#2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، قَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، إِمَامِ الْأَتْقِيَاءِ الْعَارِفِينَ، سَيِّدِنَا وَقَائِدِنَا وَحَبِيبِنَا وَنُورِ أَبْصَارِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ الْأُمِّيِّ الْأَمِينِ، الْعَالِي الْقَدْرِ، الْعَظِيمِ الْجَاهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ.
(8) السُّؤَالُ الثَّامِنُ: مَا مَعْنَى أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِجْمَالًا.
مَعْنَى أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِجْمَالًا أَعْتَرِفُ بِلِسَانِى وَأَعْتَقِدُ بِقَلْبِى أَنْ لا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إِلَّا اللَّهُ أَىْ لا أَحَدَ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُتَذَلَّلَ لَهُ نِهَايَةَ التَّذَلُّلِ إِلَّا اللَّهُ وَهَذِهِ هِىَ الْعِبَادَةُ الَّتِى مَنْ صَرَفَهَا لِغَيْرِ اللَّهِ صَارَ مُشْرِكًا وَلَيْسَ مَعْنَاهَا مُجَرَّدَ النِّدَاءِ أَوِ الِاسْتِعَانَةِ أَوِ الِاسْتِغَاثَةِ كَمَا زَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ قَالَ الإِمَامُ تَقِىُّ الدِّينِ السُّبْكِىُّ «الْعِبَادَةُ أَقْصَى غَايَةِ الْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ».
الشَّرْحُ: مَعْنَى أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِجْمَالًا أَىْ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ أَعْتَرِفُ بِلِسَانِى وَأَعْتَقِدُ بِقَلْبِى أَنْ لا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إِلَّا اللَّهُ أَىْ لا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ أَنْ يُعْبَدَ أَىْ أَنْ يُتَذَلَّلَ لَهُ نِهَايَةُ التَّذَلُّلِ إِلَّا اللَّهُ وَفَسَّرَهَا الإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الأَشْعَرِىُّ بِقَوْلِهِ لا خَالِقَ لِشَىْءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ إِلَّا اللَّهُ وَهَذَا التَّفْسِيرُ أَحْسَنُ ذَكَرَهُ الإِمَامُ الْبَيْهَقِىُّ فِى كِتَابِ الِاعْتِقَادِ.
الْعِبَادَةُ هِيَ نِهَايَةُ التَّذَلُّلِ، أَيْ أَقْصَى غَايَةِ التَّعْظِيمِ، أَمَّا التَّوَسُّلُ فَهُوَ طَلَبُ حُصُولِ مَنْفَعَةٍ أَوِ انْدِفَاعِ مَضَرَّةٍ مِنَ اللَّهِ بِذِكْرِ اسْمِ نَبِىٍّ أَوْ وَلِىٍّ إِكْرَامًا لِلْمُتَوَسَّلِ بِهِ. وَالتَّوَسُّلُ لَيْسَ عِبَادَةً لِغَيْرِ اللَّهِ كَمَا تَدَّعِى الْوَهَّابِيَّةُ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ هِىَ أَقْصَى غَايَةِ الْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ كَمَا قَالَ الإِمَامُ تَقِىُّ الدِّينِ السُّبْكِىُّ فِى فَتَاوِيهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ نِهَايَةُ التَّذَلُّلِ كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلامِ الرَّاغِبِ الأَصْبَهَانِىِّ فِى مُفْرَدَاتِهِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ مُرْتَضَى الزَّبِيدِىُّ فِى تَاجِ الْعَرُوسِ.
وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ التَّوَسُّلِ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِى حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ فَهُوَ مَا رَوَاهُ الْحَافِظُ الطَّبَرَانِىُّ فِى الْمُعْجَمِ الصَّغِيرِ أَنَّ الرَّسُولَ ﷺ عَلَّمَ الأَعْمَى أَنْ يَتَوَسَّلَ بِهِ فَذَهَبَ وَتَوَسَّلَ بِهِ فِى غَيْرِ حَضْرَتِهِ وَعَادَ إِلَى مَجْلِسِ الرَّسُولِ وَقَدْ أَبْصَر، وَكَانَ مِمَّا عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِىِّ الرَّحْمَةِ يَا مُحَمَّدُ إِنِّى أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّى فِى حَاجَتِى (وَيُسَمِّى حَاجَتَهُ) لِتُقْضَى لِى. وَبِهَذَا الْحَدِيثِ بَطَلَ زَعْمُ الْوَهَّابِيَّةِ أَنَّهُ لا يَجُوزُ التَّوَسُّلُ إِلَّا بِالْحَىِّ الْحَاضِرِ لِأَنَّ الأَعْمَى لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا فِى مَجْلِسِ الرَّسُولِ حِينَ تَوَسَّلَ بِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ رَاوِىَ الْحَدِيثِ عُثْمَانَ بنَ حُنَيْفٍ قَالَ لَمَّا رَوَى حَدِيثَ الأَعْمَى فَوَاللَّهِ مَا تَفَرَّقْنَا وَلا طَالَ بِنَا الْمَجْلِسُ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْنَا الرَّجُلُ وَقَدْ أَبْصَر. فَقَوْلُهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْنَا الرَّجُلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الأَعْمَى لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا فِى مَجْلِسِ الرَّسُولِ حِينَ تَوَسَّلَ بِهِ بِقَوْلِهِ يَا مُحَمَّدُ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الأَعْمَى تَوَسَّلَ بِالرَّسُولِ فِى غَيْرِ حَضْرَتِهِ أَنَّهُ ثَبَتَ النَّهْىُ عَنْ نِدَاءِ الرَّسُولِ بِاسْمِهِ فِى وَجْهِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾.
وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ التَّوَسُّلِ بِرَسُولِ اللَّهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ أَنَّ عُثْمَانَ بنَ حُنَيْفٍ عَلَّمَ رَجُلًا هَذَا الدُّعَاءَ الَّذِى فِيهِ تَوَسُّلٌ بِرَسُولِ اللَّهِ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ عِنْدَ سَيِّدِنَا عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ فِى خِلافَتِهِ وَمَا كَانَ يَتَيَسَّرُ لَهُ الِاجْتِمَاعُ بِهِ حَتَّى قَرَأَ هَذَا الدُّعَاءَ فَتَيَسَّرَ أَمْرُهُ بِسُرْعَةٍ وَقَضَى لَهُ سَيِّدُنَا عُثْمَانُ حَاجَتَهُ. قَالَ الطَّبَرَانِىُّ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ. أَمَّا قَوْلُ الأَلْبَانِىِّ إِنَّ مُرَادَ الطَّبَرَانِىِّ بِقَوْلِهِ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ هُوَ مَا فَعَلَهُ الأَعْمَى فِى حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ وَلَيْسَ مَا فَعَلَهُ الرَّجُلُ بَعْدَ وَفَاةِ الرَّسُولِ أَيَّامَ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ فَمَرْدُودٌ لِأَنَّ عُلَمَاءَ مُصْطَلَحِ الْحَدِيثِ قَالُوا الْحَدِيثُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَرْفُوعِ إِلَى النَّبِىِّ وَعَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَى الصَّحَابِىِّ أَىْ أَنَّ كَلامَ الرَّسُولِ يُسَمَّى حَدِيثًا وَقَوْلَ الصَّحَابِىِّ يُسَمَّى حَدِيثًا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ مِنْهُمُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلانِىُّ كَمَا نَقَلَ عَنْهُ السُّيُوطِىُّ فِى تَدْرِيبِ الرَّاوِى وَابْنُ الصَّلاحِ فِى مُقَدِّمَتِهِ فِى عُلُومِ الْحَدِيثِ وَكَذَلِكَ الإِمَامُ أَحْمَدُ.
وَأَخِيرًا نَذْكُرُ مَا قَالَهُ ابْنُ تَيْمِيَةَ شَيْخُ الْمُجَسِّمَةِ فِى هَذِهِ الْمَسْئَلَةِ وَلَيْسَ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ الَّذِينَ يُرْجَعُ إِلَيْهِمْ فِى مَعْرِفَةِ أُمُورِ الدِّينِ بَلْ لِيَكُونَ كَلامُهُ حُجَّةً فِى هَذِهِ الْمَسْئَلَةِ عَلَى الْفِرْقَةِ الْوَهَّابِيَّةِ أَدْعِيَاءِ السَّلَفِيَّةِ الَّذِينَ يُشَنِّعُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْمُتَوَسِّلِينَ بِالأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ قَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ فِى كِتَابِهِ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ فِى الصَّحِيفَةِ الثَّالِثَةِ وَالسَّبْعِينَ مَا نَصُّهُ فَصْلٌ فِى الرَّجُلِ إِذَا خَدِرَتْ رِجْلُهُ عَنِ الْهَيْثَمِ بنِ حَنَشٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَخَدِرَتْ رِجْلُهُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ اذْكُرْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيْكَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ فَكَأَنَّمَا نَشِطَ مِنْ عِقَالٍ. وَكِتَابُهُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ثَابِتٌ أَنَّهُ مِنْ تَأْلِيفِهِ ذَكَرَ ذَلِكَ صَلاحُ الدِّينِ الصَّفَدِىُّ وَكَانَ مُعَاصِرًا لِابْنِ تَيْمِيَةَ وَيَتَرَدَّدُ عَلَيْهِ وَأَثْبَتَ ذَلِكَ الأَلْبَانِىُّ فِى مُقَدِّمَةِ النُّسْخَةِ الَّتِى طَبَعَهَا الْوَهَّابِىُّ تِلْمِيذُ الأَلْبَانِىِّ زُهَيْرُ الشَّاوِيشُ، فَإِنْ قَالُوا ابْنُ تَيْمِيَةَ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ رَاوٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ يُقَالُ لَهُمْ مُجَرَّدُ إِيرَادِهِ لَهُ فِى هَذَا الْكِتَابِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ اسْتَحْسَنَهُ لِأَنَّ الَّذِى يُورِدُ الْبَاطِلَ فِى كِتَابِهِ وَلا يُحَذِّرُ مِنْهُ فَهُوَ دَاعٍ إِلَيْهِ وَتَسْمِيَتُهُ لِلْكِتَابِ بِالْكَلِمِ الطَّيِّبِ أَىِ الْكَلامِ الطَّيِّبِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ اسْتَحْسَنَ كُلَّ مَا فِيهِ. فَهُمْ وَقَعُوا فِى حَيْرَةٍ لِأَنَّ ابْنَ تَيْمِيَةَ أَجَازَ قَوْلَ يَا مُحَمَّدُ عِنْدَ الضِّيقِ وَاسْتَحْسَنَهُ وَهَذَا فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ عِنْدَهُمْ وَقَائِلُ هَذَا إِمَامُهُمُ الَّذِى أَخَذُوا مِنْهُ أَكْثَرَ عَقَائِدِهِمْ، فَمَاذَا يَقُولُونَ كَفَرَ لِهَذَا أَمْ لَمْ يَكْفُرْ، فَإِنْ قَالُوا كَفَرَ وَهُمْ يُسَمُّونَهُ شَيْخَ الإِسْلامِ فَهَذَا تَنَاقُضٌ يُكَفِّرُونَهُ وَيُسَمُّونَهُ شَيْخَ الإِسْلامِ. إِنْ قَالُوا نَحْنُ عَلَى صَوَابٍ وَابْنُ تَيْمِيَةَ اسْتَحَلَّ الشِّرْكَ وَالْكُفْرَ، قُلْنَا قَدْ كَفَّرْتُمْ شَيْخَكُمْ وَتَكُونُونَ اعْتَرَفْتُمْ بِأَنَّكُمْ مُتَّبِعُونَ لِرَجُلٍ كَافِرٍ تَحْتَجُّونَ بِكَلامِهِ فِى كَثِيرٍ مِنْ عَقَائِدِكُمْ فَلِمَاذَا لا تَتَبَرَّءُونَ مِنْهُ. وَإِنْ قَالُوا لَمْ يَكْفُرْ نَقَضُوا عَقِيدَتَهُمْ أَىْ قَالُوا بِخِلافِ عَقِيدَتِهِمْ.
وَالْمُرَادُ بِالشَّهَادَتَيْنِ نَفْىُ الأُلُوهِيَّةِ عَمَّا سِوَى اللَّهِ أَىْ نَفْىُ أَنْ يَكُونَ شَىْءٌ سِوَى اللَّهِ يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ وَإِثْبَاتُهَا لِلَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ مَعَ الإِقْرَارِ أَىِ الِاعْتِرَافِ وَالإِيمَانِ بِرِسَالَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ أَىْ فِى كَوْنِهِ مُرْسَلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِأَنَّ الإِيمَانَ بِمُحِمَّدٍ لا بُدَّ مِنْهُ لِيَكُونَ الْعَبْدُ مُؤْمِنًا عِنْدَ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْفَتْحِ ﴿وَمَنْ لَّمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا﴾ أَىْ هَيَّأْنَا لَهُمْ نَارَ جَهَنَّمَ لِكُفْرِهِمْ فَدَلَّتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ فَهُوَ كَافِرٌ وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الْمُنْتَسِبِينَ لِلتَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ فَإِنَّ الْقُرْءَانَ سَمَّاهُمْ أَهْلَ الْكِتَابِ وَسَمَّاهُمْ كَافِرِينَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ ﷺ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ ءَالِ عِمْرَان ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ﴾ وَقَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْمَائِدَةِ ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَا مِنْ يَهُودِىٍّ أَوْ نَصْرَانِىٍّ يَسْمَعُ بِى ثُمَّ لا يُؤْمِنُ بِى وَبِمَا جِئْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(9) السُّؤَالُ التَّاسِعُ: مَا مَعْنَى الْوَاحِدِ إِذَا أُطْلِقَ عَلَى اللَّهِ.
مَعْنَى الْوَاحِدِ أَنَّ اللَّهَ لا شَرِيكَ لَهُ فِى الأُلُوهِيَّةِ وَلا مَعْبُودَ بِحَقٍّ سِوَاهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ وَقَالَ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ فِى الْفِقْهِ الأَكْبَرِ «وَاللَّهُ وَاحِدٌ لا مِنْ طَرِيقِ الْعَدَدِ وَلَكِنْ مِنْ طَرِيقِ أَنَّهُ لا شَرِيكَ لَهُ».
الشَّرْحُ: مَعْنَى الْوَاحِدِ أَنَّ اللَّهَ لا شَرِيكَ لَهُ فِى الأُلُوهِيَّةِ أَىْ لا يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْبَقَرَةِ ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ فَلَوْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ وَاحِدًا وَكَانَ مُتَعَدِّدًا لَمْ يَكُنِ الْعَالَمُ مُنْتَظِمًا لَكِنَّ الْعَالَمَ مُنْتَظِمٌ فَوَجَبَ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ الأَنْبِيَاءِ ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا ءَالِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ أَىْ لَوْ كَانَ لِلسَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ءَالِهَةٌ غَيْرُ اللَّهِ لَفَسَدَتَا أَىْ مَا كَانَتَا تَسْتَمِرَّانِ عَلَى انْتِظَامٍ وَرَوَى الْحَاكِمُ فِى الْمُسْتَدْرَكِ أَنَّ النَّبِىَّ ﷺ كَانَ إِذَا تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ (أَىِ اسْتَيْقَظَ بِاللَّيْلِ) قَالَ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَحْدَانِيَّةَ الْعَدَدِ لِأَنَّ الْجِسْمَ الْوَاحِدَ لَهُ أَجْزَاءٌ بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُ لا مَثِيلَ وَلا شَبِيهَ لَهُ.
(10) السُّؤَالُ الْعَاشِرُ: مَا مَعْنَى الأَحَدِ.
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هُوَ بِمَعْنَى الْوَاحِدِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الأَحَدُ هُوَ الَّذِى لا يَقْبَلُ الِانْقِسَامَ أَىْ لَيْسَ جِسْمًا لِأَنَّ الْجِسْمَ يَقْبَلُ الِانْقِسَامَ عَقْلًا وَاللَّهُ لَيْسَ جِسْمًا قَالَ تَعَالَى ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ وَقَالَ تَعَالَى فِى ذَمِّ الْكُفَّارِ ﴿وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا﴾ وَقَالَ الإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الأَشْعَرِىُّ فِى كِتَابِ النَّوَادِرِ «مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ فَهُوَ غَيْرُ عَارِفٍ بِرَبِّهِ وَإِنَّهُ كَافِرٌ بِهِ».
الشَّرْحُ: قَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ الإِخْلاصِ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ وَمَعْنَى الأَحَدِ الَّذِى لا يَقْبَلُ الِانْقِسَامَ أَىْ لَيْسَ جِسْمًا وَالْجِسْمُ مَا لَهُ حَجْمٌ إِنْ كَانَ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا. لَوْ كَانَ اللَّهُ جِسْمًا مَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا مِنَ الْعَالَمِ وَلَوْ كَانَ جِسْمًا لَجَازَ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَى الأَجْسَامِ مِنَ الْفَنَاءِ وَالتَّغَيُّرِ وَلَصَحَّتِ الأُلُوهِيَّةُ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ. فَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ فَهُوَ كَافِرٌ قَالَ تَعَالَى فِى ذَمِّ الْكُفَّارِ ﴿وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا﴾ وَقَالَ الإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الأَشْعَرِىُّ فِى كِتَابِهِ النَّوَادِرِ مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ فَهُوَ غَيْرُ عَارِفٍ بِرَبِّهِ وَإِنَّهُ كَافِرٌ بِهِ وَقَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِىُّ الْمُجَسِّمُ كَافِرٌ، رَوَاهُ الْحَافِظُ السُّيُوطِىُّ فِى الأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ وَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ مَنْ قَالَ اللَّهُ جِسْمٌ لا كَالأَجْسَامِ كَفَرَ، رَوَاهُ الْحَافِظُ بَدْرُ الدِّينِ الزَّرْكَشِىُّ فِى كِتَابِهِ تَشْنِيفُ الْمَسَامِعِ وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْغَنِىِّ النَّابُلُسِىُّ فِى الْفَتْحِ الرَّبَّانِىِّ مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ مَلَأَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ (أَىْ مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ مَلَأَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ) أَوْ أَنَّهُ جِسْمٌ قَاعِدٌ فَوْقَ الْعَرْشِ فَهُوَ كَافِرٌ وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ النَّسَفِىُّ فِى تَفْسِيرِهِ وَمِنَ الإِلْحَادِ (أَىِ الْكُفْرِ) تَسْمِيَّةُ اللَّهِ بِالْجِسْمِ وَالْجَوْهَرِ وَالْعَقْلِ وَالْعِلَّةِ.
وَالْعَجَبُ مِنْ عَلِىٍّ الْجِفْرِىِّ الَّذِى يَعْتَقِدُ أَنَّ الْوَهَّابِيَّةَ مُجَسِّمَةٌ وَيَقُولُونَ اللَّهُ جِسْمٌ قَاعِدٌ فَوْقَ الْعَرْشِ وَيُكَفِّرُونَ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ حَقٍّ ثُمَّ يَقُولُ لَكِنْ هُمْ مُسْلِمُونَ وَحَاشَا لِلَّهِ أَنْ نُكَفِّرَهُمْ. الْوَهَّابِيَّةُ يَشْتِمُونَ اللَّهَ تَعَالَى وَيَعْبُدُونَ الأَجْسَامَ وَهُوَ لا يُكَفِّرُهُمْ. ثُمَّ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا يُعْطِيهِ الْقُوَّةَ فَيَقُولُ لِلشَّىْءِ كُنْ فَيَكُونُ وَهَذَا كُفْرٌ صُرَاحٌ لِأَنَّهُ جَعَلَ الإِنْسَانَ شَرِيكًا لِلَّهِ فِى التَّخْلِيقِ وَيَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُهُ يَعْنِى بِزَعْمِهِ إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا صَارَ اللَّهُ هُوَ هَذَا الْعَبْدَ وَيَنْسُبُ هَذَا الْكَلامَ إِلَى اللَّهِ. وَالْجِفْرِىُّ هُوَ مِمَّنْ قَالَ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أُنَاسٌ مِنْ جِلْدَتِنَا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا تَعْرِفُ مِنْهُم وَتُنْكِرُ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّم مَنِ اسْتَجَابَ لَهُمْ قَذَفُوهُ فِيهَا. وَمُصِيبَةُ الْمُسْلِمِينَ فِى هَذَا الزَّمَانِ كَثْرَةُ الْجَهْلِ وَكَثْرَةُ أَدْعِيَاءِ الْعِلْمِ الَّذِينَ يَنْشُرُونَ الْجَهْلَ وَالضَّلالَ بِاسْمِ الدِّينِ وَالإِسْلامِ فَيَجِبُ الْحَذَرُ وَالتَّحْذِيرُ مِنْهُمْ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ الإِخْلاصِ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ وَمَعْنَى الأَحَدِ الَّذِى لا يَقْبَلُ الِانْقِسَامَ أَىْ لَيْسَ جِسْمًا وَالْجِسْمُ مَا لَهُ حَجْمٌ إِنْ كَانَ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا وَقَالَ الإِمَامُ عَلِىٌّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ سَيَرْجِعُ قَوْمٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ عِنْدَ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ كُفَّارًا يُنْكِرُونَ خَالِقَهُمْ فَيَصِفُونَهُ بِالْجِسْمِ وَالأَعْضَاءِ رَوَاهُ ابْنُ الْمُعَلِّمِ الْقُرَشَىُّ فِى كِتَابِهِ نَجْمُ الْمُهْتَدِى وَرَجْمُ الْمُعْتَدِى.
أَمَّا الْوَهَّابِيَّةُ الْمُشَبِّهَةُ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا اللَّهَ جِسْمًا لَهُ أَعْضَاءٌ فَنَسَبُوا إِلَيْهِ الْقَدَمَ وَالرِّجْلَ عَلَى مَعْنَى الْجَارِحَةِ وَالْعُضْوِ وَقَالُوا إِنَّ اللَّهَ لَهُ قَدَمٌ بِمَعْنَى الْعُضْوِ وَيَضَعُهَا فِى جَهَنَّمَ فَلا تَحْتَرِقُ كَمَا أَنَّ مَلائِكَةَ الْعَذَابِ فِى النَّارِ لا يَتَأَذَوْنَ بِهَا وَقَالَ ابْنُ الْعُثَيْمِينَ فِى تَفْسِيرِهِ لِآيَةِ الْكُرْسِىِّ مَا نَصُّهُ وَالْكُرْسِىُّ هُوَ مَوْضِعُ قَدَمَىِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَلْيُعْلَمْ أَنَّ الْقَدَمَ فِى لُغَةِ الْعَرَبِ يُقَالُ لِمَا يُقَدَّمُ إِلَى الشَّىْءِ وَأَمَّا الرِّجْلُ فَتَأْتِى بِمَعْنَى الْفَوْجِ فَيُقَالُ فِى اللُّغَةِ رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ أَىْ فَوْجٌ مِنْ جَرَادٍ فَالْقَدَمُ الْوَارِدُ فِى حَدِيثِ الْبُخَارِىِّ لا تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيد حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ فَتَقُولُ قَطٍ قَطْ مَعْنَاهُ الْجَمَاعَةُ الَّذِينَ يُقَدِّمُهُمُ اللَّهُ لِلنَّارِ فَتَمْتَلِئُ بِهِمْ، وَمَعْنَى قَطٍ قَطْ اكْتَفَيْتُ اكْتَفَيْتُ. وَكَذَلِكَ وَرَدَ فِى الْبُخَارِىِّ أَنَّ النَّارَ لا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ اللَّهُ فِيهَا رِجْلَهُ فَتَقُولُ قَطٍ قَطْ فَالْمُرَادُ بِالرِّجْلِ هُنَا الْفَوْجُ الَّذِى يَمْلَأُ اللَّهُ بِهِمُ النَّارَ. وَلا يَجُوزُ جَعْلُ الْقَدَمِ وَالرِّجْلِ مِنْ بَابِ الصِّفَاتِ بَلِ الإِضَافَةُ فِيهِمَا إِضَافَةُ مِلْكٍ. فَمَنْ جَعَلَ لِلَّهِ قَدَمًا وَرِجْلًا بِمَعْنَى الْجُزْءِ فَقَدْ جَعَلَ اللَّهَ مِثْلَ خَلْقِهِ وَكَذَّبَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى عَنِ الأَصْنَامِ ﴿لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ ءَالَهَةً مَّا وَرَدُوهَا﴾ فَهَذِهِ الأَصْنَامُ تُرْمَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِى جَهَنَّمَ إِهَانَةً لِلْكُفَّارِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهَا. فَقَدْ أَفْهَمَنَا اللَّهُ أَنَّ كُلَّ شَىْءٍ يَرِدُ النَّارَ فَهُوَ مَخْلُوقٌ لَيْسَ بِإِلَهٍ. وَلا يَجُوزُ إِطْلاقُ الْفَمِ أَوِ الأُذُنِ عَلَى اللَّهِ لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الأَجْسَامِ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ جِسْمًا إِذْ لَوْ كَانَ جِسْمًا لَجَازَ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَى الأَجْسَامِ كَالْفَنَاءِ وَالتَّغَيُّرِ وَلَصَحَّتِ الأُلُوهِيَّةُ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَجْسَامِ.
قَالَ الإِمَامُ أَبُو الْفَضْلِ الْبَغْدَادِىُّ التَّمِيمِىُّ فِى كِتَابِهِ اعْتِقَادُ الإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَنْكَرَ أَحْمَدُ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِالْجِسْمِ (أَىْ فِى حَقِّ اللَّهِ) وَقَالَ إِنَّ الأَسْمَاءَ (أَىْ أَسْمَاءَ الأَشْيَاءِ) مَأْخُوذَةٌ مِنَ الشَّرِيعَةِ وَاللُّغَةِ وَأَهْلُ اللُّغَةِ وَضَعُوا هَذَا الِاسْمَ (أَىْ أَطْلَقُوا لَفْظَ الْجِسْمِ) عَلَى ذِى طُولٍ وَعَرْضٍ وَسَمْكٍ وَتَرْكِيبٍ وَصُورَةٍ وَتَأْلِيفٍ وَاللَّهُ تَعَالَى خَارِجٌ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ (أَىْ مُنَزَّهٌ عَنْهُ) فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسَمَّى جِسْمًا لِخُرُوجِهِ عَنْ مَعْنَى الْجِسْمِيَّةِ وَلَمْ يَجِئْ فِى الشَّرِيعَةِ ذَلِكَ (أَىْ لَمْ يَجِئْ فِى الشَّرِيعَةِ إِطْلاقُ الْجِسْمِ عَلَى اللَّهِ) فَبَطَلَ (أَىْ تَسْمِيَتُهُ بِالْجِسْمِ).
(11) السُّؤَالُ الحَادِي عَشَرَ: مَا مَعْنَى الأَوَّلِ وَالْقَدِيمِ إِذَا أُطْلِقَا عَلَى اللَّهِ.
مَعْنَى الأَوَّلِ الَّذِى لا ابْتِدَاءَ لِوُجُودِهِ فَهُوَ وَحْدَهُ الأَوَّلُ بِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ تَعَالَى ﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ﴾ وَبِمَعْنَاهُ الْقَدِيمُ إِذَا أُطْلِقَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَجْمَعَتِ الأُمَّةُ عَلَى جَوَازِ إِطْلاقِ الْقَدِيمِ عَلَى اللَّهِ قَالَ ذَلِكَ الزَّبِيدِىُّ فِى شَرْحِ إِحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ.
الشَّرْحُ: مَعْنَى الأَوَّلِ وَالْقَدِيمِ إِذَا أُطْلِقَا عَلَى اللَّهِ الَّذِى لا ابْتِدَاءَ لِوُجُودِهِ قَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْحَدِيدِ ﴿هُوَ الأَوَّلُ﴾. وَأَجْمَعَتِ الأُمَّةُ عَلَى جَوَازِ إِطْلاقِ الْقَدِيمِ عَلَى اللَّهِ ذَكَرَ ذَلِكَ الإِمَامُ مُحَمَّدُ مُرْتَضَى الزَّبِيدِىُّ فِى شَرْحِ إِحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ وَقَالَ الإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِىُّ فِى عَقِيدَتِهِ قَدِيمٌ بِلا ابْتِدَاءٍ. فَيَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّ اللَّهَ قَدِيمٌ أَىْ لَمْ يَسْبِقْ وُجُودَهُ عَدَمٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ سَبَقَهُ الْعَدَمُ لَكَانَ حَادِثًا أَىْ مَخْلُوقًا وَالْحُدُوثُ أَىِ الْوُجُودُ بَعْدَ عَدَمٍ مُسْتَحِيلٌ عَلَى اللَّهِ فَلا يُقَالُ لَهُ مَتَى كَانَ أَوْ مَتَى وُجِدَ لِأَنَّهُ لا ابْتِدَاءَ لَهُ أَمَّا الْمَخْلُوقُ فَيُقَالُ لَهُ مَتَى وُجِدَ لِأَنَّهُ كَانَ مَعْدُومًا ثُمَّ صَارَ مَوْجُودًا وَقَدْ جَاءَ يَهُودِىٌّ إِلَى سَيِّدِنَا عَلِىٍّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ مَتَى كَانَ اللَّهُ فَقَالَ لَهُ سَيِّدُنَا عَلِىٌّ لا يُقَالُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى مَتَى كَانَ إِنَّمَا يُقَالُ مَتَى كَانَ عَمَّا لَمْ يَكُنْ ثُمَّ كَانَ، رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِى الْحِلْيَةِ. هَذَا الْيَهُودِىُّ أَرَادَ الِامْتِحَانَ لِأَنَّهُ كَانَ اطَّلَعَ فِى التَّوْرَاةِ الأَصْلِيَّةِ عَلَى هَذَا الْكَلامِ فَلَمَّا أَجَابَهُ سَيِّدُنَا عَلِىٌّ بِهَذَا الْجَوَابِ الَّذِى هُوَ مَذْكُورٌ فِى التَّوْرَاةِ مَا تَمَالَكَ نَفْسَهُ عَنْ أَنْ يُسْلِمَ فَتَشَهَّدَ فِى الْمَجْلِسِ قَالَ فِى نَفْسِهِ عَلِىٌّ مَا لَهُ اطِّلاعٌ عَلَى التَّوْرَاةِ مِنْ أَيْنَ عَرَفَ الْجَوَابَ لَوْلا أَنَّ دِينَهُ صَحِيحٌ.
(12) السُّؤَالُ الثَّانِي عَشَرَ: مَا مَعْنَى الْحَىِّ فِى حَقِّ اللَّهِ.
مَعْنَى الْحَىِّ فِى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِحَيَاةٍ أَزَلِيَّةٍ أَبَدِيَّةٍ لَيْسَتْ بِرُوحٍ وَلَحْمٍ وَدَمٍ قَالَ تَعَالَى ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ وَقَالَ تَعَالَى ﴿وَتوَكَّلْ عَلَى الْحَىِّ الَّذِى لا يَمُوتُ﴾.
الشَّرْحُ: مَعْنَى الْحَىِّ فِى حَقِّ اللَّهِ أَنَّ اللَّهَ مُتَّصِفٌ بِحَيَاةٍ أَزَلِيَّةٍ أَبَدِيَّةٍ أَىْ لا بِدَايَةَ وَلا نِهَايَةَ لَهَا لَيْسَتْ بِرُوحٍ وَجَسَدٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْفُرْقَانِ ﴿وَتوَكَّلْ عَلَى الْحَىِّ الَّذِى لا يَمُوتُ﴾. فَلَوْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ حَيًّا لَمْ يُوجَدْ شَىْءٌ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ لِأَنَّ مَنْ لَيْسَ حَيًّا لا يَتَّصِفُ بِالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالإِرَادَةِ وَمَنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ لا يَكُونُ خَالِقًا.
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ خَالِقُ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ فَلَيْسَ رُوحًا وَلا جَسَدًا لَكِنَّهُ أَضَافَ رُوحَ عِيسَى إِلَى نَفْسِهِ عَلَى مَعْنَى الْمِلْكِ وَالتَّشْرِيفِ أَىِ التَّعْظِيمِ لِلدِّلالَةِ عَلَى شَرَفِ رُوحِ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ فَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُّوحِنَا﴾ أَمَرْنَا جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنْ يَنْفُخَ فِى مَرْيَمَ الرُّوحَ الَّتِى هِىَ مِلْكٌ لَنَا وَمُشَرَّفَةٌ عِنْدَنَا لِأَنَّ الأَرْوَاحَ قِسْمَانِ أَرْوَاحٌ مُشَرَّفَةٌ لَهَا مَنْزِلَةٌ عَظِيمَةٌ عِنْدَ اللَّهِ كَأَرْوَاحِ الأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ وَالْمَلائِكَةِ وَأَرْوَاحٌ خَبِيثَةٌ لا يُحِبُّهَا اللَّهُ وَهِىَ أَرْوَاحُ الْكُفَّارِ. أَمَّا الَّذِى يَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ رُوحٌ وَأَنَّهُ قَطَعَ قِطْعَةً مِنْ نَفْسِهِ فَنَفَخَهَا فِى هَذَا الشَّخْصِ بِوَاسِطَةِ النَّفَسِ كَمَا يَنْفُخُ الإِنْسَانُ فَقَدْ شَبَّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ كَمُحَمَّدٍ مُتْوَلِّى الشَّعْرَاوِىِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ فِى كِتَابِهِ أَسْئِلَةٌ حَرِجَةٌ وَأَجْوِبَةٌ صَرِيحَةٌ “وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَفْسًا فَقَالَ تَعَالَى ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِى﴾ وَالنَّفْخُ مَعْنَاهُ إِخْرَاجُ الْهَوَاءِ مِنْ حَيِّزِ الصَّدْرِ إِلَى الْمَنْفُوخِ فِيهِ إِذًا هُنَاكَ شَىْءٌ دَخَلَ إِلَى جَسَدِ الإِنْسَانِ بِكَلِمَةِ كُنْ” وَيَقُولُ “اللَّهُ خَلَقَكَ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ فَأَنْتَ فِيكَ جُزْءٌ مِنَ اللَّهِ”. وَكَلامُهُ هَذَا كُفْرٌ لا شَكَّ فِيهِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ رُوحٌ فَاقْتَطَعَ مِنْهَا قِطْعَةً فَجَعَلَهَا فِى هَذَا الإِنْسَانِ، هَذَا كَأَنَّهُ قَالَ إِنَّ اللَّهَ وَلَدَهُ. وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ فِى ذَمِّ الْكُفَّارِ ﴿وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا﴾. كَمَا أَنَّ الشَّعْرَاوِىَّ يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ بِلَفْظِ كُنْ الَّذِى هُوَ مَرَكَّبٌ مِنْ حَرْفَيْنِ وَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَخْلُقُ فِى اللَّحْظَةِ الْوَاحِدَةِ مَا لا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحَصْرِ بِقُدْرَتِهِ الأَزَلِيَّةِ. فَيَجِبُ الْحَذَرُ مِنْ كَلامِهِ وَمِنْ كُتُبِهِ الَّتِى نَشَرَ فِيهَا الْكُفْرَ وَالضَّلالَ.
(13) السُّؤَالُ الثَّالِثُ عَشَرَ: مَا مَعْنَى الْقَيُّومِ فِى حَقِّ اللَّهِ.
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْقَيُّومُ هُوَ الدَّائِمُ الَّذِى لا يَزُولُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْقَيُّومُ أَىِ الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ الَّذِى لا يَحْتَاجُ إِلَى غَيْرِهِ.
الشَّرْحُ: الْقَيُّومُ مِنَ الأَسْمَاءِ الْخَاصَّةِ بِاللَّهِ لا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ. وَمَعْنَى الْقَيُّومِ الَّذِى لا يَحْتَاجُ إِلِى غَيْرِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمُ الْقَيُّومُ أَىِ الدَّائِمُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْبَقَرَةِ ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ﴾. وَلَيْسَ مَعْنَى الْقَيُّومِ الْقَائِمَ فِينَا كَمَا يَقُولُ أَهْلُ الْحُلُولِ وَمِنْهُمْ طَائِفَةٌ تُسَمَّى الشَّاذِلِيَّةَ الْيَشْرُطِيَّةَ فَإِنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّهَ دَاخِلٌ فِى كُلِّ شَخْصٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهَذَا مِنْ أَشْنَعِ الْكُفْرِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِى الدِّينِ بنُ عَرَبِىِّ مَنْ قَالَ بِالْحُلُولِ فَدِينُهُ مَعْلُولٌ وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْغَنِىِّ النَّابُلُسِىُّ فِى الْفَيْضِ الرَّبَّانِىِّ مَنْ قَالَ إِنَّ اللَّهَ انْحَلَّ مِنْهُ شَىْءٌ أَو حَلَّ فِى شَىْءٍ فَقَدْ كَفَرَ.
(14) السُّؤَالُ الرَّابِعُ عَشَرَ: مَا مَعْنَى الدَّائِمِ فِى حَقِّ اللَّهِ.
مَعْنَى الدَّائِمِ الَّذِى لا يَلْحَقُهُ فَنَاءٌ وَالْفَنَاءُ مُسْتَحِيلٌ عَقْلًا فِى حَقِّ اللَّهِ فَلا دَائِمَ بِهَذَا الْمَعْنَى إِلَّا اللَّهُ وَلا شَرِيكَ لِلَّهِ تَعَالَى فِى الدَّيْمُومِيَّةِ لِأَنَّ اللَّهَ دَائِمٌ بِذَاتِهِ لا شَىْءَ غَيْرَهُ أَوْجَبَ لَهُ ذَلِكَ وَأَمَّا دَيْمُومِيَّةُ غَيْرِهِ كَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ فِهِىَ لَيْسَتْ ذَاتِيَّةً بَلْ هُمَا شَاءَ اللَّهُ لَهُمَا الْبَقَاءَ.
الشَّرْحُ: مَعْنَى الدَّائِمِ الَّذِى لا يَلْحَقُهُ وَلا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْفَنَاءُ وَبِمَعْنَاهُ الْبَاقِى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ﴾ أَىْ ذَاتُهُ أَىْ يَبْقَى اللَّهُ. وَذَاتُ اللَّهِ أَىْ حَقِيقَةُ اللَّهِ الَّذِى لا يُشْبِهُ الْحَقَائِقَ أَىْ لَيْسَ جِسْمًا كَثِيفًا كَالإِنْسَانِ وَالْحَجَرِ وَلا جِسْمًا لَطِيفًا كَالنُّورِ وَالْهَوَاءِ. فَاللَّهُ تَعَالَى يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ الْفَنَاءُ وَلا دَائِمَ بِهَذَا الْمَعْنَى إِلَّا اللَّهُ فَلا شَرِيكَ لِلَّهِ فِى الدَّيْمُومِيَّةِ أَىِ الْبَقَاءِ إِلَى مَا لا نِهَايَةَ لِأَنَّ بَقَاءَ اللَّهِ بَقَاءٌ ذَاتِىٌّ أَىْ لَيْسَ بِإِبْقَاءِ غَيْرِهِ لَهُ وَأَمَّا دَيْمُومِيَّةُ غَيْرِهِ كَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَهِىَ لَيْسَتْ ذَاتِيَّةً بَلْ هُمَا شَاءَ اللَّهُ لَهُمَا الْبَقَاءَ أَمَّا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُمَا فَيَجُوزُ عَلَيْهِمَا الْفَنَاءُ عَقْلًا لَكِنْ وَرَدَ فِى الشَّرْعِ بَقَاؤُهُمَا بِنَصِّ الْقُرْءَانِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الأُمَّةِ وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الْقَوْلَ بِفَنَائِهِمَا أَوْ فَنَاءِ النَّارِ دُونَ الْجَنَّةِ كُفْرٌ.
وَخَالَفَ فِى ذَلِكَ ابْنُ تَيْمِيَةَ فَقَالَ إِنَّ النَّارَ تَفْنَى لا يَبْقَى فِيهَا أَحَدٌ، ذَكَرَ ذَلِكَ فِى رِسَالَةٍ لَهُ وَنَقَلَهُ عَنْهُ تِلْمِيذُهُ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ فِى كِتَابِهِ حَادِى الأَرْوَاحِ إِلَى بِلادِ الأَفْرَاحِ. وَكَذَّبَ ابْنُ تَيْمِيَةَ بِذَلِكَ الْقُرْءَانَ وَالإِجْمَاعَ قَالَ تَعَالَى ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا﴾.
(15) السُّؤَالُ الْخَامِسُ عَشَرَ: مَا مَعْنَى الْخَالِقِ.
مَعْنَى الْخَالِقِ أَىِ الَّذِى أَبْدَعَ وَكَوَّنَ جَمِيعَ الْحَادِثَاتِ أَىْ أَبْرَزَهَا مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ فَلا خَلْقَ بِهَذَا الْمَعْنَى إِلَّا لِلَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ﴾ أَىْ لا خَالِقَ إِلَّا اللَّهُ.
الشَّرْحُ: مَعْنَى الْخَالِقِ الَّذِى أَبْرَزَ جَمِيعَ الْمَخْلُوقَاتِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ أَىْ صَارَتْ مَوْجُودَةً بِإِيجَادِ اللَّهِ لَهَا بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ. فَيَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ بِمَعْنَى الإِبْرَازِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ بِقُدْرَتِهِ الأَزَلِيَّةِ بِلا جَارِحَةٍ وَلا حَرَكَةٍ وَلا ءَالَةٍ وَلا مُبَاشَرَةٍ وَلا مُمَاسَّةٍ لِشَىْءٍ فَاللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْعَالَمَ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ لَيْسَ مِثْلَ الْعِبَادِ. الْعِبَادُ إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَعْمَلُوا شَيْئًا يُمْسِكُونَ الشَّىْءَ بِأَيْدِيهِمْ أَوْ يُمْسِكُونَ الآلَةَ ثُمَّ الآلَةُ تَتَّصِلُ بِذَلِكَ الشَّىْءِ الَّذِى يَعْمَلُونَهُ أَمَّا اللَّهُ تَعَالَى فَلَيْسَ هَكَذَا. فَالْعِبَادُ حَرَكَاتُهُمْ وَسَكَنَاتُهُمْ وَأَفْكَارُهُمْ وَنَوَايَاهُمْ وَعُلُومُهُمْ وَخَوَاطِرُهُمُ الَّتِى تَطْرَأُ عَلَيْهِمْ بِدُونِ إِرَادَتِهِمْ وَنَظَرُهُمْ إِلَى شَىْءٍ هِىَ بِخَلْقِ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ الرَّعْدِ ﴿قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ﴾ وَقَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ فَاطِرٍ ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ﴾ أَىْ لا خَالِقَ إِلَّا اللَّهُ.
وَخَالَفَ فِى ذَلِكَ الْمُعْتَزِلَةُ وَمَنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُمْ كَحِزْبِ التَّحْرِيرِ فَقَالُوا إِنَّ الْعَبْدَ يَخْلُقُ أَفْعَالَهُ الِاخْتِيَارِيَّةَ أَىْ يُحْدِثُهَا مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ وَكَلامُهُمْ هَذَا تَكْذِيبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ فَاطِرٍ ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ﴾ وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ الصَّافَّاتِ ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ وَقَوْلِهِ ﷺ إِنَّ اللَّهَ صَانِعُ كُلِّ صَانِعٍ وَصَنْعَتِهِ، أَىْ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ عَامِلٍ وَعَمَلِهِ وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِى الْمُسْتَدْرَكِ وَالْبَيْهَقِىُّ فِى شُعَبِ الإِيمَانِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الأَسْبَابَ لا تَخْلُقُ مُسَبَبَاتِهَا وَأَنَّ السَّبَبَ قَدْ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ مُسَبَّبُهُ فَهَذَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَجْرَى السِّكِّينَ عَلَى حَلْقِ وَلَدِهِ إِسْمَاعِيلَ فَلَمْ تَقْطَعْ وَرَمَاهُ قَوْمُهُ فِى النَّارِ الْعَظِيمَةِ فَلَمْ تُحْرِقْهُ وَلا ثِيَابَهُ وَإِنَّمَا أَحْرَقَتِ الْقَيْدَ الَّذِى قَيَّدُوهُ بِهِ وَأَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلانِىُّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ رَمَاهُ الأَسْوَدُ الْعَنْسِىُّ فِى النَّارِ فَلَمْ يَحْتَرِقْ وَعَبْدُ الرَّحْمٰنِ بنُ أَبِى نُعُمٍ الْوَلِىُّ الصَّالِحُ حَبَسَهُ الْحَجَّاجُ بنُ يُوسُفَ فِى سِجْنٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ غَيْرِ أَكْلٍ وَشُرْبٍ ثُمَّ أَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ فَوَجَدَهُ صَحِيحًا فَأَعْفَاهُ مِنَ الْقَتْلِ وَرَحْمَةُ بِنْتُ إِبْرَاهِيمَ الَّتِى عَاشَتْ دَهْرَهَا وَلا أَكْلَ يَدْخُلُ جَوْفَهَا وَهِىَ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَاءِ الشُّهَدَاءِ رَأَتْ رُؤْيَا كَأَنَّهَا أُطْعِمَتْ فِى مَنَامِهَا شَيْئًا فَهِىَ لا تَأْكُلُ شَيْئًا وَلا تَشْرَبُ فَالأَكْلُ لا يَخْلُقُ الشِّبَعَ وَتَرْكُ الأَكْلِ لا يَخْلُقُ الضَّرَرَ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الأَسْبَابَ لا تَخْلُقُ مُسَبَّبَاتِهَا وَأَنَّ الأَشْيَاءَ تَحْصُلُ بِخَلْقِ اللَّهِ وَمَشِيئَتِهِ. فَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ خَالِقَ الأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ الرَّعْدِ ﴿قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ﴾ وَقَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْفُرْقَانِ ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ﴾ أَىْ أَحْدَثَهُ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْخَلْقَ فِى لُغَةِ الْعَرَبِ لَهُ خَمْسَةُ مَعَانٍ أَحَدُهَا الإِبْرَازُ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ وَلا يُطْلَقُ بِهَذَا الْمَعْنَى إِلَّا عَلَى اللَّهِ أَمَّا مَنْ يَسْتَعْمِلُ كَلِمَةَ الْخَلْقِ مُضَافَةً لِغَيْرِ اللَّهِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى كَأَنْ يَقُولَ لِشَخْصٍ اخْلُقْ لِى كَذَا كَمَا خَلَقَكَ اللَّهُ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ فَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ أَحْسَنُ الْمُقَدِّرينَ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ لا يُخْطِئُ وَلا يَتَغَيَّرُ أَمَّا تَقْدِيرُ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ وَالتَّغَيُّرُ فَيُطْلَقُ الْخَلْقُ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ.
وَيَأْتِى الْخَلْقُ بِمَعْنَى التَّصْوِيرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِى حَقِّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ﴾ أَىْ أَنَّ سَيِّدَنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ يُصَوِّرُ مِنَ الطِّينِ صُورَةَ خُفَّاشٍ ثُمَّ يَخْلُقُ اللَّهُ فِيهَا الرُّوحَ فَتَطِيرُ حَتَّى تَغِيبَ عَنْ أَنْظَارِ النَّاسِ ثُمَّ تَقَعُ مَيْتَةً وَهَذِهِ مِنْ جُمْلَةِ مُعْجِزَاتِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ.
وَيُطْلَقُ الْخَلْقُ بِمَعْنَى افْتِرَاءِ الْكَذِبِ وَهَذَا لا يُضَافُ إِلَّا إِلَى الْعَبْدِ قَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ ﴿وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا﴾ أَىْ تَفْتَرُونَ الْكَذِبَ فَنَسَبَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ خَلْقَ الإِفْكِ أَىِ افْتِرَاءَهُ.
وَيُطْلَقُ الْخَلْقُ بِمَعْنَى سَوَّى وَمَلَّسَ فَيُقَالُ فِى اللُّغَةِ خَلَقْتُ هَذَا الْخَشَبَ كُرْسِيًّا أَىْ سَوَّيْتُهُ أَمْلَسَ بِحَيْثُ يَصْلُحُ لِلْجُلُوسِ عَلَيْهِ.
(16) السُّؤَالُ السَّادِسُ عَشَرَ: مَا مَعْنَى الرَّازِقِ فِى حَقِّ اللَّهِ.
مَعْنَى الرَّازِقِ الَّذِى يُوصِلُ الأَرْزَاقَ إِلَى عِبَادِهِ وَالرِّزْقُ هُوَ مَا يَنْفَعُ وَلَوْ كَانَ مُحَرَّمًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِى الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾.
الشَّرْحُ: مَعْنَى الرَّازِقِ الَّذِى يُوصِلُ الأَرْزَاقَ إِلَى عِبَادِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَلْحَقَهُ مَشَقَّةٌ أَوْ تَعَبٌ لِأَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ الأَشْيَاءَ بِلا جَارِحَةٍ وَلا ءَالَةٍ وَلا حَرَكَةٍ وَلا مُمَّاسَةٍ لِشَىْءٍ قَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ هُودٍ ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِى الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ وَقَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ الذَّارِيَاتِ ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾. وَالرَّزَّاقُ وَالرَّازِقُ مِنَ الأَسْمَاءِ الْخَاصَّةِ بِاللَّهِ لا يَجُوزُ تَسْمِيَةُ غَيْرِ اللَّهِ بِهَا. وَالرِّزْقُ مَا يَنْفَعُ حِسًّا وَلَوْ كَانَ مُحَرَّمًا فَلَيْسَ الرِّزْقُ مَقْصُورًا عَلَى الْحَلالِ بَلْ يَشْمَلُ الْحَلالَ وَالْحَرَامَ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مِنْ حَيْثُ الْعَاقِبَةُ فَإِنَّ الرِّزْقَ الْحَلالَ لَيْسَ فِيهِ وَبَالٌ عَلَى صَاحِبِهِ وَأَمَّا الْحَرَامُ فَإِنَّهُ وَبَالٌ عَلَى صَاحِبِهِ أَىْ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ عَلَيْهِ قَالَ الرَّازِىُّ فِى مُخْتَارِ الصَّحَاحِ الرِّزْقُ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَقَالَ الْبَيْهَقِىُّ فِى كِتَابِ الِاعْتِقَادِ وَمَا مَكَّنَهَا (أَىِ النَّفْسَ) مِنَ الِانْتِفَاعِ بِهِ مِنْ مُبَاحٍ وَغَيْرِ مُبَاحٍ رِزْقٌ لَهَا.
(17) السُّؤَالُ السَّابِعُ عَشَرَ: مَا مَعْنَى الْعَالِمِ فِى حَقِّ اللَّهِ.
مَعْنَى الْعَالِمِ أَنَّ اللَّهَ مَوْصُوفٌ بِعِلْمٍ أَزَلِىٍّ أَبَدَىٍّ لا يَتَغَيَّرُ فَهُوَ عَالِمٌ بِكُلِ شَىْءٍ قَبْلَ حُصُولِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِى ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾.
الشَّرْحُ: مَعْنَى الْعَالِمِ الْمُتَّصِفُ بِالْعِلْمِ وَعِلْمُ اللَّهِ لا يَزِيدُ وَلا يَنْقُصُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَىْءٍ عِلْمًا﴾. وَلا يَكْتَسِبُ اللَّهُ عِلْمًا جَدِيدًا بَلْ هُوَ عَالِمٌ فِى الأَزَلِ بِكُلِّ شَىْءٍ عَالِمٌ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَمَا يُحْدِثُهُ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ يَعْلَمُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَمَا لا يَكُونُ أَنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ يَكُونُ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ الأَنْعَامِ فِى حَقِّ الْكُفَّارِ ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ أَىْ لَوْ رُدُّوا إِلَى الدُّنْيَا لَعَادُوا إِلَى كُفْرِهِمْ.
(18) السُّؤَالُ الثَّامِنُ عَشَرَ: مَا مَعْنَى الْقَدِيرِ فِى حَقِّ اللَّهِ.
مَعْنَى الْقَدِيرِ الْمُتَّصِفُ بِالْقُدْرَةِ وَهِىَ صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ أَبَدِيَّةٌ يُؤَثِّرُ اللَّهُ بِهَا فِى الْمُمْكِنَاتِ أَىْ فِى كُلِّ مَا يَجُوزُ فِى الْعَقْلِ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ فَقُدْرَةُ اللَّهِ لا تَتَعَلَّقُ بِالْوَاجِبِ الْوُجُودِ وَلا بِالْمُسْتَحِيلِ الْوُجُودِ قَالَ تَعَالَى ﴿وَيَعْلَمُ مَا فِى السَّمَوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ﴾.
الشَّرْحُ: مَعْنَى الْقَدِيرِ الْمُتَّصِفُ بِالْقُدْرَةِ التَّامَّةِ فَاللَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ لا يُعْجِزُهُ شَىْءٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْمَائِدَةِ ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ﴾ وَقَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْحَجِّ ﴿إِنَّ اللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ﴾ وَالْقَوِىُّ أَىِ التَّامُّ الْقُدْرَةِ الَّذِى لا يُعْجِزُهُ شَىْءٌ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ قَوِىَّ الْجَسَدِ لِأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ جِسْمًا.
وَلا يَجُوزُ تَسْمِيَةُ اللَّهِ بِالْقُوَّةِ كَمَا فَعَلَ سَيِّدُ قُطُبٍ فِى تَفْسِيرِهِ فَإِنَّهُ سَمَّى اللَّهَ بِالْقُوَّةِ الْخَالِقَةِ وَهَذَا إِلْحَادٌ وَكُفْرٌ لِأَنَّهُ جَعَلَ اللَّهَ صِفَةً فَالْقُوَّةُ بِمَعْنَى الْقُدْرَةِ صِفَةٌ لِلَّهِ وَاللَّهُ لَيْسَ صِفَةً وَكَذَلِكَ الشَّعْرَاوِىُّ الْمِصْرِىُّ سَمَّى اللَّهَ قُوَّةً فَإِنَّهُ قَالَ فِى كِتَابِهِ الْفَتَاوَى وَخُضُوعًا وَخُشُوعًا لِلْقُدْرَةِ الْكُبْرَى وَالْقُوَّةِ الْكُبْرَى الَّتِى نَعْبُدُهَا وَهِىَ اللَّهُ.
وَلا يُعْذَرُ أَحَدٌ فِى الْجَهْلِ بِقُدْرَةِ اللَّهِ مَهْمَا بَلَغَ الْجَهْلُ بِصَاحِبِهِ لِأَنَّ الْعَقْلَ وَحْدَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ نَصًّا قُرْءَانِيًّا أَوْ حَدِيثِيًّا قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِىِّ مَنْ نَفَى قُدْرَةَ اللَّهِ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ كَافِرٌ بِالِاتِّفَاقِ، أَىْ بِلا خِلافٍ وَكَذَا مَنْ شَكَّ فِى قُدْرَتِهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ شَىْءٍ.
أَمَّا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَابْنُ تَيْمِيَةَ مِنْ أَنَّ الْجَاهِلَ إِذَا أَنْكَرَ قُدْرَةَ اللَّهِ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ لا يَكْفُرُ فَهُوَ خَرْقٌ لِلإِجْمَاعِ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَقَدْ يَغْلَطُ فِى بَعْضِ الصِّفَاتِ قَوْمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلا يُكَفَّرُونَ بِذَلِكَ، يَعْنِى بِذَلِكَ قِصَّةَ الرَّجُلِ الَّذِى أَخْبَرَ عَنْهُ النَّبِىُّ ﷺ بِقَوْلِهِ كَانَ رَجُلٌ يُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ لِبَنِيهِ إِذَا أَنَا مِتُّ فَأَحْرِقُونِى ثُمَّ اطْحَنُونِى ثُمَّ ذُرُّونِى فِى الرِّيحِ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَىَّ لَيُعَذِّبَنِى عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا فَلَمَّا مَاتَ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ فَأَمَرَ اللَّهُ الأَرْضَ فَقَالَ اجْمَعِى مَا فِيكِ مِنْهُ فَفَعَلَتْ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ فَقَالَ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ قَالَ يَا رَبِّ خَشْيَتُكَ فَغَفَرَ لَهُ، رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ بِلَفْظِ تُوُفِّىَ رَجَلٌ كَانَ نَبَّاشًا فَقَالَ لِوَلَدِهِ أَحْرِقُونِى (أَىْ كَانَ يَنْبُشُ الْقُبُورَ لِيَأْخُذَ الْكَفَنَ وَمَا يُتْرَكُ مَعَ الْمَيِّتِ مِنْ ذَهَبٍ وَنَحْوِهِ) فَظَنَّ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ شَكَّ فِى قُدْرَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِى تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ لا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ نَفْىَ قُدْرَةِ اللَّهِ فَإِنَّ الشَّاكَّ فِى قُدْرَةِ اللَّهِ كَافِرٌ وَقَدْ قَالَ فِى ءَاخِرِ الْحَدِيثِ إِنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَالْكَافِرُ لا يَخْشَى اللَّهَ وَقِيلَ قَوْلُهُ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَىَّ أَىْ ضَيَّقَ فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ الطَّلاقِ ﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ﴾ أَىْ ضُيِّقَ، أَوْ يَكُونُ قَوْلُهُ لَئِنْ قَدَّرَ عَلَىَّ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ أَىْ لَئِنْ قَدَّرَ عَلَىَّ الْعَذَابَ لَيُعَذِّبَنِى. وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِى فَتْحِ الْبَارِى عِنْدَ شَرْحِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَأَظْهَرُ الأَقْوَالِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِى حَالِ دَهْشَتِهِ وَغَلَبَةِ الْخَوْفِ عَلَيْهِ حَتَّى ذُهِبَ بِعَقْلِهِ لِمَا يَقُولُ، أَىْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ جَزَعِهِ وَخَوْفِهِ كَمَا غَلِطَ ذَلِكَ الآخَرُ أَىْ سَبَقَ لِسَانُهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِى وَأَنَا رَبُّكَ.
(19) السُّؤَالُ التَّاسِعُ عَشَرَ: بَيِّنْ أَقْسَامَ الْحُكْمِ الْعَقْلِىِّ.
الْحُكْمُ الْعَقْلِىُّ يَنْقَسِمُ إِلَى ثَلاثَةٍ الْوُجُوبِ وَالِاسْتِحَالَةِ وَالْجَوَازِ. الْوَاجِبُ الْعَقْلِىُّ مَا لا يُتَصَوَّرُ فِى الْعَقْلِ عَدَمُهُ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَصِفَاتُهُ. وَالْمُسْتَحِيلُ الْعَقْلِىُّ مَا لا يُتَصَوَّرُ فِى الْعَقْلِ وُجُودُهُ كَوُجُودِ الشَّرِيكِ لِلَّهِ. وَالْجَائِزُ الْعَقْلِىُّ مَا يُتَصَوَّرُ فِى الْعَقْلِ وُجُودُهُ تَارَةً وَعَدَمُهُ تَارَةً أُخْرَى كَسَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ.
الشَّرْحُ: أَقْسَامُ الْحُكْمِ الْعَقْلِىِّ ثَلاثَةٌ أَىْ أَنَّ الْعَقْلَ يَحْكُمُ عَلَى كُلِّ أَمْرٍ مِنَ الأُمُورِ بِحُكْمٍ مِنْ ثَلاثَةٍ الْوُجُوبِ وَالِاسْتِحَالَةِ وَالْجَوَازِ فَالْوَاجِبُ الْعَقْلِىُّ هُوَ مَا لا يَقْبَلُ الْعَقْلُ عَدَمَهُ وَهُوَ اللَّهُ وَصِفَاتُهُ وَالْمُسْتَحِيلُ الْعَقْلِىُّ هُوَ مَا لا يَقْبَلُ الْعَقْلُ وُجُودَهُ كَوُجُودِ شَرِيكٍ لِلَّهِ وَالْجَائِزُ الْعَقْلِىُّ هُوَ مَا يُتَصَوَّرُ فِى الْعَقْلِ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ وَهُوَ كُلُّ مَا سِوَى اللَّهِ.
(20) السُّؤَالُ العِشْرُونَ: مَا مَعْنَى أَنَّ اللَّهَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ.
مَعْنَى الْفَعَّالِ لِمَا يُرِيدُ أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى تَكْوِينِ مَا سَبَقَتْ بِهِ إِرَادَتُهُ لا يُعْجِزُهُ عَنْ ذَلِكَ شَىْءٌ وَلا يُمَانِعُهُ أَحَدٌ وَلا يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِعَانَةٍ بِغَيْرِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾. وَقَالَ تَعَالَى ﴿إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾.
الشَّرْحُ: مَعْنَى الْفَعَّالِ لِمَا يُرِيدُ أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى تَكْوِينِ مَا شَاءَ فِي الأَزَلِ أَنْ يَكُونَ لا يُعْجِزُهُ عَنْ ذَلِكَ شَىْءٌ، يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ بِلا مَشَقَّةٍ وَلا يُمَانِعُهُ أَحَدٌ وَلا يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِعْمَالِ ءَالَةٍ وَحَرَكَةٍ وَلا إِلَى اسْتِعَانَةٍ بِغَيْرِهِ، وَلا تَخَلُّفَ لِمُرَادِهِ أَيْ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا فَلا بُدَّ أَنْ يَحْصُلَ.
(21) السُّؤَالُ الأَوَّلُ وَالعِشْرِينَ: أَعْطِ شَرْحًا مُوجَزًا لِكَلِمَةِ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ.
مَعْنَاهَا أَنَّ كُلَّ مَا أَرَادَ اللَّهُ وُجُودَهُ لا بُدَّ أَنْ يُوجَدَ فِى الْوَقْتِ الَّذِى شَاءَ اللَّهُ وُجُودَهُ فِيهِ سَوَاءٌ فِى ذَلِكَ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ وَالطَّاعَةُ وَالْمَعْصِيَةُ وَالْكُفْرُ وَالإِيمَانُ وَمَا لَمْ يُرِدِ اللَّهُ وُجُودَهُ لا يَدْخُلُ فِى الْوُجُودِ فَلا يُوجَدُ وَلا يَكُونُ.
وَمَشِيئَةُ اللَّهِ أَزَلِيَّةٌ أَبَدِيَّةٌ لا تَتَغَيَّرُ وَهَذَا اللَّفْظُ مَأْخُوذٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَوَى ذَلِكَ أَبُو دَاوُدَ فِى سُنَنِهِ أَنَّهُ ﷺ عَلَّمَ بَعْضَ بَنَاتِهِ «مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ». وَالْمَشِيئَةُ هِىَ تَخْصِيصُ الْمُمْكِنِ بِبَعْضِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ دُونَ بَعْضٍ.
الشَّرْحُ: مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ أَىْ مَا أَرَادَ اللَّهُ فِى الأَزَلِ وُجُودَهُ لا بُدَّ أَنْ يُوجَدَ سَوَاءٌ فِى ذَلِكَ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ وَالطَّاعَةُ وَالْمَعْصِيَةُ وَالْكُفْرُ وَالإِيمَانُ وَمَا لَمْ يُرِدِ اللَّهُ وُجُودَهُ لا يَدْخُلُ فِى الْوُجُودِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ التَّكْوِيرِ ﴿وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فى سُنَنِهِ أَنَّ النَّبِىَّ ﷺ عَلَّمَ بَعْضَ بَنَاتِهِ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ. وَمَعْنَى الْمَشِيئَةِ تَخْصِيصُ الْمُمْكِنِ الْعَقْلِىِّ بِبَعْضِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ دُونَ بَعْضٍ.
وَمَشِيئَةُ اللَّهِ لا تَتَغَيَّرُ بِدُعَاءِ دَاعٍ وَلا بِصَدَقَةِ مُتَصَدِّقٍ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ الرَّحْمٰنِ ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ﴾ فَقَدْ فَسَّرَهُ الرَّسُولُ ﷺ بِقَوْلِهِ يَكْشِفُ كَرْبًا وَيَغْفِرُ ذَنْبًا وَيَرْفَعُ قَوْمًا وَيَضَعُ ءَاخَرِينَ ولَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ يُغَيِّرُ مَشِيئَتَهُ بِاخْتِلافِ الأَزْمَانِ وَالأَحْوَالِ إِنَّمَا مَعْنَاهُ كُلَّ يَوْمٍ يُغَيِّرُ فِى خَلْقِهِ وَلا يَتَغَيَّرُ فِى عِلْمِهِ وَمَشِيئَتِهِ فَاللَّهُ تَعَالَى يُغَيِّرُ أَحْوَالَ الْعِبَادِ مِنْ مَرَضٍ إِلَى صِحَّةٍ وَمِنْ فَسَادٍ إِلَى صَلاحٍ وَمِنْ فَقْرٍ إِلَى غِنًى عَلَى حَسَبِ مَشِيئَتِهِ الأَزَلِيَّةِ.
وَاعْلَمْ رَحِمَكَ اللهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لا يُغَيِّرُ مَشِيئَتَهُ لِدُعَاءِ دَاعٍ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَأَلْتُ رَبِّى أَرْبَعًا فَأَعْطَانِى ثَلاثًا وَمَنَعَنِى وَاحِدَةً سَأَلْتُهُ أَنْ لا يُكْفِرَ أُمَّتِى جُمْلَةً فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لا يُهْلِكَ أُمَّتِى بِمَا أَهْلَكَ بِهِ الأُمَمَ قَبْلَهُمْ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لا يُظْهِرَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا. وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ أَهْلُ الْحَقِّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لا يُغَيِّرُ مَشِيئَتَهُ لِدُعَاءِ دَاعٍ لِأَنَّ اللَّهَ لَوْ كَانَ يُغَيِّرُ مَشِيئَتَهُ بِدَعْوَةٍ لَغَيَّرَهَا لِحَبِيبِهِ الْمُصْطَفَى ﷺ.
وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ سَأَلْتُهُ أَنْ لا يُكْفِرَ أُمَّتِى جُمْلَةً فَأَعْطَانِيهَا أَىْ أَنَّ أُمَّتَهُ ﷺ لا يَكْفُرُونَ كُلُّهُمْ وَلا جُمْهُورُهُمْ أَىِ الأَكْثَرُ عَدَدًا وَإِنْ كَفَرَ بَعْضُهُمُ الَّذِينَ هُمُ الأَقَلُّ.
وَقَوْلُهُ ﷺ وَسَأَلْتُهُ أَنْ لا يُهْلِكَ أُمَّتِى بِمَا أَهْلَكَ بِهِ الأُمَمَ قَبْلَهُمْ فَأَعْطَانِيهَا أَىْ سَأَلَ اللَّهَ أَنْ لا يُسَلِّطَ عَلَى أُمَّتِهِ عَذَابًا يَسْتَأْصِلُهُمْ جُمْلَةً بِالْغَرَقِ أَوِ الْمَجَاعَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا حَصَلَ فِى أُمَّةِ نُوحٍ الَّذِينَ كَذَّبُوا نَبِيَّهُمْ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلامُ فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِالطُّوفَانِ وَأُمَّةِ هُودٍ وَهُمْ قَوْمُ عَادٍ الَّذِينَ كَذَّبُوا نَبِيَّهُمْ هُودًا فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ أَىْ رِيحٍ شَدِيدَةٍ بَارِدَةٍ تُحْرِقُ بِبَرْدِهَا كَإِحْرَاقِ النَّارِ وَأُمَّةِ صَالِحٍ وَهُمْ قَوْمُ ثَمُودَ الَّذِينَ كَذَّبُوا نَبِيَّهُمْ صَالِحًا فَأُهْلِكُوا بِصَيْحَةٍ كَالصَّاعِقَةِ صَاحَهَا بِهِمْ جِبْرِيلُ فَتَقَطَّعَتْ قُلُوبُهُمْ فَمَاتُوا.
وَقَوْلُهُ ﷺ وَسَأَلْتُهُ أَنْ لا يُظْهِرَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَعْطَانِيهَا أَىْ سَأَلَ اللَّهَ أَنْ لا يُسَلِّطَ عَلَى أُمَّتِهِ عَدُوًّا كَافِرًا يَسْتَأْصِلُهُمْ كُلَّهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُ الْكُفَّارُ وَلَوِ اجْتَمَعُوا مِنْ بَيْنِ مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا أَنْ يُبِيدُوا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَيُفْنُوهُمْ مِنْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ لِأَنَّ اللَّهَ لا يُمَكِنُّهُمْ مِنْ ذَلِكَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ ﷺ وَسَأَلْتُهُ أَنْ لا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا فَمَعْنَاهُ أَنَّ النَّبِىَّ ﷺ طَلَبَ مِنَ اللَّهِ أَنْ لا يَجْعَلَ أُمَّتَهُ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَلَمْ يُعْطِهِ اللَّهُ ذَلِكَ وَفِى رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنِّى إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لا يُرَدُّ، مَعْنَاهُ لا أُعْطِيكَ هَذَا الطَّلَبَ لِأَنِّى شِئْتُ فِى الأَزَلِ أَنْ يَصِيرَ فِى أُمَّتِكَ قِتَالٌ بَيْنَ بَعْضِهِمُ الْبَعْضِ.
(22) السُّؤَالُ الثَّانِي وَالعِشْرِينَ: مَا مَعْنَى لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.
مَعْنَى لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ لا حَوْلَ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إِلَّا بِعِصْمَةِ اللَّهِ وَلا قُوَّةَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ إِلَّا بِعَوْنِ اللَّهِ، جَاءَ تَفْسِيرُهَا فِى حَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ ﷺ رَغَّبَ فِيهِ.
الشَّرْحُ: فَسَّرَهَا النَّبِىُّ ﷺ بِقَوْلِهِ لا حَوْلَ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إِلَّا بِعِصْمَةِ اللَّهِ وَلا قُوَّةَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ إِلَّا بِعَوْنِ اللَّهِ أَىْ أَنَّ الإِنْسَانَ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَجَنَّبَ الْمَعْصِيَةَ إِلَّا أَنْ يَحْفَظَهُ اللَّهُ وَلا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَفْعَلَ الْخَيْرَ وَالطَّاعَةَ إِلَّا أَنْ يُعِينَهُ اللَّهُ.
وَقَدْ وَرَدَ فِى الْحَدِيثِ أَنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَلا أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ هِىَ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ قَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ. وَأُطْلِقَ الْكَنْزُ عَلَى الْحَوْقَلَةِ لِأَنَّ أَجْرَهَا مُدَّخَرٌ لِقَائِلِهَا. وَوَرَدَ فِى حَدِيثٍ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِى الْمُسْتَدْرَكِ أَنَّ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ تَنْفَعُ لِتِسْعِينَ دَاءً أَقَلُّهَا الْهَمُّ أَىْ أَنَّهَا تُزِيلُ الْهَمَّ فَهِىَ مِنْ أَفْضَلِ مَا يَشْتَغِلُ بِهِ الإِنْسَانُ الْمُصَابُ بِالْهَمِّ وَهِىَ أَيْضًا تَنْفَعُ لِمَنِ ابْتُلِىَ بِالْوَسْوَسَةِ بِإِذْنِ اللَّهِ، إِنْ وَاظَبَ وَثَبَتَ عَلَيْهَا لا بُدَّ أَنْ يَرَى الْفَرَجَ وَيَنْقَلِبَ عُسْرُهُ يُسْرًا فَاللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ لَهَا سِرًّا كَبِيرًا وَنَفْعًا عَظِيمًا.
وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ أَبِى أَيُّوبَ الأَنْصَارِىِّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِهِ مَرَّ عَلَى إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ مُرْ أُمَّتَكَ فَلْيُكْثِرُوا مِنْ غِرَاسِ الْجَنَّةِ فَإِنَّ تُرْبَتَهَا طَيِّبَةٌ وَأَرْضَهَا وَاسِعَةٌ قَالَ وَمَا غِرَاسُ الْجَنَّةِ قَالَ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. فَالْمُؤْمِنُ كُلَّمَا قَالَهَا تُغْرَسُ لَهُ شَجَرَةٌ فِى الْجَنَّةِ سَاقُهَا مِنْ ذَهَبٍ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِى ثَلاثَ مَرَّاتٍ بِسْمِ اللَّهِ مَا شَاءَ اللَّهُ لا يَسُوقُ الْخَيْرَ إِلَّا اللَّهُ، بِسْمِ اللَّهِ مَا شَاءَ اللَّهُ لا يَصْرِفُ السُّوءَ إِلَّا اللَّهُ، بِسْمِ اللَّهِ مَا شَاءَ اللَّهُ مَا كَانَ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ، بِسْمِ اللَّهِ مَا شَاءَ اللَّهُ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّه ءَامَنَهُ اللَّهُ مِنَ الْغَرَقِ وَالْحَرْقِ وَالسَّرَقِ وَمِنَ الشَّيَاطِينِ وَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ.
وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الْخَضِرَ وَإِلْيَاسَ عَلَيْهِمَا السَّلامُ لا يَزَالانِ حَيَّيْنِ فِى الأَرْضِ مَا دَامَ الْقُرْءَانُ فِى الأَرْضِ فَإِذَا رُفِعَ مَاتَا وَأَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ فِى كُلِّ سَنَةٍ وَيَقُولانِ عِنْدَ افْتِرَاقِهِمَا بِسْمِ اللَّهِ مَا شَاءَ اللَّهُ لا يَسُوقُ الْخَيْرَ إِلَّا اللَّهُ بِسْمِ اللَّهِ مَا شَاءَ اللَّهُ لا يَصْرِفُ السُّوءَ إِلَّا اللَّهُ بِسْمِ اللَّهِ مَا شَاءَ اللَّهُ مَا كَانَ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ بِسْمِ اللَّهِ مَا شَاءَ اللَّهُ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.
(23) السُّؤَالُ الثَّالِثُ وَالعِشْرِينَ: اللَّهُ تَعَالَى مَوْصُوفٌ بِكُلِّ كَمَالٍ يَلِيقُ بِهِ، لِمَاذَا قُيِّدَتْ كَلِمَةُ كَمَالٍ بِعِبَارَةِ يَلِيقُ بِهِ.
إِنَّمَا قُيِّدَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ بِلَفْظٍ يَلِيقُ بِهِ، لِأَنَّ الْكَمَالَ (أَيِ اللَّفْظَ الدَّالَّ عَلَى الْكَمَالِ) إِمَّا أَنْ يَكُونَ (إِطْلَاقُهُ) كَمَالًا (أَيْ يُعْطِي مَعْنَى الْكَمَالِ) فِي حَقِّ اللَّهِ، وَ(يُعْطِي مَعْنَى الْكَمَالِ) فِى حَقِّ غَيْرِهِ كَالْعِلْمِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ كَمَالًا فِى حَقِّ غَيْرِهِ وَلَيْسَ كَمَالًا فِى حَقِّهِ كَالْوَصْفِ بِرَجَاحَةِ الْعَقْلِ وَقَدْ يَكُونُ الْوَصْفُ مَدْحًا لِلَّهِ تَعَالَى وَذَمًّا فِى حَقِّ الإِنْسَانِ وَذَلِكَ كَالْوَصْفِ بِالْجَبَّارِ هُوَ مَدْحٌ فِى حَقِّ اللَّهِ وَذَمٌّ فِى حَقِّ الإِنْسَانِ، وَمَعْنَى الْجَبَّارِ إِذَا أُطْلِقَ عَلَى اللَّهِ الَّذِى لا تَنَالُهُ الأَيْدِى وَلا يَقَعُ فِى مِلْكِهِ غَيْرُ مَا أَرَادَ.
الشَّرْحُ: قُيِّدَتْ كَلِمَةُ كَمَالٍ بِعِبَارَةِ يَلِيقُ بِهِ لِأَنَّ الْوَصْفَ بِرَجَاحَةِ الْعَقْلِ مَثَلًا كَمَالٌ وَمَدْحٌ فِى حَقِّ الإِنْسَانِ لَكِنَّهُ لَيْسَ كَمَالًا فِى حَقِّ اللَّهِ فَلا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ بِهِ كَمَا فَعَلَ سَيِّدُ قُطُبٍ فَإِنَّهُ سَمَّى اللَّهَ بِالْعَقْلِ الْمُدَبِّرِ وَهُوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ الْبَشَرِ وَقَدْ قَالَ الإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِىُّ أَحْمَدُ بنُ سَلامَةَ الْمِصْرِىُّ فِى عَقِيدَتِهِ وَمَنْ وَصَفَ اللَّهَ بِمَعْنًى مِنْ مَعَانِى الْبَشَرِ (أَىْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْبَشَرِ) فَقَدْ كَفَرَ وَقَالَ الإِمَامُ النَّسَفِىُّ فِى تَفْسِيرِهِ وَمِنَ الإِلْحَادِ (أَىِ الْكُفْرِ) تَسْمِيَّةُ اللَّهِ بِالْجِسْمِ وَالْجَوْهَرِ وَالْعَقْلِ وَالْعِلَّةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ سَيِّدَ قُطُبٍ زَعِيمَ حِزْبِ الإِخْوَانِ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا وَلا مُفَسِّرًا بَلْ كَانَ جَاهِلًا فِى الدِّينِ وَكُتُبُهُ تَشْهَدُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُشَبِّهُ اللَّهَ بِخَلْقِهِ وَيَصِفُهُ بِمَا لا يَلِيقُ بِهِ فَإِنَّهُ يُسَمِّى اللَّهَ بِالْعَقْلِ الْمُدَبِّرِ وَبِالرِّيشَةِ الْمُعْجِزَةِ وَبِالرِّيشَةِ الْخَالِقَةِ وَالْمُبْدِعَةِ وَبِمُهَنْدِسِ الْكَوْنِ الأَعْظَمِ وَفِى هَذَا تَكْذِيبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾. وَيَقُولُ فِى كِتَابِهِ الْمُسَمَّى فِى ظِلالِ الْقُرْءَانِ فِى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ إِنَّهَا أَحَدِيَّةُ الْوُجُودِ فَلَيْسَ هُنَاكَ حَقِيقَةٌ إِلَّا حَقِيقَتَهُ وَلَيْسَ هُنَاكَ وُجُودٌ حَقِيقِىٌّ إِلَّا وُجُودَهُ وَكَلامُهُ هَذَا صَرِيحٌ بِالْحُلُولِ وَالْوَحْدَةِ الْمُطْلَقَةِ وَهُوَ مِنْ أَشَدِّ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ، يَعْنِى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَلَّ بِالأَشْيَاءِ وَاتَّحَدَ مَعَهَا فَصَارَ هُوَ عَيْنَ الأَشْيَاءِ فَقَوْلُهُ لَيْسَ هُنَاكَ حَقِيقَةٌ إِلَّا حَقِيقَتَهُ يَعْنِى أَنَّ الْعَالَمَ وَهْمٌ أَوْ مَعْدُومٌ أَوْ يَعْنِى أَنَّ اللَّهَ وَالْعَالَمَ شَىْءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ فِى الْحَالَيْنِ تَكْذِيبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ الَّذِى فِيهِ إِثْبَاتُ وُجُودِ اللَّهِ وَإِثْبَاتُ وُجُودِ الْعَالَمِ حَقِيقَةً.
وَيَقُولُ سَيِّدُ قُطُبٍ فِى قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ مَا نَصُّهُ وَهِىَ كَلِمَةٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ لا عَلَى الْكِنَايَةِ وَالْمَجَازِ وَاللَّهُ تَعَالَى مَعَ كُلِّ شَىْءٍ وَمَعَ كُلِّ أَحَدٍ فِى كُلِّ وَقْتٍ وَفِى كُلِّ مَكَانٍ. وَكَلامُهُ هَذَا فِيهِ تَكْذِيبٌ لِلْقُرْءَانِ وَإِجْمَاعِ الأُمَّةِ لِأَنَّهُ جَعَلَ اللَّهَ مُنْتَشِرًا فِى الْعَالَمِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ أَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّهَ مَوْجُودٌ بِلا مَكَانٍ وَلا جِهَةٍ.
وَيَقُولُ فِى كِتَابِهِ الْمُسَمَّى فِى ظِلالِ الْقُرْءَانِ إِنَّ تَعَلُّمَ الْفِقْهِ مَضْيَعَةٌ لِلْعُمُرِ وَالأَجْرِ وَقَوْلُهُ هَذَا فِيهِ مُعَارَضَةٌ لِلْقُرْءَانِ وَالْحَدِيثِ وَإِجْمَاعِ الأُمَّةِ قَالَ تَعَالَى ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ أَىْ لا يَسْتَوُونَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَا أَيُّهَا النَّاسُ تَعَلَّمُوا فَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ وَالْفِقْهُ بِالتَّفَقُّهِ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِى الدِّينِ رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ، أَىْ مَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا أَىْ رِفْعَةً فِى الدَّرَجَةِ رَزَقَهُ الْعِلْمَ بِأُمُورِ دِينِهِ.
كَمَا أَنَّ سَيِّدَ قُطُبٍ يَطْعَنُ فِى أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَيَحْتَقِرُهُمْ وَيَتَّهِمُهُمْ بِالشِّرْكِ فَيَقُولُ فِى كِتَابِهِ الْمُسَمَّى التَّصْوِيرَ الْفَنِّىَّ فِى الْقُرْءَانِ عَنْ سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ لِنَأْخُذْ مُوسَى إِنَّهُ نَمُوذَجٌ لِلزَّعِيمِ الْمُنْدَفِعِ الْعَصَبِىِّ الْمِزَاجِ يَعْنِى سَيِّئَ الْخُلُقِ وَيَتَّهِمُ نَبِىَّ اللَّهِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِأَنَّهُ كَادَ يَضْعُفُ أَمَامَ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ وَيَتَّهِمُ نَبِىَّ اللَّهِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِأَنَّهُ كَانَ مُشْرِكًا يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ فَيَقُولُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ وَإِبْرَاهِيمُ تَبْدَأُ قِصَّتُهُ فَتًى يَنْظُرُ فِى السَّمَاءِ فَيَرَى نَجْمًا فَيَظُنُّهُ إِلَهَهُ.
وَلْيُعْلَمْ أَنَّ سَيِّدَ قُطُبٍ كَفَّرَ الْمُسْلِمِينَ قَاطِبَةً حَتَّى الْمُؤَذِّنِينَ وَالْمُصَلِّينَ كَمَا أَنَّ أَتْبَاعَهُ حِزْبَ الإِخْوَانِ يَعْتَبِرُونَ أَنْفُسَهُمْ أَنَّهُمْ هُمْ فَقَطْ الْمُسْلِمُونَ وَكُلَّ مَنْ سِوَاهُمْ كُفَّارًا لِذَلِكَ يُسَمُّونَ أَنْفُسَهُمْ الإِخْوَانَ الْمُسْلِمِينَ وَالْجَمَاعَةَ الإِسْلامِيَّةَ وَأَسْمَاءَ أُخْرَى غَيْرَهَا. فَيَجِبُ الْحَذَرُ وَالتَّحْذِيرُ مِنْهُمْ فَإِنَّ أَكْبَرَ ضَرَرٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ يَأْتِى مِنْ نَاحِيَةٍ بِاسْمِ الدِّينِ مِنْ حِزْبِ الإِخْوَانِ وَالْوَهَّابِيَّةِ كَفَى اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُمْ.
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
لِمُشَاهَدَةِ الدَّرْسِ: https://youtu.be/EO7Pitveo58
لِلِاسْتِمَاعِ إِلَى الدَّرْسِ: https://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/bahja-2
الْمَوْقِعُ الرَّسْمِيُّ لِلشَّيْخِ جِيل صَادِق: https://shaykhgillessadek.com