الخميس يناير 2, 2025

تقي الدين الحصني يفضح ابن تيمية

قال تقي الدين الحصني في كتابه دفع شبه من شّبه وتمرّد (ص/41 – 42) بعد ذكره مرسوم الملك ابن قلاوون – وسيأتي فيما بعد – في ابن تيمية ما نصه: “وأزيد على ذلك ما ذكره صاحب عيون التواريخ وهو ابن شاكر ويُعرف بصلاح الدين الكتبي وبالتريكي وكان من أتباع ابن تيمية وضرب الضرب البليغ لكونه قال لمؤذن في مئذنة العروس وقت السحر أشركت حين قال

ألا يا رسول الله أنت وسيلتـي إلى الله فـي غفران ذنبي وزلتي

وأرادوا ضرب عنقه ثم جددوا إسلامه، وإنما أذكر ما قاله لأنه أبلغ في حق ابن تيمية في إقامة الحجة عليه مع أنه أهمل أشياء من خبثه ولؤمه لما فيها من المبالغة في إهانة قدوته والعجب أنّ ابن تيمية ذكرها وهو ساكت عنها

ثم قال الحصني في دفع شبه من شبه وتمرد )ص/43 – 45( ما نصه: “ولنرجع إلى ما ذكره ابن شاكر الكتبي في تاريخه في الجزء العشرين قال: وفي سنة خمس وسبعمائة في ثامن رجب عقد مجلس بالقضاة والفقهاء بحضرة نائب السلطنة بالقصر الأبلق، فسئل ابن تيمية عن عقيدته فأملى شيئًا منها ثم أحضرت عقيدته الواسطية وقرئت في المجلس ووقعت بحوث كثيرة وبقيت مواضع أخّرت إلى مجلس ثانٍ، ثم اجتمعوا يوم الجمعة ثاني عشر رجب وحضر المجلس صفي الدين الهندي وبحثوا، ثم اتفقوا على أن كمال الدين بن الزملكاني يحاقق ابن تيمية ورضوا كلهم بذلك فأفحم كمال الدين ابن تيمية، وخاف ابن تيمية على نفسه فأشهد على نفسه الحاضرين أنه شافعي المذهب ويعتقد ما يعتقده الإمام الشافعي، فرضوا منه بذلك وانصرفوا. ثم إن أصحاب ابن تيمية أظهروا أن الحق ظهر مع شيخهم وأن الحق معه، فأُحضروا إلى مجلس القاضي جلال الدين القزويني وأحضروا ابن تيمية وصفع ورسم بتعزيره فشفع فيه، وكذلك فعل الحنفي باثنين من أصحاب ابن تيمية.

ثم قال تقي الدين الحصني: ولما كان سلخ رجب جمعوا القضاة والفقهاء وعقد مجلس بالميدان أيضًا وحضر نائب السلطنة أيضًا وتباحثوا في أمر العقيدة وسلك معهم المسلك الأول، فلما كان بعد أيام ورد مرسوم السلطان صحبة بريدي من الديار المصرية بطلب قاضي القضاة نجـم الدين بن صَصرى وبابن تيمية، وفي الكتاب: تعرفون ما وقع في سنة ثمان وتسعين في عقيدة ابن تيمية فطلبوا الناس وسألوهم عما جرى لابن تيمية في أيام نقل عنه فيها كلام قاله، وأحضروا للقاضي جلال الدين القزويني العقيدة التي كانت أحضرت في زمن قاضي القضاة إمام الدين، وتحدّثوا مع ملك الأمراء في أن يكاتب في هذا الأمر فأجاب فلما كان ثاني يوم وصل مملوك ملك الأمراء على البريد من مصر وأخبر أن الطلب على ابن تيمية كثير وأن القاضي المالكي قائم في قضيته قيامًا عظيمًا، وأخبر بأشياء كثيرة من الحنابلة وقعت في الديار المصرية وأن بعضهم صفع، فلما سمع ملك الأمراء بذلك انحلّت عزائمه عن المكاتبة وسيّر شمس الدين بن محمد المهمندار إلى ابن تيمية وقال له قد رسم مولانا ملك الأمراء بأن تسافر غدًا، وكذلك راح إلى قاضي القضاة فشرعوا في التجهيز، وسافر بصحبة ابن تيمية أخواه عبد الله وعبد الرحمن وسافر معهم جماعة من أصحاب ابن تيمية. وفي سابع شوال وصل البريدي إلى دمشق وأخبر بوصولهم إلى الديار المصرية وأنه عقد لهم مجلس بقلعة القاهرة بحضرة القضاة والفقهاء والعلماء والأمراء، فتكلم الشيخ شمس الدين بن عدنان الشافعي وادعى على ابن تيمية في أمر العقيدة فذكر منها فصولًا، فشرع ابن تيمية فحمد الله تعالى وأثنى عليه وتكلم بما يقتضي الوعظ، فقيل له: يا شيخ إن الذي تقوله نحن نعرفه وما لنا حاجة إلى وعظك، وقد ادعي عليك بدعوى شرعية فأجب، فأراد ابن تيمية أن يعيد التحميد فلم يمكنوه من ذلك بل قيل له أجب، فتوقف، وكرّر عليه القول مرارًا فلم يزدهم على ذلك شيئًا، وطال الأمر، فعند ذلك حكم القاضي المالكي بحبسه وحبس أخويه معه فحبسوه في برج من أبراج القلعة، فتردد إليه جماعة من الأمراء فسمع القاضي بذلك فاجتمع بالأمراء وقال: يجب عليه التضييق إذا لم يقتل وإلا فقد وجب قتله وثبت كفره، فنقلوه إلى الجب بقلعة الجبل ونقلوا أخويه معه بإهانة

وفي سادس عشر ذي القعدة وصل من الديار المصرية قاضي القضاة نجم الدين بن صَصرى وجلس يوم الجمعة في الشباك الكمالي وحضر القرّاء والمنشدون وأنشدت التهاني، وكان وصل معه كتب ولم يعرضها على نائب السلطنة، فلما كان بعد أيام عرضها عليه فرسم ملك الأمراء بقراءتها والعمل بما فيها امتثالًا للمراسيم السلطانية، وكانوا قد بيّتوا على الحنابلة كلهم بأن يحضروا إلى مقصورة الخطابة بالجامع الأموي بعد الصلاة، وحضر القضاة كلهم بالمقصورة وحضر معهم الأمير الكبير ركن الدين بيبرس العلائي وأحضروا تقليد القضاة نجم الدين بن صَصرى الذي حضر معه من مصر باستمراره على قضاء القضاة وقضاء العسكر ونظر الأوقاف وزيادة المعلوم، وقرئ عقيبه الكتاب الذي وصل على يديه، وفيه ما يتعلق بمخالفة ابن تيمية في عقيدته إلزام الناس بذلك خصوصًا الحنابلة والوعيد الشديد عليهم والعزل من المناصب والحبس وأخذ المال والروح لخروجهم بهذه العقيدة عن الملّة المحمدية، ونسخة الكتاب نحو الكتاب المتقدّم، وتولى قراءته شمس الدين محمد بن شهاب الدين الموقع وبلغ عنه الناس ابن صبح المؤذن، وقرئ بعده تقليد الشيخ برهان الدين بالخطابة وأحضروا بعد القراءة الحنابلة مهانين بين يدي القاضي جمال الدين المالكي بحضور باقي القضاة، واعترفوا أنهم يعتقدون ما يعتقده محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه. وفي سابع شهر صفر سنة ثمان عشرة ورد مرسوم السلطان بالمنع من الفتوى في مسألة الطلاق الذي يفتي بها ابن تيمية وأمر بعقد مجلس له بدار السعادة وحضر القضاة وجماعة من الفقهاء، وحضر ابن تيمية وسألوه عن فتاويه في مسألة الطلاق وكونهم نهوه وما انتهى ولا قبل مرسوم السلطان ولا حُكم الحكَّام بمنعه، فأنكر، فحضر خمسة نفر فذكروا عنه أنه أفتاهم بعد ذلك، فأنكر وصمّم على الإنكار، فحضر ابن طليش وشهود شهدوا أنه أفتى لحّامًا اسمه قمر مسلماني في بستان ابن منجا فقيل لابن تيمية اكتب بخطك أنك لا تفتي بها ولا بغيرها، فكتب بخطه أنه لا يفتي بها وما كتب بغيرها، فقال القاضي نجم الدين بن صَصرى: حكمت بحبسك واعتقالك، فقال له: حكمك باطل لأنك عدوي فلم يقبل منه وأخذوه واعتقلوه في قلعة دمشق. وفي سنة إحدى وعشرين وسبعمائة يوم عاشوراء أفرج عن ابن تيمية من حبسه بقلعة دمشق وكانت مدة اعتقاله خمسة أشهر ونصف. انتهى كلام الحصني