الخميس ديسمبر 12, 2024

خاتم الأنبياء محمد ﷺ

لقد ختم الله تعالى الأنبياء بسيدنا محمد ﷺ فمن الكفر اعتقاد نبوة أحد بعد نبينا محمد ﷺ، لـِمَا فيه من تكذيب للقرآن والسُّنَّة وإجماع المسلمين المعلوم بين علمائهم وعوامهم، أما القرآن فقوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40]، وأما السُّنَّة فقوله ﷺ: «وأنا العاقب الذي ليس بعده نبيّ»([1]) أخرجه البخاريّ وغيره، وغير ذلك من الأحاديث، ومخالفة القاديانية أتباع غلام أحمد القاديان([2]) لهذه العقيدة الحقّة كفر، لأنها تكذيب للنصوص وردٌّ لها، حيث قال غلام أحمد هذا عن نفسه إنه نبيّ رسول، وتارة يقول إنها نبوة تجديدية، وتارةً إنها نبوة ظلية، أي: تحت ظل محمد يريد بذلك التستّر بهذه العناوين المزيّفة لئلا يشتدّ عليه النكير في ما ادّعاه خوفًا من الشناعة عند الإشاعة، ولكن لم يتهيّأْ له مراده الخبيث، فنهض المسلمون ليقتلوه أول ما دعا إلى الإيمان بأنه نبيّ لكنّه احتمى بالإنكليز، فشرطوا عليه أن يعطل حركة الجهاد في الهند كلها، فقال في ما ادعى أنه وحي من الله: «يجب علينا شكر الدولة البريطانية لأنهم أحسنوا إلينا بأنواع الامتنان، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، وحرام علينا وعلى جميع المسلمين محاربة الإنجليز».اهـ. فوفى بالشرط الذي طلبوا منه، ثم قام مقامه بعض ذريته لتلك الدعوة.

ومن جملة تمويهاتهم السخيفة أنهم يقولون: معنى «لا نبيَّ بعدي» المذكور في الحديث لا نبيّ آخر في حال حياة محمد ﷺ، وهذا تحريف للحديث البَيّنِ الصراحةِ؛ بل معناه أنا آخر النبيين، لا يأتي بعدي نبيّ إلى يوم القيامة. ويصدق هذا الحديثُ الصحيح الذي رواه مسلم فإنه ﷺ قال: «وخُتِمَ بي النبيّون»([3]) فمن العبث محاولة تأويل مثل هذه النصوص فقد قدّم النبي ﷺ متعلّق الفعل وهو (بي) على (النبيّون) لإفادة الاختصاص([4])، أي: خُتم بي لا بغيري، ولا يخفى هذا على من له أدنى إلمام بلغة العرب.

وفي الحديث الآخر جاء الخبر بأسلوب لا النافية للجنس المفيد للنفي القاطع فهي – كما هو مقرَّر عند النحاة – نص صريح في النفي([5]) فلا يخرج عنه إلا بدليل قاطع. وهذا يزيد معنى {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40] وضوحًا أنه بمعنى آخرهم، أي: الآخر الذي لا نبيّ بعده، وكذلك قوله ﷺ لعليّ رضي الله عنه عند السفر إلى تبوك: «أما ترضى أن تكون منّي بمنـزلة هارون من موسى غير أنه لا نبيّ بعدي»([6]) رواه البخاريّ، وقوله ﷺ: «لم يبق من النبوة إلا المبشرات» قالوا: وما المبشرات؟ قال: «الرؤيا الصالحة»([7]). رواه البخاريّ. وهذا التمويه يُردّ أيضًا بقوله ﷺ: «لو كان بعدي نبيّ لكان عمر بن الخطاب»([8]) رواه الترمذيّ، وبالحديث الذي فيه إخبار النبيّ أنه سيأتي بعده كذّابون كل منهم يزعم أنه رسول الله، فغلام أحمد داخل في هؤلاء لأن الرسول ذكر أنهم ثلاثون ولم يدّعِ في حياة رسول الله ﷺ أحدٌ النبوة إلا الأسود العنسّ([9]) ومسيلمة الكذّاب.

[1])) صحيح البخاريّ، البخاري، كتاب المناقب، باب: ما جاء في أسماء رسول الله ﷺ، (4/225).

[2])) أحمد بن مرتضى بن محمد القاديانيّ (ت1326هـ)، ويسمّى ميرزا غلام أحمد، مدّعى النبوة كاذبًا وهو كفر. هنديّ له كتابات عربية. نسبته إلى (قاديان) من قرى (بنجاب) ولد ودفن فيها. قرأ شيئًا من الأدب العربيّ، خدم الحكومة الإنكليزية أيام احتلالها للهند مدةً عمل بها كاتبًا في المحكمة، ولـمَّا تم القرن الثالث عشر الهجريّ نعت نفسه بمجدد المائة، ثم أعلن أنه المهديّ وزاد فادعى أن الله أوحى إليه والعياذ بالله. واتبعه جمهور من الهنود، على زعمهم أنه نبيّ تابع للشريعة الإسلامية، وأنه أحمد المعنيّ بالآية: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6]، ووضع كتبًا بالعربية والأوردية، منها الكتاب المسمّى: (مواهب الرحمن) سنة 1903م، جاء فيه قوله: «إنني امرؤ يكلمني ربي، ويعلّمني من لدنه، ويحسن أدبي ويوحي إلي رحمة منه فأتبعه ما يوحى».اهـ. (ص3)، وقوله: «إني أنا المسيح الموعود والإمام المنتظر المعهود».اهـ. (ص7)، وقوله: «وأُوْحِيَ إليَّ من الله كالأنوار الساطعة».اهـ. (ص29)، وقوله: «هذه الحكومة، حرام على كل مؤمن أن يقاومها بنية الجهاد، وما هو جهاد؛ بل هو أقبح أقسام الفساد».اهـ. (ص44). ولا يزال له أتباع إلى اليوم في الهند وباكستان. وتصدى كثير من معاصريه للرد عليه وتكفيره، منهم حسين بن محسن السبعيّ اليمانيّ في كتابه: (الفتح الربانيّ)، وأنوار الحيدرآباديّ في: (إفادة الأفهام وإزالة الأوهام)، ومحمد علي الرحمانيّ الكانـﭙـوريّ في: (الصحيفة الرحمانية). وقال لي – أي: للزركلي صاحب كتاب الأعلام – أحدُ علماء الهند: «كان الإنكليز أكبر أعوان القاديانيّ على نشر دعوته لإحداث الانشقاق في وحدة المسلمين بالهند وصرفهم عن التفكير في مقاومة احتلالهم لبلادهم». الأعلام، الزركلي، (1/256).

[3])) صحيح مسلم، مسلم، باب: المساجد، (2/63)، رقم 1195.

[4])) نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز، الرازي، (ص181).

[5])) شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، ابن عقيل، (1/194).

[6])) صحيح البخاريّ، البخاري، كتاب المغازي، غزوة تبوك، (6/3)، رقم 4416.

[7])) صحيح البخاريّ، البخاري، كتاب التعبير، باب: المبشرات، (9/40)، رقم 6990.

[8])) سنن الترمذيّ، الترمذي، باب: في مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، (5/619)، رقم 3686.

[9])) عيهلة بن كعب بن عوف العنسي المذحجي، ذو الخمار متنبئ مشعوذ، من أهل اليمن. كان بطاشًا جبارًا. أسلم لـمَّا أسلمت اليمن، وارتد في أيام النبي ﷺ فكان أول مرتد في الإسلام. وادعى النبوة، وأرى قومه أعاجيب استهواهم بها، فاتبعته مَذْحِج. وتَغَلَّب على نجران وصنعاء، واتسع سلطانه حتى غلب على ما بين مفازة حضرموت إلى الطائف إلى البحرين والأحساء إلى عدن. وجاءت كتب رسول الله ﷺ إلى من بقي على الإسلام في اليمن، بالتحريض على قتله، فاغتاله أحدهم في خبر طويل أورده ابن الأثير. وكان مقتله قبل وفاة النبي ﷺ بشهر واحد. الأعلام، الزركلي، (5/111).