سعيد بن زيد
سَعِيْدُ بْنُ زَيْدٍ
مُجَابُ الدَّعْوَةِ
تَرْجَمَتُهُ:
هُوَ أَبُو الأَعْوَرِ سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ العُزَّى بْنِ رِيَاحِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رَزَاحِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، القُرَشِيُّ العَدَوِيُّ، أَحَدُ العَشَرَةِ الـمُبَشَّرِيْنَ بِالـجَنَّةِ، وَمِنَ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ الَّذِي رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوْا عَنْهُ، أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الرَّسُوْلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَارَ الأَرْقَمِ.
شَهِدَ الـمَشَاهِدَ كُلَّها مَعَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَهِدَ حِصَارَ دِمَشْقَ وَفَتْحَهَا، فَوَلَّاهُ عَلَيْهَا أَبُوْ عُبَيْدَةَ بْنَ الـجَرَّاحِ.
رَوَى أَحَادِيْثَ يَسِيْرَةً لَهُ مِنْهَا اثْنَانِ فِي الصَّحِيْحَيْنِ، وَانْفَرَدَ لَهُ البُخَارِيُّ بِحَدِيْثٍ وَاحِدٍ.
وَأَمَّا وَالِدُهُ وَهُوَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فَقَدِ اشْتَهَرَ عِنْدَ أَصْحَابِ كُتُبِ التَّرَاجِمِ وَالسِّيَرِ أَنَّهُ كَرِهَ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ الـمُشْرِكُوْنَ مِنْ عِبَادَةِ الأَصْنَامِ وَالحِجَارَةِ وَالذَّبْحِ لَهَا وَالاسْتِسْقَامِ بِالأَزْلَامِ، وَكَانَ لَا يَعْبُدُ إِلَّا اللهَ وَحْدَهُ وَلَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، فَقَدْ رَوَى ابْنُ سَعْدٌ فِي طَبَقَاتِهِ أَنَّهُ أَظْهَرَ مُخَالَفَتَهُ لِقَوْمِهِ فِي عِبَادِتِهِمْ لِلْأَوْثَانِ، وَكَانَ لَا يَأْكُلُ مَا كَانُوْا يَذْبَحُوْنَهُ عَلَى الأَصْنَامِ، وَقَدِمَ الشَّامَ فَسَأَلَ اليَهُوْدَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الأَدْيَانِ البَاطِلَةِ فَلَمْ تُعْجِبْهُ دِيَانَاتِهِمْ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ وَهُوَ يَقُوْلُ: لَا أَعْبُدُ إِلَّا اللهَ.
وَفِي طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ بِالإِسْنَادِ عَنْ مُوْسَى بْنِ عُقْبَةَ (أَنَّهُ) قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمًا أَبَا النَّضْرِ يُحَدِّثُ أَنَّ زَيْدًا وَالِدَ سَعِيْدٍ كَانَ يَعِيْبُ عَلَى قُرَيْشٍ ذَبَائِحَهُمْ ثُمَّ يَقُوْلُ: الشَّاةُ خَلَقَهَا اللهُ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً وَأَنْبَتَ لَهَا الأَرْضَ، ثُمَّ يَذْبَحُوْنَهَا عَلَى غَيْرِ اسْمِ اللهِ!!، إِنْكَارًا لِذَلِكَ وَإِعْظَامًا لَهُ لَا ءَاكُلَ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ.
وَرَوَى الذَّهَبِيُّ فِي “سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ” أَنَّ زَيْدًا التَقَى بِالشَّامِ رَاهِبًا فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: أَرَاكَ تُرِيْدُ دِيْنَ إِبْرَاهِيْمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، يَا أَخَا أَهْلِ مَكَّةَ، الْـحَقْ بِبَلَدِكَ، فَإِنَّ الله يَبْعَثُ مِنْ قَوْمِكَ مَنْ يَأْتِي بِدِيْنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَهُوَ أَكْرَمُ الخَلْقِ عَلَى اللهِ.
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ عِيْسَى الحَكَمِيِّ عَن أَبِيْهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيْعَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ لِي زَيْدٌ: يَا عَامِرُ إِنِّي خَالَفْتُ قَوْمِي وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ إِبْرَاهِيْمَ وَمَا كَانَ يَعْبُدُ وَإِسْمَاعِيْلُ مِنْ بَعْدِهِ، وَكَانُوْا يُصَلُّوْنُ إِلَى هَذِهِ القِبْلَةِ، فَأَنَا أَنْتَظِرُ نَبِيًّا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيْلَ يُبْعَثُ وَلَا أَرَانِي أُدْرِكُهُ، وَأَنَا أُؤْمِنُ بِهِ وَأُصَدِّقُهُ وَأَشْهَدُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَإِنْ طَالَتْ بَكَ مُدَّةٌ فَرَأَيْتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ.
قَالَ عَامِرٌ: فَلَمَّا تَنَبَّأَ رَسُوْلُ اللهِ أَسْلَمْتُ وَأَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو وَأَقْرَأْتُهُ مِنْهُ السَّلَامَ فَرَدَّ عَلَيْهِ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَحَّمَ عَلَيْهِ وَقَالَ: “قَدْ رَأَيْتُهُ فِي الجَنَّةِ يَسْحَبُ ذُيُوْلًا”.
وَقَدِ الْتَقَى زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو بِرَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّهُ لَـمْ يُدْرِكْ مَبْعَثَهُ إِذْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ سَعِيْدًا ابْنَهُ أَدْرَكَ رِسَالَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَءَامَنَ بِهِ وَكَانَ مِنَ الـمُبَشَّرِيْنَ العَشَرَةِ.
مِنْ مَنَاقِبِهِ:
إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَنْعَمَ عَلَى عِبَادِهِ بِنِعَمٍ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى، أَعْظَمُهَا وَأَجَلُّهَا نِعْمَةُ الإِيْمَانِ الَّتِي لَا تُعَادِلُهَا نِعْمَةٌ. وَمِنْ نِعَمِ اللهِ تَعَالَى أَنَّهُ جَعَلَ بَعْضَ عِبَادِهِ الـمُؤْمِنِيْنَ مُسْتَجَابِي الدَّعْوَةِ، وَمِنْهُمُ الصَّحَابِيُّ الجَلِيْلُ سَعِيْدُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، الَّذِي اشْتُهِرَ عَنْهُ ذَلِكَ وَذُكِرَ فِي الكَثِيْرِ مِنْ كُتُبِ التَّرْجَمَةِ.
وَمِنْ هَذِهِ الأَخْبَارِ مَا رَوَاهُ الحَافِظُ أَبُوْ نُعَيْمٍ فِي “حِلْيَةِ الأَوْلِيَاءِ” وَهُوَ أَنَّ امْرَأَةً تُدْعَى أَرْوَى بِنْتَ أُوَيْسٍ ادَّعَتْ أَنَّ سَعِيْدَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَدْ أَخَذَ مِنْ أَرْضِهَا فَأَدْخَلَهُ فِي أَرْضِهِ، فَقَالَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: مَا كُنْتُ لِأَسْرِقَ مِنْهَا بَعْدَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُوْلُ: “مَنْ سَرَقَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ طُوَّقَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِيْنَ”، ثُمَّ دَعَا: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَلَا تُمِتْهَا حَتَّى يَعْمَى بَصَرُهَا، وَتَجْعَلَ قَبْرَهَا فِي بِئْرِهَا.
وَجَاءَ فِي تِتِمَّةِ هَذِهِ القِصَّةِ أَنَّهَا لَـمْ تَمُتْ حَتَّى ذَهَبَ بَصَرُهَا، وَخَرَجَتْ يَوْمًا تَمْشِي فِي دَارِهَا حَذِرَةً، فَوَقَعَتْ فِي بِئْرِهَا وَكَانَتْ قَبْرَهَا.
مِنْ مَنَاقِبِهِ أَنَّهُ كَانَ مِنَ العَشَرَةِ الَّذِيْنَ بَشَّرَهُمُ الرَّسُوْلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالجَنَّةِ، وَكَذَلِكَ ذُكِرَ فِي الحَدِيْثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ فِي الجِهَادِ، وَمُسْلِمٌ فِي فَضْلِ سَعْدٍ، وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ أَنَّ الرَّسُوْلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِيْنَ اهْتَزَّ جَبَلُ حِرَاءَ وَكَانَ وَاقِفًا عَلَيْهِ قَالَ: “اثْبُتْ حِرَاءُ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيْقٌ أَوْ شَهِيْدٌ.
وَذَكَرَ الذَّهَبِيُّ أَنَّ الَّذِيْنَ كَانُوْا عَلَى الجَبَلِ ءَانَذَاكَ أَبُوْ بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَسَعِيْدُ بْنُ زَيْدٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِيْنَ.
وَمِنْ مِنَاقِبِه أَيْضًا إِنْكَارِهِ عَلَى الَّذِيْنَ كَانُوْا يَسُبُّوْنَ الإِمَامَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَفِي “حِلْيَةِ الأَوْلِيَاءِ” لِلْحَافِظِ أَبِي نُعَيْمٍ أَنَّ الـمُغِيْرَةَ بْنَ شُعْبَةَ كَانَ فِي الـمُسْجِدِ الأَكْبَرِ وَعِنْدَهُ أَهْلُ الكُوْفَةِ عَنْ يَمِيْنِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ، فَجَاءَ سَعِيْدُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَأَجْلَسَهُ عَلَى السَّرِيْرِ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ فَسَبَّ، فَقَالَ سَعِيْدُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: مَنْ يَسُبُّ هَذَا يَا مُغِيْرَةُ؟ قَالَ: يَسُبُّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ سَعِيْدٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: يَا مُغِيْرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَعَادَهَا ثَلَاثَةً أَلَا أَسْمِعْ أَصْحَابَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسُبُّوْنَ عِنْدَكَ فَلَا تُنْكِرُ وَلَا تُغَيِّرُ وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا سَمِعْتُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي مِنْ رَسُوْلِ اللهِ، فَإِنِّي لَمْ أَكُنْ أَرْوِي عَنْهُ كَذِبًا يَسْأَلُنِي عَنْهُ إِذَا لَقِيْتُهُ، أَنَّهُ قَالَ: “أَبُوْ بَكْرٍ فِي الجَنَّةِ وَعُمَرُ فِي الجَنَّةِ وَعُثْمَانُ فِي الجَنَّةِ وَعَلِيٌّ فِي الجَنَّةِ وَطَلْحَةُ فِي الجَنَّةِ وَالزُّبَيْرُ فِي الجَنَّةِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الجَنَّةِ وَسَعْدٌ فِي الجَنَّةِ، وَتَاسِعُ الـمُؤْمِنِيْنَ فِي الجَنَّةِ”، قَالَ فَرَجَّ أَهْلُ المَسْجِدِ يُنَاشِدُوْنَهُ: يَا صَاحِبَ رَسُوْلِ اللهِ مَنِ التَّاسِعُ؟ قَالَ: نَاشَدْتُمُوْنِي بِاللهِ، وَاللهُ عَظِيْمٌ، أَنَا تَاسِعُ الـمُؤْمِنِيْنَ، ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ يَمِيْنًا فَقَالَ: لَمَشْهَدٌ شَهِدَهُ رَجُلٌ مَعَ رَسُوْل ِاللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْبُرُ وَجْهَهُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ، أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ أَحَدِكُمْ وَلَوْ عُمِّرَ عُمَرَ نُوْحٍ.
وَفَاتُهُ:
تُوُفِّيَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِالعَقِيْقِ، فَحُمِلَ إِلَى الـمَدِيْنَةِ الـمُنَوَّرَةِ فَدُفِنَ بِهَا، وَذَلِكَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ، وَقِيْلَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ، وَكَانَ يَوْمَهَا ابْنَ بِضْعٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةٍ.
وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: مَاتَ سَعِيْدُ بْنُ زَيْدٍ وَكَانَ يَذْرَبُ، فَقَالَتْ أُمُّ سَعِيْدٍ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: أَتُحَنِّطُهُ بِالـمِسْكِ؟، فَقَالَ: وَأَيُّ طِيْبٍ أَطْيَبُ مِنَ الـمِسْكِ؟!، فَنَاوَلْتُهُ مِسْكًا.
وَالذَّرَبُ هُوَ دَاءٌ يُصِيْبُ الـمَعِدَةَ فَلَا تُهْضِمُ الطَّعَامَ وَلَا تُـمْسِكُهُ.
وَقَالَ ابْنُ الـجَوْزِيِّ فِي “صِفَة الصَّفْوَةِ”: وَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهِ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ. وَصَلَّى عَلَيْهِ الـمُغِيْرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ وَالِي الكُوْفَةِ لِمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ.
رَحِمَ اللهُ سَعِيْدَ بْنَ زَيْدٍ صَاحِبَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.