الجمعة يوليو 26, 2024

دعا عيسى عليه السلام إلى الإسلام وتوحيد الله

لـمَّا بلغ عيسى عليه السلام الثلاثين من العمر أوحى الله تعالى إليه أن يبرُز للناس ويدعوهم إلى عبادة الله تعالى، فصار عليه السلام يدعو الناس إلى ذلك ويقول لهم: «أيها الناس اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئًا، وآمنوا بأن رسول الله إليكم»، وكان مرسلًا لبني إسرائيل فآمن به اثنا عشَر شخصًا يُسمَّون «الحواريّين([1])»، فأخذ عيسى عليه السلام يُوزّعهم في نواحي الأرض يدعون إلى عبادة الله تعالى وحده ونشرِ دينِ الإسلام الذي هو دينُ جميع الأنبياء والملائكة، وكان سيدنا عيسى عليه السلام مؤيدًا من الله تعالى بالمعجزات الباهرات، فكان عليه السلام يشفي المرضى والزَّمْنَى والأكمهَ والأبرص وغيرَهم من المرضى بإذن الله تعالى، حتى أحبَّه الناس وكثُر أتباعُه وعلا ذكرُه وشأنُه بين الناس، وكان عليه السلام يقضي أيامه في التَّجوالِ والسياحة في الأرض لدعوة الناس إلى دين الإسلام.

وقد علّمه الله التوراة وأنزل عليه كتابًا سماويًّا وهو الإنجيل الصحيح الذي فيه دعوةٌ إلى الإيمان بالله الواحد الأحد خالقِ كلِ شيء وإلى الإيمان بأنَّ عيسى عبد الله ورسولُه، وفيه بيانُ أحكام شريعته، وفيه البِشارة بنبيّ آخر الزمان وهو سيدُنا محمد ﷺ، وفيه أيضًا تحريمُ الربا وكــلِ ضارّ للعقل أو البدن وأكلِ لحم الخنزير، وفيه الأمرُ بالصلاة والصيام وغيـر ذلك من أمور الدين، وكان أصلُ دعوتهِ شيئين: إفرادُ الله بالعبادة والإيمانُ به أنه نبيُّه، ولم يسمِ نفسَه ابنًا لله ولا سمَّى الله أبًا له، وكانت أول كلمة أنطقه الله بها وهو في المهد ما ذكر في القرآن عنه: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} [مريم: 30] حيث اعترف بالعبودية لله تعالى وحده ربّ كلّ شيء وخالق كلّ شيء.

ولقد حذّر عيسى المسيحُ عليه السلام قومَه بني إسرائيل من الكفر والإشراك، وبيَّنَ لهم أنه مَنْ يشرك بالله تعالى فقد حرَّم الله تعالى عليــه الجنة، ومأواه نارُ جهنم خالدًا فيها أبدًا، قال الله عزَّ وجلَّ: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّـهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّـهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّـهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّـهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [المائدة: 72]، أي: ليس للكافرين أنصار يحمونهم من عذاب الله في الآخرة.

 كان أتباعُ عيسى المسيح عليه السلام الذين صدّقوه واتبعوه وآمنوا به مسلمين مؤمنين، ومنهم «الحواريون» الذين كانوا أعوانًا له ينشرون دعوتَه وشرعه ويعلمون الناسَ الخير وتعاليمَ الشرع الحنيف الذي أُوْحِيَ به إليه، أولئك أمّةُ عيسى عليه السلام الصادقون الذين كانوا على هَدْيِ نبيهم عيسى عليه السلام وعلى طريقتهِ وتعاليمه حتى بعدَ رفعِه إلى السماء إلى نحو مائتي سنة، ثم بعد المائتي سنة صار عدد المؤمنين منهم ينقص شيئًا فشيئًا، وصار يكثر الذين يعبدون عيسى عليه السلام ويحرّفون ما جاء به من تعاليم سماوية.

[1])) اختلف في تسميتهم بذلك، فقال ابن عباس: سمّوا بذلك لبياض ثيابهم، وكانوا صيّادين، وقال ابن أبي نجيح وابن أرطاة: كانوا قصّارين فسُمُّوا بذلك لتبييضهم الثياب، وقال قتادة والضحّاك: سُمُّوا بذلك لأنهم كانوا خاصّة الأنبياء، يريدان لنقاء قلوبهم، وقيل غير ذلك. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، (4/98).