بيان جواز تقبيل يد الرجل الصالح والقيام للداخل المسلم
اعلم أنّ تقبيلَ يد الصالح والحاكم التقيّ والغنيّ الصالح أمرٌ مستَحَب يحبّه الله، ويدل على ذلك أحاديث وءاثارٌ وردت عن النبيّ والصحابة.
أما الحديث فما رواه الترمذيّ وغيره أنَّ رجلين من اليهود قالا فيما بينهما: تعالَ بنا إلى هذا النبيّ صلى الله عليه وسلم لنسأله عن تسع ءاياتٍ التي أنزلها الله على موسى، وكان قصدُهما تعجيزه لأنّه أميّ، فلمّا بيّن لهما دُهشا وقبّلا يديه ورجليه. وهذا الحديث قال فيه الترمذي: “حديث حسن صحيح”.
وروى أبو الشيخ وابن مردويه عن كعب بن مالك رضي الله تبارك وتعالى عنه قال: “لمّا نزلت توبتي أتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم فقبّلت يديه وركبتيه”.
وروى البخاري في كتاب الأدب المفرد أنَّ عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه قبّل يدَ العبَّاس ورجليه، مع أنّ عليًّا أفضل منه درجة لكن من أجل أنّه عمّه وأنه صالح قبّل له يدَه ورجليه.
كذلك عبد الله بن عبّاس رضي الله عنه وكان من صغار الصحابة لمّا توفّي الرسول صلى الله عليه وسلم صار يذهب إلى بعضهم ليتعلّم منهم، وكان يذهبُ إلى زيد بن ثابت الذي كان أكثر الصحابة كتابةً للوحي، لمّا خرج من بيته ذات يوم أمسك عبد الله بن عباس له ركاب الدابة أي المحل الذي يضع فيه راكبُ الدابّةِ رِجلَه، فقبَّل زيدُ بنُ ثابت يد عبد الله بن عبّاس لأنه من ءالِ بيت النبي صلى الله عليه وسلم وقال: “هكذا نفعل بأهلِ بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم”، مع أنه أكبر سنًّا من عبد الله بن عبّاس. رواهُ الحافظ أبو بكر بن المقري في جزء تقبيل اليد.
وروى ابن سعد في طبقاته بإسناده عن عبد الرحمن بن زيد العراقي قال: “أتينا سلمة بن الأكوع بالربذة فأخرج إلينا يده ضخمة كأنها خف البعير قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هذه، فأخذنا يده فقبلناها” اهــ.
وصحّ أنّ مسلمًا كان يُقبّل يد البخاريّ ويقول له: “ولو أذنت لي لقبّلتُ رجلك”.
وفي كتاب التلخيص الحبير للعسقلاني ما نصّه: “وفي تقبيل اليد أحاديثُ جمعها أبو بكر بن المقري في جزء جمعناهُ، منها حديثُ ابن عمرَ في قصةٍ قال: فدنونا من النبيّ صلى الله عليه وسلم فقبّلنا يده ورجله”، رواهُ أبو داود.
ومنها حديث صفوان بن عَسّال قال: “قال يهوديٌّ لصاحبه اذهب بنا إلى هذا النبيّ” الحديث وفيه: “فقبّلا يده ورجله وقالا: نشهد أنك نبيّ”، رواهُ أصحابُ السنن بإسناد قويّ.
ومنها حديث الزارع أنّه كان في وفد عبد القيس قال: “فجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبّل يدَ النبي صلى الله عليه وسلم” الحديث، رواه أبو داود.
وفي حديث الإفك عن عائشة قالت: “قال لي أبو بكر: قومي فقبّلي رأسه”.
وفي السنن الثلاثة عن عائشة قالت: “ما رأيتُ أحدًا كان أشبه سمتًا وهديًا ودَلاًّ برسول الله من فاطمة، وكان إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها فقبّلها وأجلسها في مجلسه، وكانت إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبّلته، وأجلسته في مجلسها” انتهى كلام الحافظ ابن حجر العسقلاني.
وفي هذا أيضًا إثبات جواز القيام للداخل إذا كان على وجه الإِكرام لا على وجه التعاظم.
وأمّا حديث أحمد والترمذي عن أنس: “أنهم كانوا إذا رأوه لم يقوموا له لما يعلمون من كراهيته لذلك” فليس فيه دليل الكراهية، لأنه متأوّل على أنه عليه السلام كان يخاف أن يفرض عليهم فكانت كراهيته لذلك شفقةً عليهم، لأنه كان يحب التخفيف على أمّته، وقد صحّ أنه عليه الصلاة والسلام كان يحب العمل بالشىء ويتركه للتخفيف على أمّته.
وأمّا ما رواهُ أبو داود والترمذي أنه عليه الصلاة والسلام قال: “من أحبّ أن يتمثل له الرّجال قيامًا فليتبوأ مقعده من النار”، فهو القيام الذي كان يقومه الروم والفرس لملوكهم، كانوا إذا دخل ملوكهم المجلس يقومون فيتمثلون أي فيظلون قائمين إلى أن يخرج الملك من المجلس، وذلك معنى التمثّل لغة.
أمّا ما يذكره محمّد عمر الداعوق أحد زعماء حزب سيد قطب في لبنان في كتابه ندوات الأسر من أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم اجتذب يده من يد رجل أرادَ أن يقبّلها، فهو عند أهل الحديث شديد الضعف أورده في كتابه هذا مقبّحًا لتقبيل اليد على الإِطلاق، فما باله ترك الأحاديث الصحيحة واعتمد هذا الحديث الذي ليس له أصل من الصحّة، وهكذا يفعل الجهل بأهله.