الجمعة يوليو 26, 2024

دعوته عليه الصلاة والسلام

جعل الله تبارك وتعالى عبده يونس بن متى نبيًا ورسولاً وأرسله إلى أهل نينوى الذين كانوا في أرض الموصل بالعراق ليدعوهم إلى دين الإسلام ويعبدوا الله وحده، وكان أهل نينوى عددهم أكثر من مائة ألف قال تعالى: {وأرسلناهُ إلى مائةِ ألفٍ أوْ يزيدون} [سورة الصافات/١٤٧]. وكان قد دخلت فيهم الوثنية وانتشرت فيهم عبادة الأصنام وكان لهم صنمٌ يعبدونه يسمى “عشتار”، فذهب نبي الله يونس عليه السلام إلى نينوى في العراق امتثالاً لأمر الله وليبلغ رسالة الله فدعا هؤلاء المشركين إلى دين الإسلام وعبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام، فكذبوه وتمردوا وأصروا على كفرهم ولم يستجيبوا لدعوته، وبقي يونس عليه الصلاة والسلام بينهم صابرًا على الأذى يدعوهم إلى الإسلام ويذكرهم ويعظهم، ولكنه مع طول مكثه معهم لم يلق منهم إلا عنادًا وإصرارًا على كفرهم ووجد فيهم ءاذانًا صُمًا وقلوبًا غلفا. وقيل: أقام فيهم ثلاثًا وثلاثين سنة يدعوهم إلى الإسلام ولم يؤمن به خلال هذه المدة غير رجلين، ولما أصروا على كفرهم وعبادة الأصنام ووقفوا معارضين لدعوة نبي الله يونس عليه السلام، أيس يونس عليه الصلاة والسلام منهم بعدما طال ذلك عليه من أمرهم وخرج من بين أظهرهم ءايسًا منهم ومغاضبًا لهم لكفرهم قبل أن يأمره الله تعالى بالخروج وظنّ أن الله تعالى لن يؤاخذه على هذا الخروج من بينهم ولن يضيق عليه بسبب تركه لأهل هذه القرية وهجره لهم قبل أن يأمره الله تبارك وتعالى بالخروج.

يقول الله تبارك وتعالى: {وذا النونِ إذ ذهبَ مُغاضِبًا فظنَّ أن لن نقدرَ عليهِ فنادى في الظُّلُماتِ أن لا إلهَ إلا أنتَ سبحانكَ إني كنتُ من الظالمين} [سورة الأنبياء/٨٧].

وقوله تعالى: {ذا النون} يعني يونس بن متى عليه السلام و”النون” أي الحوت وأضيف عليه السلام إليه لابتلاعه إياه، وقوله تعالى: {إذ ذهب مُغاضبًا} أي ذهب مغاضبًا لقومه من أهل نينوى لأنهم كذبوه ولم يؤمنوا بدعوته وأصروا على كفرهم وشركهم وأبطؤوا عن تلبية دعوته والإيمان به بما جاء به من عند الله.

فائدة: لا يجوز أن يعتقد أن نبي الله يونس عليه السلام ذهب مُغاضبًا لربه هذا كفر وضلال ولا يجوزُ في حق أنبياء الله الذين عصمهم الله وجعلهم هُداةً مهتدين عارفين بربهم، فمن نسب إلى يونس عليه السلام أنه ذهب مغاضبًا لله فقد افترى على نبي الله ونسب إليه الجهل بالله والكفر به وهذا يستحيل على الأنبياء لأنهم معصومون من الكفر والكبائر وصغائر الخسة قبل النبوة وبعدها، وأما قوله تعالى: {فظنَّ أن لن نقدرَ عليه} أي ظنَّ أن الله تعالى لن يُضيّق عليه بتركه لقومه قبل أن يؤمر بذلك، ولا يجوز أيضًا أن يعتقد أن نبي الله يونس عليه السلام ظن أن الله تعالى لا يستطيع عليه لأن هذا مما لا يعذر فيه أحد العوام فضلاً عن نبي كريم. فأنبياء الله تعالى جميعهم عارفون بالله وهم أفضل خلق الله وقد عصمهم الله تعالى من الجهل به ومن كل فعل وقول واعتقاد ينافي العصمة، ومن نسب إلى نبي الله انه ظن أن الله تعالى لا يستطيع عليه فقد نسب إليه الكفر والجهل بالله، وهذا لا يجوز في حق الأنبياء للعصمة الواجبة في حقهم. فجميع الأنبياء منذ نشأتهم كانوا عارفين بالله، وقد أفاض الله تبارك وتعالى على قلوبهم معرفته، فكانوا مؤمنين مسلمين معصومين من الكفر والضلال، فهم لا يعتقدون ما ينافي العقيدة الصحيحة التي أمرهم اتباعها وتعليمها للناس.