#1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، قَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، إِمَامِ الْأَتْقِيَاءِ الْعَارِفِينَ، سَيِّدِنَا وَقَائِدِنَا وَحَبِيبِنَا وَنُورِ أَبْصَارِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ الْأُمِّيِّ الْأَمِينِ، الْعَالِي الْقَدْرِ، الْعَظِيمِ الْجَاهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ.
الشَّرْحُ: أَىْ أَبْتَدِئُ بِقَوْلِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ. وَلَفْظُ الْجَلالَةِ “اللَّهُ” اسْمٌ يَدُلُّ عَلَى ذَاتِ اللَّهِ الْمُسْتَحِقِّ لِنِهَايَةِ التَّعْظِيمِ وَغَايَةِ الْخُضُوعِ وَهِىَ الْعِبَادَةُ وَمَعْنَاهُ مَنْ لَهُ الإِلَهِيَّةُ أَىْ مَنْ لَهُ الْقُدْرَةُ عَلَى إِبْرَازِ الأَحْجَامِ وَصِفَاتِ الأَحْجَامِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ. وَالرَّحْمٰنُ مَعْنَاهُ الْكَثِيرُ الرَّحْمَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ فِى الدُّنْيَا وَلِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً فِى الآخِرَةِ أَمَّا الرَّحِيمُ فَمَعْنَاهُ الْكَثِيرُ الرَّحْمَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ فِى الآخِرَةِ قَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ الأَعْرَافِ ﴿وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍ﴾ أَىْ أَنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ وَسِعَتْ فِى الدُّنْيَا كُلَّ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ ﴿فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ أَىْ أَخُصُّهَا فِى الآخِرَةِ لِلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ الشِّرْكَ وَسَائِرَ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ.
وَالْبَسْمَلَةُ مُسْتَحَبَّةٌ عِنْدَ النَّوْمِ وَالْجِمَاعِ وَعِنْدَ الْبَدْءِ بِالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ وَتِلاوَةِ الْقُرْءَانِ وَتَأْلِيفِ كِتَابٍ وَعِنْدَ الذَّبْحِ وَالأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالِاسْتِيَاكِ وَالِاكْتِحَالِ وَعِنْدَ رُكُوبِ دَابَّةٍ وَسَفِينَةٍ وَدُخُولِ بَيْتٍ وَمَسْجِدٍ وَالْخُرُوجِ مِنْهُمَا وَعِنْدَ صُعُودِ الْخَطِيبِ مِنْبَرًا وَعِنْدَ دُخُولِ الْخَلاءِ وَلُبْسِ ثَوْبٍ وَنَزْعِهِ وَغَلْقِ بَابٍ وَإِطْفَاءِ مِصْبَاحٍ وَعِنْدَ تَغْمِيضِ عَيْنِ مَيِّتٍ وَعِنْدَ وَضْعِهِ فِى قَبْرِهِ. وَيَنْفَعُ لِتَيْسِيرِ الرِّزْقِ أَنْ تُكْتَبَ الْبَسْمَلَةُ بِخَطِّ الْمُصْحَفِ خَمْسًا وَثَلاثِينَ مَرَّةً وَتُعَلَّقُ فِى الْبَيْتِ أَوِ الدُّكَّانِ، نَفْعُهَا عَظِيمٌ.
وَمَعْنَى الْحَمْدُ لِلَّهِ أَىِ الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِىِّ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ مُسْتَحَقٌّ لِلَّهِ أَىْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَسْتَحِقُّ أَنْ يُثْنَى عَلَيْهِ عَلَى نِعَمِهِ الَّتِى أَنْعَمَ بِهَا عَلَى عِبَادِهِ مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ عَلَيْهِ. وَيُسَنُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ عِنْدَ النَّوْمِ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ وَأَنْ يَقُولَ إِذَا اسْتَيْقَظَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَحْيَانَا بَعْدَمَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُور مَعْنَاهُ نَحْمَدُ اللَّهَ أَنْ جَعَلَنَا نَسْتَيْقِظُ مِنْ نَوْمِنَا وَنَعِيشُ وَلَمْ يُمِتْنَا وَنَحْنُ نَائِمُونَ وَهُوَ الَّذِى يُحْيِينَا بَعْدَ مَوْتِنَا لِلْبَعْثِ. وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ إِذَا عَطَسَ أَوْ أَرَادَ الدُّعَاءَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَأَنْ يَقُولَ إِذَا رَأَى مَا يَسُرُّهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَات أَىْ نَحْمَدُ اللَّهَ الَّذِى بِفَضْلِهِ أَدَامَ عَلَيْنَا الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ وَأَنْ يَقُولَ إِذَا رَأَى مَا يَسُوؤُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَىْ أَحْمَدُ اللَّهَ فِى حَالِ الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ الِانْتِهَاءِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ وَأَنْ يَقُولَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلاءِ غُفْرَانَكَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَذْهَبَ عَنِّىَ الأَذَى وَعَافَانِى أَىْ أَحْمَدُ اللَّهَ الَّذِى أَخْرَجَ مِنِّى مَا لَوْ بَقِىَ فِى جَوْفِى يُؤْذِينِى وَأَبْقَى عَلَىَّ الْعَافِيَةَ وَأَنْ يَقُولَ إِذَا رَأَى وَجْهَهُ فِى الْمِرْءَاةِ الْحَمْدُ لِلَّهِ اللَّهُمَّ كَمَا حَسَّنْتَ خَلْقِى فَحَسِّنْ خُلُقِى أَىْ كَمَا أَنَّكَ لَمْ تَجْعَلْ فِى خِلْقَتِى عَاهَةً فَجَمِّلْنِى بِالأَخْلاقِ الْحَسَنَةِ وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ إِذَا رَأَى مُبْتَلًى فِى جَسَدِهِ أَوْ دِينِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى عَافَانِى مِمَّا ابْتَلاكَ بِهِ وَفَضَّلَنِى عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلا أَىْ أَحْمَدُ اللَّهَ الَّذِى عَافَانِى مِنَ الْبَلاءِ الَّذِى ابْتَلاكَ بِهِ وَفَضَّلَنِى بِالنِّعَمِ الَّتِى أَنْعَمَ بِهَا عَلَىَّ وَلَمْ يَبْتَلِنِى بِمَا ابْتَلَى بِهِ خَلْقًا كَثِيرًا.
وَمَعْنَى الصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ أَىِ اللَّهُمَّ زِدْ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا شَرَفًا وَتَعْظِيمًا وَقَدْرًا وَأَمِّنْهُ مِمَّا يَخَافُهُ عَلَى أُمَّتِهِ أَىْ سَلِّمْ أُمَّتَهُ مِمَّا يَكْرَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ الأَحْزَابِ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ فَالصَّلاةُ مِنَ اللَّهِ عَلَى النَّبِىِّ تَعْظِيمٌ وَرِفْعَةُ قَدْرٍ وَالصَّلاةُ مِنَ الْمَلائِكَةِ دُعَاءٌ فَهُمْ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ كَمَا نَحْنُ نُصَلِّى عَلَيْهِ. وَقَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ الأَحْزَابِ ﴿هُوَ الَّذِى يُصَلِّى عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ﴾ أَىْ يَرْحَمُكُمْ وَمَلائِكَتُهُ يَسْتَغْفِرُونَ لَكُمْ. وَالصَّلاةُ عَلَى النَّبِىِّ حَتَّى يَكُونَ فِيهَا أَجْرٌ لا بُدَّ مِنَ النُّطْقِ بِهَا بِلَفْظٍ صَحِيحٍ مَعَ إِخْلاصِ النِّيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى فَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ قَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى النَّبِى بِالتَّخْفِيفِ بِدُونِ تَشْدِيدِ الْيَاءِ فَلا ثَوَابَ لَهُ.
وَاعْلَمْ رَحِمَكَ اللهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الإِكْثَارُ مِنَ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِىِّ فِى كُلِّ يَوْمٍ وَخَاصَّةً يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِقَوْلِهِ ﷺ مَنْ صَلَّى عَلَىَّ عَصْرَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ثَمَانِينَ مَرَّةً غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُ ثَمَانِينَ سَنَةً، أَىْ لَوْ كَانَتْ عِنْدَهُ. وَيُسْتَحَبُّ الصَّلاةُ عَلَيْهِ عِنْدَ ذِكْرِ اسْمِهِ ﷺ حَتَّى أَثْنَاءَ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ فِى الصَّلاةِ عَلَى النَّبِىِّ قَضَاءَ الْحَاجَاتِ وَتَفْرِيجَ الْكُرُبَاتِ وَمَغْفِرَةَ الذُّنُوبِ وَنَيْلَ شَفَاعَةِ النَّبِىِّ ﷺ.
وَوَرَدَ فِى الْحَدِيثِ الَّذِى رَوَاهُ الطَّبَرَانِىُّ فِى كِتَابِ الدَّعَوَاتِ أَنَّ النَّاسَ إِذَا اجْتَمَعُوا فِى مَجْلِسٍ ثُمَّ فَارَقُوهُ وَلَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى النَّبِىِّ يَكُونُ حَسْرَةً عَلَيْهِمْ فِى الآخِرَةِ وَإِنْ دَخَلُوا الْجَنَّةَ، أَىْ مِنْ غَيْرِ نَكَدٍ وَانْزِعَاجٍ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُسْلِمَ حِينَ يَذْكُرُ هَذَا الْمَجْلِسَ إِنْ كَانَ فِى بَيْتِهِ أَوْ فِى الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُهَلِّلْ فِيهِ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِىِّ وَفَارَقَهُ يَقُولُ يَا لَيْتَنِى مَا فَوَّتُّ هَذَا.
وَمِنَ الصِّيَغِ الْمُجَرَّبَةِ لِرُؤْيَةِ الرَّسُولِ ﷺ فِى الْمَنَامِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِىِّ وَأَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَذُرِّيَتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى ءَالِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَتُقَالُ مِائَةَ مَرَّةٍ فِى كُلِّ يَوْمٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّلاةَ عَلَى النَّبِىِّ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ وَقَوْلِهِ ﷺ مَنْ ذَكَرَنِى فَلْيُصَلِّ عَلَىَّ، رَوَاهُ الْحَافِظُ السَّخَاوِىُّ فِى كِتَابِهِ الْقَوْلُ الْبَدِيعُ فِى الصَّلاةِ عَلَى النَّبِىِّ الشَّفِيعِ. الرَّسُولُ يَقُولُ مَنْ ذَكَرَنِى فَلْيُصَلِّ عَلَىَّ وَالْمُؤَذِّنُ ذَكَرَهُ. فَإِذَا أَذَّنَ الْمُسْلِمُ لِلصَّلاةِ ثُمَّ صَلَّى عَلَى النَّبِىِّ فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ لَيْسَتْ مِنَ الأَذَانِ لِأَنَّ الأَذَانَ يَنْتَهِى بِقَوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِنَّمَا هِىَ بَعْدَ الأَذَانِ فَهِىَ زِيَادَةٌ فِى الْخَيْرِ وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ فَهُوَ كَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ. فَإِذَا قَالَ الْوَهَّابِيَّةُ لِمَاذَا تَجْعَلُونَهَا عَادَةً نَقُولُ لَهُمْ إِذَا جَعَلَ الْمُؤْذِّنُ عَادَتَهُ أَنَّهُ كُلَّمَا أَذَّنَ وَانْتَهَى مِنَ الأَذَانِ الْتَفَتَ إِلَى إِخْوَانِهِ وَقَالَ لَهُمْ بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمْ كَانَ جَائِزًا، فَكَيْفَ يَكُونُ الدُّعَاءُ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ جَائِزًا عِنْدَكُمْ وَلِمُحَمَّدٍ مُحَرَّمًا. الصَّلاةُ عَلَى النَّبِىِّ دُعَاءٌ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
(1) السُّؤَالُ الأَوَّلُ: مَا هُوَ الْفَرْضُ الْعَيْنِىُّ مِنْ عِلْمِ الدِّينِ.
الْفَرْضُ الْعَيْنِىُّ مِنْ عِلْمِ الدِّينِ هُوَ الْقَدْرُ الَّذِى يَجِبُ تَعَلُّمُهُ مِنْ عِلْمِ الِاعْتِقَادِ وَمِنَ الْمَسائِلِ الْفِقْهِيَّةِ وَمِنْ أَحْكَامِ الْمُعَامَلاتِ لِمَنْ يَتَعَاطَاهَا وَغَيْرِهَا كَمَعْرِفَةِ مَعَاصِى الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ كَاللِّسَانِ وَغَيْرِهِ وَمَعْرِفَةِ الظَّاهِرِ مِنْ أَحْكَامِ الزَّكَاةِ لِمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَالْحَجِّ لِلْمُسْتَطِيعِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِىُّ.
الشَّرْحُ: الْفَرْضُ الْعَيْنِىُّ مِنْ عِلْمِ الدِّينِ هُوَ الْقَدْرُ الَّذِى يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَتَعَلَّمَهُ فَإِذَا أَهْمَلَ تَحْصِيلَهُ يَكُونُ عَاصِيًا مُسْتَحِقًّا لِلْعَذَابِ فِى النَّارِ وَهُوَ عِلْمُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّـةُ الإِيمَانِ وَصِحَّـةُ الْعِبَادَاتِ مِنْ وُضُوءٍ وَصَلاةٍ وَصَوْمٍ وَزَكَاةٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَحَجٍ أَرَادَهُ وَعِلْمُ مَا يُبَاشِرُهُ مِنْ مُعَامَلَةٍ كَبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ إِجَارَةٍ وَعِلْمُ مَا يَتَلَبَّسُ بِهِ وَلَوْ نَفْلًا كَذِكْرٍ أَوْ دُعَاءٍ لِأَنَّهُ لا يَجُوزُ لِلْمُكَلَّفِ أَنْ يَدْخُلَ فِى شَىْءٍ حَتَّى يَعْلَمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ مِنْهُ وَمَا حَرَّمَ وَمَعْرِفَةُ وَاجِبَاتِ الْقَلْبِ وَمَعَاصِى الْجَوَارِحِ أَىِ الأَعْضَاءِ كَاللِّسَانِ وَغَيْرِهِ وَمَعْرِفَةُ الْكُفْرِيَّاتِ لِلْحَذَرِ مِنْهَا وَمَعْرِفَةُ كَيْفِيَّةِ التَّوْبَةِ مِنَ الذُّنُوبِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِىُّ. وَتَحْصِيلُ هَذَا الْعِلْمِ يَكُونُ بِالتَّعَلُّمِ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ الثِّقَاتِ لا بِطَرِيقِ الْمُطَالَعَةِ فِى الْكُتُبِ لِلأَمْنِ مِنَ الْغَلَطِ وَالتَّحْرِيفِ لِقَوْلِهِ ﷺ يَا أَيُّهَا النَّاسُ تَعَلَّمُوا فَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ وَالْفِقْهُ بِالتَّفَقُّهِ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِى الدِّينِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِىُّ، مَعْنَاهُ مَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا أَىْ رِفْعَةً فِى الدَّرَجَةِ رَزَقَهُ الْعِلْمَ بِأُمُورِ دِينِهِ.
وَالْجَهْلُ بِعِلْمِ الدِّينِ لَيْسَ عُذْرًا، لَوْ كَانَ الْجَهْلُ عُذْرًا لَكَانَ الْجَهْلُ خَيْرًا مِنَ الْعِلْمِ وَهَذَا خِلافُ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ فَاللَّهُ تَعَالَى فَضَّلَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ فَلَوْ كَانَ الْجَاهِلُ يُعْذَرُ لِجَهْلِهِ عَلَى الإِطْلاقِ لَكَانَ الْجَهْلُ أَفْضَلَ لِلنَّاسِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْخَيْرَ كُلَّ الْخَيْرِ بِتَعَلُّمِ عِلْمِ الدِّينِ فَهُوَ دَلِيلُ الْعَمَلِ وَطَرِيقُ تَصْحِيحِهِ فَالْعِلْمُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ لِأَنَّ الْعِلْمَ يُحَصَّلُ لِلْعَمَلِ، وَالْعَمَلُ بِلا عِلْمٍ لا يُنْجِى صَاحِبَهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ التَّحْرِيمِ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ قَالَ سَيِّدُنَا عَلِىٌّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ عَلِّمُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمُ الْخَيْرَ، أَىْ عِلْمَ الدِّينِ لِأَنَّ مَنِ امْتَلَأَ قَلْبُهُ بِالْخَيْرِ يَظْهَرُ ذَلِكَ عَلَى جَوَارِحِهِ فَيَنْطِقُ بِالْخَيْرِ وَيَفْعَلُ الْخَيْرَ. عِلْمُ الدِّينِ حَيَاةُ الإِسْلامِ مَنْ أَهْمَلَهُ كَانَ مِنَ الْخَاسِرِينَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا فَاسِقًا أَىْ وَاقِعًا فِى ذَنْبٍ كَبِيرٍ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ كَافِرًا بِسَبَبِ جِهْلِهِ فِى الدِّينِ فَلا نَجَاةَ إِلَّا بِتَعَلُّمِ عِلْمِ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ الثِّقَاتِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِى الدِّينِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِىُّ، مَعْنَاهُ مَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا كَثِيرًا أَىْ رِفْعَةً فِى الدَّرَجَةِ رَزَقَهُ الْعِلْمَ بِأُمُورِ دِينِهِ.
مَنْ عَرَفَ قَدْرَ عِلْمِ الدِّينِ أَحَبَّهُ وَلَمْ يَشْبَعْ مِنْهُ فَهُوَ بَرَكَةٌ وَخَيْرٌ عَظِيمٌ نَافِعٌ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَالْعَاقِلُ الْفَطِنُ لا يَشْبَعُ مِنْ عِلْمِ الدِّينِ مَهْمَا تَكَرَّرَ عَلَيْهِ سَمَاعُهُ فَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِىُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لا يَشْبَعُ مُؤْمِنٌ مِنْ خَيْرٍ يَسْمَعُهُ حَتَّى يَكُونَ مُنْتَهَاهُ الْجَنَّة، أَىْ حَتَّى يَتَرَقَّى فِى الدَّرَجَاتِ فَيَصِلَ إِلَى أَعَالِى الْجَنَّةِ. أَمَّا مَنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ عِلْمَ الدِّينِ فَهُوَ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ عِلْمَ الدِّينِ كَيْفَ يَضْمَنُ صِحَّةَ إِيمَانِهِ وَعِبَادَاتِهِ، إِنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ مَا هُوَ الْكُفْرُ كَيْفَ يَضْمَنُ بَقَاءَهُ عَلَى الإِسْلامِ، إِنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ مَا هِىَ الْمُحَرَّمَاتُ كَيْفَ يَجْتَنِبُهَا وَإِذَا وَقَعَ فِيهَا كَيْفَ يَتُوبُ مِنْهَا.
فَهَذَا سَيِّدُنا عَبْدُ القَادِرِ الْجِيلانِىّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَعبُدُ اللَّهَ فِى خَلْوَةٍ فَجَاءَهُ الشَّيطانُ عَلَى هَيْئَةِ نُورٍ عَظِيمٍ وَقَالَ لَهُ يَا عَبدِى يَا عَبْدَ القَادِر قَدْ أَسْقَطْتُ عَنْكَ الفَرَائِضَ وَأَحْلَلْتُ لَكَ الْمُحَرَّمَاتِ فَقَالَ لَهُ سَيِّدُنَا عَبْدُ القَادِرِ خَسِئْتَ يَا لَعِين أَىْ فَشِلْتَ وَخَابَ سَعْيُكَ أَىْ مَا تَسْعَى إِلَيْهِ فَاخْتَفَى الضَّوْءُ وَبَقِىَ الصَّوْتُ وَقَالَ لَهُ الشَّيطَانُ لَقَدْ غَلَبْتَنِى بِعِلْمِكَ يَا عَبْدَ الْقَادِرِ وَإِنِّى قَدْ أَغْوَيْتُ أَرْبَعِينَ عَابِدًا بِهَذِهِ الطَّرِيقَة. سَيِّدُنَا الْعَارِفُ بِاللَّهِ عَبْدُ الْقَادِرِ الْجِيلانِىّ عَرَفَ بِعِلْمِهِ أَنَّهُ الشَّيْطَانُ لِأَنَّهُ كَانَ تَعَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ فَاللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ نُورًا بِمَعْنَى الضَّوْءِ بَلْ هُوَ خَالِقُ النُّورِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ أَىْ خَلَقَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ، وَالَّذِى كَلَّمَهُ كَلَّمَهُ بِصَوْتٍ واللَّهُ تَعَالَى كَلامُهُ الَّذِى هُوَ صِفَتُهُ لَيْسَ حَرْفًا وَلا صَوْتًا وَلا لُغَةً لا يُبْتَدَأُ وَلا يُخْتَتَمُ لا يَطْرَأُ عَلَيْهِ سُكُوتٌ أَوْ تَقَطُّعٌ لَيْسَ شَيْئًا يَسْبِقُ بَعْضُهُ بَعْضًا وَيَتَأَخَّرُ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ. عَرَفَ الْحَقَّ عَبْدُ الْقَادِرِ الْجِيلانِىُّ بِعِلْمِ الدِّينِ فَغَلَبَ الشَّيْطَانَ.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ أَهْمَلَ تَعَلُّمَ عِلْمِ الدِّينِ قَدْ يَقَعُ فِى التَّشْبِيهِ فَيَخْلُدَ فِى نَارِ جَهَنَّمَ إِنْ مَاتَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَنْ يُشَبِّهُ اللَّهَ تَعَالَى بِخَلْقِهِ فَهُوَ كَافِرٌ لَمْ تَصِحَّ عِبَادَتُهُ لِأَنَّهُ يَعْبُدُ شَيْئًا تَخَيَّلَهُ وَتَوَهَّمَهُ فِى مُخَيِّلَتِهِ وَأَوْهَامِهِ قَالَ الإِمَامُ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِىُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لا تَصِحُّ الْعِبَادَةُ إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْمَعْبُودِ، أَىْ أَنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ اللَّهَ بَلْ يُشَبِّهُهُ بِخَلْقِهِ بِالضَّوْءِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ سَاكِنٌ فِى السَّمَاءِ أَوْ أَنَّهُ جَالِسٌ عَلَى الْعَرْشِ أَوْ يَصِفُهُ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْبَشَرِ فَهَذَا عِبَادَتُهُ تَكُونُ لِشَىْءٍ تَخَيَّلَهُ وَتَوَهَّمَهُ فِى مُخَيِّلَتِهِ فَيَكُونُ مُشْرِكًا بِاللَّهِ فَلا تَصِحُّ عِبَادَتُهُ.
وَأَمَّا الْفَرْضُ الْكِفَائِىُّ مِنْ عِلْمِ الدِّينِ هُوَ الْقَدْرُ الَّذِى يَجِبُ تَحْصِيلُهُ عَلَى بَعْضِ الْمُكَلَّفِينَ وَلا يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ بِعَيْنِهِ كَمَعْرِفَةِ كَيْفِيَّةِ غَسْلِ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينِهِ وَمَعْرِفَةِ الأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالنَّقْلِيَّةِ مِنَ الْقُرْءَانِ وَالْحَدِيثِ فِى إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ الثَّلاثَ عَشْرَةَ الْوَاجِبَةِ لِلَّهِ تَعَالَى أَىْ مَعْرِفَةِ الأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالأَدِلَّةِ الْقُرْءَانِيَّةِ وَالْحَدِيثِيَّةِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَهُ ثَلاثَ عَشْرَةَ صِفَةً تَجِبُ مَعْرِفَتُهَا عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ وَمَعْرِفَةِ الأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ لِإِبْطَالِ تَمْوِيهَاتِ الْمُحَرِّفِينَ لِلدِّينِ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَيْهِ وَهُمْ لَيْسُوا مِنْهُ أَىْ مَعْرِفَةِ الأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ لِلرَّدِّ عَلَى الْمُحَرِّفِينَ لِلدِّينِ وَإِظْهَارِ أَنَّ مَا أَدْخَلُوهُ فِى الدِّينِ لَيْسَ مِنَ الدِّينِ وَأَنَّهُ بَاطِلٌ وَلا صِحَّةَ لَهُ وَمَعْرِفَةِ الأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ لِلرَّدِّ عَلَى الْمُلْحِدِينَ أَىِ الْمُنْكِرِينَ لِوُجُودِ اللَّهِ الَّذِينَ لا يَنْتَسِبُونَ إِلَى الإِسْلامِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُشَكِّكُوا الْمُسْلِمِينَ فِى صِحَّةِ دِينِهِمْ.
(2) السُّؤَالُ الثَّانِي: مَنْ هُوَ الْمُكَلَّفُ الْمُلْزَمُ بِالدُّخُولِ فِى دِينِ الإِسْلامِ وَالْعَمَلِ بِشَرِيعَتِهِ.
الْمُكَلَّفُ هُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الَّذِى بَلَغَتْهُ دَعَوْةُ الإِسْلامِ، وَيَكُونُ الْبُلُوغُ بِالنِّسْبَةِ لِلذَّكَرِ بِحُصُولِ أَمْرٍ مِنِ اثْنَيْنِ رُؤْيَةِ الْمَنِىِّ أَوْ بُلُوغِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً قَمَرِيَّةً وَلِلأُنْثَى بِحُصُولِ أَمْرٍ مِنْ ثَلاثَةٍ رُؤْيَةِ الْمَنِىِّ أَوْ دَمِ الْحَيْضِ أَوْ بُلُوغِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً قَمَرِيَّةً. فَمَنْ مَاتَ دُونَ الْبُلُوغِ فَلَيْسَ مُكَلَّفًا وَمَنِ اتَّصَلَ جُنُونُهُ مِنْ قَبْلِ الْبُلُوغِ إِلَى مَا بَعْدَهُ وَمَاتَ وَهُوَ مَجْنُونٌ فَلَيْسَ مُكَلَّفًا وَمَنْ عَاشَ بَالِغًا وَلَمْ يَبْلُغْهُ أَصْلُ الدَّعْوَةِ أَىْ شَهَادَةُ أنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَلَيْسَ مُكَلَّفًا قَالَ تَعَالَى ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثٍ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الصَّبِىِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ» رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ.
الشَّرْحُ: الْمُكَلَّفُ هُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الَّذِى بَلَغَهُ أَصْلُ دَعْوَةِ الإِسْلامِ أَىْ بَلَغَهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ سَوَاءٌ بَلَغَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ أَوْ بِمَا يُعْطِى مَعْنَاهُ. وَعَلامَاتُ الْبُلُوغِ بِالنِّسْبَةِ لِلذَّكَرِ خُرُوجُ الْمَنِىِّ أَوْ بُلُوغُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً قَمَرِيَّةً وَعَلامَاتُ الْبُلُوغِ بِالنِّسْبَةِ لِلأُنْثَى خُرُوجُ الْمَنِىِّ أَوْ دَمِ الْحَيْضِ أَوْ بُلُوغُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً قَمَرِيَّةً.
وَالْمَنِىُّ لَهُ عَلامَاتٌ خُرُوجُهُ بِلَذَّةٍ يَعْقُبُهَا انْكِسَارُ الشَّهْوَةِ وَخُرُوجُهُ بِتَدَفُّقٍ وَهُوَ الِانْصِبَابُ بِشِدَّةٍ شَيْئًا فَشَيْئًا وَلَهُ رَائِحَةُ الْعَجِينِ حَالَ كَوْنِهِ رَطْبًا وَرَائِحَةُ بَيَاضِ الْبَيْضِ حَالَ كَوْنِهِ جَافًّا وَهَذِهِ عَلامَاتٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. وَالْمَنِىُّ سَائِلٌ أَبْيَضُ لا رُوحَ فِيهِ وَقَوْلُ بَعْضِ النَّاسِ إِنَّ الْمَنِىَّ فِيهِ رُوحٌ أَوْ هُوَ حَيَوَانٌ مَنَوِىٌّ بَاطِلٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا﴾ أَىْ نُطَفًا لا رُوحَ فِيهَا ﴿فَأَحْيَاكُمْ﴾ أَىْ فِى الأَرْحَامِ ﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾ أَىْ عِنْدَ انْقِضَاءِ ءَاجَالِكُمْ ﴿ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ أَىْ لِلْبَعْثِ. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ ﷺ إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ (أَىْ مَا يُخْلَقُ مِنْهُ) فِى بَطْنِ أُمِّهِ (أَىْ فِى رَحِمِهَا) أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً (أَىْ مَنِيًّا سَائِلًا يَتَفَرَّقُ ثُمَّ يَجْتَمِعُ فِى مُدَّةِ الأَرْبَعِينَ) ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ (أَىْ يَكُونُ قِطْعَةَ دَمٍ طَرِيَّةً تَعْلَقُ بِالرَّحِمِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا) ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ (أَىْ يَكُونُ قِطْعَةَ لَحْمٍ قَدْرَ مَا يُمْضَغُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا) ثُمَّ يُرْسَلُ إِلَيْهِ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ (أَىْ يَنْفُخُ الرُّوحَ فِى الْجَنِينِ بِأَمْرِ اللَّهِ بَعْدَ التَّشَكُّلِ بِشَكْلِ ابْنِ ءَادَمَ فَيَصِيرُ حَيًّا) رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ وَمُسْلِمٌ. فَهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَنِىَّ لا رُوحَ فِيهِ لِأَنَّ الرُّوحَ يُنْفَخُ فِى الْجَنِينِ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنَ الْحَمْلِ.
(3) السُّؤَالُ الثَّالِثُ: مَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ «وَالْتِزَامُ مَا لَزِمَ عَلَيْهِ مِنَ الأَحْكَامِ».
مَعْنَاهُ أَدَاءُ الْوَاجِبَاتِ وَاجْتِنَابُ الْمُحَرَّمَاتِ، فَالْعَبْدُ التَّقِىُّ هُوَ الَّذِى أَدَّى الْوَاجِبَاتِ وَتَجَنَّبَ الْمُحَرَّمَاتِ وَمَنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ غَيْرِ سَابِقِ عَذَابٍ.
(4) السُّؤَالُ الرَّابِعُ: بَيِّنْ أَعْلَى الْوَاجِبَاتِ وَأَفْضَلَهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
أَعْلَى الْوَاجِبَاتِ وَأَفْضَلُهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «أَفْضَلُ الأَعْمَالِ إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ. وَالإِيمَانُ شَرْطٌ لِقَبُولِ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَلا ثَوَابَ لَهُ أَبَدًا فِى الآخِرَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِى يَوْمٍ عَاصِفٍ﴾.
الشَّرْحُ: أَوَّلُ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ إِنْ كَانَ كَافِرًا الدُّخُولُ فِى دِينِ الإِسْلامِ فَوْرًا وَيَكُونُ بِالتَّبَرُّؤِ مِنَ الْكُفْرِ وَالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِاللِّسَانِ إِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى النُّطْقِ وَلا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الدُّخُولِ فِى الإِسْلامِ لِأَجْلِ الْغُسْلِ أَوْ غَيْرِهِ وَلا يَكُونُ لَهُ عُذْرًا أَنْ يُؤَخِّرَ نَفْسَهُ عَنِ الدُّخُولِ فِى الإِسْلامِ لِيُفَكِّرَ فِى حَقِّيَّةِ الإِسْلامِ بُرْهَةً مِنَ الزَّمَنِ. وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الإِسْلامِ بِأَنْ يَجْتَنِبَ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ وَقَوْلِهِ ﷺ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، أَىْ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْعِدَهُ اللَّهُ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ وَيُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ فَلْيَثْبُتْ عَلَى الإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الْمَمَاتِ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِىُّ وَابْنُ حِبَّانَ. وَيَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَيْضًا أَنْ يُؤَدِّىَ جَمِيعَ الْوَاجِبَاتِ وَأَنْ يَجْتَنِبَ جَمِيعَ الْمُحَرَّمَاتِ.
وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الإِسْلامَ شَرْطٌ لِقَبُولِ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ النِّسَاءِ ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ وَجَاءَ فِى صَحِيحِ الْبُخَارِىِّ أَنَّ رَجُلًا مُشْرِكًا أَرَادَ أَنْ يُقَاتِلَ مَعَ قَوْمِهِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُ أَمْ أُسْلِمُ فَقَالَ لَهُ الرَّسُولُ أَسْلِمْ، فَأَسْلَمَ فَقَاتَلَ فَقُتِلَ فَقَالَ الرَّسُولُ عَمِلَ قَلِيلًا وَأُجِرَ كَثِيرًا، أَىْ لِأَنَّهُ نَالَ الشَّهَادَةَ بَعْدَ أَنْ هَدَمَ الإِسْلامُ كُلَّ ذَنْبٍ قَدَّمَهُ فَالْفَضْلُ لِلإِسْلامِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُسْلِمْ لَمْ يَنْفَعْهُ أَىُّ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ.
قَالَ الْغَزَالِىُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لا تَصِحُّ الْعِبَادَةُ إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْمَعْبُود أَىْ أَنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ اللَّهَ بَلْ يُشَبِّهُهُ بِخَلْقِهِ بِالضَّوْءِ أَوْ غَيْرِهِ أَوِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ سَاكِنٌ فِى السَّمَاءِ أَوْ أَنَّهُ جَالِسٌ عَلَى الْعَرْشِ أَوْ وَصَفَهُ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْبَشَرِ فَهَذَا عِبَادَتُهُ تَكُونُ لِشَىْءٍ تَوَهَّمَهُ فِى مُخَيِّلَتِهِ فَيَكُونُ مُشْرِكًا بِاللَّهِ فَلا تَصِحُّ عِبَادَتُهُ كَالْوَهَّابِيَّةِ.
هَؤُلاءِ الْوَهَّابِيَّةُ عِنْدَهُمْ إِثْبَاتُ أَصْلِ الْجُلُوسِ لِلَّهِ لَيْسَ تَشْبِيهًا لَهُ بِخَلْقِهِ فَيَقُولُونَ اللَّهُ جَالِسٌ لا كَجُلُوسِنَا فَأَيْنَ عُقُولُهُمْ الْجُلُوسُ كَيْفَمَا كَانَ هُوَ مِنْ صِفَاتِ الْخَلْقِ. كَيْفَ يُقَالُ اللَّهُ جَالِسٌ عَلَى الْعَرْشِ؟! هَذَا شَتْمٌ لِلَّهِ، عَلَى زَعْمِهِمْ عَظَّمُوا اللَّهَ هَذَا لَيْسَ تَعْظِيمًا جَعَلُوهُ كَخَلْقِهِ لَهُ نِصْفٌ أَعْلَى وَنِصْفٌ أَسْفَلُ خَلْقُهُ يَجْلِسُونَ الْبَقَرُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ وَالْبَشَرُ وَالْجِنُّ وَالْمَلائِكَةُ يَجْلِسُون، جَعَلُوهُ كَخَلْقِهِ مَا مَدَحُوهُ. فَالَّذِى يَصِفُ اللَّهَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْبَشَرِ فَقَدْ شَتَمَ اللَّهَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى شَتَمَنِى ابْنُ ءَادَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَفَسَّرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّاىَ فَقَوْلُهُ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا، رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ.
وَاعْلَمْ أَنَّ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ مَوْجُودٌ لا كَالْمَوْجُودَاتِ فَلا يُتَصَوَّرُ فِى الْعُقُولِ وَالأَذْهَانِ لَيْسَ جِسْمًا وَلا رُوحًا وَلا ضَوْءًا، مُنَزَّهٌ عَنِ الْحَجْمِ وَالْكَمِيَّةِ وَالْمِقْدَارِ وَالْمِسَاحَةِ وَالْحَدِّ لَيْسَ لَهُ طُولٌ وَعَرْضٌ وَسَمْكٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ جِسْمًا مُؤَلَّفًا مِنْ أَجْزَاءٍ، وَاللهُ مُنَزَّهٌ عَنِ اللَّوْنِ وَالشَّكْلِ وَالْهَيْئَةِ وَالصُّورَةِ وَالأَعْضَاءِ لا يَحُلُّ فِى شَىْءٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ لا يَسْكُنُ السَّمَاءَ وَلا الْعَرْشَ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ بِلا جِهَةٍ وَلا مَكَانٍ خَلَقَ الْعَرْشَ إِظْهَارًا لِقُدْرَتِهِ وَلَمْ يَتَّخِذْهُ مَكَانًا لِذَاتِهِ. لا مَثِيلَ لَهُ وَلا شَبِيهَ فِى ذَاتِهِ وَلا فِى صِفَاتِهِ وَلا فِى فِعْلِهِ. صِفَاتُهُ أَزَلِيَّةٌ أَبَدِيَّةٌ لا تَتَغَيَّرُ، لا يَتَّصِفُ بِصِفَاتِ الأَجْسَامِ كَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالِاتِّصَالِ وَالِانْفِصَالِ وَالدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ. خَلَقَ الْعَالَمَ بِأَسْرِهِ وَلا يَحْتَاجُ إِلَى شَىْءٍ مِنْ خَلْقِهِ وَلا يَدْخُلُ شَىْءٌ فِى الْوُجُودِ إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ وكُلُّ شَىْءٍ يَحْصُلُ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ. قَدِيمٌ بِلا ابْتِدَاءٍ دَائِمٌ بِلا انْتِهَاءٍ حَىٌّ لا يَمُوتُ قَيُّومٌ لا يَنَامُ عَالِمٌ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَمَا يُحْدِثُهُ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ فَلا يُعْجِزُهُ شَىْءٌ يَسْمَعُ كُلَّ الْمَسْمُوعَاتِ بِسَمْعٍ أَزَلِىٍّ بِلا أُذُنٍ وَلا ءالَةٍ أُخْرَى وَيَرَى كُلَّ الْمَرْئِيَّاتِ بِبَصَرِهِ الأَزَلِىِّ بِلا حَدَقَةٍ وَلا ءَالَةٍ أُخْرَى. كَلَّمَ نَبِيَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا بِلا لِسَانٍ وَلا شَفَتَيْنِ وَكَلامُهُ لَيْسَ حَرْفًا وَلا صَوْتًا وَلا لُغَةً لا يُبْتَدَأُ وَلا يُخْتَتَمُ لَيْسَ بِمُتَعَدِّدٍ وَلا مُتَجَزِّئٍ وَإِنَّمَا هُوَ كَلامٌ وَاحِدٌ مَوْجُودٌ أَزَلًا وَأَبَدًا.
(5) السُّؤَالُ الْخَامِسُ: بَيِّنْ أَفْضَلِيَّةَ عِلْمِ التَّوْحِيدِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْعُلُومِ.
عِلْمُ التَّوْحِيدِ لَهُ شَرَفٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْعُلُومِ لِكَوْنِهِ مُتَعَلِّقًا بِأَشْرَفِ الْمَعْلُومَاتِ وَشَرَفُ الْعِلْمِ بِشَرَفِ الْمَعْلُومِ، فَلَمَّا كَانَ عِلْمُ التَّوْحِيدِ يُفِيدُ مَعْرِفَةَ اللَّهِ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ وَمَعْرِفَةَ رَسُولِهِ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ وَتَنْزِيهَ اللَّهِ عَمَّا لا يَجُوزُ عَلَيْهِ وَتَبْرِئَةَ الأَنْبِيَاءِ عَمَّا لا يَلِيقُ بِهِمْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ عِلْمِ الأَحْكَامِ قَالَ تَعَالَى ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ وَقَالَ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ فِى كِتَابِهِ الْفِقْهِ الأَبْسَطِ «اعْلَمْ أَنَّ الْفِقْهَ فِى الدِّينِ أَفْضَلُ مِنَ الْفِقْهِ بِالأَحْكَامِ».
الشَّرْحُ: أَفْضَلُ الْعُلُومِ عَلَى الإِطْلاقِ هُوَ الْعِلْمُ الَّذِى يُعْرَفُ بِهِ مَا يَلِيقُ بِاللَّهِ وَمَا لا يَلِيقُ بِهِ وَمَا يَلِيقُ بِأَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَمَا لا يَلِيقُ بِهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ مُحَمَّدٍ ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ قَدَّمَ الأَمْرَ بِمَعْرِفَةِ التَّوْحِيدِ عَلَى الأَمْرِ بِالِاسْتِغْفَارِ وَفِى ذَلِكَ دِلالَةٌ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ بِاللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ هُوَ أَجَلُّ الْعُلُومِ وَأَعْلاهَا وَأَوْجَبُهَا وَقَدْ خَصَّ النَّبِىُّ ﷺ نَفْسَهُ بِالتَّرَقِّى فِى هَذَا الْعِلْمِ فَقَالَ أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِاللَّهِ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ، فَكَانَ هَذَا الْعِلْمُ أَهَمَّ الْعُلُومِ تَحْصِيلًا وَأَحَقَّهَا تَبْجِيلًا وَتَعْظِيمًا وَقَالَ الإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الأَشْعَرِىُّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَوَّلُ مَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ الْعِلْمُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَدِينِهِ، رَوَاهُ الإِمَامُ عَبْدُ الْقَاهِرِ الْبَغْدَادِىُّ فِى تَفْسِيرِ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَقَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِىُّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَحْكَمْنَا ذَاكَ قَبْلَ هَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِىُّ، أَىْ أَتْقَنَّا عِلْمَ التَّوْحِيدِ قَبْلَ فُرُوعِ الْفِقْهِ.
وَالتَّوْحِيدُ هُوَ اعْتِقَادُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَاحِدٌ فِى ذَاتِهِ وَوَاحِدٌ فِى صِفَاتِهِ وَوَاحِدٌ فِى فِعْلِهِ فَذَاتُهُ لا يُشْبِهُ ذَوَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ لِأَنَّهُ لَيْسَ جِسْمًا مُؤَلَّفًا مِنْ أَجْزَاءٍ، وَصِفَاتُهُ لا تُشْبِهُ صِفَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ لِأَنَّهَا أَزَلِيَّةٌ أَبَدِيَّةٌ لا بِدَايَةَ وَلا نِهَايَةَ لَهَا، وَفِعْلُهُ لا يُشْبِهُ فِعْلَ الْمَخْلُوقَاتِ لِأَنَّ فِعْلَ اللَّهِ أَزَلِىٌّ قَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ الشُّورَى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾ وَقَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ النَّحْلِ ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى﴾ أَىْ لِلَّهِ صِفَاتٌ لا تُشْبِهُ صِفَاتِ غَيْرِهِ وَقَالَ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِعْلُهُ تَعَالَى (أَىْ تَخْلِيقُهُ) صِفَةٌ لَهُ فِى الأَزَلِ وَالْمَفْعُولُ (أَىِ الْمَخْلُوقُ) حَادِثٌ. وَأَمَّا تَوْحِيدُ اللَّهِ فِى الْفِعْلِ فَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَفْعَلُ بِمَعْنَى الإِخْرَاجِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ وَلا فَاعِلَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ إِلَّا اللَّهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَهَّابِيَّةَ أَدْخَلَتْ فِى دِينِ اللَّهِ بِدْعَةً سَيِّئَةً وَهِىَ قَوْلُهُمْ التَّوْحِيدُ يَنْقَسِمُ إِلَى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ تَوْحِيدِ الأُلُوهِيَّةِ وَتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ وَتَوْحِيدِ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَتَوْحِيدُ الأُلُوهِيَّةِ وَحْدَهُ لا يَكْفِى لِلإِيـمَانِ بَلْ لا بُدَّ مِنْ تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ وَهَذَا ضِدُّ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّى رَسُولُ اللَّهِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّى دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ. فَالرَّسُولُ ﷺ جَعَلَ اعْتِرَافَ الْعَبْدِ بِتَفْرِيدِ اللَّهِ بِالأُلُوهِيَّةِ وَبِوَصْفِ رَسُولِ اللَّهِ بِالرِّسَالَةِ كَافِيًا وَلَمْ يَشْرِطْ تَوْحِيدَيْنِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا نَطَقَ الْكَافِرُ بِهَذَا يَحْكُمُ بِإِسْلامِهِ وَإِيـمَانِهِ ثُمَّ يَأْمُرُهُ بِالصَّلاةِ قَبْلَ غَيْرِهَا مِنْ أُمُورِ الدِّينِ لِلْحَدِيثِ الَّذِى رَوَاهُ الْبَيْهَقِىُّ فِى كِتَابِ الِاعْتِقَادِ.
وَلْيُعْلَمْ أَنَّ تَوْحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ هُوَ تَوْحِيدُ الأُلُوهِيَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ جَاءَ فِى سُؤَالِ الْقَبْرِ حَدِيثَانِ حَدِيثٌ بِلَفْظِ اللَّهُ رَبِّى رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِى صَحِيحِهِ أَىْ يَسْأَلُهُ الْمَلَكَانِ فِى الْقَبْرِ مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ اللَّهُ رَبِّى وَحَدِيثٌ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ رَوَاهُ التِّرْمِذِىُّ فِى سُنَنِهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ أَوِ الإِنْسَانُ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا مُنْكَرٌ وَلِلآخَرِ نَكِيرٌ فَيَقُولانِ لَهُ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِى هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ فَهُوَ قَائِلٌ مَا كَانَ يَقُولُ فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا قَالَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ شَهَادَةٌ بِرُبُوبِيَّةِ اللَّهِ. وَمَا أَعْظَمَ مُصِيبَةَ الْمُسْلِمِينَ بِهَذِهِ الْفِرْقَةِ الضَّالَّةِ.
(6) السُّؤَالُ السَّادِسُ: هَلْ يُشْتَرَطُ لِلدُّخُولِ فِى دِينِ الإِسْلامِ لَفْظُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.
لا يُشْتَرَطُ هَذَا اللَّفْظُ بِعَيْنِهِ بَلْ لَوْ قَالَ لَفْظًا يُعْطِى مَعْنَاهُ كَأَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَوْ لا رَبَّ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ نَبِىُّ اللَّهِ كَفَى لِلدُّخُولِ فِى الإِسْلامِ وَلَكِنْ لَفْظُ أَشْهَدُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّ مَعْنَاهَا اللُّغَوِىَّ يَتَضَمَّنُ الْعِلْمَ وَالِاعْتِقَادَ وَالِاعْتِرَافَ فَفِيهَا مِنْ تَأْكِيدِ الْمَعْنَى مَا لَيْسَ فِى غَيْرِهَا.
الشَّرْحُ: لا يُشْتَرَطُ لِلدُّخُولِ فِى دِينِ الإِسْلامِ لَفْظُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ بِعَيْنِهِ بَلْ يَكْفِى لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أَوْ مَا يُعْطِى مَعْنَاهُ كَقَوْلِ لا رَبَّ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ نَبِىُّ اللَّهِ. وَمَنْ عَجَزَ عَنِ النُّطْقِ بِحَرْفِ الْحَاءِ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُهَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ بِالْهَاءِ يُقَالُ لَهُ قُلْ أَشْهَدُ أَنَّ أَبَا الْقَاسِمِ رَسُولُ اللَّهِ. أَمَّا الَّذِى يَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ بِتَشْدِيدِ النُّونِ لَمْ تَصِحَّ شَهَادَتُهُ لِعَدَمِ إِقْرَارِهِ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ فَإِنَّهُ كَلامٌ مَبْتُورٌ كَمَنْ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ زَيْدًا وَسَكَتَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْتِىَ بِالْخَبَرِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الدِّينَ السَّمَاوِىَّ الَّذِى نَزَلَ بِهِ سَيِّدُنَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى أَنْبِيَاءِ اللَّهِ مِنْ ءَادَمَ إِلَى مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ هُوَ الإِسْلامُ وَهُوَ الدِّينُ الَّذِى رَضِيَهُ اللَّهُ أَىْ أَحَبَّهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ مِنَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالْمَلائِكَةِ وَأَمَرَنَا بِاتِّبَاعِهِ قَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْمَائِدَةِ ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾. وَالإِسْلامُ هُوَ الدِّينُ الصَّحِيحُ الْمَقْبُولُ عِنْدَ اللَّهِ وَلا دِينَ صَحِيحٌ إِلَّا الإِسْلامُ قَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ ءَالِ عِمْرَانَ ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ﴾ وَقَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ ءَالِ عِمْرَانَ ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ فَدَلَّتِ الآيَةُ أَنَّ كُلَّ مَنِ اتَّخَذَ دِينًا غَيْرَ دِينِ الإِسْلامِ فَهُوَ خَاسِرٌ فِى الآخِرَةِ وَدِينُهُ بَاطِلٌ فَلا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ عَنْهُ إِنَّهُ دِينٌ سَمَاوِىٌّ لِأَنَّ الدِّينَ السَّمَاوِىَّ أَىِ الدِّينَ الْمُنْزَلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ الإِسْلامُ فَقَطْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ دِينُهُمْ وَاحِدٌ وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ. شَبَّهَ الرَّسُولُ الأَنْبِيَاءَ بِالإِخْوَةِ لِعَلَّاتٍ أَىْ كَمَا أَنَّ الإِخْوَةَ لِعَلَّاتٍ أَبُوهُمْ وَاحِدٌ وَأُمَّهَاتُهُمْ مُخْتَلِفَاتٌ كَذَلِكَ الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ فِى الدِّينِ دِينُهُمْ وَاحِدٌ أَىْ عَقِيدَتُهُمْ وَاحِدَةٌ وَشَرَائِعُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ، فَيَجِبُ التَّحْذِيرُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ الأَدْيَانُ السَّمَاوِيَّةُ وَأَحْيَانًا يَقُولُونَ الأَدْيَانُ السَّمَاوِيَّةُ الثَّلاثَةُ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ دِينَ الإِسْلامِ وَدِينَ النَّصَارَى وَدِينَ الْيَهُودِ وَهَذَا بَاطِلٌ. لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ شَرَائِعُ سَمَاوِيَّةٌ أَوْ كُتُبٌ سَمَاوِيَّةٌ. وَالشَّرَائِعُ هِىَ الأَحْكَامُ الَّتِى تَنْزِلُ بِالْوَحْىِ وَشَرَائِعُ الأَنْبِيَاءِ مُخْتَلِفَةٌ أَمَّا الْكُتُبُ الَّتِى أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلَى أَنْبِيَائِهِ كَالْقُرْءَانِ وَالإِنْجِيلِ أَىِ الأَصْلِىِّ وَالتَّوْرَاةِ أَىِ الأَصْلِيَّةِ وَالزَّبُورِ فَهِىَ جَمِيعُهَا تَدْعُو إِلَى دِينٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الإِسْلامُ.
وَالدُّخُولُ فِى الإِسْلامِ يَكُونُ بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِاللِّسَانِ مَعَ التَّصْدِيقِ بِمَعْنَاهُمَا بِالْقَلْبِ لِقَوْلِهِ ﷺ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ. قَالَ الْحَافِظُ النَّوَوِىُّ مَنْ صَدَّقَ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَنْطِقْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ كَافِرٌ مُخَلَّدٌ فِى النَّارِ بِالإِجْمَاعِ، كَأَبِى طَالِبٍ عَمِّ النَّبِىِّ ﷺ فَإِنَّ النَّبِىَّ دَخَلَ عَلَيْهِ فِى مَرَضِ وَفَاتِهِ وَقَالَ لَهُ يَا عَمِّ قُلْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ، رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ فَلَمْ يَفْعَلْ بَلْ قَالَ لَوْلا أَنْ تُعَيِّرَنِى بِهَا نِسَاءٌ مِنْ قُرَيْشَ لَأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ إِنِّى عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَىْ عَلَى عِبَادَةِ الأَصْنَامِ. وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَلِّبِ جَدُّ النَّبِىِّ مُشْرِكًا مِنْ أَهْلِ الْفَتْرَةِ وَلَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا وَلَوْ كَانَ مُسْلِمًا لَمَا سَكَتَ لَهُ الرَّسُولُ كَانَ قَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَلِّبِ لَمْ يَكُنْ عَلَى دِينِكُمْ، ثُمَّ لَمَّا مَاتَ أَبُو طَالِبٍ جَاءَ سَيِّدُنَا عَلِىٌّ إِلَى الرَّسُولِ ﷺ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ وَفِى رِوَايَةٍ الشَّيْخَ الْكَافِرَ فَقَالَ لَهُ الرَّسُولُ اذْهَبْ فَوَارِهِ، أَىْ فَادْفِنْهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَلَمْ يَتَرَحَّمْ عَلَيْهِ وَلا اسْتَغْفَرَ لَهُ. وَلْيُعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَصَمَ الأَنْبِيَاءَ مِنْ أَنْ تَمِيلَ قُلُوبُهُمْ إِلَى مَحَبَّةِ ذَاتِ كَافِرٍ فَالأَنْبِيَاءُ لا يُحِبُّونَ ذَوَاتِ الْكُفَّارِ. وَالْكَافِرُ إِنِ اعْتَقَدَ الْحَقَّ ولَمْ يَنْطِقْ لِعَجْزٍ فَهُوَ كَمَنْ نَطَقَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الإِسْلامَ جَاءَ لِإِبْطَالِ كُلِّ دِينٍ سِوَاهُ وَلِكَفِّ النَّاسِ عَنِ الْفِكْرِ الَّذِى يُخَالِفُ الإِسْلامَ وَلا يَسْمَحُ بِحُرِّيَّةِ الْعَقِيدَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ ءَالِ عِمْرَانَ ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ يُوسُفَ ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْبَيِّنَةِ ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ التَّوْبَةِ ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ الإِسْرَاءِ ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاه﴾ أَىْ أَمَرَ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاه وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ الذَّارِيَاتِ ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون﴾ أَىْ خَلَقَهُمْ لِيَأْمُرَهُمْ بِعِبَادَتِهِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ وَقَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ ءَالِ عِمْرَان ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ وَقَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ الزُّمَرِ ﴿وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾. فَالدِّينُ الَّذِى رَضِيَهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ وَأَمَرَنَا بِاتِّبَاعِهِ هُوَ الإِسْلامُ قَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْمَائِدَةِ ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾.
ثُمَّ كَيْفَ يَقُولُ ذُو عَقْلٍ يَدَّعِى الإِسْلامَ إِنَّ الإِسْلامَ جَاءَ بِحُرِّيَّةِ الْعَقِيدَةِ وَيَسْمَحُ لِكُلِّ إِنْسَانٍ أَنْ يَدِينَ بِأَىِّ دِينٍ يَرَاهُ وَيَرْتَضِيهِ ورَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّى رَسُولُ اللَّهِ، وَهُوَ حَدِيثٌ مُتَوَاتِرٌ رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ. فَلَوْ كَانَ الإِسْلامُ يَسْمَحُ بِحُرِّيَّةِ الْعَقِيدَةِ بِمَعْنَى أَنَّ الإِنْسَانَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ الإِسْلامَ أَوْ غَيْرَهُ كَمَا يَدَّعِى هَؤُلاءِ الْجَهَلَةُ مَا كَانَ قَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَهَدَفُ هَؤُلاءِ إِلْغَاءُ نَشْرِ عَقِيدَةِ الإِسْلامِ.
وَأَمَّا الآيَةُ ﴿لا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ﴾ فَمَعْنَاهَا أَنَّكَ يَا مُحَمَّدُ لا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُكْرِهَ قُلُوبَ الْكُفَّارِ عَلَى الإِيمَانِ أَىْ لا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَهْدِىَ قُلُوبَهُمْ فَيُؤْمِنُوا وَلَيْسَ فِيهَا تَرْخِيصٌ لِلنَّاسِ أَنْ يَكْفُرُوا وَأَنْ يَعْبُدُوا غَيْرَ اللَّهِ. لَوْ كَانَتِ الآيَةُ لِإِبَاحَةِ الْكُفْرِ كَمَا يَزْعُمُ هَؤُلاءِ فَلِأَىِّ شَىْءٍ تَوَعَّدَ اللَّهُ الْكَافِرِينَ بِجَهَنَّمَ، وَلَوْ كَانَ للنَّاسِ حُرِّيَةُ الدِّينِ وَالْفِكْرِ لَمَا بَعَثَ اللَّهُ الأَنْبِيَاءَ فَفِى بِعْثَةِ الأَنْبِيَاءِ مَصْلَحَةٌ ضَرُورِيَّةٌ لِلْعِبَادِ لِأَنَّهُمْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ مَا يُنْجِى فِى الآخِرَةِ وَمَا يُهْلِكُ فِى الآخِرَةِ.
وَكَذَلِكَ الآيَةُ ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِى الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا﴾ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ عَلَى مَعْنَى التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ وَلَيْسَ فِيهَا تَخْيِيرٌ لِلإِنْسَانِ بَيْنَ أَنْ يُؤْمِنَ أَوْ يَكْفُرَ وَسِيَاقُ الآيَةِ يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَىْ مَنْ يُؤْمِنُ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَمَنْ يَكْفُرُ فَلَهُ الْعَذَابُ الأَلِيمُ فِى جَهَنَّمَ. وَالظَّالِمُونَ فِى الآيَةِ هُمُ الْكَافِرُونَ قَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْبَقَرَةِ ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾. وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ أَنَّ جَهَنَّمَ لَهَا غِشَاوَةٌ لَهَا غِطَاءٌ لِيَزِيدَ حَرُّهَا وَالْكُفَّارُ فِى جَهَنَّمَ مِنْ شِدَّةِ الْعَطَشِ يَطْلُبُونَ الْمَاءَ فَيُسْقَوْنَ مِنْ مَاءٍ بَلَغَ الْغَايَةَ فِى الْحَرَارَةِ.
وَلَيْسَ الأَمْرُ كَمَا يَقُولُ عَمْرُو خَالِد بِلُغَتِهِ الْعَامِيَّةِ بِأَنَّ الإِنْسَانَ يَعْبُد اللِّى هُوَّا عَايْزُه، فَهَذِهِ دَعْوَةٌ إِلَى الإِلْحَادِ وَالْكُفْرِ وَلَيْسَ كَمَا يَقُولُ الْوَهَّابِىُّ عَدْنَانُ الْعَرْعُور مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْبُدَ حَجَرًا فَلْيَعْبُدْ حَجَرًا نَحْنُ لا إِكْرَاهَ عِنْدَنَا فِى الدِّينِ، وَكَلامُهُ فِيهِ الرِّضَا بِكُفْرِ الْغَيْرِ وَمَنْ رَضِىَ بِكُفْرِ غَيْرِهِ كَفَرَ وَلَيْسَ الأَمْرُ كَمَا يَقُولُ مُحَمَّدُ مُتْوَلِّى الشَّعْرَاوِىُّ فِى كِتَابِهِ الْفَتَاوَى بِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَهَا حُرِّيَّةُ الْعَقِيدَةِ تَعْتَقِدُ مَا تَشَاءُ، وَيَقُولُ فِى كِتَابِهِ الْمُسَمَّى أَسْئِلَةٌ حَرِجَةٌ وَأَجْوِبَةٌ صَرِيحَةٌ وَشَرَفُ الإِسْلامِ وَقُوَّتُهُ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ حَارَبَ مِنْ أَجْلِ حُرِّيَّةِ الرَّأْىِ وَحُرِّيَّةِ الْعَقِيدَةِ، وَلَيْسَ الأَمْرُ كَمَا يَقُولُ عَدْنَانُ إِبْرَاهِيمُ بِأَنَّ اللَّهَ أَعْطَى النَّاسَ الْحُرِّيَّةَ فِى أَنْ يَخْتَارُوا دِينَهُمْ وَعَقِيدَتَهُمْ فَهَؤُلاءِ كَذَّبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿لا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ﴾ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِكُلِّ إِنْسَانٍ أَنْ يَعْتَقِدَ مَا يَشَاءُ إِنَّمَا الآيَةُ فِيهَا ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ الأَوَّلُ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ حُكْمًا لا تِلاوَةً أَىْ تُتْلَى عَلَى أَنَّهَا ءَايَةٌ مِنَ الْقُرْءَانِ لَكِنْ نُسِخَ حُكْمُهَا وَهُوَ النَّهْىُ عَنْ قِتَالِ الْكُفَّارِ بِآيَاتِ الْقِتَالِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ أَىْ قَاتِلُوا الْكُفَّارَ حَتَّى يَدْخُلُوا فِى دِينِ الإِسْلامِ وَلا يَفْتِنُوا الْمُسْلِمِينَ عَنْ دِينِهِمْ فَيَكُونُوا سَبَبًا فِى إِخْرَاجِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الدِّينِ وَالثَّانِى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِى أَهْلِ الْكِتَابِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نُكْرِهَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ الْتَزَمُوا دَفْعَ الْجِزْيَةِ لِإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الإِسْلامِ بِقُوَّةِ السِّلاحِ. وَالثَّالِثُ ﴿لا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ﴾ أَىْ أَنَّكَ يَا مُحَمَّدُ لا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُكْرِهَ قُلُوبَ الْكُفَّارِ عَلَى الإِيمَانِ أَىْ لا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَهْدِىَ قُلُوبَهُمْ فَيُؤْمِنُوا إِنَّمَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُكْرِهَ ظَوَاهِرَهُمْ أَىْ أَنْ تُجْبِرَهُمْ بِقُوَّةِ السِّلاحِ عَلَى النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ﴾ أَىْ لَكُمْ دِينُكُمُ الْبَاطِلُ فَاتْرُكُوهُ وَلِىَ دِينِى الصَّحِيحُ وَهُوَ الإِسْلامُ فَاتَّبِعُوهُ.
فَائِدَةٌ: إِذَا جَاءَكَ كَافِرٌ أَصْلِىٌّ كَبُوذِىٍّ أَوْ يَهُودِىٍّ يُرِيدُ الدُّخُولَ فِى الإِسْلامِ فَإِنْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لا يَعْرِفُ الْعَقِيدَةَ الصَّحِيحَةَ تُعَلِّمُهُ الْقَدْرَ الَّذِى لا بُدَّ مِنْهُ لِيَكُونَ عَلَى عَقِيدَةٍ صَحِيحَةٍ ثُمَّ تُطَالِبُهُ بِالتَّشَهُّدِ أَمَّا إِنْ عَلِمْتَ أَنَّهُ عَرَفَ الْحَقَّ وَتَخَلَّى عَنِ الْكُفْرِ فَتَأْمُرُهُ بِالتَّشَهُّدِ أَىْ بِقَوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّه مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّه وَأَمَّا إِنْ كَنْتَ لا تَعْلَمُ حَالَهُ فَتَأْمُرُهُ فَوْرًا بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ كَأَنْ تَقُولَ لَهُ مَنْ أَرَادَ الدُّخُولَ فِى الإِسْلامِ يَقُولُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ تُبَيِّنُ لَهُ عَقِيدَةَ الإِسْلامِ.
(7) السُّؤَالُ السَّابِعُ: اذْكُرِ الدَّلِيلَ عَلَى وُجُودِ اللَّهِ.
اللَّهُ مَوْجُودٌ لا شَكَّ فِى وُجُودِهِ قَالَ تَعَالَى ﴿أَفِى اللَّهِ شَكٌّ﴾ أَىْ لا شَكَّ فِى وُجُودِهِ، وَهَذَا الْعَالَمُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُودِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِأَنَّهُ لا يَصِحُّ فِى الْعَقْلِ وُجُودُ فِعْلٍ مَا مِنْ غَيْرِ فَاعِلٍ كَمَا لا يَصِحُّ وُجُودُ نَسْخٍ وَكِتَابَةٍ مِنْ غَيْرِ نَاسِخٍ وَكَاتِبٍ فَهَذَا الْعَالَمُ لا بُدَّ لَهُ مِنْ خَالِقٍ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى. وَاللَّهُ مَوْجُودٌ لا يُشْبِهُ الْمَوْجُودَاتِ مَوْجُودٌ بِلا كَيْفٍ وَلا مَكَانٍ قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ الرِّفَاعِىُّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ «غَايَةُ الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ الإِيقَانُ بِوُجُودِهِ تَعَالَى بِلا كَيْفٍ وَلا مَكَانٍ».
الشَّرْحُ: مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الشَّىْءَ الَّذِى يُمَيِّزُ الإِنْسَانَ عَنِ الْبَهَائِمِ أَنَّ الإِنْسَانَ لَهُ عَقْلٌ، فَلَوْ فَكَّرَ الإِنْسَانُ بِعَقْلِهِ فِى هَذَا الْعَالَمِ لَعَرَفَ أَنَّ هَذَا الْعَالَمَ مَخْلُوقٌ لِأَنَّهُ مُؤَلَّفٌ مِنْ أَجْسَامٍ وَصِفَاتٍ لِلأَجْسَامِ. وَالْجِسْمُ مَخْلُوقٌ وَلَيْسَ خَالِقًا أَىْ وُجِدَ بَعْدَ أَنْ كَانَ مَعْدُومًا. وَالْجِسْمُ لا بُدَّ لَهُ مِنْ صِفَاتٍ كَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَلا يَخْلُو الْجِسْمُ مِنْهُمَا وَهُـمَا حَادِثَانِ أَىْ مَخْلُوقَانِ لِأَنَّهُ بِحُدُوثِ أَحَدِهِـمَا يَنعَدِمُ الآخَرُ.
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْعَالَمَ مَخْلُوقٌ عَلِمْنَا أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى خَالِقٍ خَلَقَهُ لِأَنَّ الشَّىْءَ لا يَخْلُقُ نَفْسَهُ، فَإِذَا كَانَ لا يُعْقَلُ وُجُودُ كِتَابَةٍ وَبِنَاءٍ مِنْ غَيْرِ فَاعِلٍ فَكَيْفَ يُعْقَلُ وُجُودُ هَذَا الْعَالَمِ بِلا خَالِقٍ. فَيَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّ لِهَذَا الْعَالَمِ خَالِقًا خَلَقَهُ أَىْ أَوْجَدَهُ وَأَبْرَزَهُ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ أَىْ صَارَ مَوْجُودًا بِإِيجَادِ الْخَالِقِ لَهُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ وَهَذَا الْخَالِقُ لا يُشْبِهُ الْعَالَمَ بِأَىِّ وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، لا يُتَصَوَّرُ فِى الْعُقُولِ وَالأَذْهَانِ، لا يَسْتَطِيعُ الإِنْسَانُ أَنْ يَتَصَوَّرَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ، فَكَمَا أَنَّ الإِنْسَانَ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَصَوَّرَ وُجُودَ وَقْتٍ لَيْسَ فِيهِ نُورٌ وَلا ظَلامٌ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَا وَلا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَصَوَّرَ الرُّوحَ الَّتِى فِى جَسَدِهِ وَهِىَ جِسْمٌ لَطِيفٌ نُؤْمِنُ وَنُصَدِّقُ بِوُجُودِهِ فَكَيْفَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَصَوَّرَ الْخَالِقَ الَّذِى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ.
كُلُّ مَا يَتَصَوَّرُهُ الإِنْسَانُ بِبَالِهِ فَهُوَ مَخْلُوقٌ وَالْخَالِقُ لا يُشْبِهُ الْمَخْلُوقَ، لَوْ كَانَ مُشَابِهًا لِشَىْءٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ مَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَخْلُقَهَا وَلَجَازَ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهَا مِنَ الْفَنَاءِ وَالتَّغَيُّرِ وَلَصَحَّتِ الأُلُوهِيَّةُ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، فَالْخَالِقُ لَيْسَ جِسْمًا وَلا رُوحًا وَلا رِيحًا وَلا هَوَاءً وَلا غَيْمًا وَلا ضَوْءًا وَلا ظَلامًا مُنَزَّهٌ عَنِ الْحَجْمِ وَالْكَمِيَّةِ وَاللَّوْنِ وَالشَّكْلِ وَالْهَيْئَةِ وَالأَعْضَاءِ وَالْوَلَدِ لا يَسْكُنُ السَّمَاءَ وَلا الْعَرْشَ لِأَنَّهُ لَيْسَ حَجْمًا يَمْلَأُ فَرَاغًا فَهُوَ مَوْجُودٌ بِلا جِهَةٍ وَلا مَكَانٍ.
وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الإِيمَانِ بِالشَّىْءِ أَنْ يُتَصَوَّرَ بِالْعَقْلِ أَوْ أَنْ يُرَى بِالْعَيْنِ فَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِوُجُودِ الْخَالِقِ وَإِنْ كُنَّا لا نَرَاهُ بِأَعْيُنِنَا فِى الدُّنْيَا فَهَذَا الْعَالَمُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُودِ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ وَلا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ الْعِبَادَةَ إِلَّا هُوَ لِأَنَّهُ الْخَالِقُ وَلا خَالِقَ سِوَاهُ وَهُوَ وَحْدَهُ الأَزَلِىُّ الَّذِى لا ابْتِدَاءَ لِوُجُودِهِ وَلا أَزَلِىَّ سِوَاهُ.
فَإِذَا ءَامَنَ الإِنْسَانُ بِوُجُودِ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ وَأَنَّهُ لا يُشْبِهُ شَيْئًا ءَامَنَ بِأَنَّهُ أَرْسَلَ رَسُولًا إِلَى كَافَّةِ الإِنْسِ وَالْجِنِّ وَهُوَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ لِيَدْعُوَهُمْ إِلَى الإِسْلامِ وَيَأْمُرَهُمْ بِالإِيمَانِ بِشَرِيعَتِهِ وَيَتَّبِعُوهُ فِى كُلِّ مَا جَاءَ بِهِ فَيَجِبُ الإِيمَانُ أَنَّهُ صَادِقٌ فِى كُلِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَنِ رَبِّهِ كَأُمُورِ الآخِرَةِ أَوْ أَخْبَارِ الأُمَمِ السَّابِقَةِ أَوْ تَحْلِيلِ شَىْءٍ أَوْ تَحْرِيمِهِ لِأَنَّ خَبَرَ مَنْ ثَبَتَتْ رِسَالَتُهُ بالْمُعْجِزَاتِ لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ صِدْقًا. وَيَجِبُ الإِيمَانُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَهُوَ الْخَالِقُ أَرْسَلَ أَنْبِيَاءَ كَآدَمَ وَنُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَعِيسَى وَمُوسَى وَمُحَمَّدٍ لِيَدْعُوا النَّاسَ إِلَى الدِّينِ الَّذِى رَضِيَهُ لَهُمْ وَهُوَ الإِسْلامُ أَىْ إِلَى عِبَادَةِ الْخَالِقِ وَحْدَهُ وَأَنْ لا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَالأَنْبِيَاءُ جَمَّلَهُمْ رَبُّنَا بِصِفَاتٍ حَمِيدَةٍ وَأَخْلاقٍ حَسَنَةٍ وَنَزَّهَهُمْ عَنِ الصِّفَاتِ الذَّمِيمَةِ فَلَيْسَ فِيهِمْ كَافِرٌ أَوْ كَاذِبٌ أَوْ خائِنٌ أَوْ جَبانٌ أَوْ فَاسِقٌ أَوْ خَسِيسٌ أَوْ سَفِيهٌ أَوْ رَذِيلٌ أَوْ زَانٍ أَوْ يُشبِهُ القُرُودَ أَوْ لا يُحْسِنُ النُّطْقَ.
وَكُلُّ نَبِىٍّ مُرْسَلٍ لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فِى كُلِّ مَا جَاءَ بِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِدْقِهِ أَنَّ رَبَّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَيَّدَهُ بِمُعْجِزَاتٍ أَىْ أَظْهَرَ لَهُ خَوَارِقَ لا يَسْتَطِيعُ الْمُكَذِّبُونَ لَهُ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ مَا جَاءَ بِهِ. أَمَّا كَيْفَ عَرَفْنَا بِهَذِهِ الْمُعْجِزَاتِ فَنَقُولُ انْتَقَلَ إِلَيْنَا خَبَرُهَا بِوَاسِطَةِ عَدَدٍ كَبِيرٍ مِنَ النَّاسِ يَنْقُلُ عَنْ عَدَدٍ كَبِيرٍ شَهِدَ الْمُعْجِزَةَ وَهَكَذَا إِلَى أَنْ وَصَلَ الْخَبَرُ إِلَيْنَا. فَيُقَالُ لِمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِذَلِكَ كَمَا أَنَّكَ صَدَّقْتَ بِوُجُودِ أُنَاسٍ كَانُوا فِى الزَّمَنِ الْمَاضِى مَعَ أَنَّكَ لَمْ تَرَهُمْ فَنَحْنُ أَيْضًا صَدَّقْنَا بِوُجُودِ هَؤُلاءِ الأَنْبِيَاءِ وَأَنَّهُمْ دَعَوُا النَّاسَ إِلَى الإِسْلامِ فَالإِسْلامُ هُوَ الدِّينُ الصَّحِيحُ الْمَقْبُولُ عِنْدَ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ وَلا دِينَ صَحِيحٌ إِلَّا الإِسْلامُ فَالإِنْسَانُ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الَّذِى بَلَغَهُ أَصْلُ دَعْوَةِ الإِسْلامِ وَهُوَ الشَّهَادَتَانِ إِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ دِينِ الإِسْلامِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ فِى الإِسْلامِ فَإِنْ أَسْلَمَ وَمَاتَ عَلَى الإِسْلامِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَيُنَعَّمُ فِيهَا أَمَّا إِذَا بَقِىَ عَلَى غَيْرِ الإِسْلامِ إِلَى أَنْ مَاتَ فَإِنَّهُ يُعَذَّبُ فِى نَارِ جَهَّنَمَ عَذَابًا أَبَدِيًّا.
وَالدُّخُولُ فِى الإِسْلامِ يَكُونُ بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِاللِّسَانِ لِلْقَادِرِ عَلَى الإِتْيَانِ بِهَا مَعَ اعْتِقَادِ مَعْنَاهُمَا بِالْقَلْبِ وَالتَّخَلِّى عَنْ كُلِّ مَا يُبْطِلُ الإِسْلامَ كَأَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَوْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أَوْ مَا يُعْطِى مَعْنَاهُمَا وَلَوْ بِغَيْرِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ. وَمَنْ عَجَزَ عَنِ النُّطْقِ بِحَرْفِ الْحَاءِ فَقَالَ مُهَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ بِالْهَاءِ يُقَالُ لَهُ قُلْ أَبُو الْقَاسِمِ رَسُولُ اللَّهِ وَيَصِحُّ أَنْ يَقُولَ أَبُو الْقَاسِمِ رَسُولُ اللَّه بِقَافٍ مَعْقُودَةٍ كَمَا يَلْفِظُهَا أَهْلُ الْيَمَنِ.
وَاعْلَمْ رَحِمَكَ اللهُ أَنَّ الْعُلَمَاءَ يقولون يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ مَعْرِفَةُ الدَّلِيلِ الْعَقْلِىِّ الإِجْمَالِىِّ عَلَى وُجُودِ اللَّهِ وَهُوَ كَأَنْ يَقُولَ الشَّخْصُ فِى نَفْسِهِ الْكِتَابَةُ لا بُدَّ لَهَا مِنْ فَاعِلٍ وَالْبِنَاءُ لا بُدَّ لَهُ مِنْ فَاعِلٍ وَالْكِتَابَةُ وَالْبِنَاءُ جُزْءٌ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ فَهَذَا الْعَالَمُ بِالأَوْلَى لا بُدَّ لَهُ مِنْ خَالِقٍ خَلَقَهُ لا يُشْبِهُهُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ.
وَيُرْوَى أَنَّ رَجُلًا يُنْكِرُ وُجُودَ اللَّهِ أَتَى إِلَى أَحَدِ الْخُلَفَاءِ وَقَالَ لَهُ إِنَّ عُلَمَاءَ عَصْرِكَ يَقُولُونَ إِنَّ لِهَذَا الْكَوْنِ صَانِعًا (أَىْ خَالِقًا) وَأَنَا مُسْتَعِدٌّ أَنْ أُثْبِتَ لَهُمْ أَنَّ هَذَا الْكَوْنَ لا صَانِعَ لَهُ. فَبَعَثَ الْخَلِيفَةُ إِلَى عَالِمٍ كَبِيرٍ يُعْلِمُهُ بِالْخَبَرِ وَيَأْمُرُهُ بِالْحُضُورِ فَتَعَمَّدَ الْعَالِمُ أَنْ يَتَأَخَّرَ قَلِيلًا عَنِ الْوَقْتِ ثُمَّ حَضَرَ فَاسْتَقْبَلَهُ الْخَلِيفَةُ وَأَجْلَسَهُ فِى صَدْرِ الْمَجْلِسِ فَقَالَ الرَّجُلُ لِمَ تَأَخَّرْتَ فِى مَجِيئِكَ فَقَالَ الْعَالِمُ أَرَأَيْتَ (أَىْ مَاذَا تَقُولُ) لَوْ قُلْتُ لَكَ إِنَّهُ قَدْ حَصَلَ لِى أَمْرٌ عَجِيبٌ فَتَأَخَّرْتُ وَذَلِكَ أَنَّ بَيْتِىَ وَرَاءَ نَهْرِ دِجْلَةَ فَجِئْتُ لِأَعْبُرَ النَّهْرَ فَلَمْ أَجِدْ سِوَى سَفِينَةٍ عَتِيقَةٍ قَدْ تَكَسَّرَتْ أَلْوَاحُهَا الْخَشَبِيَّةُ وَلَمَّا وَقَعَ نَظَرِى عَلَيْهَا تَحَرَّكَتِ الأَلْوَاحُ وَاجْتَمَعَتْ وَاتَّصَلَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَصَارَتْ سَفِينَةً صَالِحَةً لِلسَّيْرِ بِلا مُبَاشَرَةِ نَجَّارٍ وَلا عَمَلِ عَامِلٍ فَقَعَدْتُ عَلَيْهَا وَعَبَرْتُ النَّهْرَ وَجِئْتُ إِلَى هَذَا الْمَكَانِ. فَقَالَ الرَّجُلُ اسْمَعُوا أَيُّهَا النَّاسُ مَا يَقُولُ عَالِمُكُمْ فَهَلْ سَمِعْتُمْ كَلامًا أَكْذَبَ مِنْ هَذَا كَيْفَ تُوجَدُ السَّفِينَةُ بِدُونِ أَنْ يَصْنَعَهَا نَجَّارٌ هَذَا كَذِبٌ مَحْضٌ. فَقَالَ الْعَالِمُ أَيُّهَا الْكَافِرُ إِذَا لَمْ يُعْقَلْ أَنْ تُوجَدَ سَفِينَةٌ بِلا صَانِعٍ وَلا نَجَّارٍ فَكَيْفَ تَقُولُ بِوُجُودِ الْعَالَمِ بِدُونِ صَانِعٍ فَسَكَتَ الرَّجُلُ الْمُلْحِدُ وَلَزِمَتْهُ الْحُجَّةُ وَعَاقَبَهُ الْخَلِيفَةُ لِسُوءِ اعْتِقَادِهِ.
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
لِمُشَاهَدَةِ الدَّرْسِ: https://youtu.be/gMWdq23jbiw
لِلِاسْتِمَاعِ إِلَى الدَّرْسِ: https://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/bahja-1
الْمَوْقِعُ الرَّسْمِيُّ لِلشَّيْخِ جِيل صَادِق: https://shaykhgillessadek.com