إنَّ الله تعالى صان الأنبياء من المنفّرات ككون أساميهم مشتقة ومأخوذة من الأسماء القبيحة الشنيعة وكون أخلاقهم من الأخلاق القبيحة، فمن نسب إليهم اسمًا شنيعًا قبيحًا فقد انتقصهم، فكيف استساغ بعض اللغويين القول بأن لوطًا مأخوذ من اللواط، وهذه المقالة باطلة شنيعة لغة وشرعًا، فليحذر كلام من قال هذا من اللغويين. فالله تعالى عصم الأنبياء عليهم السلام من أن تكون أسماؤهم خبيثة أو مشتقة من خبيث أو أن يشتق منها خبيث. وقد قال الفقيه المحدّث بدر الدين الزركشي([1]) في كتابه تشنيف المسامع ما نصّه: «إن الأفعال مشتقة من المصادر على الصحيح، والأفعال أصل للصفات المشتقة منها فتكون المصادر أصلًا لها أيضًا»([2]).اهـ.
فلا يجوز أن يقال إن لوطًا مشتقّ من اللواط، ويكفي في ردّ هذا الاشتقاق وإبطاله أنه لا يوافق الاشتقاق المصطلح عليه عند اللغويين لأن الاشتقاق المصطلح عليه عندهم شرطه أن يكون المشتق والمشتق منه من لغة العرب، وذلك أن اللواط لفظ عربي وهو مصدر لاط، وأما لوط فهو اسم أعجميّ، فكيف يدعي مدّع أنه مشتق من اللواط، وكذلك عكسه وهو القول بأن اللواط مأخوذ من لوط، فلفظ اللواط كان قبل قوم لوط لأن اللغة العربية لغةٌ قديمةٌ، حتى قال بعض العلماء: إن أول لغة تكلم بها آدم هي العربية، ويشهد لذلك ما ورد في الصحيح «أن آدم عطس فقال الحمد لله»([3]). فلفظ اللواط كان قبل ذلك، فأولاد آدم ومن بعدهم يعرفون كلمة لاط بتصاريفها كما يعرفون كلمة الزنى وتصاريفها، وكيف يكون هود وصالح اللذان هما مبعوثان إلى العرب لغتهما ولغة من أرسلا إليه خالية عن هذه الكلمة. وقد ردَّ هذه المقالة من أئمة اللغة الزجاجُ، فلا يُغترّ بأن هذه المقالة الشَّنيعة مذكورةٌ في بعض كتب اللغة.
قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آَيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} [يوسف: 7].
هو يُوسف ابن نبيّ الله يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم صلّى الله عليهم وسلّم، وقد أُعْطِيَ يوسف عليه السلام شطرَ الحُسن.
وقد أثنى اللهُ عليه ووصفه بالعفة والنـزاهة والصبر والاستقامة قال تعالى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24]، كما أثنى عليه سيدنا محمد ﷺ بقوله: «إنّ الكريمَ ابنَ الكريم ابنِ الكريم ابنِ الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم»([4]) رواه البخاريّ.
وهو من أشهر أنبياء بني إسرائيل، وقد ذُكرت قصةُ سيدنا يوسف عليه السلام في سورة يوسف مُفصلة، وفيها بيانٌ لحياته ومحنته مع إخوته ومحنته مع امرأةِ العزيز، ودخولهِ السجن ودعوتهِ فيه إلى الله تعالى، ثم خروجه من السجن، وفيها تفسيرُه الرؤيا للملِك واستلامه لخزائن الأرض، أي: أرض مصر، ثم مجيء إخوته إلى مصر بسبب القحط، وإبقاؤه لأخيه بنيامين عنده، ثم اجتماعه بأبيه وإخوته ودخولهم عليه وسجودهم له على وجه التحية والتعظيم([5])، إلى غير ذلك من إشارات دقيقةٍ وعظات بالغة يُستفاد بها من حياة هذا النبي الكريم.
هي حوادث متلاحقة بدايتها محاولة قتل سيدنا يوسف من قِبَلِ إخوته ما عدا بنيامين، ثم رميه في الجُبّ (البئر) وإنقاذه على يد قافلة عابرة لذلك المكان، وأخذه عليه السلام إلى أرض مصر حيث بِيع لوزير البلاد يومها وهو المسؤول عن خزائن مصر، فاشتراه وذهب به إلى بيته.
[1])) بدر الدين أبو عبد الله محمد بن بهادر بن عبد الله المصريّ الزركشيّ الشافعيّ (ت794هـ)، الإمام العلامة المصنّف المحرّر، كان فقيهًا أصوليًّا أديبًا فاضلًا في جميع ذلك، درّس وأفتى، قال البرماويّ: «كان منقطعًا إلى الاشتغال بالعلم والتعلم لا يشتغل عنهما بشيء وله أقارب يكفونه أمر دنياه».اهـ. ومن تصانيفه: (تكملة شرح المنهاج للإسنويّ)، و(الروضة) وهو كتاب كبير فيه فوائد جليلة، و(تشنيف المسامع شرح جمع الجوامع). الأعلام، الزركلي، (6/60، 61).
[2])) تشنيف المسامع شرح جمع الجوامع، الزركشي، (ص87).
[3])) سنن الترمذي، الترمذي، (5/453).
[4])) صحيح البخاريّ، البخاري، كتاب المناقب، باب: من انتسب إلى آبائه في الإسلام والجاهلية، (4/224)، رقم 3524.
[5])) وكان ذلك جائزًا في شريعتهم.