُ نِكَاحُهُ إِنِ ارْتَدَّ بَعْدَ الدُّخُولِ بِالزَّوْجَةِ وَلَمْ يَعُدْ إِلَى الإِسْلامِ فِى مُدَّةِ الْعِدَّةِ فَإِنْ عَادَ إِلَى الإِسْلامِ قَبْلَ انْتِهَاءِ الْعِدَّةِ فَلا يَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِ الْعَقْدِ عِنْدَ الشَّافِعِىِّ. وَمُدَّةُ الْعِدَّةِ ثَلاثَةُ أَطْهَارٍ لِمَنْ تَحِيضُ وَثَلاثَةُ أَشْهُرٍ قَمَرِيَّةٍ لِمَنْ لا تَحِيضُ وَأَمَّا الْحَامِلُ فَعِدَّتُهَا تَنْتَهِى بِوَضْعِ الْحَمْلِ. فَإِنْ جَامَعَ الْمُسْلِمُ امْرَأَتَهُ الْمُرْتَدَّةَ وَهُوَ لا يَعْلَمُ بِرِدَّتِهَا فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَيُنْسَبُ الْوَلَدُ الْمُنْعَقِدُ مِنْ هَذَا الْجِمَاعِ إِلَيْهِ وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمُرْتَدُّ هُوَ الزَّوْجُ وَجَامَعَ امْرَأَتَهُ الْمُسْلِمَةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَعْرِفَ بِرِدَّتِهِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهَا وَلا يُنْسَبُ الْوَلَدُ لَهُ أَمَّا الْكُفَّارُ الأَصْلِيُّونَ فَإِنَّ نِكَاحَهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ نِكَاحٌ يَثْبُتُ بِهِ نَسَبُ الْوَلَدِ فَيُقَالُ مَثَلًا عُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ فَيُنْسَبُ إِلَى أَبِيهِ مَعْ أَنَّهُ وُلِدَ مِنْ نِكَاحِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَالْمُرْتَدُّ لا يَصِحُّ عَقْدُ نِكَاحِهِ عَلَى مُسْلِمَةٍ وَلا غَيْرِهَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا حَصَلَ مِنْهُ كُفْرٌ فَإِنَّهُ يَخْسَرُ حَسَنَاتِهِ السَّابِقَةَ كُلَّهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْمَائِدَةِ ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ﴾ وَلا تَرْجِعُ إِلَيْهِ حَسَنَاتُهُ الَّتِى خَسِرَهَا بَعْدَ رُجُوعِهِ إِلَى الإِسْلامِ وَأَمَّا ذُنُوبُهُ الَّتِى عَمِلَهَا أَثْنَاءَ الرِّدَّةِ وَقَبْلَ ذَلِكَ فَلا تُمْحَى عَنْهُ بِرُجُوعِهِ إِلَى الإِسْلامِ إِنَّمَا الَّذِى يُغْفَرُ لَهُ بِذَلِكَ هُوَ الْكُفْرُ فَقَطْ وَأَمَّا الْكَافِرُ الأَصْلِىُّ أَىِ الَّذِى وُلِدَ بَيْنَ أَبَوَيْنِ كَافِرَيْنِ وَبَلَغَ عَلَى الْكُفْرِ فَإِنَّ ذُنُوبَهُ تُمْحَى بِإِسْلامِهِ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ الإِسْلامُ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ، أَىْ يَمْحُو مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنَ السَّيِّئَاتِ الْكُفْرِ وَمَا سِوَاهُ قَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْفُرْقَانِ ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ أَىْ أَنَّ الْكَافِرَ الأَصْلِىَّ إِذَا أَسْلَمَ يُغْفَرُ لَهُ كُفْرُهُ وَمَعَاصِيهِ ثُمَّ بَعْدَ إِسْلامِهِ إِذَا عَمِلَ حَسَنَاتٍ تُسَجَّلُ لَهُ هَذِهِ الْحَسَنَاتُ الْجَدِيدَةُ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ كُفْرَهُ وَمَعَاصِيَهُ تَنْقَلِبُ حَسَنَاتٍ كَمَا يَدَّعِى عَمْرُو خَالِد الدَّاعِيَةُ إِلَى الْكُفْرِ وَالإِلْحَادِ فَإِنَّهُ قَالَ فِى الْمُحَاضَرَةِ الْمُسَمَّاةِ التَّوْبَةَ إِنَّ الذَّنْبَ يُمْحَى وَيُكْتَبُ مَكَانَهُ حَسَنَةٌ حَتَّى إِنَّ الطَّائِعِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْسُدُونَ الْعُصَاةَ مِنْ كَثْرَةِ الذُّنُوبِ الَّتِى انْقَلَبَتْ حَسَنَاتٍ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ عَنِ الْعَاصِى الَّذِى تَابَ كُلُّ الصَّلَوَاتِ الَّتِى تَرَكَهَا انْقَلَبَتْ حَسَنَاتٍ وَالْمَالُ الْحَرَامُ الَّذِى أَكَلَهُ انْقَلَبَ حَسَنَاتٍ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ، وَهَذَا تَكْذِيبٌ صَرِيحٌ لِشَرِيعَةِ اللَّهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ حَصَلَ مِنْهُ كُفْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ اعْتِقَادِىٌّ أَوْ فِعْلِىٌّ أَوْ قَوْلِىٌّ لا يَنْفَعُهُ تَشَهُّدُهُ مَعَ الشَّكِّ فِى كَوْنِ مَا اعْتَقَدَهُ أَوْ فَعَلَهُ أَوْ نَطَقَ بِهِ كُفْرًا لِأَنَّهُ عِنْدَئِذٍ لا يَعْرِفُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالإِيمَانِ بَلْ لا بُدَّ أَنْ يَجْزِمَ بِقَلْبِهِ أَنَّ مَا حَصَلَ مِنْهُ هُوَ كُفْرٌ وَيَتَخَلَّى عَنْهُ وَيَنْطِقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ أَمَّا إِنْ تَشَهَّدَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْزِمَ بِقَلْبِهِ أَنَّهُ وَقَعَ فِى الْكُفْرِ فَلا يَنْفَعُهُ تَشَهُّدُهُ كَحَالِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ فَإِنَّهُمْ يَتَلَفَّظُونَ بِأَلْفَاظٍ كُفْرِيَّةٍ صَرِيحَةٍ فِى الْكُفْرِ أَوْ غَيْرِ صَرِيحَةٍ لَكِنَّهُمْ يَقْصِدُونَ بِهَا الْمَعْنَى الْكُفْرِىَّ ثُمَّ يَتَشَهَّدُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْرِفُوا أَنَّهَا كُفْرٌ فَيَتَبَرَّؤُوا مِنْهَا فِى قُلُوبِهِمْ فَتَشَهُّدُهُمْ هَذَا لا يَنْفَعُهُمْ.
وَأَمَّا تَشَهُّدُ الِاحْتِيَاطِ فَهُوَ أَنْ يَتَشَهَّدَ الشَّخْصُ أَىْ أَنْ يَنْطِقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ إِذَا صَارَ عِنْدَهُ احْتِمَالٌ وَلَوْ ضَعِيْفًا بِحُصُولِ الْكُفْرِ مِنْهُ. وَيَنْفَعُ فِى حَالَتَيْنِ الأُولَى إِذَا نَطَقَ الشَّخْصُ بِكَلِمَةٍ لَهَا مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا كُفْرٌ وَالآخَرُ لَيْسَ كُفْرًا ثُمَّ شَكَّ هَلْ قَصَدَ عِنْدَ نُطْقِهِ الْمَعْنَى الْكُفْرِىَّ أَوْ غَيْرَهُ أَىْ صَارَ عِنْدَهُ احْتِمَالٌ أَنَّهُ وَقَعَ فِى الْكُفْرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَئِذٍ أَنْ يَتَشَهَّدَ احْتِيَاطًا عَلَى الْفَوْرِ لِأَجْلِ أَنْ يَخْلُصَ مِنَ الْكُفْرِ إِنْ كَانَ حَصَلَ مِنْهُ فَإِنْ تَشَهَّدَ نَفَعَهُ وَلا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَشَهَّدَ مِنْ جَدِيدٍ إِذَا تَذَكَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ قَصَدَ الْمَعْنَى الْكُفْرِىَّ فَإِنْ لَمْ يُبَادِرْ فَوْرًا إِلَى التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَدْ رَضِىَ لِنَفْسِهِ بِالْبَقَاءِ عَلَى احْتِمَالِ حُصُولِ الْكُفْرِ مِنْهُ. وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ إِذَا عَلِمَ حُكْمَ مَسْأَلَةٍ أَنَّهَا كُفْرٌ وَلَمْ يَسْمَعْ بِحُكْمِهَا مِنْ قَبْلُ فَصَارَ عِنْدَهُ احْتِمَالٌ أَنْ تَكُونَ حَصَلَتْ مِنْهُ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَتَشَهَّدَ احْتِيَاطًا عَلَى الْفَوْرِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّبِىُّ إِذَا نَطَقَ بِالْكُفْرِ وَجَبَ نَهْيُهُ وَأَمْرُهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَلا يُصَلَّى خَلْفَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَشَهَّدَ وَتَشَهُّدُهُ لَيْسَ لِلدُّخُولِ فِى الإِسْلامِ بَلْ لِتَأْدِيبِهِ وَتَعْوِيدِهِ وَلا يَتَرَتَّبُ عَلَى الصَّبِىِّ أَثَرُ الرِّدَّةِ كَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْكَبِيرِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا بَلَغَ عَلَى الْعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ لا يُطَالَبُ بِالتَّشَهُّدِ لِلدُّخُولِ فِى الإِسْلامِ وَثَوَابُ عَمَلِهِ الَّذِى عَمِلَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ يَبْقَى. الصَّبِىُّ إِذَا نَطَقَ بِالْكُفْرِ يُقَالُ عَنْهُ كَفَرَ أَىْ حَصَلَ مِنْهُ صُورَةُ الْكُفْرِ أَمَّا إِذَا اعْتَقَدَ الْكُفْرَ فَيُقَالُ عَنْهُ كَافِرٌ حَقِيقَةً لَكِنْ إِذَا بَلَغَ عَلَى الْعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ لا يُطَالَبُ بِالتَّشَهُّدِ لِلدُّخُولِ فِى الإِسْلامِ. وَالصَّبِىُّ إِذَا نَطَقَ بِالْكُفْرِ وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِيْنَ فَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُغَسَّلُ وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ. أَمَّا غَيْرُ الْمُمَيِّزِ إِذَا نَطَقَ بِالْكُفْرِ فَنَأْمُرُهُ بِالتَّشَهُّدِ مِنْ بَابِ الِاسْتِحْسَانِ لِيَتَعَوَّدَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ كَفَّرَ مُسْلِمًا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ وَلا يَعْلَمُ عَنْهُ شَيْئًا يَعْتَقِدُهُ كُفْرًا كَفَرَ كَأَنْ قَالَ لَهُ يَا كَافِرُ وَأَرَادَ أَنَّ مَا عَلَيْهِ هَذَا الْمُسْلِمُ مِنَ الدِّينِ كُفْرٌ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ لِأَنَّهُ سَمَّى الإِسْلامَ كُفْرًا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ، فَقَوْلُهُ ﷺ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا أَىْ كَانَ الْوِزْرُ عَلَى أَحَدِهِمَا وَقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ أَىْ إِنْ كَانَ كَافِرًا حَقِيقَةً خَارِجًا مِنَ الإِسْلامِ فَالْوِزْرُ عَلَيْهِ دُونَ مَنْ كَفَّرَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ أَىْ وَإِلَّا كَانَ الْوِزْرُ عَلَى مَنْ كَفَّرَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِمَّا أَنْ يَقَعَ فِى ذَنْبٍ كَبِيرٍ لِأَنَّهُ كَفَّرَهُ مُتَأَوِّلًا أَىِ اعْتَمَدَ عَلَى سَبَبٍ فِى ذَلِكَ الشَّخْصِ ظَنَّهُ مُخْرِجًا مِنَ الإِسْلامِ وَهُوَ فِى الْحَقِيقَةِ لَيْسَ مُخْرِجًا مِنَ الإِسْلامِ كَأَنْ كَفَّرَهُ لِقَتْلِهِ نَفْسَهُ لِأَنَّهُ ظَنَّ لِجَهْلِهِ أَنَّ مُجَرَّدَ انْتِحَارِهِ كُفْرٌ فَكَفَّرَهُ وَإِمَّا أَنْ يَكْفُرَ بِهَذَا الْقَوْلِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الإِسْلامَ الَّذِى عَلَيْهِ هَذَا الشَّخْصُ الْمُسْلِمُ كُفْرًا. أَمَّا إِذَا قَالَ لَهُ يَا كَافِرُ وَقَصَدَ أَنَّهُ يُشْبِهُ الْكَافِرَ فِى خَسَاسَةِ أَعْمَالِهِ فَلا يَكْفُرُ لَكِنْ عَلَيْهِ ذَنْبٌ كَبِيرٌ.
(73) السُّؤَالُ الثَّالِثُ وَالسَّبْعِينَ: تَكَلَّمْ عَنْ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَعَلَى مَنْ يَجِبُ.
يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَدَاءُ جَمِيعِ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ صَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَحَجٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهُ عَلَى مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الإِتْيَانِ بِأَرْكَانِهِ وَشُرُوطِهِ وَيَجْتَنِبَ مُبْطِلاتِهِ فَلا يَكْفِى مُجَرَّدُ الْقِيَامِ بِصُوَرِ الأَعْمَالِ قَالَ ﷺ «رُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَر وَرُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعَ وَالْعَطَش» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ.
الشَّرْحُ: يَجِبُ عَلَى كُلِّ شَخْصٍ مُكَلَّفٍ أَدَاءُ جَمِيعِ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ كَالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَرَدِّ الْمَظَالِمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنْ يُؤَدِّيَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الإِتْيَانِ بِأَرْكَانِهِ وَشُرُوطِهِ وَالرُّكْنُ هُوَ مَا كَانَ جُزْءًا مِنَ الْعَمَلِ وَلا يَصِحُّ الْعَمَلُ بِدُونِهِ، وَشُرُوطِهِ وَالشَّرْطُ هُوَ مَا لَمْ يَكُنْ جُزْءًا مِنَ الْعَمَلِ لَكِنْ لا يَصِحُّ الْعَمَلُ بِدُونِهِ، وَيَجْتَنِبَ مُبْطِلاتِهِ أَيْ أَنْ يَبْتَعِدَ عَنْهَا وَيَتْرُكَهَا. وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ الْقِيَامِ بِصُوَرِ الأَعْمَالِ كَصُورَةِ الصَّلاةِ وَصُورَةِ الصِّيَامِ، كَمَا هُوَ الشَّأْنُ الْيَوْمَ بِاعْتِبَارِ أَحْوَالِ أَكْثَرِ النَّاسِ لِأَنَّهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى صُوَرِ الأَعْمَالِ، فَأَحَدُهُمْ يَذْهَبُ إِلَى الْحَجِّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَلَّمَ أَحْكَامَ الْحَجِّ وَيَكْتَفِي بِأَنْ يُقَلِّدَ النَّاسَ فِي أَعْمَالِهِمْ، هَؤُلاءِ يَدْخُلُونَ تَحْتَ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رُبَّ (أَيْ كَثِيرٌ). رُبَّ قَائِمٍ (وَالْقَائِمُ هُوَ الْمُصَلِّي فِي اللَّيْلِ) لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ، وَرُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ. رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. مَعْنَى الحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَنَالُ الثَّوَابَ عَلَى هٰذَا وَلَا عَلَى هٰذَا.
(74) السُّؤَالُ الرَّابِعُ وَالسَّبْعِينَ: مَنْ كَانَ تَارِكًا لِشَىْءٍ مِنَ الْفَرَائِضَ مَاذَا يَجِبُ تُجَاهَهُ.
يَجِبُ عَلَى مَنْ رَأَى تَارِكَ شَىْءٍ مِمَّا افْتَرَضَ اللَّهُ أَوْ يَأْتِى بِهِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ أَنْ يَأْمَرَهُ بِالإِتْيَانِ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِى يَصِحُّ بِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ قَهْرُهُ عَلَى ذَلِكَ إِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ الإِنْكَارُ بِقَلْبِهِ إِنْ عَجَزَ عَنِ الْقَهْرِ وَالأَمْرِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ أَىْ أَقَلُّ مَا يَلْزَمُ الإِنْسَانَ عِنْدَ الْعَجْزِ.
الشَّرْحُ: يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفِ أَمْرُ مَنْ رَءَاهُ تَارِكَ شَىْءٍ من الفَرَائِضِ أَوْ يَأْتِي بِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا تَصِحُّ الْفَرِيضَةُ إِنْ فَعَلَهَا عَلَيْهِ كَأَنَّ تَرْكَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِهَا أَوْ شَرْطًا مِنْ شُرُوطِهَا، بِالإِتْيَانِ بِهَا عَلَى وَجْهِهَا أَيْ يَأْمُرُهُ بِالإِتْيَانِ بِهَا عَلَى الوَجْهِ الَّذِي تَصِحُّ بِهِ، هَذَا إِنْ كَانَ يُخِلُّ بِفَرْضٍ أَوْ يَأْتِي بِمُبْطِلٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ عِنْدَ الأَئِمَّةِ. وَعَلَى هَذَا فَمَنْ رَأَى رَجُلًا كَاشِفًا فَخِذَيْهِ فِي الصَّلاةِ أَوْ غَيْرِهَا لَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ هَذَا حَرَامٌ بِأَنْ يَكُونَ هَذَا الشَّخْصُ الَّذِي كَشَفَ فَخِذَهُ يَعْتَقِدُ بِأَنَّ كَشْفَ الْفَخِذِ عَلَى الرَّجُلِ حَرَامٌ حِينَئِذٍ يَجِبُ الإِنْكَارُ عَلَيْهِ لِأَنَّ فَخِذَ الرَّجُلِ اخْتَلَفَ الأَئِمَّةُ فِي حُكْمِهِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ إِنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا الْفَخِذُ لَيْسَ عَوْرَةً وَقَالَ بِذَلِكَ ءَاخَرُونَ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ.
(75) السُّؤَالُ الْخَامِسُ وَالسَّبْعِينَ: تَكَلَّمْ عَنِ اجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ.
يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ تَرْكُ جَمِيعِ الْمُحَرَّمَاتِ وَنَهْىُ مُرْتَكِبِهَا وَمَنْعُهُ قَهْرًا مِنْهَا إِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُنْكِرَ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ. وَيُشْتَرَطُ فِى النَّهْىِ عَنِ الْحَرَامِ أَنْ لا يُؤَدِّىَ إِلَى مُنْكَرٍ أَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ الْمُنْكَرِ وَإِلَّا فَلا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَكُونُ عُدُولًا عَنِ الْفَسَادِ إِلَى الأَفْسَدِ. قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
الشَّرْحُ: يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ إِذَا رَأَى شَخْصًا لا يُؤَدِّي الْوَاجِبَاتِ عَلَى وَجْهِهَا قَهْرُهُ بِإِرْغَامِهِ عَلَى تَأْدِيَةِ الْفَرَائِضِ عَلَى وَجْهِهَا إِنْ قَدَرَ عَلَى الْقَهْرِ وَالأَمْرِ. مَنْ عَلِمَ أَنَّ إِنْسَانًا لا يُؤَدِّي هَذِهِ الْفَرَائِضَ صَحِيحَةً أَوْ يَتْرُكُهَا بِالْمَرَّةٍ وَكَانَ لَا يَمْتَثِلُ إِلَّا بِالْقَهْرِ يَجِبُ أَنْ يَقْهَرَهُ عَلَى ذَلِكَ أَيْ أَنْ يُرْغِمَهُ إِنِ اسْتَطَاعَ أَيْ يَحْمِلُهُ عَلَى ذٰلِكَ، يُجْبِرُهُ بِالقُوَّةِ، حَسَبْ، أَحْيَانًا بِصَرْخَةٍ، وَأَحْيَانًا بِنَظْرَةٍ، وَأَحْيَانًا بِغَيْرِ ذٰلِكَ، وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ الإِنْكَارُ أَيْ كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ الْفِعْلِ بِقَلْبِهِ إِنْ عَجَزَ عَنِ الْقَهْرِ وَالأَمْرِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُجْرِيَ على قَلْبِهِ عِبَارَةً كَقَوْلِ “اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا مُنْكَرٌ لَا أَرْضَاهُ” بَلْ يَكْفِي كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ الْمُنْكَرِ بِقَلْبِهِ، وذلك أَضْعَفُ الإِيْمَانِ أَيْ أَقَلُّ مَا يَلْزَمُ الإِنْسَانَ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ الْقَهْرِ وَالأَمْرِ.
وَالْمُرَادُ بِالرُّؤْيَةِ فِي حَدِيثِ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِرْهُ بِيَدِهِ إِلَى ءَاخِرِه الْعِلْمُ بِوُجُودِ الْمُنْكَرِ لَا خُصُوصُ الرُّؤْيَةِ بِالْبَصَرِ فَإِنَّ الْعَرَبَ يُطْلِقُونَ الرُّؤْيَةَ وَيُرِيدُونَ بِهَا الْعِلْمَ فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ. أَمَّا إِنْ كَانَ يَسْتَطِيعُ الإِنْكَارَ بِالْيَدِ أَوِ الْقَوْلِ فَلا يَكْفِيهِ الإِنْكَارُ بِالْقَلْبِ فَهَذِهِ الْكَرَاهِيَةُ لَا تُخَلِّصُهُ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ يَعْنِي عَلَيْهِ مَعْصِيَةٌ لِأَنَّهُ مَا أَدَّى الوَاجِبَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ يَسْتَطِيعُ الإِنْكَارَ بِاليَدِ أَوْ بِاللِّسَانِ، فَلَمْ يُنْكِرْ إِلَّا بِقَلْبِهِ، وَالسَّالِمُ مَنْ أَنْكَرَ إِنِ اسْتَطَاعَ بِيَدِهِ فَإِنْ عَجَزَ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ عَجَزَ فَبِقَلْبِهِ.
(76) السُّؤَالُ السَّادِسُ وَالسَّبْعِينَ: مَا هُوَ الْحَرَامُ وَمَا هُوَ الْوَاجِبُ.
الْحَرَامُ الَّذِى فَرَضَ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَجْتَنِبُوهُ وَهُوَ مَا فِى ارْتِكَابِهِ عِقَابٌ وَفِى تَرْكِهِ ثَوَابٌ وَعَكْسُهُ الْوَاجِبُ.
الشَّرْحُ: حَدُّ الْحَرَام هُوَ مَا تَوَعَّدَ اللَّهُ فَاعِلَهُ بِالْعِقَابِ أَيْ مَا يَسْتَحِقُّ فَاعِلُهُ الْعِقَابَ فِي الآخِرَةِ وَوَعَدَ تَارِكَهُ امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ بِالثَّوَابِ، أما من ترك الحرام خَوْفًا مِنْ مَخْلُوقٍ أَوْ حَيَاءً فَلا يُثَابُ عَلَيْهِ وَكَذَا إِنْ تَرَكَهُ بِلا قَصْدِ شىْءٍ، فَالْحَرَامُ إِنْ تَرَكَهُ خَوْفًا مِنَ النَّاسِ أَوِ اسْتِحْيَاءً مِنَ النَّاسِ لَيْسَ لَهُ ثَوابٌ إِلَّا إِنْ تَرَكَهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَهُ.
وَعَكْسُ الْحَرَامِ حَدُّ الْوَاجِب وَهُوَ مَا وَعَدَ اللَّهُ فَاعِلَهُ امْتِثَالًا بِالثَّوَابِ وَتَوَعَّدَ تَارِكَهُ بِالْعِقَابِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الأَحْكَامَ فِى الشَّرْعِ سَبْعَةٌ الْوَاجِبُ وَهُوَ مَا يُثَابُ الْعَبْدُ عَلَى فِعْلِهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ وَالْمَنْدُوبُ أَىِ الْمَسْنُونُ وَهُوَ مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَلا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ كَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ أَىْ أَنْ يَقُولَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَالْمُبَاحُ وَهُوَ مَا لا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَلا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ أَىْ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ سَوَاءٌ كَأَنْ يَشْرَبَ الْحَلِيبَ بَدَلَ الشَّاىِ وَالْحَرَامُ وَهُوَ مَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِهِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَالْمَكْرُوهُ وَهُوَ مَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَلا يُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِهِ كَالأَكْلِ بِالْيَدِ الْيُسْرَى. وَالْبَاطِلُ وَهُوَ مَا فَقَدَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِهِ كَالصِّيَامِ بِلا نِيَّةٍ أَوْ شَرْطًا مِنْ شُرُوطِهِ كَالصَّلاةِ بِلا طَهَارَةٍ، وَالصَّحِيحُ وَهُوَ مَا اسْتَوْفَى الشُّرُوطَ وَالأَرْكَانَ.
(77) السُّؤَالُ السَّابِعُ وَالسَّبْعِينَ: أَعْطِ بَعْضَ الأَمْثِلَةِ عَنِ اعْتِقَادَاتٍ كُفْرِيَّةٍ.
مَنْ دَانَ بِدِينٍ غَيْرِ الإِسْلامِ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْ بِآيَةٍ فِى الْقُرْءَانِ أَوْ لَمْ يُؤْمِنْ بِنَبِىٍّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ الْمَعْلُومِ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ نُبُوَّتُهُ أَو ِاعْتَقَدَ حِلَّ أَمْرٍ حُرْمَتُهُ مَعْلُومَةٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَوِ اعْتَقَدَ حُرْمَةَ أَمْرٍ حِلُّهُ مَعْلُومٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَوْ شَبَّهَ اللَّهَ بِالْمَخْلُوقِينَ كَأَنِ اعْتَقَدَ الْمَكَانَ أَوِ الْجِهَةَ فِى اللَّهِ كَفَرَ كُفْرًا اعْتِقَادِيًّا.
الشَّرْحُ: وَيَكْفُرُ مَنْ شَكَّ فِي وُجُودِ اللهِ، أَوْ وَحْدَانِيَّتِهِ، أَوْ حِكْمَتِهِ، أَوْ عَدْلِهِ، أَوِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللهَ يَسْكُنُ فِي مَكَانٍ، أَوْ أَنَّ لَهُ حَجْمًا، أَوْ شَكْلًا، أَوْ لَوْنًا، أَوْ جِهَةً، أَوْ شَكَّ فِي صِدْقِ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ، أَوْ فِي رِسَالَتِهِ أَيْ فِي كَوْنِهِ مُرْسَلًا مِنْ عِنْدِ اللهِ، أَوْ شَكَّ فِي الْقُرْءَانِ هَلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ أَوْ لَا، أَوْ شَكَّ فِي الْيَوْمِ الْآخِرِ أَيْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ هَلْ يَكُونُ أَوْ لَا، أَوْ شَكَّ فِي الْجَنَّةِ، أَوِ النَّارِ، أَوِ الثَّوَابِ، أَوِ الْعِقَابِ أَيْ فِي وُجُودِهَا فِي الْآخِرَةِ، أَوْ جَوَّزَ الرَّذَائِلَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، أَوِ اعْتَقَدَ أَنَّ نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ جَاءَ بِغَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ. وقد أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ الإِسْلامِيُّونَ أَىِ اتَّفَقَ عُلَمَاءُ الإِسْلامِ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ دَانَ بِغَيْرِ الإِسْلامِ أَىْ مَنِ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ دِينًا غَيْرَ دِينِ الإِسْلامِ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ لَمْ يُكَفِّرْهُ أَىْ مَنْ لَمْ يُكَفِّرْ مَنْ دَانَ بِغَيْرِ الإِسْلامِ أَوْ شَكَّ فِى كُفْرِهِ كَأَنْ يَقُولَ لَعَلَّهُ كَافِرٌ وَلَعَلَّهُ غَيْرُ كَافِرٍ أَوْ تَوَقَّفَ فِى تَكْفِيرِهِ كَأَنْ يَقُولَ أَنَا لا أَقُولُ إِنَّهُ كَافِرٌ وَلا أَقُولُ إِنَّهُ غَيْرُ كَافِرٍ لِتَكْذِيبِهِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ ءَالِ عِمْرَانَ ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.
(78) السُّؤَالُ الثَّامِنُ وَالسَّبْعِينَ: أَعْطِ بَعْضَ الأَمْثِلَةِ عَنْ أَفْعَالٍ كُفْرِيَّةٍ.
الَّذِى يَرْمِى الْمُصْحَفَ فِى الْقَاذُورَاتِ أَوْ يَسْجُدُ لِصَنَمٍ أَوْ لِشَمْسٍ أَوْ يَفْعَلُ أَىَّ فِعْلٍ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ لا يَصْدُرْ إِلَّا مِنْ كَافِرٍ فَهُوَ كَافِرٌ كُفْرًا فِعْلِيًّا.
الشَّرْحُ: يَكْفُرُ مَنْ يَدُوسُ عَلَى الْمُصْحَفِ أَوْ يَرْمِيهِ فِي الْقَاذُورَاتِ أَوْ يَبُولُ عَلَيْهِ أَوْ يَكْتُبُ الْقُرْآنَ بِالْبَوْلِ أَوْ بِدَمِ الْحَيْضِ وَلَوْ لِغَرَضِ الِاسْتِشْفَاءِ بِزَعْمِهِ أَوْ يَرْمِي وَرَقَةً فِيهَا اسْمُ اللهِ فِي نَجَاسَةٍ عَمْدًا أَوْ يَسْجُدُ لِصَنَمٍ أَوْ شَمْسٍ أَوْ شَيْطَانٍ أَوْ نَارٍ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ عِبَادَتَهَا أَوْ عَلَّقَ شِعَارَ الْكُفْرِ عَلَى نَفْسِهِ لِاعْتِقَادِ وُجُودِ الْبَرَكَةِ فِيهِ أَوْ عَلَّقَهُ تَعْظِيمًا لَهُ أَوْ جَوَّزَ تَعْلِيقَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ. وَشِعَارُ الْكُفْرِ هُوَ مَا اتَّخَذَهُ الْكُفَّارُ عَلَامَةً دِينِيَّةً خَاصَّةً بِهِمْ.
(79) السُّؤَالُ التَّاسِعُ وَالسَّبْعِينَ: أَعْطِ بَعْضَ الأَمْثِلَةِ عَنْ أَقْوَالٍ كُفْرِيَّةٍ.
الَّذِى يَشْتِمُ اللَّهَ أَوِ الرَّسُولَ أَوِ الدِّينَ الإِسْلامِىَّ أَوِ الْكَعْبَةَ أَوْ يَسْتَخِفُّ بِالْجَنَّةِ أَوْ بِوَعِيدِ اللَّهِ الَّذِى لا يَخْفَى عَلَيْهِ نِسْبَةُ ذَلِكَ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ أَوْ يَسْتَهْزِئُ بِالصَّلاةِ أَوْ بِالْحَجِّ فَهُوَ كَافِرٌ كُفْرًا قَوْلِيًّا. وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ فِيهِ اسْتِخْفَافٌ بِاللَّهِ أَوْ مَلائِكَتِهِ أَوْ أَنْبِيَائِهِ أَوْ وَعْدِهِ أَوْ وَعِيدِهِ أَوْ شَعَائِرِ دِينِهِ فَهُوَ كُفْرٌ فَلْيَحْذَرِ الإِنْسَانُ مِنْ ذَلِكَ جَهْدَهُ عَلَى أَىِّ حَالٍ.
الشَّرْحُ: قَالَ الْعُلَمَاءُ كُلُّ عَقْدٍ أَىِ اعْتِقَادٍ يَحْصُلُ فِى الْقَلْبِ أَوْ فِعْلٍ يَحْصُلُ بِالْجَوَارِحِ كَيَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ أَوْ قَوْلٍ يَتَلَفَّظُ بِهِ بِلِسَانِهِ يَدُلُّ عَلَى اسْتِخْفَافٍ بِاللَّهِ أَوْ كُتُبِهِ أَوْ رُسُلِهِ أَوْ مَلائِكَتِهِ أَوْ شَعَائِرِهِ وَمَعَالِمِ دِينِهِ أَوْ أَحْكَامِهِ أَوْ وَعْدِهِ أَوْ وَعِيدِهِ كُفْرٌ فَلْيَحْذَرِ الإِنْسَانُ مِنْ ذَلِكَ جَهْدَهُ عَلَى أَىِّ حَالٍ أَىْ لِيَعْمَلِ الإِنْسَانُ عَلَى تَجَنُّبِ الْكُفْرِ غَايَةَ مُسْتَطَاعِهِ فَإِنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ.
قَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ التَّوْبَةِ ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَءَايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيـمَانِكُمْ﴾ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا يَهْوِى بِهَا فِى النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِى هُرَيْرَةَ، أَىْ أَنَّ الإِنْسَانَ قَدْ يَتَكَلَّمُ بِكَلِمَةٍ لا يَرَى فِيهَا ضَرَرًا وَلا يَعْتَبِرُهَا مَعْصِيَةً يَنْزِلُ بِسَبَبِهَا فِى النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ حَتَّى يَصِلَ إِلَى قَعْرِهَا وَلا يَصِلُ إِلَى قَعْرِ النَّارِ إِلَّا الْكَافِرُ.
وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِاللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ نَسَبَ لِلَّهِ نَقْصًا كَفَرَ كَأَنْ قَالَ اللَّهُ جِسْمٌ قَاعِدٌ فَوْقَ الْعَرْشِ أَوْ لَهُ شَكْلٌ أَوْ لَوْنٌ أَوْ قَالَ اللَّهُ يَسْكُنُ السَّمَاءَ أَوْ نَسَبَ الظُّلْمَ إِلَى اللَّهِ كَأَنْ قَالَ اللَّهُ يَظْلِمُكَ أَوْ قَالَ أَنَا بَرِىءٌ مِنَ اللَّهِ أَوْ قَالَ أَنَا عَايِفِ اللَّهِ أَىْ كَرِهْتُ اللَّهَ أَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنَ اللَّهِ أَوْ قَالَ بِالْعَامِيَّةِ أَنَا قَدْ اللَّه يَقْصِدُ الْمُمَاثَلَةَ فِى الْحَجْمِ أَوِ الْمَنْزِلَةِ أَوْ سَمَّى اللَّهَ مَاكِرًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ مُسْتَهْزِئًا أَوْ قَالَ هَرَبَ اللَّهُ أَوْ قَالَ فُلانٌ زَاحَ رَبِّى فَإِنَّ فِيهِ نِسْبَةَ الْحَرَكَةِ وَالِانْتِقَالِ وَالْمَكَانِ لِلَّهِ أَوْ قَالَ بِالْعَامِيَّةِ فُلانٌ خَوَتْ رَبِّى أَىْ جَنَّنَهُ أَوْ قَالَ يلْعَنْ سَمَاءَ رَبِّكَ فَإِنَّ هَذَا اسْتِخْفَافٌ بِاللَّهِ لِأَنَّ مَنْ يَتَلَفَّظُ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ يُرِيدُ بِهَا لَعْنَ الْخَالِقِ وَكَذَا يَكْفُرُ إِنْ قَصَدَ سَبَّ السَّمَاءِ الَّتِى هِىَ مَسْكَنُ الْمَلائِكَةِ لِأَنَّ اللَّهَ عَظَّمَ شَأْنَهَا وَجَعَلَهَا قِبْلَةَ الدُّعَاءِ وَمَهْبِطَ الرَّحَمَاتِ وَالْبَرَكَاتِ. وَكَذَا يَكْفُرُ مَنِ اسْتَخَفَّ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ الِاسْمَ الَّذِى يَسْتَخِفُّ بِهِ هُوَ اسْمٌ لِلَّهِ أَوِ اسْتَخَفَّ بِأَمْرِ اللَّهِ كَأَنْ قَالَ مُسْتَخِفًّا بِأَمْرِ اللَّهِ لَوْ أَمَرَنِى اللَّهُ بِكَذَا لَمْ أَفْعَلْهُ.
وَيَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ كُتُبًا عَلَى بَعْضِ أَنْبِيَائِهِ أَشْهَرُهَا الْقُرْءَانُ وَالإِنْجِيلُ أَىِ الأَصْلِىُّ وَالتَّوْرَاةُ أَىِ الأَصْلِيَّةُ وَالزَّبُورُ. وَهَذِهِ الْكُتُبُ عِبَارَةٌ عَنْ كَلامِ اللَّهِ الأَزَلِىِّ الَّذِى لا يُشْبِهُ كَلامَ الْمَخْلُوقِينَ وَكُلُّ مَا فِيهَا حَقٌّ وَصِدْقٌ فَهِىَ مُعَظَّمَةٌ عِنْدَ اللَّهِ فَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُعَظِّمَهَا التَّعْظِيمَ الْوَاجِبَ وَأَنْ نُنْزِلَهَا الْمَنْزِلَةَ الَّتِى أَمَرَ بِهَا الشَّرْعُ فَمَنْ حَقَّرَهَا وَاسْتَخَفَّ بِهَا أَىِ اعْتَبَرَهَا شَيْئًا حَقِيرًا لا شَأْنَ لَهُ كَفَرَ سَوَاءٌ اسْتَخَفَّ بِهَا بِالْفِعْلِ أَوِ الْقَوْلِ أَوِ الِاعْتِقَادِ كَأَنْ أَلْقَى الْمُصْحَفَ أَوْ وَرَقَةً مَكْتُوبًا فِيهَا شَىْءٌ مِنَ الْقُرْءَانِ فِى الْقَاذُورَاتِ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدِ الِاسْتِخْفَافَ لِأَنَّ فِعْلَهُ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ الْحَنَفِىُّ، أَوْ دَاسَ عَلَى الْقُرْءَانِ بِقَدَمِهِ أَوْ كَتَبَ الْقُرْءَانَ بِالْبَوْلِ أَوْ شَكَّ فِى حَقِّيَّةِ وَصِحَّةِ مَا فِى الْقُرْءَانِ أَوِ اعْتَقَدَ أَنَّ مَا فِيهِ كَذِبٌ أَوِ اسْتَخَفَّ بِآيَةٍ مِنَ الْقُرْءَانِ كأَنْ قَالَ وَقَدْ مَلَأَ وِعَاءً ﴿وَكَأْسًا دِهَاقًا﴾ بِقَصْدِ الِاسْتِخْفَافِ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِى الْجَنَّةِ مِنَ الْكَأْسِ الْمُمْتَلِئَةِ شَرَابًا هَنِيئًا لِأَنَّ أَعْظَمَ نَعِيمٍ خَلَقَهُ اللَّهُ هُوَ نَعِيمُ الْجَنَّةِ فَمَنْ جَعَلَ نَعِيمَ الْجَنَّةِ شَيْئًا لا قَدْرَ لَهُ فَهُوَ كَافِرٌ لِأَنَّهُ كَذَّبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَوْ قَالَ عِنْدَ رُؤْيَةِ جَمْعٍ مِنَ النَّاسِ ﴿وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدَا﴾ بِقَصْدِ الِاسْتِخْفَافِ بِهَذِهِ الآيَةِ كَفَرَ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ.
وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِرُسُلِ اللَّهِ أَىْ أَنْبِيَائِهِ بِأَنْ نَسَبَ إِلَيْهِمُ الْقَبَائِحَ وَالرَّذَائِلَ كَفَرَ كَـأَنْ قَالَ عَنْ نَبِىٍّ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ إِنَّهُ كَافِرٌ أَو كَاذِبٌ أَوْ خَائِنٌ أَوْ جَبانٌ أَوْ فَاسِقٌ أَوْ خَسِيسٌ أَوْ سَفِيهٌ أَوْ رَذِيلٌ أَوْ زَانٍ أَوْ يَهُمُّ بِالزِّنَى أَوْ كَانَ مُتَعَلِّقَ القَلْبِ بِالنِّسَاءِ أَوْ يُشْبِهُ القُرُودَ أَوْ لا يُحْسِنُ النُّطْقَ فَمَنْ نَسَبَ إِلَى سَيِّدِنَا ءَادَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنَّهُ كَانَ شَبِيهًا بِالْقِرْدِ أَوْ كَانَ يَمْشِى بَيْنَ النَّاسِ عُرْيَانًا أَىْ مِنْ غَيْرِ ثِيَابٍ أَوْ مَا كَانَ يَعْرِفُ الْكَلامَ أَوْ أَنَّ سَيِّدَنَا يُوسُفَ هَمَّ بِالزِّنَى بِامْرَأَةِ الْعَزِيزِ أَوْ أَنَّ سَيِّدَنَا مُوسَى كَانَ سَيِّئَ الْخُلُقِ أَوْ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا كَانَ شَهْوَانِيًّا مُتَعَلِّقَ الْقَلْبِ بِالنِّسَاءِ أَوْ صَغَّرَ اسْمَ نَبِىٍّ بِقَصْدِ تَحْقِيرِهِ كَأَنْ قَالَ عَنْ مُوسَى مُوَيْسَى أَوْ عَنْ عِيسَى عُوَيْسَى فَهُوَ كَافِرٌ.
وَيَكْفُرُ مَنْ يَسْتَهْزِئُ بِفِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِ الرَّسُولِ ﷺ أَوْ بِأَمْرٍ مِنْ أَوَامِرِهِ كَالَّذِى يَسْتَهْزِئُ بِلُبْسِ الْعِمَامَةِ أَوِ الْقَمِيصِ الطَّوِيلِ الَّذِى يُعْرَفُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ الْيَوْمَ بِالْجَلَّابِيَّةِ أَوِ الدِّشْدَاشَةِ وَكَذَا الَّذِى يَسْتَهْزِئُ بِالأَكْلِ بِالأَصَابِعِ الثَّلاثَةِ الإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى لِأَنَّ الرَّسُولَ ﷺ كَانَ يَأْكُلُ بِثَلاثِ أَصَابِعَ وَيَلْعَقُ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَهَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، أَوْ يَسْتَهْزِئُ بِاسْتِعْمَالِ السِّوَاكِ أَوْ إِعْفَاءِ اللِّحْيَةِ أَوْ نَتْفِ الإِبْطِ أَوِ الِاسْتِحْدَادِ أَىْ حَلْقِ الْعَانَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ الرَّسُولَ ﷺ فَعَلَ ذَلِكَ أَوْ مَدَحَهُ.
وَمَنِ استخَفَّ بِمَلائِكَةِ اللهِ كَفَرَ كَأَنْ قَالَ لَوْ شَهِدَ عِنْدِى الْمَلائِكَةُ بِكَذَا مَا قَبِلْتُهُمْ أَىْ مَا صَدَّقْتُهُمْ كَفَرَ لِأَنَّهُ يَكُونُ استَخَفَّ بِهِمْ وَطَعَنَ فِى صِدْقِهِمْ وَأَمَانَتِهِمْ أَوْ قَالَ أَنَا بَرِىءٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَىْ لا أُعَظِّمُ الْمْلَائِكَةَ الَّذِينَ كَرَّمَهُمُ اللَّهُ وَعَظَّمَهُمْ أَوِ اعْتَقَدَ أَنَّ بَعْضَ الْمَلائِكَةِ شَرِبَ الْخَمْرَ وَزَنَى وَقَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ نَسَبَ الْخِيَانَةَ إِلَى الْمَلَكِ جِبْرِيلَ عَلَيهِ السَّلامُ بِأَنْ قَالَ إِنَّ جِبرِيلَ أُمِرَ بِالنُّزُولِ بِالْوَحْىِ عَلَى عَلِىٍّ فَـنَـزَلَ عَلَى مُحَمَّدٍ كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ تَاهَ الأَمِينُ أَوْ سَبَّ سَيِّدَنَا عَزْرَائِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ أَىْ ذَمَّهُ وَحَقَّـرَهُ فَلَمْ يُعَظِّمْهُ التَّعْظِيمَ الْوَاجِبَ اللَّائِقَ بِهِ بَلْ نَقَّصَهُ وَعَابَهُ أَىْ نَسَبَ إِلَيْهِ الْعَيْبَ وَالنَّقصَ، كَفَرَ كَمَا قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ الْمَالِكِىُّ فِى تَبْصِرَةِ الْحُكَّامِ فَمَنْ قَالَ لِشَخْصٍ أَكْرَهُكَ كَمَا أَكْرَهُ عَزْرَائِيلَ كَفَرَ لِأَنَّ عَزْرَائِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ مَلَكٌ يَجِبُ تَعْظِيمُهُ وَلا يَجُوزُ الِاسْتِخْفَافُ بِهِ قَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْبَقَرَةِ ﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ﴾.
وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِشَعَائِرِ اللَّهِ كَفَرَ كَالَّذِى يَقُولُ لَيْسَ الشَّأْنُ بِالصَّلاةِ إِنَّمَا الشَّأْنُ فِى حُسْنِ الْمُعَامَلَةِ مَعَ النَّاسِ أَوْ يَقُولُ الصِّيَامُ لَيْسَ لَهُ مَعْنًى. وَشَعَائِرُ اللَّهِ أَىْ مَعَالِمُ دِينِهِ أَىْ مَا كَانَ مَشْهُورًا مِنْ أُمُورِ الدِّينِ كَالصَّلاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالأَذَانِ وَالْكَعْبَةِ وَالْمَسَاجِدِ وَعِيدِ الأَضْحَى وَعِيدِ الْفِطْرِ وَالطَّوَافِ وَرَمْىِ الْجِمَارِ.
وَمِنَ الِاسْتِخْفَافِ بِشَعَائِرِ اللَّهِ الِاسْتِهْزَاءُ بِالسُّنَّةِ أَوْ ذَمُّ الْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ كَقَوْلِ سَيِّدِ قُطُبٍ زَعِيمِ حِزْبِ الإِخْوَانِ إِنَّ تَعَلُّمَ الْفِقْهِ مَضْيَعَةٌ لِلْعُمْرِ وَالأَجْرِ ذَكَرَ ذَلِكَ فِى كِتَابِهِ الْمُسَمَّى فِى ظِلالِ الْقُرْءَانِ وَهُوَ مُعَارِضٌ لِلْقُرْءَانِ وَالْحَدِيثِ وَإِجْمَاعِ الأُمَّةِ وَيُعَدُّ تَصْغِيرًا لِمَا عَظَّمَ اللَّهُ وَكَذَلِكَ مَا يَقُولُهُ بَعْضُ الْجَهَلَةِ إِنَّ التَّعَمُّقَ فِى الدِّينِ يُعَقِّدُ الإِنْسَانَ أَوْ يُجَنِّنُهُ.
وَمِنْ شَعَائِرِ الدِّينِ حِجَابُ الْمَرْأَةِ فَمَنِ اسْتَخَفَّ بِسَتْرِ الْمَرْأَةِ لِرَأْسِهَا كَفَرَ أَوِ اسْتَخَفَّ بِسَتْرِ الْمَرْأَةِ لِوَجْهِهَا وَكَانَ عَالِمًا بِاسْتِحْبَابِ ذَلِكَ فِى الشَّرْعِ كَأَنْ جَعَلَ هَذَا تَخَلُّفًا كَفَرَ لِأَنَّهُ ذَمَّ مَا هُوَ مَمْدُوحٌ فِعْلُهُ فِى الشَّرْعِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّلاةَ عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ فَهِىَ نُورٌ وَبَرَكَةٌ وَرَحْمَةٌ وَخَيْرٌ مَنِ اسْتَخَفَّ بِهَا كَفَرَ كَأَنْ قَالَ لَيْسَ الشَّأْنُ بِالصَّلاةِ إِنَّمَا الشَّأْنُ فِى حُسْنِ الْمُعَامَلَةِ مَعَ النَّاسِ أَوْ قَالَ مَا أَصَبْتُ خَيْرًا مُنْذُ صَلَّيْتُ لِأَنَّ التَّشَاؤُمَ مِنَ الصَّلاةِ يُعَدُّ اسْتِخْفَافًا بِهَا فَهَؤُلاءِ الَّذِينَ يَتَشَاءَمُونَ بِالصَّلاةِ يَعْتَقِدُونَ هَذِهِ الْعِبَادَةَ الْعَظِيمَةَ مَصْدَرًا لِلشُّؤْمِ وَالْخُسْرَانِ فَيَعْتَبِرُونَهَا ضَارَّةَ لَهُمْ وَكَذَا يَكْفُرُ إِنْ قَالَ أَكُونُ قَوَّادًا إِنْ صَلَّيْتُ لِأَنَّهُ اسْتَهْزَأَ بِالصَّلاةِ وَاسْتَخَفَّ بِهَا وَالْقَوَّادُ هُوَ الَّذِى يَجْلِبُ الزَّبَائِنَ لِلزَّانِيَاتِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَمَرَهُ شَخْصٌ بِالصَّلاةِ فَقَالَ لا أُصَلِّى مُسْتَخِفًّا بِالصَّلاةِ أَوِ قَالَ الصَّلاةُ لا تَصْلُحُ لِى بِقَصْدِ الِاسْتِهْزَاءِ بِالصَّلاةِ كَفَرَ بِخِلافِ مَا لَوْ قَالَتْ ذَلِكَ امْرَأَةٌ حَائِضٌ بِقَصْدِ أَنَّ الصَّلاةَ لا تَصِحُّ مِنْهَا وَهِىَ حَائِضٌ فَلا تَكْفُرُ.
وَمَنْ أَنْكَرَ وُجُوبَ الصَّلاةِ الْمَفْرُوضَةِ عَلَيْهِ كَفَرَ لِتَكْذِيبِهِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ النِّسَاءِ ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا﴾ وَقَوْلَهُ ﷺ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ مَنْ أَتَى بِهِنَّ بِتَمَامِهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَهَذَا بِخِلافِ مَنْ يَعْتَقِدُ بِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ لَكِنَّهُ لا يُصَلِّى فَإِنَّهُ لا يَكْفُرُ لَكِنْ عَلَيْهِ ذَنْبٌ كَبِيرٌ وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ مُرْتَكِبَ الْمَعْصِيَةِ الْكَبِيرَةِ لا يَكْفُرُ إِذَا لَمْ يَسْتَحِلَّهَا كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بنُ سَلامَةَ الطَّحَاوِىُّ فِى عَقِيدَتِهِ.
وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِحُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ شَرْعِ اللَّهِ كَفَرَ كَأَنْ عَلِمَ بِحُكْمِ الشَّرْعِ أَنَّ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ مِنَ التَّرِكَةِ ثُمَّ اسْتَخَفَّ بِهِ أَوْ أَعْطَاهُ عَالِمٌ فَتْوًى فَقَالَ أَيْشٍ أَىْ أَىُّ شَىْءٍ هَذَا الشَّرْعُ مُرِيدًا بِهَذَا الْقَوْلِ الِاسْتِخْفَافَ بِحُكْمِ الشَّرْعِ وَالِاعْتِرَاضَ عَلَيْهِ أَوْ قَالَ لَهُ شَخْصٌ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا الْحَرَامَ أَلا تَعْرِفُ الْحُكْمَ فَقَالَ لا أَعْرِفُ الْحُكْمَ مُسْتَهْزِئًا بِحُكْمِ اللَّهِ كَفَرَ.
وَمَنْ سَخِرَ بِوَعْدِ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ بِالْجَنَّةِ وَمَا أَعَدَّ فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ الْعَظِيمِ كَفَرَ كَالَّذِى يَقُولُ الْجَنَّةُ لُعْبَةُ الصِّبْيَانِ أَوْ إِنَّ نَعِيمَ الدُّنْيَا أَفْضَلُ مِنْ نَعِيمِ الْجَنَّةِ وَكَذَلِكَ لَوْ سَخِرَ بِوَعِيدِ اللَّهِ لِلْكَافِرِينَ وَالْعُصَاةِ بِالنَّارِ وَمَا أَعَدَّ فِيهَا مِنَ الْعَذَابِ الأَلِيمِ كَقَوْلِ بَعْضِ السُّفَهَاءِ غَدًا نَتَدَفَّأُ بِنَارِ جَهَنَّمَ فَإِنَّ ذَلِكَ كُفْرٌ لِمَا فِيهِ مِنَ الِاسْتِهْزَاءِ بِالدِّينِ وَتَكْذِيبِ الْقُرْءَانِ أَمَّا سَبُّ جَهَنَّمَ أَىْ ذَمُّهَا كَقَوْلِ جَهَنَّمُ خَبِيثَةٌ أَوْ أَنَا أَكْرَهُ جَهَنَّمَ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنَ الِاسْتِخْفَافِ بِوَعِيدِ اللَّهِ بَلْ ذَلِكَ جَائِزٌ لِأَنَّ جَهَنَّمَ لَيْسَتْ مُعَظَّمَةً كَالْجَنَّةِ إِنَّمَا هِىَ شَىْءٌ شَدِيدٌ وَلَوْ كَانَتْ مُعَظَّمَةً مَا كُنَّا نَقُولُ اللَّهُمَّ أَجِرْنَا مِنَ النَّارِ إِنَّمَا الْكُفْرُ أَنْ يُقَالَ عَنْهَا لَيْسَتْ بِشَىْءٍ أَوْ هِىَ شَىْءٌ خَفِيفٌ. جَهَنَّمُ يُسْتَعَاذُ بِاللَّهِ مِنْهَا فَإِنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا عَلَّمَهُ الرَّسُولُ ﷺ لِأُمَّتِهِ أَنْ يَقُولُوهُ فِى الصَّلاةِ اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ تَعَالَى فِى ذَمِّ جَهَنَّمَ فِى سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ ﴿وَبِئْسَ الْقَرَارُ﴾ وَقَالَ فِى سُورَةِ النِّسَاءِ ﴿وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لا يُعْفَى الْجَاهِلُ فِى أُصُولِ الدِّينِ وَلا يُعْذَرُ فِيمَا يَقَعُ مِنْهُ مِنَ الْكُفْرِ لِعَدَمِ اهْتِمَامِهِ بِالدِّينِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ قَدْرًا مِنْ عِلْمِ الدِّينِ يُصَحِّحُ بِهِ عَقِيدَتَهُ وَيَحْفَظُ بِهِ إِسْلامَهُ عَمَّا يُفْسِدُهُ وَيُبْطِلُهُ فَلَوْ كَانَ الْجَهْلُ يُسْقِطُ الْمُؤَاخَذَةَ أَىِ الْعُقُوبَةَ فِى الآخِرَةِ لَكَانَ الْجَهْلُ خَيْرًا لِلنَّاسِ مِنَ الْعِلْمِ وَهَذَا خِلافُ قَوْلِهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ الزُّمَرِ ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ خَيْرٌ مِنَ الْجَهْلِ. قَالَ الْفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ لا تَسْتَوْحِشْ طُرُقَ الْهُدَى لِقِلَّةِ أَهْلِهَا وَلا يَغُرَّنَّكَ كَثْرَةُ الْهَالِكِينَ، أَىْ لا تَنْظُرْ إِلَى كَثْرَةِ مَنْ يَتَخَبَّطُ بِالْمَعَاصِى وَالْجَهْلِ وَلا تَتْرُكْ طَرِيقَ السَّلامَةِ وَلَوْ قَلَّ سَالِكُوهَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ رَضِىَ بِكُفْرِ غَيْرِهِ كَأَنْ ضَحِكَ لِقَوْلِ شَخْصٍ كَلِمَةَ الْكُفْرِ عَلَى وَجْهِ الْمُوَافَقَةِ لَهُ عَلَى قَوْلِهِ كَفَرَ وَكَذَا مَنِ اسْتَحْسَنَ الْكُفْرَ أَىِ أَعْتَقَدَهُ شَيْئًا حَسَنًا كَأَنْ قَالَ لا بَأْسَ بِهِ أَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِهِ كَأَنْ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَكْفُرَ بِاللَّهِ أَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى الْكُفْرِ كَأَنْ قَالَ لَهُ اكْفُرْ بِاللَّهِ وَإِلَّا قَتَلْتُكَ أَوْ أَعَانَ غَيْرَهُ عَلَيْهِ كَأَنْ أَعْطَى زَوْجَتَهُ الْكَافِرَةَ مَا تَسْتَعِينُ بِهِ لِفِعْلِ الْكُفْرِ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ أَوْ فَرِحَ بِهِ كَأَنْ سَمِعَ كُفْرًا مِنْ غَيْرِهِ فَفَرِحَ بِهِ أَوْ تَمَنَّاهُ كَأَنْ قَالَ لَيْتَنِى كُنْتُ كَافِرًا أَوْ سَمَّى الْكُفْرَ إِيمَانًا كَأَنْ قَالَ عَنْ رَجُلٍ يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ قَاعِدٌ عَلَى الْعَرْشِ إِنَّهُ مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ أَوْ أَشَارَ عَلَى كَافِرٍ أَنْ يَبْقَى عَلَى الْكُفْرِ مُدَّةً كَأَنْ عَلِمَ أَنَّ كَافِرًا يُرِيدُ أَنْ يُسْلِمَ فَقَالَ لَهُ فَكِّرْ فِى الأَمْرِ أَوَّلًا ثُمَّ ارْجِعْ إِلَىَّ لِأُعَلِّمَكَ كَيْفِيَّةَ الدُّخُولِ فِى الإِسْلامِ أَوْ نَوَى أَنْ يَكْفُرَ فِى الْمُسْتَقْبَلِ كَأَنْ عَزَمَ عَلَى تَرْكِ الإِسْلامِ فِى الْمُسْتَقْبَلِ أَوْ عَلَّقَ كُفْرَهُ بِحُصُولِ أَمْرٍ كَأَنْ قَالَ إِنْ حَصَلَ كَذَا أَكْفُرُ أَوْ تَرَدَّدَ هَلْ يَكْفُرُ أَوْ لا كَفَرَ فِى الْحَالِ.
وَكَذَلِكَ إِذَا مَنَعَ غَيْرَهُ مِنَ الدُّخُولِ فِى الإِسْلامِ كَأَنْ مَنَعَ زَوْجَتَهُ الْكِتَابِيَّةَ مِنَ الدُّخُولِ فِى الإِسْلامِ أَوْ سَمَّى الإِسْلامَ كُفْرًا كَأَنْ قَالَ لِمُسْلِمٍ يَا كَافِرُ وَأَرَادَ أَنَّ مَا عَلَيْهِ هَذَا الْمُسْلِمُ مِنَ الدِّينِ كُفْرٌ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ وَلا يَعْلَمُ عَنْهُ شَيْئًا يَعْتَقِدُهُ كُفْرًا كَفَرَ لِأَنَّهُ سَمَّى الإِسْلامَ كُفْرًا أَوِ اسْتَحْسَنَ الْمَعْصِيَةَ كَأَنْ قَالَ عَنْ مَعْصِيَةٍ لا بَأْسَ بِهَا أَوِ اسْتَحَلَّهَا مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ كَأَنِ اسْتَحَلَّ السَّرِقَةَ أَوْ قَتْلَ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ قَبَّحَ مَا حَسَّنَهُ الشَّرْعُ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ حَسَنٌ كَأَنِ اعْتَبَرَ تَغْطِيَةَ الْمَرْأَةِ لِوَجْهِهَا أَمْرًا قَبِيحًا أَوْ حَسَّنَ مَا قَبَّحَهُ الشَّرْعُ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ قَبِيحٌ كَأَنِ اسْتَحْسَنَ الْكَذِبَ أَوْ حَرَّمَ حَلالًا مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ حَلالٌ كَأَنْ حَرَّمَ الْبَيْعَ أَوِ النِّكَاحَ أَىِ الزِّوَاجَ أَوْ أَنْكَرَ فَرْضًا مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ فَرْضٌ كَأَنْ أَنْكَرَ فَرْضِيَّةَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ أَوْ أَنْكَرَ حُكْمًا مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ كَأَنْ أَنْكَرَ فَرْضِيَّةَ الْحِجَابِ أَىْ أَنْكَرَ وُجُوبَ تَغْطِيَةِ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ أَىْ غَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ لِرَأْسِهَا أَمَامَ الأَجَانِبِ أَوْ أَوْجَبَ مَا لَيْسَ وَاجِبًا مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ كَمَنْ أَوْجَبَ سُنَنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ أَىْ قَالَ عَنْ صَلاةِ السُّنَّةِ إِنَّهَا فَرْضٌ.
وَكَذَا يَكْفُرُ مَنْ سَمَّى الْكُتُبَ الْمُحَرَّفَةَ كَالتَّوْرَاةِ الْمُحَرَّفَةِ كُتُبًا مُقَدَّسَةً أَوْ سَمَّى الْمَعَابِدَ الدِّينِيَّةَ لِلْكُفَّارِ بُيُوتَ اللَّهِ أَوِ اعْتَقَدَ أَنَّ دِينًا غَيْرَ دِينِ الإِسْلامِ دِينٌ صَحِيحٌ أَوْ قَالَ أَنَا أَحْتَرِمُ كُلَّ الأَدْيَانِ الإِسْلامَ وَغَيْرَهُ أَوِ اعْتَقَدَ أَنَّ عِيسَى أَوْ مُوسَى أَوْ إِبْرَاهِيمَ مَا كَانُوا مُسْلِمِينَ أَوِ اعْتَقَدَ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَّمَ غَيْرَ دِينِ الإِسْلامِ أَوْ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَّمَ الْيَهُودِيَّةَ أَوْ قَالَ إِنَّ نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ جَاءَ بِغَيْرِ دِينِ الإِسْلامِ أَوْ شَكَّ فِى كُفْرِ مَنْ دَانَ بِغَيْرِ الإِسْلامِ أَوْ تَوَقَّفَ فِيهِ كَأَنْ قَالَ أَنَا لا أَقُولُ إِنَّهُ كَافِرٌ وَلا أَقُولُ إِنَّهُ غَيْرُ كَافِرٍ لِتَكْذِيبِهِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ ءَالِ عِمْرَانَ ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.
(80) السُّؤَالُ الثَّمَانُونَ: اذْكُرْ قَوْلَ عَالِمٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ بَيَّنَ أَنَّ الرِّدَّةَ تَنْقَسِمُ إِلَى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ اعْتِقَادَاتٍ وَأَفْعَالٍ وَأَقْوَالٍ.
ذَكَرَ ذَلِكَ النَّوَوِىُّ فِى الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ كَرَوْضَةِ الطَّالِبِينَ قَالَ فِى الْمِنْهَاجِ «الرِّدَّةُ هِىَ قَطْعُ الإِسْلامِ بِنِيَّةٍ أَوْ قَوْلِ كُفْرٍ أَوْ فِعْلٍ سَوَاءٌ قَالَهُ اسْتِهْزَاءً أَوْ عِنَادًا أَوِ اعْتِقَادًا».
الشَّرْحُ: الْمَذَاهِبُ الأَرْبَعَةُ متَّفِقَةٌ عَلَى تَقْسِيمِ الكُفْرِ إِلَى أَنْوَاعِهِ الثَّلَاثَة وَعَلَى هَذَا التَّقْسِيم كَانَ مُفْتِي بَيْرُوتَ الأَسْبَق عَبْدُ البَاسِطِ الفَاخُورِيُّ فَإِنَّهُ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ الكِفَايَةُ لِّذَوِي العِنَايَةِ فِي أَحْكَامِ الرِّدَّةِ، وَهِيَ قَطْعُ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ الْإِسْلَامَ وَلَوْ امْرَأَةً بِنِيَّةِ الكُفْرِ أَوْ فِعْلٍ مُكَفِّرٍ أَوْ قَوْلٍ مُكَفِّرٍ سَوَاءٌ قَالَهُ اسْتِهْزَاءً أَوْ اعْتِقَادًا أَوْ عِنَادًا.
وَقَدِ اسْتَدَل الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى هَذَا التَّقْسِيمِ بِالْقُرْءَانِ الْكَريْمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ﴾ فَإِنَّ هَذِهِ الآيَةَ يُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّ الْكُفْرَ مِنْهُ قَوْلِيٌّ وَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ أَيْ لَمْ يَشُكُّوا وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْكُفْرَ مِنْهُ اعْتِقَادِيٌّ لِأَنَّ الِارْتِيَابَ أَيِ الشَّكَّ يَكُونُ بِالْقَلْبِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمِنْ ءايَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْكُفْرَ مِنْهُ فِعْلِيٌّ. فَهَذِهِ الآيَةُ القُرْءَانِيَّةُ الْعَظِيمَةُ اسْتَدَلَّ بِهَا العُلمَاءُ عَلَى أَنَّ مِنَ الكُفْرِ مَا يُسَمَّى كُفْرًا فِعْلِيًّا كَالْسُّجُودِ لِلْشَمْسِ وَالْقَمَرِ أَوْ لِلْشَّيطَانِ أَوِ النَّارِ أَوْ رَمْيِ الْمُصْحَفِ فِي القَاذُورَاتِ أَوِ الدَّوْسِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ،كُلُّ هَذَا مُخْرِجٌ مِنْ دِينِ اللهِ.
وَهَذَا التَّقْسِيمُ اتَّفَقَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ بَلْ هُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ. وَمِمَّن ذَكَرَ ذَلِكَ فِي مُؤَلَّفَاتِهِ النَّوَوِيُّ الشَّافِعِيُّ فِي رَوْضَةِ الطَّالِبين وابْنُ عَابِدِينَ الحَنَفِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ رَدُّ الْمُحْتَارِ عَلى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَالْشَّيْخُ مُحَمَّدُ عِليشٍ الْمَالِكِيُّ الأَزْهَرِيُّ فِي شَرْحِ مِنَحِ الجَلِيلِ وَالْشَّيْخُ مَنْصُورٍ البُهُوتِيُّ الحَنْبَلِيُّ فِي شَرْحِ مُنْتَهَى الْإِرَادَاتِ وَكَذَلِكَ الْمُفْتِي الشَّيْخُ عَبْدُ البَاسِطِ الفَاخُورِيُّ مفْتِي بَيْرُوتَ الأسْبَق فِي كِتَابِهِ الكِفَايَةُ لِذَوِي العِنَايَةِ.
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
لِمُشَاهَدَةِ الدَّرْسِ: https://youtu.be/yakJt8MXphM
لِلِاسْتِمَاعِ إِلَى الدَّرْسِ: https://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/bahja-7
الْمَوْقِعُ الرَّسْمِيُّ لِلشَّيْخِ جِيل صَادِق: https://shaykhgillessadek.com