الجمعة يوليو 26, 2024

بيان فضل العلم وأن أولى العلوم هو العلم
بالله ورسوله ودينه

درس ألقاه المحدث الشيخ عبد الله بن محمد العبدريّ رحمه الله تعالى فِي باريس فِي بيان فضل العلم وأن أولى العلوم هو العلم بالله ورسوله ودينه. قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.

أمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الله تَبارَك وَتعالى عَظَّمَ شَأْنَ العِلم وقَدْ أَمَرَ نَبِيَّهُ r بِطَلَب الازْدياد مِنَ العِلم، الله تعالى أَمَرَ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا r بِأَنْ يَطْلُبَ مِن الله المزِيدَ مِنَ العِلم وَلَمْ يَأْمُرُهُ فِي القُرءَانِ الكَريم بِطَلَبِ الازديادِ مِنْ شَيْءٍ غَيْر العِلم، ما أَمَرَهُ بِطَلَبِ الازدياد مِنَ الولَد ما أَمَرَهُ بِطَلَب الازدياد مِنَ الرّزق إنَّما أَمَرَهُ بِطَلَب الازدياد مِنَ العِلم، قال تعالى فِي القُرْءَانِ الكَريم: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [سورة طه: 114]، وَذَلِكَ لأنّ العِلْمَ أَسَاسُ الدّين، لأنّ الدّين هو العِلْمُ بالله وَبِرَسُولِهِ وَبِأمُور دِينِه، هذا الدّينُ هذا الإِسْلامُ. وَقَالَ نَبِيّ الله r: «لا يَشْبَعُ المؤمِنُ مِنْ خَيْرٍ يسْمَعُهُ حَتَّى يَكُونَ مُنْتَهاهُ الجنَّة»([i]).اهـ. هذا الحديثُ رُوِيَ عَلى وجهَين، روِيَ بهذا اللَّفظ: «لا يَشْبَعُ المؤْمِنُ مِنْ خَيْرٍ يَسْمَعُهُ حَتَّى يَكُونَ مُنْتَهاهُ الجنَّة» وَرُوِيَ بِدون لَفْظَةِ يَسْمَعُهُ، عَلى الرّوايَة الثانية يَشْمَل العِلمَ وَغَيْرِ ذَلِكَ، أَي: أنَّ المؤمِنَ لا يَنْبَغِي أَنْ يَشْبَعَ مِنَ العِلم، وَغَيْرُ العِلْم مِنَ الحَسَنات كذلِكَ لا يَنْبَغِي أنْ يَشْبَعَ المؤمِنُ مِنْهُ لكن العِلْمُ أَهَمُّ لأَنَّهُ أَسَاسُ الدّين.

وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ أَيْضًا: «لأَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ فَيَتَعَلَّمَ بَابًا مِنَ العِلم خَيْرٌ لَهُ مِنَ أَنْ يُصَلِّيَ أَلْفَ رَكْعَةَ»([ii]).اهـ. تَطَوُّعًا. هذا الحَديثُ فيه بيانُ عَظيم فَضْل العِلم عِلْم الدّين حَيْثُ إِنَّ تَعَلُّمَ بابٍ مِنَ العِلم كَباب التَّيَمُّم أو باب الاسْتِنجاء أَوَ باب الأَذان أو باب مَواقيت الصَّلاة أو باب شُروط الصَّلاة أَو باب الحجّ أو باب الصّيام إلى غَيْر ذلك الله تعالى جَعَلَ ثوابَ مَنْ يَذْهَبُ لِيَتَعَلَّمَ بابًا مِنَ العِلم كَأَحَد هذه الأبواب المذْكورة أَفضَلَ مِنْ أَلَف رَكْعَة مِنَ التَّطَوُّع. فِي رَمَضَانَ أَغْلَبُ المسْلِمِين فِي الشّرق وَالغَرْب يُصَلُّونَ كُلَّ لَيْلَة سِوى الفَرض ثلاثَةٌ وعشريْن رَكْعة ومَجْموعُ ذلِكَ سِتُّمائةِ ركعة وَشَيْءٌ فالذَّهَابُ إِلى مكانٍ يَتَعلَّمُ فِيه المسْلِمُ بابًا مِنَ العِلم، أي: صِنْفًا مِنْ أَصْناف عِلم الدّين أَفْضُلُ مِنْ هذه الرَكَعات رَكَعات التَّراوِيح التِي اعْتَادَها أَكْثَرُ المسْلمين فِي البِلاد الإِسْلامِيَّة.

وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ الأَمْرَ كَذلِكَ فَلْيُعْلَم أَنَّ العِلم مراتِب بَعْضُهُ أَفْضَلُ مِنْ بَعْض وَأَفْضَلُ عِلْم الدّين هُوَ العِلْمُ بالله وَالعِلْمُ بِرَسُولِهِ وَالعِلْمُ بأُمُور الدّين كعلم الصَّلَوات الخَمْس. العِلْمُ بالله هُوَ أَهَمُّ مِنْ كُلّ عِلْمٍ، أَنَّ الله تَباركَ وَتَعالى هُوَ الذِي أَخْرَجَنا مِنَ العَدَم إلى الوجود وهُوَ تَبارَكَ وَتعالى الذِي يَسْتَحِقُّ غايةَ التَّعْظِيم وَلا يَسْتَحِقُّ أحدٌ غَايَةَ التَّعْظِيم والخُضُوع إِلَّا هُوَ. الأَنْبياء والملائِكة والأَوْلياء يُعَظَّمُونَ لكن لا كَتَعْظِيم الله؛ بَلْ أَقَلَّ مِنْ تَعْظيم الله تَبَارَك وَتَعالى ثم إِنَّ الأَنْبياء والـمَلائِكَة والأَوْلياء لَوْلا أَنَّ الله أَمَرَنا بِتَعْظِيمِهم مَا كَانَ عَلَيْنا أَن نُعَظِّمَهُم إنَّما وَجَبَ عَلَيْنَا تَعْظيمُهُم لأنَّ الله أَمَرَنا بِتَعْظيمِهِم.

وَمَعْرِفَةُ الله تعالى لَيْسَ بالتَّصْوير والتَّشْخيص فِي النَّفْس، كُلُّ ما يُشَخّصُهُ الإِنْسانُ فِي نَفْسِهِ إِنْ كان كمّيَةً صَغيرة وإِنْ كانَ كَمِيّةً كَبيرة إنْ كان ذا حَدّ صَغيرٍ أو ذا حدّ كبير اللهُ ليس كذلك لأنَّ الشَّيءَ الذِي لَهُ كَمِّيَةٌ ما أَوْجَدَ نَفْسَهُ عَلى هذه الكَمّية إنَّما مُوجِدٌ لا يُشْبِهُ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ كَمِّيَّةٌ لَيْسَ لَهُ حَدُّ هو الذِي أَوجَدَهُ. هذه الأَرْضُ التِي نَحْنُ عَلَيْها ومَا عَلَيْها مِنْ جِبَالٍ وَأَشْجارٍ وابنُ ءادم وهذِه السَّماء التِي تُظِلُّنا وَمَا بَيْنَهُما كالشَّمْس والقَمَر وَالنُّجوم كُلُّ هذِه الأشْياء لها مَقاديرُ لها حُدود، الإنْسانُ لَهُ حَدٌّ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ، طُولُهُ أَرْبَعَةُ أَذْرُع، والشَّمْسُ لها كَمّية لها حَدٌّ والقَمَرُ لَهُ حَدٌّ وَهذِه الأَرضُ لها حَدٌّ يَعلَمُهُ الله وهذه السَّماءُ كَذلِك لها حَدٌ يَعْلَمُه الله وَكَذلِكَ ما فَوْقَ السَّمـٰوات وَكذلِكَ ما تَحْتَ الأَرْض كُلُّ الأَجْرام ما هِيَ أَوجَدَت نَفْسَهَا على هذه الأحجام التِي هِيَ مِقْدارُها الخاصُّ بها إِنَّما مُوجِدٌ لا يُشبهها لا يُشْبِهُ هذِه الأشْياء هُوَ الذِي أَوْجَدَ هذه الأَشْياءَ كُلَّها عَلى مَقاديرِها.

لا يَجوزُ فِي العَقْل أَنْ يَكُونَ الإنْسانُ أَوْجَدَ نَفْسَهُ على هذِه الكَمّيةَ على هذا المقْدار وَكذلِكَ الشَّمْسُ لا يَجوزُ فِي العَقْل أَنْ تكون هِيَ أَوْجَدَتْ نَفْسَها على هذا المقْدار، الإِنْسان كان يَجوزُ فِي العَقْل أَنْ يَكونَ أَطْوَلَ مِنْ هذا أَنْ يكون كالجَبَل وأَنْ يَكون رأسه مثل حَبَّة الخَرْدَل لكن مَنِ الَّذِي خَصَّصَهُ بهذا المقْدار وهذا الحجم، مَوْجودٌ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ وَمِقْدار، كذلك العَرْشُ والسَّمـٰوات مَهْما كانَ الجِرْمُ كبيرًا لا يَجوزُ فِي العَقْل أَنْ يَكونُ هُوَ أَوْجَدَ نَفْسَهُ على ذلِك الحَدّ وَمَهْمَا كانَ الجِرْمُ صغيرًا كذلِك لا يَجوزُ فِي العَقْل أن يَكونَ أَوْجَدَ نَفْسَهُ على ذلِكَ المقْدار دونَ ما سِواهُ، فَتَخَصُّصُ كُلّ جِرْمٍ بالمقْدار الذِي هُوَ عَلَيْه يَجِبُ عَقْلًا أَنْ يكون بِتَخْصيص موجودٍ لا يُشبهُ هذِه الموْجودات، أَي: لَيْسَ لَهُ كَمّيَةٌ وَحَجْمٌ وَمِقْدارٌ، أي: حَدٌّ ليس له حَدٌّ، فِيَجِبُ بالنظر العقليّ أَنْ يَكونَ كُلُّ شيءٍ لَهُ حَدٌّ لَهُ خَالِقٌ أَوْجَدَهُ على ذلِكَ الحدّ فَخَالِقُهُ لا يَكُونُ كَذلِكَ، لَوْ كانَ خَالِقُهُ كذلك لاحتاجَ أَيْضًا هو إلى موجِدٍ أوجَدُهُ على ذلِكَ الحَجم فالله لا يَجُوزُ أَنْ يكون بحجم الإنسان ولا أصغر ولا بحجم السماء ولا بحجم العرش الذِي هو أكبرُ مخلوقٍ خلَقَهُ الله تعالى لا يجوزُ، العقلُ لا يَقْبَلُهُ لأنَّ الشَّيءَ لا يَخْلُقُ شَبيهَهُ. هذا دليلُنا العقليّ على أَنَّ الله مَوْجودٌ بلا مكان بلا حد بلا كمية بلا شكل.

أما الدليلُ السَّمْعِيّ القُرْءَانِيّ فقد قال الله تبارك وتعال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [سورة الشورى: 11]، مَعْنَاهُ: أنَّ الله لا يُشْبهِهُ شَيْءٌ بِوَجْهٍ مِنَ الوجوه، لا يشبهه شيء بوجه من الوجوه، أي: لَيْسَ ذا حَد كما أَنَّ كُلَّ جِرْم كبيرٍ وصغيرٍ لَهُ حَدٌّ وَمِقْدار، ولا هُوَ ذو شَكْل، أَيْ: كَيْفِيَّة مِن لَوْن وحَرَكَة وسُكون إلى غَيْر ذلِكَ من صِفات الخَلْق.

هذه الآيةُ الكَريمَةُ بَيَّنَتْ أَنَّ الله تعالى لا يُشْبِهُ العالم بشَكْلٍ من الأَشْكال ولا بوَجْهٍ من الوجوه إنَّما هو سبحانه موجودٌ وُجُودُهُ لا يُشْبِهُ وجودَ غيرِه، موجودٌ بلا مكان، ليس مُتَخَصّصًا بمكانٍ وَاحِد ولا بجهةٍ واحدة كما أنَّ العرشَ متخصصٌ بجهةٍ واحدة وليس مُنْتَشِرًا فِي كُلّ مكان ولا هو منتشرٌ فِي الجهاتِ السّتّ، أيْ: لا يجوزُ أَنْ يكونَ الله فِي جهةٍ واحدةٍ منها ولا فِي جَميعِها، وكذلكَ الأمكنة لا يجوز أَنْ يكونَ الله فِي كُلّ مكان ولا يجوز أن يكون فِي مكانٍ واحد، فالله تباركَ وتعالى موجودٌ لا يُمْكن تَصَوُّرُهُ إنما يُعلمُ بأنه موجودٌ ولا يُشْبِهُ شيئًا هذا غايةُ المعرِفَة بالله أمَّا أن يُحاوِلَ الإنسان أنْ يَتَصَوَّرَ الله شيئًا ضَخْمًا أو شَيْئًا وَسَطًا أَو حجمًا صغيرًا كُلُّ هذا وَهْمٌ، فَمِنَ الجهل العظيم تَصَوُّرُ بعض الناس أنَّ الله شيءٌ موجودٌ فَوْقَ العَرْش الذِي هُو أعَظمُ الأجرام، لا يوجدُ شيءٌ فوقَ العرش إلَّا كتابٌ أَخْبَرَ الرسول r أنَّ الله كَتَبَهُ وَوَضَعَهُ على العَرْش قَبْلَ خلق السمـٰوات والأرض بأَلفِي عامٍ هذا الكتابُ مكتوب فيه «إنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضبي»([iii]).اهـ. معناه: المخلوقاتُ التي هي مرحومةٌ عندي أكثر من المخلوقات التي أَكْرَهُهَا وَذلك أنَّ الملائكة هم أكثرُ خَلْق الله أكثرُ من الإنسان والجنّ والبهائم والطيور والحشرات ومن كُلّ ذي روح ومن عَدَد الرّمال وغير ذلك من مخلوقات، الملائكةُ أكثرُ خَلْق الله تعالى هؤلاء كُلُّهُم مظاهِرُ الرَّحمة يُحبُّهُم الله لأنهم مؤمنون به مُطيعون له لا يَعْصونَ الله لا يَفْتُرون عن تسبيح الله تعالى؛ لأنَّهم ليس فيهم ما يُثَبّطُهُم عن طاعة الله لا يحتاجون للأكل والشرب والنوم ولا للنساء الله تعالى ما خَلَقَ فيهم حاجةَ الأكل والشرب والنساء ولا خَلَقَ فيهم التعب؛ بل جَعَلَهم مُطيقين للتنقل بينَ السمـٰوات والأرض بلحظاتٍ يسيرَةٍ خفيفة، الله تعالى قادِرٌ على كل شيء.

شخصٌ من البشر كان هو وزيرَ سليمانَ نبيّ الله سليمان، هذا كان من الأولياء، سليمان u كان كتبَ إلى مَلِكَة اليمن فِي ذلك الوقت اسمُها بِلْقيس أنْ تأتِيَ إليه خاضِعةً، كانت تَعْبُدُ الشمسَ هِيَ وقومُها دَعاها إلى الإسلام وكان سليمان مُسَخَّرًا لَهُ الشياطين مع أنهم كافرون، الله تعالى جعلَهُم مُطيعين لَهُ فيما يأمرُهُم به من أُمور الدنيا مع كُفْرِهِم وكان من خالفَ أمرَهُ منهُم الله تعالى ينتقمُ منه فِي الحال، كان فِي ديوانِه الذي يَجْلِسُ فيه للحكم سِتُمائة ألف كُرسيّ، جهةُ اليمين للإنس وجهةُ اليسار للجن، قال للذين معه من إنسٍ وجنّ مَن يأتِيني بعرشِها، هذه الملِكَة بلقيس كان لها عرشٌ من ذهب ثمانونَ ذراعًا طولُهُ وعرضُهُ سِتُونَ ذراعًا من ذهب مُكَلَّل بالجواهر قال سليمان أيُّكُم يأتيني بعرشِها فقال عفريتٌ من الشياطين قويُّ البُنْية أنا ءاتيك به قبل أن تُغادرَ مجلِسَك هذا ثم قال وزيرُه الذِي هو وليٌّ من أولياء الله أنا ءَاتيكَ به قبلَ أنْ يَرتَدَّ إليكَ طَرْفُكَ تَمُدُّ نظرَك هكذا قبلَ أَنْ تُطْبِقَ جَفْنَيكَ أنا أحْضِرُهُ فأحْضَرَهُ من اليمن إلى بر الشَّام بهذه اللحظة، هذا واحدٌ من البشر من أوليائه اللهُ تعالى أَقْدَرَهُ على أن يُحْضِرَ يَنْقُلَ ذلك العرشَ العظيم من اليمن إلى الشَّام فالملائكةُ أقوَى من هذا، جبريلُ u الله تعالى وَصَفَهُ بأَنَّهُ ذو قُوَّةٍ، أي: أَنَّهُ أعطاهُ قوةً عظيمة، مِن أمثِلة قوتِه أنه نقلَ جَبَلَ الطائف من الشام إلى الحجاز إلى مسافة تَبْعُدُ من مكة نحوَ تسعين كيلومترًا، هذا الجبل يختلف حالُهُ عن كلّ ما حَوْلَهُ فِي الحجاز، عالٍ جدًّا ثم فيه رُمَّان وفيه عنب وفيه نبات أخضر وفيه بُرودة حتى فِي الصيف سُكَّانُهُ يَلْبَسُون ثيابَ التدفئة، جبريل بأمر الله تعالى نَقَلَهُ من برّ الشام إلى تلك البقعة فصارَ مُصْطَافًا لأهل مكَّة ومن حوله. هذا الجبل يقال له: الطائف وذلك استجابةً لدعوة إبراهيم لأن إبراهيمَ u لما ترَك سُرّيَّتَهُ وابنَهُ الطِّفل إسماعيل كان أخذَهُما من الشَّام إلى مكة تركَهُما هناك، هناك لا يوجد زرعٌ، فِي مكة وما حولها لا يوجد زرع ولا أشجار إنما جبال جرداء حِجَارَةٌ سُوْد، استجابةً لدعوة إبراهيم الله نَقَلَ هذا الجبلَ العظيم إلى هناك؛ لأن هذا الجبل فيه الزرع وينبت فيه الفواكه، ينبت فيه العنب والرُّمان.

فهؤلاء الملائكة الذين هم أكْثَر خَلْق الله من مظاهر الرحمة، أي: ممن يحبُّهُم الله تعالى، والمؤمنون مِنْ أهل الأرض من إنسٍ وجنٍّ يُحبُّهُم الله تعالى، والمؤمنون مِنْ أهل الأَرض من إنسٍ وجنٍّ يُحبُّهُم الله تعالى والجَنَّة من مظاهر الرحمة والجنة أوسَعُ من أَرْضِنا هذه ومن جهنم بمراتٍ كثيرة جدًّا بحيث إن فِي الجنة خَلَقَ اللهُ شجرةً ظِلُّها يمتدُّ لو سارَ فيه الراكِب مائةَ سنة لا يقطعُها، كلُّها من مظاهر الرحمة، هذا معنى إن الله كتبَ فِي ذلك الكتاب إنَّ رحمتي سَبَقتْ غَضَبِي، لا يوجدُ فوق العرش إلّا هذا الكتاب لَيْسَ كما تظنّ الوهابية أنَّ الله جِرمٌ قاعدٌ فوق العرش هذا تَخَيُّلٌ فاسِدٌ ما لَهُ أسَاسٌ والله تعالى ما قال إنَّه جَلَسَ على العرش إنما قال: {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [سورة طه: 5]، معناهُ: قهرَ العرشَ الذي هو أعْظَمُ المخلوقات الله تعالى قاهِرُهُ فماذا يكونُ غيرُهُ، يكون بالأَوْلى مقهورًا لله، هذه الأَرْضُ وهذه السَّماء التِي من غير عَمَدٍ واقفةٌ بقُدْرَة الله تعالى. اعتقادُ الوهابية ومن أشْبَهُم أن الله خالقَ العالم على اختلاف أنواعِه قاعِدٌ على العَرْش توَهُّمٌ وتخيلٌ فاسدٌ، على زَعمِهم الله مَحْمُولٌ حامِلُهُ العرش كيف تَصِحُّ الربوبية والألوهية لشيءٍ محمول لشيءٍ يحملُهُ شيءٌ غيرُهُ، هؤلاء سُخَفَاءُ العقول، الوهابية سخفاء العقول.

جمهور الأمة المحمدية وهم مئات الملايين اليوم أندنوسية وحدها مائة وستون مليونًا([iv]) هؤلاء المئات الملايين علماؤهم يدرّسون أن الله موجود بلا مكان بلا جهة ليس له حد، أي: كمية مقدار لا صغيرة ولا كبيرة لا يمكن تصوره فِي العقل إنما يُعرف بالعقل أنه موجود من غير أن يشبه شيئًا من غير أن يكون له حدٌّ من غير أن يكون له شكل من غير أن يكون بمكان واحد أو فِي جميع الأمكنة من غير أن يكون فِي جهة واحدة كجهة الفوق أو فِي غيرها أو فِي جميع الجهات، موجود من غير أن يكون كذلك، وأنه خالق كل شيء من حركات العباد وسكناتهم، العباد لا يخلقون شيئًا يفعلون فقط أما خلق أفعالهم فهو لله ليس لهم، وأن الله تعالى موجود بلا ابتداء لا شيء غيره كذلك، النور والظلام لوجودهما بداية، فِي الأزل ما كان نور ولا ظلام وهذا شيء لا يستطيع العقل أن يتصوره. هل أحدٌ فيكم يستطيع أن يتصور وقتًا لا نور فيه ولا ظلام، معلوم أن الإنسان يستطيع أن يتصور النور وحده ويتصور الظلام وحده مع هذا يجب علينا أن نؤمن أن النور والظلام ما كانا فِي الأزل ثم وُجِدَا بإيجاد الله لهما وذلك لأن الله قال فِي القرءان الكريم {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورِ} [سورة الأنعام: 1]، أي: خلَقَهُما بعد أن كانا معدومين([v]) هذا لا يمكن تصوره فِي العقل فكيف الخالق الذي لا شبيه له بالمرة كيف يمكن تصوره فِي القلب تشكيله فِي القلب. انتهى.

والله أعلم وأحكم.

([i]) رواه الترمذي فِي سننه، باب: ما جاء فِي فضل الفقه على العبادة.

([ii]) رواه ابن ماجه فِي سننه، بَابٌ فِي فَضْل مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرءانَ وَعَلَّمَهُ.

([iii]) رواه البخاريّ، باب: وكان عرشه على الماء.

([iv]) كان هذا عدد سكان أندنوسية عند إلقاء هذا الدرس وإلَّا فعدد سكانها اليوم أكثر بكثير.

([v]) فقبل وجودهما لم يكن فِي العالم نور ولا ظلام.