بيان أن الله منزه عن الجهة والجلوس والاستقرار على العرش
بالأدلة النقلية والعقلية
أما ما يدل على ذلك من القرءان الكريم قول الله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ [سورة الشورى/ الآية ١١]. أي أن الله تعالى لا يشبه شيئا من خلقه بوجه من الوجوه، ففي هذه الآية نفي المشابهة والمماثلة، فلا يحتاج إلى عرش ولا إلى مكان يحل فيه ولا إلى جهة يتحيز فيها . فلو كان له مكان، لكان له أمثال وأبعاد وطول وعرض وعمق، ومن كان كذلك كان مُحدَثا محتاجا لمن حده بهذا الطول وبهذا العرض وبهذا العمق.
فالآية لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ هي أصرح ءاية في القرءان في تنـزيه الله تعالى التنـزيهَ الكليَّ[1] وتفسيرها أن الله لا يشبهه شىء بأي وجه من الوجوه، والكاف في كَمِثْلِهِ لتأكيد النفي[2] ففي الآية نفيُ ما لا يليق بالله عن الله. وأما قوله تعالى وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {11} ففيه إثبات ما يليق بالله، السمعُ صفةٌ لائقة بالله والبصر كذلك وإنما قدّم الله تعالى في هذه الآية التنـزيهَ حتى لا يُتوهم أن سمعه وبصره كسمع وبصر غيره[3] فالله تعالى موصوفٌ بأنَّه ليس ليس كمثله شىء من اللطائف كالنور والروح والهواء ومن الكثائف كالشجر والإنسان[4]. والجسم اللطيف ما لا يضبط باليد والجسم الكثيف ما يضبط باليد أي ما يجسُّ باليد وهو تعالى لا يُشبه العلويات ولا السفليات[5].
وقول الله تعالى: وَللهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ [سورة النحل] أي لله الوصف الذي لا يشبه وصف غيره، فلا يوصف ربنا عز وجل بصفات المخلوقين من التغير والتطور والحلول في الأماكن والسكنى فوق العرش، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وقال الله تعالى: فَلاَ تَضْرِبُواْ للهِ الأَمْثَالَ [سورة النحل] أي لا تجعلوا لله الشبيه والمثيل فإن الله تعالى لا شبيه له ولا مثيل له، فلا ذاته يشبه الذوات ولا صفاته تشبه الصفات .
وأما الحديث فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “كان الله ولم يكن شئ غيره” رواه البخاري والبيهقي[6]، ومعناه أن الله لم يزل موجودا في الأزل ليس معه غيره لا ماء ولا هواء ولا أرض ولا سماء ولا كرسي ولا عرش ولا إنس ولا جن ولا ملائكة ولا زمان ولا مكان، فهو تعالى موجود قبل المكان بلا مكان وهو الذي خلق المكان فليس بحاجة إليه؛ فهذا الحديث دليل على أنه لم يكن في الأزل مكان، فهو سبحانه وتعالى موجود قبل المكان وبعد خلق المكان بلا مكان ولا جهة .
وقال الحافظ البيهقي[ت458هـ] في كتابه الأسماء والصفات[7]: واستدل بعض أصحابنا في نفي المكان عنه – أي عن الله عز وجل – بقول النبي صلى الله عليه وسلم (أنت الظاهر فليس فوقك شىء وأنت الباطن فليس دونك شىء) وإذا لم يكن فوقه شيء ولا دونه شيء لم يكن في مكان.اهـ. وهذا دليل صريح في نفي المكان والجهة عن الله تعالى.
وقال سيدنا علي رضي الله عنه: “إن الله تعالى خلق العرش إظهارا لقدرته لا مكانا لذاته”[8]، وقال أيضا: ” قد كان ولا مكان وهو الآن على ما كان “[9]، أي موجود بلا مكان.
وأما رفع الأيدي عند الدعاء إلى السماء فلا يدل على أن الله متحيز في جهة فوق كما أن حديث مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم اسْتَسْقَى، فَأَشَارَ بِظَهْرِ كَفَّيْهِ إِلَى السَّمَاءِ[10]. لا يدل على أن الله في جهة تحت، فلا حاجة في هذا ولا في هذا لاثبات جهة فوق ولا جهة تحت لله تعالى، بل الله تعالى منزه عن الجهات كلها.
وقال الإمام أبو جعفر الطحاوي المولود سنة 227هـ في عقيدته التي ذكر أنها عقيدة أهل السنة والجماعة[11]:” تعالى (الله) عن الحدود[12] والغايات والأركان والأعضاء والأدوات ولا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات”. وقال[13]: ” ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر”.اهـ
وممن نقل إجماع المسلمين سلفهم وخلفهم على أن الله موجود بلا مكان الإمام النحرير أبو منصور البغدادي [ت429هـ] الذي قال في كتابه الفرق بين الفرق[14] ما نصه:”وأجمعوا (أي أهل السنة والجماعة) على أنه (تعالى) لا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان”اهـ بحروفه.
وقال إمام الحرمين عبد الملك الـجـُويني [ت478هـ]في كتابه الإرشاد[15]:”ومذهب أهل الحق قاطبة أن الله سبحانه وتعالى يتعالى عن التحيز والتخصص بالجهات”اهـ.
فكما صح وجود الله تعالى بلا مكان ولا جهة قبل خلق الأماكن والجهات فكذلك يصح وجوده بعد خلق الأماكن والجهات بلا مكان وجهة، وهذا لا يكون نفيا لوجوده تعالى.
ونقل الشيخ القاضي تاج الدين السبكي [ت771هـ] عن الإمام فخر الدين ابن عساكر [ت 620هـ] أنه كان يقرىء بالقدس العقيدة المرشدة، وفيها عن الله تعالى:” موجـــودٌ قبـــل الخلقِ، ليس له قبلٌ ولا بعدٌ، ولا فــــــــوقٌ ولا تحــتٌ، ولا يَمينٌ ولا شمـالٌ، ولا أمامٌ ولا خلفٌ، ولا كـلٌّ، ولا بعضٌ، ولا يقالُ متى كـانَ ولا أينَ كـانَ ولا كيفَ، كان ولا مكان، كوَّنَ الأكـــــوانَ ودبَّـر الزمـــــانَ، لا يتقيَّدُ بالزمــــــانِ ولا يتخصَّصُ بالمكــــان، ولا يشغلُهُ شـــــأنٌ عن شــــــأن، ولا يــلحقُهُ وهمٌ، ولا يكتَنِفُهُ عقلٌ، ولا يتخصَّصُ بـــــالذهنِ، ولا يــتمثلُ فـي النفسِ، ولا يتصورُ فـي الوهمِ، ولا يتكيَّـــفُ فـي العقلِ، لا تـــَلحقُهُ الأوهـــامُ والأفكـــــــــــارُ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {11} اهـ، ثم قال تاج الدين السبكي بعد أن ذكر هذه العقيدة ما نصه [16]: “هذا ءاخر العقيدة وليس فيها ما ينكره سني”اهـ.
وأما الدليل العقلي على تنزيه الله عن المكان والجهة والجلوس، فنقول :
اعلم أن النظر العقلي السليم لا يخرج عما جاء به الشرع ولا يتناقض معه، والعقل عند علماء التوحيد شاهد للشرع، إذ أن الشرع لا يأتي إلا بمجوَّزات العقول كما قال الحافظ الفقيه الخطيب البغدادي [ت463هـ][17]:” الشرع إنما يرد بمجوَّزات العقول وأما بخلاف العقول فلا” اهـ.
وقال أهل الحق: إن الله ليس بمتمكن في مكان أي لا يجوز عليه المماسة للمكان والاستقرار عليه، وليس معنى المكان ما يتصل جسم به على أن يكون الجسمان محسوسَيـْن فقط، بل الفراغ الذي إذا حل فيه الجرم شغل غيره عن ذلك الفراغ مكان له، كالشمس مكانها الفراغ الذي تسبح فيه، وعند المشبهة والكرامية والمجسمة الله متمكن على العرش، وتعلّقوا بظاهر قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى {5} [سورة طه] فقالوا: الاستواء الاستقرار، وقال بعضهم: الجلوس، وهؤلاء المشبهة قسم منهم يعتقدون أن الله مستقر على العرش، ويكتفون بهذا التعبير من غير أن يفسروا هل هذا استقرار اتصال أم استقرار محاذاة من غير مماسة، وقسم منهم صرحوا بالجلوس، والجلوس في لغة العرب معناه تماس جسمين أحدهما له نصف أعلى ونصف أسفل، فمن قال: إنه مستو على العرش استواء اتصال أي جلوس، أو قال: استواؤه مجرد مماسة من غير صفة الجلوس فهو مجسم ضال، والذين قالوا إنه مستو على العرش من دون مماسة أي إنما يحاذيه من فوق أي كما تحاذي أرضنا السماء فهؤلاء أيضا مجسمة ضالون، فلا يجوز أن يكون قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى {5} [سورة طه] على إحدى هذه الصفات الثلاث، والتفسير الصحيح تفسير من قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى {5} قهر، لأن القهر صفة كمال لله تعالى، هو وصف نفسه به قال تعالى: قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ {16} [سورة الرعد]، فيصح تأويل الاستواء بالاستيلاء[18] وإن كانت المعتزلة وافقت أهل السنة في ذلك .
وأقبح هذه الاعتقادات الفاسدة اعتقاد أن الله تعالى جالس على العرش أو واقف عليه لأن فيه جعل الله تعالى محمولا للعرش والعرش محمول للملائكة، فالملائكة على هذا الاعتقاد قد حملوا الله تعالى، فكيف يليق بالإله الذي أوجد العالم بأسره أن يحمله شىء من خلقه، فعلى قول هؤلاء يلزم أن يكون الله محمولَ حامل ومحفوظَ حافظ، وهذا ما لا يقوله عاقل.
قال الإمام أبو سعيد المتولي الشافعي الأشعري [478هـ] في كتابه “الغنية في أصول الدين” ما نصه [19]: “والغرض من هذا الفصل نفي الحاجة إلى المحل والجهة خلافا للكرامية والحشوية والمشبهة الذين قالوا إن لله جهة فوق، وأطلق بعضهم القول بأنه جالس على العرش مستقر عليه تعالى الله عن قولهم. والدليل على أنه مستغن عن المحل أنه لو افتقر إلى المحل لزم أن يكون المحل قديما لأنه – أي الله – قديم، أو يكون– أي الله على زعمهم- حادثا كما أن المحل حادث، وكلاهما كفر. والدليل عليه أنه لو كان على العرش على ما زعموا لكان لا يخلو إما أن يكون مثل العرش أو أصغر منه أو أكبر، وفي جميع ذلك إثبات التقدير والحد والنهاية وهو كفر. والدليل عليه أنه لو كان في جهة وقدرنا شخصًا أعطاه الله تعالى قوة عظيمة واشتغل بقطع المسافة والصعود إلى فوق لا يخلو إما أن يصل إليه وقتا ما أو لا يصل إليه. فإن قالوا: لا يصل إليه فهو قول بنفي الصانع لأن كل موجودين بينهما مسافة معلومة وأحدهما لا يزال يقطع تلك المسافة ولا يصل إليه يدل على أنه ليس بموجود. فإن قالوا: يجوز أن يصل إليه ويحاذيه فيجوز أن يماسه أيضا، ويلزم من ذلك كفران: أحدهما: قدم العالم، لأنا نستدل على حدوث العالم بالافتراق والاجتماع. والثاني: إثبات الولد والزوجة ” اهـ.
وقال الإمام المتولي: من اعتقد قدم العالم أو حدوث الصانع أو نفى ما هو ثابت للقديم بالإجماع ككونه عالما قادرا أو أثبت ما هو منفي عنه بالإجماع كالألوان أو أثبت له الاتصال والانفصال كان كافرا.اهـ نقله عنه الحافظ النووي [676هـ]في روضة الطالبين[20] وأقره.اهـ ثم قال النووي نقلا عن علماء الحنفية مقرا لهم[21]: ولو قال: إن الله تعالى جلس للإنصاف كفر، أو قام للإنصاف فهو كفر. اهـ
وقد نص الإمام المحدث الحافظ المفسر عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي [597هـ] على نفي التحيز في المكان والاتصال والانفصال والاجتماع والافتراق عن الله تعالى، وردَّ في كتابه ” دفع شبه التشبيه ” [22]على ابن الزاغوني المجسم الذي قال :” فلما قال – تعالى – ثُمَّ اسْتَوَى [سورة الأعراف] علمنا اختصاصه بتلك الجهة”، وقال ابن الزاغوني أيضا :”ولا بد أن يكون لذاته نهاية وغاية يعلمها”، قال ابن الجوزي في الرد عليه ما نصه: “قلت هذا رجل لا يدري ما يقول، لأنه إذا قَدَّر غاية وفصلا بين الخالق والمخلوق فقد حدده، وأقرَّ بأنه جسم وهو يقول في كتابه أنه ليس بجوهر لأن الجوهر ما يتحيز، ثم يثبت له مكانا يتحيز فيه .
قلت:- أي ابن الجوزي– وهذا كلام جهل من قائله وتشبيه محض، فما عرف هذا الشيخ ما يجب للخالق تعالى وما يستحيل عليه، فإن وجوده تعالى ليس كوجود الجواهر والأجسام التي لا بد لها من حيز، والتحت والفوق إنما يكون فيما يقابَل ويحاذَى، ومن ضرورة المحاذِي أن يكون أكبر من المحاذَى أو أصغر أو مثله، وأن هذا ومثله إنما يكون في الأجسام، وكل ما يحاذِي الأجسام يجوز أن يمسها، وما جاز عليه مماسة الأجسام ومباينتها فهو حادث إذ قد ثبت أن الدليل على حدوث الجواهر قبولها المماسةَ والمباينة، فإن أجازوا هذا عليه قالوا بجواز حدوثه، وإن منعوا هذا عليه لم يبق لنا طريق لإثبات حدوث الجواهر، ومتى قدَّرنا مستغنيا عن المحل ومحتاجا إلى الحيز ثم قلنا: إما أن يكونا متجاورين أو متباينين كان ذلك محالا، فإن التجاور والتباين من لوازم التحيز في المتحيزات. وقد ثبت أن الاجتماع والافتراق من لوازم التحيز، والحق سبحانه وتعالى لا يوصف بالتحيز لأنه لو كان متحيزا لم يخل إما أن يكون ساكنا في حيزه أو متحركا عنه، ولا يجوز أن يوصف بحركة ولا سكون ولا اجتماع ولا افتراق، ومن جاورَ أو باين فقد تناهى ذاتا والتناهي إذا اختص بمقدار استدعى مخصِصا، وكذا ينبغي أن يقال ليس بداخلٍ في العالم وليس بخارجٍ منه، لأن الدخول والخروج من لوازم المتحيزات فهما كالحركة والسكون وسائر الأعراض التي تختص بالأجرام .
وأما قولهم خلق الأماكن لا في ذاته فثبت انفصاله عنها، قلنا: ذاته المقدس لا يَقبل أن يـُخلَق فيه شئ ولا أن يحل فيه شئ، وقد حملهم الحس على التشبيه والتخليط، حتى قال بعضهم: إنما ذكَر الاستواء على العرش لأنه أقرب الموجودات إليه، وهذا جهل أيضا لأن قرب المسافة لا يتصور إلا في جسم، ويَعِزُّ علينا كيف يُنْسَبُ هذا القائل إلى مذهبنا.
واحتج بعضهم بأنه على العرش بقوله تعالى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [سورة فاطر] وبقوله: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [سورة الأنعام] وجعلوا ذلك فوقية حسية ونسوا أن الفوقية الحسية إنما تكون لجسم أو جوهر، وأن الفوقية قد تطلق لعلو المرتبة فيقال: فلان فوق فلان. ثم إنه كما قال- تعالى-: فَوْقَ عِبَادِهِ قال –تعالى وَهُوَ مَعَكُمْ، فمن حملها على العلم حمل خصمه الاستواء على القهر، وذهبت طائفة إلى أن الله تعالى على عرشه وقد ملأه والأشْبَه – أي على زعم هذه الطائفة المجسمة- أنه مماس للعرش والكرسي موضعُ قدميه. قلت: المماسة إنما تقع بين جسمين وما أبقى هذا في التجسيم بقية” انتهى كلام الحافظ ابن الجوزي ولقد أجاد وشفى وكفى.
وقال المفسر فخر الدين الرازي[23] [606هـ] ما نصه: “فلو كان علو الله تعالى بسبب المكان لكان علو المكان الذي بسببه حصل هذا العلو لله تعالى صفه ذاتية، ولكان حصول هذا العلو لله تعالى حصولا بتبعية حصوله في المكان، فكان علو المكان أتم وأكمل من علو ذات الله تعالى، فيكون علو الله ناقصا وعلو غيره كاملا وذلك محال” اهـ.
وقال أيضا عند تفسير ءاية الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى {5} [سورة طه] ما نصه[24]: “المسألة الثانية: المشبهة تعلقت بهذه الآية في أن معبودهم جالس على العرش وهذا باطل بالعقل والنقل من وجوه:
أحدها: أنه سبحانه وتعالى كان ولا عرش ولا مكان، ولما خلق الخلق لم يحتج إلى مكان بل كان غنيا عنه، فهو بالصفة التي لم يزل عليها إلا أن يزعم زاعم أنه لم يزل مع الله عرش.
وثانيها: أن الجالس على العرش لا بد وأن يكون الجزء الحاصل منه في يمين العرش غير الحاصل في يسار العرش، فيكون في نفسه مؤلفا مركبا، وكل ما كان كذلك احتاج إلى المؤلِف والـمركِب، وذلك محال.
وثالثها: أن الجالس على العرش إما أن يكون متمكنا من الانتقال والحركة أو لا يمكنه ذلك، فإن كان الأول فقد صار محل الحركة والسكون فيكون محدَثًا لا محالة، وإن كان الثاني كان كالمربوط بل كان كالزمن بل أسوأ منه فإن الزمن إذا شاء الحركة في رأسه وحدقته أمكنه ذلك وهو غير ممكن على معبودهم.
ورابعها: هو أن معبودهم إما أن يحصل في كل مكان أو في مكان دون مكان، فإن حصل في كل مكان لزمهم أن يحصل في مكان النجاسات والقاذورات وذلك لا يقوله عاقل، وإن حصل في مكان دون مكان افتقر إلى مخصص يخصصه بذلك المكان فيكون محتاجا وهو على الله محال” اهـ.
وقال الحافظ المحدث اللغوي الفقيه السيد محمد مرتضى الزبيدي الحنفي [1205هـ] عند شرح كلام الغزالي[25] : “الاستواء لو ترك على الاستقرار والتمكن لزم منه كون المتمكّن جسما مماسا للعرش: إما مثله أو أكبر منه أو أصغر، وذلك محال، وما يؤدي إلى المحال فهو محال” ما نصه[26]: “وتحقيقه أنه تعالى لو استقر على مكان أو حاذى مكانا لم يخل من أن يكون مثل المكان أو أكبر منه أو أصغر منه، فإن كان مثل المكان فهو إذًا متشكل بأشكال المكان حتى إذا كان المكان مربعًا كان هو مربعًا أو كان مثلثًا كان هو مثلثًا وذلك محال، وإن كان أكبر من المكان فبعضه على المكان، ويشعر ذلك بأنه متجزئ وله كلٌّ ينطوي على بعض وكان بحيث ينتسب إليه المكان بأنه رُبُعُه أو خـُمـُسُه، وإن كان أصغر من ذلك المكان بقدر لم يتميز عن ذلك المكان إلا بتحديد وتتطرق إليه المساحة والتقدير، وكل ما يؤدي إلى جواز التقدير على البارئ تعالى فتجوّزه[27] في حقه كفر من معتقِده، وكل من جاز عليه الكون بذاته على محل لم يتميز عن ذلك المحل إلا بكونٍ، وقبيحٌ وصف البارئ بالكون[28]، ومتى جاز عليه موازاة مكانٍ أو مماسته جاز عليه مبايـنُتُه- يعني مباينة مسافية -، ومن جاز عليه المباينة والمماسة لم يكن إلا حادثا، وهل علمنا حدوث العالم إلا بجواز المماسة والمباينة على أجزائه. وقصارى الجهلة قولهم :كيف يتصور موجودٌ لا في محل ؟ وهذه الكلمة تصدر عن بدع وغوائل لا يَعرِفُ غورها وقعرها إلا كلُّ غوَّاص على بحار الحقائق، وهيهات طلب الكيفية حيث يستحيل محال.
والذي يدحض شبههم أن يقال لهم: قبل أن يخلق العالم أو المكان هل كان موجودا أم لا؟ فمن ضرورة العقل أن يقول: بلى، فيلزمه لو صح قوله: لا يعلم موجودا إلا في مكان، أحد أمرين: إما أن يقول: المكان والعرش والعالم قديم، وإما أن يقول: الرب تعالى محدث، وهذا مال الجهلة الحشوية ليس القديم بالمحدث والمحدث بالقديم. ونعوذ بالله من الـحَيـْرة في الدين” اهـ.
وقال في موضع ءاخر ما نصه[29]: “وقال السبكي: صانع العالم لا يكون في جهة لأنه لو كان في جهة لكان في مكان ضرورةَ أنها المكان أو المستلزمة له، ولو كان في مكان لكان مُتحيزًا ولو كان مُتحيزًا لكان مُفتقرًا إلى حيزه ومكانه فلا يكون واجب الوجود وثبت أنه واجب الوجود وهذا خلف. وأيضًا فلو كان في جهة فإما في كل الجهات وهو محال وشنيع وإما في البعض فيلزم الاختصاص المستلزم للافتقار إلى المخصص المنافي للوجوب” اهـــ
وقال أيضا ما نصه[30]: “تنبيه :هذا المعتقد لا يخالف فيه بالتحقيق سُني لا محدث ولا فقيه ولا غيره ولا يجئ قط في الشرع على لسان نبي التصريح بلفظ الجهة، فالجهة بحسب التفسير المتقدم منفية معنـًى ولفظًا، وكيف لا والحق يقول: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ ولو كان في جهة بذلك الاعتبار لكان له أمثال فضلا عن مثل واحد” انتهى كلام الزبيدي.
وممن صرّح[31] بنفي الحد والجهة والمكان والجلوس والاستقرار على العرش في حق الله، من أئمة السلف والخلف:
الإمام جعفر الصادق [148هـ] عليه السلام فإنه قد قال:” من زعم أن الله في شيء، أو من شيء، أو على شيء، فقد أشرك، إذ لو كان على شيء لكان محمولا، ولو كان في شيء لكان محصورًا، ولو كان من شيء لكان محدثًا”[32].اهـ أي مخلوقا.
وقال الإمام أبو حنيفة [150هـ] رضي الله عنه في كتابه “الوصية”: “نقرّ بأن الله على العرش استوى من غير أن يكون له حاجة إليه واستقرار عليه، وهو الحافظ للعرش وغير العرش، فلو كان محتاجا لـمَا قدر على إيجاد العالم وتدبيره كالمخلوق، ولو صار محتاجا إلى الجلوس والقرار، فقبل خلق العرش أين كان الله تعالى، فهو منـزه عن ذلك علوا كبيرا [33]“اهـ.
ونص الإمام الشافعي [204هـ] على تكفير من يعتقد أن الله جالس على العرش.اهـ حكاه عن نصه القاضي حسين[34]
ونقله الإمام أحمد بن الرفعة المصري الشافعي [710هـ] في كتابه “كفاية النبيه شرح التنبيه”[35] .اهـ
وقال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه [241هـ] بتكفير من قال عن الله: جسم، ومن قال: جسم لا كالأجسام[36].اهـ
وقال الإمام أبو الحسن الأشعري [324هـ] رضي الله عنه في كتابه النوادر [37]: من اعتقد أن الله جسم فهو غير عارف بربه وإنه كافر به”.اهـ
وقال الإمام الأشعري: كان – الله- ولا مكان فخلق العرش والكرسي ولم يحتج إلى مكان وهو بعد خلق المكان كما كان قبل خلقه[38].اهـ رادا ما قالته النجارية إن البارئ سبحانه بكل مكان من غير حلول ولا جهة، وما قالته الحشوية والمجسمة إنه سبحانه حال في العرش وأن العرش مكان له وهو جالس عليه.
وقال إمام أهل السنة أبو منصور الماتُريدي [333هـ] رضي الله عنه في كتاب التوحيد ما نصه[39]: “إن الله سبحانه كان ولا مكان، وجائز ارتفاع الأمكنة وبقاؤه على ما كان، فهو على ما كان، وكان على ما عليه الآن، جلَّ عن التغيّر والزوال والاستحالة” اهـ. يعني بالاستحالة التحوّل والتطور والتغير من حال إلى حال وهذا منفيٌّ عن الله ومستحيل عليه سبحانه وتعالى.
وقال الإمام أبو منصور الماتريدي أيضا[40]: «ثم القول بالكون على العرش – وهو موضع- بمعنى كونه بذاته أو في كل الأمكنة لا يَعدو من إحاطة ذلك به أو الاستواء به أو مجاوزته عنه وإحاطته به. فإن كان الأوّلَ فهو إذًا محدودٌ محاطٌ منقوصٌ عن الخلق إذ هو دونه، ولو جاز الوصف له بذاته بما يحيط به من الأمكنة لجاز بما يحيط به من الأوقات فيصير متناهيًا بذاته مُقصّرًا عن خلقه. وإن كان على الوجه الثاني فلو زِيدَ على الخلق لا ينقص أيضًا وفيه ما في الأول. وإن كان على الوجه الثالث فهو الأمر المكروه الدال على الحاجة وعلى التقصير من أن ينشئ ما لا يفضل عنه مع ما يُذم ذا من فعل الملوك أن لا يفضل عنهم من المعامد شىء. وبعد، فإن في ذلك تجزئة بما كان بعضه في ذي أبعاض، وبعضه يفضل عن ذلك، وذلك كله وصف الخلائق، والله يتعالى عن ذلك. وبعد، فإنَّه ليس في الارتفاع إلى ما يعلو من المكان للجلوس أو القيامِ شرف ولا علو ولا وصف بالعظمة والكبرياء كمن يعلو السطوح أو الجبال إنه لا يستحق الرفعة على من دونه عند استواء الجوهر فلا يجوزُ صرف تأويل الآية إليه مع ما فيها من ذكر العظمة والجلال إذ ذكر في قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [سورة يونس] فدلَّك على تعظيم العرش أي شىء كان من نورٍ أو جوهرٍ لا يبلغه علم الخلق» اهـ.
وقال الإمام أبو عبد الله الحسين بن الحسن الحليمي الشافعي [403هـ] في كتاب المنهاج في شعب الإيمان ما نصه[41]: “وأما البراءة من التشبيه بإثبات أنه ـ تعالى ـ ليس بجوهر ولا عرض، فلأن قومًا زاغوا عن الحق فوصفوا البارىء جل ثناؤه ببعض صفات المحدَثين، فمنهم من قال: إنه جوهر، ومنهم من قال: إنه جسم، ومنهم من أجاز أن يكون على العرش كما يكون الملك على سريره، وكان ذلك في وجوب اسم الكفر لقائله كالتعطيل والتشريك. فإذا أثبت المثبت أنه ليس كمثله شىء، وجماع ذلك أنه ليس بجوهر ولا عرض فقد انتفى التشبيه، لأنه لو كان جوهرًا أو عرضًا لجاز عليه ما يجوز على سائر الجواهر والأعراض، ولأنه إذا لم يكن جوهرًا ولا عرضًا لم يجز عليه ما يجوز على الجواهر من حيث إنها جواهر كالتآلف والتجسم وشغل الأمكنة والحركة والسكون، ولا ما يجوز على الأعراض من حيث إنها أعراض كالحدوث وعدم البقاء” اهـ.
قال الإمام أبو الحسن علي بن خلف بن بطال [449هـ] في شرحه على صحيح البخاري[42]: لقيام الدليل على استحالة وصفه بأنه ذو جوارح وأعضاء. خلافًا لما تقوله المجسمة من أنه جسمٌ لا كالأجسام، واستدلوا على ذلك بهذه الآيات كما استدلوا بالآيات المتضمنة لمعنى الوجه واليدين، ووصفه لنفسه بالإتيان والمجئ والهرولة فى حديث الرسول، وذلك كله باطل وكفر من متأوله؛ لقيام الدليل على تساوى الأجسام فى دلائل الحدث القائمة بها واستحالة كونه من جنس المحدَثات.اهـ
وقال الحافظ الإمام أبو بكر البيهقي[458هـ] في كتابه “الاعتقاد” ما نصه[43]: “وفي الجملة يجب أن يُعلم أن استواء الله سبحانه وتعالى ليس باستواء اعتدال عن اعوجاج ولا استقرار في مكان، ولا مماسة لشيء من خلقه، لكنه مستو على عرشه كما أخبر بلا كيف بلا أين، بائن من جميع خلقه، وأن إتيانه ليس بإتيان من مكان إلى مكان، وأن مجيئه ليس بحركة، وأن نزوله ليس بنُقلة، وأن نفسه ليس بجسم، وأن وجهه ليس بصورة، وأن يده ليست بجارحة، وأن عينه ليست بحدقة، وإنما هذه أوصاف جاء بها التوقيف، فقلنا بها ونفينا عنها التكييف، فقد قال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ، وقال: وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ {4}، وقال: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا {65} “اهـ .
وقال في كتابه “شعب الإيمان”[44] ما نصه: “وأما البراءة من التشبيه بإثبات أنه ليس بجوهر ولا عرض، فلأنّ قوما زاغوا عن الحق، فوصفوا الباري – جل وعزّ – ببعض صفات المحدَثين. فمنهم من قال: إنه جوهر.ومنهم من قال: إنه جسم. ومنهم من أجاز أن يكون على العرش قاعدا، كما يكون الـمَلِك على سريره. وكلُّ ذلك في وجوب اسم الكفر لقائله كالتعطيل والتشريك.” اهـ
وذكر الشيخ الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي [476هـ] صاحب “التنبيه” عقيدة أهل الحق فقال في كتابه: “الإشارة إلى مذهب أهل الحق” [45]ما نصه:”أن الله عز وجل مستو على العرش، قال الله عز وجل: إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [سورة يونس]، وأن استواءه ليس باستقرار ولا ملاصقة لأن الاستقرار والملاصقة صفة الأجسام المخلوقة، والرب عز وجل قديم أزلي لا يجوز عليه التغيير ولا التبديل ولا الانتقال ولا التحريك، والعرش مخلوق لم يكن فكان، قال الله عز وجل: اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ {26} [النمل] فلو أن المراد بالاستواء الاستقرار والملاصقة، لأدى إلى تغيير الرب وانتقاله من حال إلى حال، وهذا محال في حق القديم “اهـ.
وقال إمام الحرمين عبد الملك الـجـُويني [ت478هـ]في كتابه الإرشاد[46]: «ثم الاستواء بمعنى الاستقرار بالذات ينبئ عن اضطراب واعوجاج سابق، والتزام ذلك كفر»اهـ.
قال الفقيه المتكلم أبو حامد الغزالي[505هـ] في كتابه إحياء علوم الدين[47] ما نصه: وأنه-تعالى- ليس بجسم مصور ولا جوهر محدود مقدر، وأنه لا يماثل الأجسام لا في التقدير ولا في قبول الانقسام، وأنه ليس بجوهر ولا تحله الجواهر، ولا بعرض ولا تحله الأعراض، بل لا يماثل موجودا ولا يماثله موجود، ليس كمثله شيء ولا هو مثل شيء، وأنه لا يحده المقدار، ولا تحويه الأقطار، ولا تحيط به الجهات، ولا تكتنفه الأرضون ولا السموات، وأنه مستو على العرش على الوجه الذي قاله وبالمعنى الذي أراده، استواء منزها عن المماسة والاستقرار والتمكن والحلول والانتقال، لا يـحمله العرش، بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته، ومقهورون في قبضته، وهو فوق العرش والسماء، وفوق كل شيء إلى تخوم الثرى فوقية لا تزيده قربا إلى العرش والسماء كما لا تزيده بعدا عن الأرض والثرى، بل هو رفيع الدرجات عن العرش والسماء كما أنه رفيع الدرجات عن الأرض والثرى، وهو مع ذلك قريب من كل موجود، وهو أقرب إلى العبد من حبل الوريد، وهو على كل شيء شهيد، إذ لا يماثل قربه قرب الأجسام كما لا يماثل ذاته ذات الأجسام، وأنه لا يحل في شيء ولا يحل فيه شيء، تعالى عن أن يحويه مكان كما تقدس عن أن يـحده زمان، بل كان قبل أن خلق الزمان والمكان وهو الآن على ما عليه كان، وأنه بائن عن خلقه بصفاته، ليس في ذاته سواه ولا في سواه ذاته، وأنه مقدس عن التغير والانتقال، لا تـحله الحوادث ولا تعتـريه العوارض.اهـ
وقال الإمام أبو المعين النسفي [508هـ] في كتابه بحر الكلام ما نصه[48]: الله تعالى كان قبل أن يخلق العرش فلا يجوز أن يقال بأنه انتقل وجهه إلى العرش، لأن الانتقال من صفات المخلوقين وأمارات المحدثين والله منزه عن ذلك، ولأن من قال بالاستقرار على العرش فلا يخلو إما أن يقول بأنه مثل العرش أو العرش أكبر منه، أو هو أكبر من العرش، وأيًا ما كان فقائله كافر، لأنه جعله محدودا.اهـ
وقال الإمام أبو القاسم الأنصاري النيسابوري [511هـ] شارح كتاب الإرشاد[49] لإمام الحرمين، بعد كلام في الاستدلال على نفي التحيز في الجهة عن الله تعالى ما نصه: «ثم نقول سبيل التوصل إلى دَركِ المعلومات الأدلة دون الأوهام، ورُب أمر يتوصل العقل إلى ثبوته مع تقاعد الوهم عنه، وكيف يدرِك العقل موجودًا يحاذي العرش مع استحالة أن يكون مثل العرش في القدر أو دونه أو أكبر منه، وهذا حكمُ كلّ مختص بجهة. ثم نقول الجوهر الفرد[50] لا يتصور في الوهم وهو معقول بالدليل، وكذلك الوقت الواحد والأزل والأبد، وكذلك الروح عند من يقول إنه جسم، ومن أراد تصوير الأرض والسماء مثلاً في نفسه فلا يتصور له إلا بعضها، وكذلك تصوير ما لا نهاية له من معلومات الله تعالى ومقدوراته، فإذا زالت الأوهام عن كثير من الموجودات فكيف يُطْلَبُ بها القديم سبحانه الذي لا تشبهه المخلوقات فهو سبحانه لا يُتصور في الوهم فإنه لا يُتصور إلا صورةٌ ولا يُتَقَدَّرُ إلا مُقَدَّرٌ، قال الله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ ومن لا مثل له لا يتمثل في الوهم، فمن عرفه عرفه بنعت جلاله بأدلة العقول وهي الأفعال الدالة عليه وعلى صفاته، وقد قيل في قوله تعالى وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى {42} إليه انتهى فكر من تفكَّر، هذا قول أبيّ بن كعب وعبد الرحمـن بن أنْعُم، وروى أُبيّ بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم «لا فِكْرَةَ في الرب»[51] وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إذا ذُكر الله تعالى فانتهوا»، وقال «تفكروا في الخلق ولا تتفكروا في الخالق».اهـ ثم قال: لا كيفية للأزلي ولا حيث لهُ وكذلك لا كيفية لصفاته.اهـ وقال: ” من لا جهة له لا يشار إليه بالجهة ومن لا مثل له لا إيضاح له بالمثال، ومن لا أَشْكَالَ له فلا إشْكَال فيه. اهـ
وقال الإمام أبو الوفاء علي بن عقيل البغدادي شيخ الحنابلة في زمانه [513هـ] ما نصه[52]: “تعالى الله أن يكون له صفة تشغل الأمكنة، هذا عين التجسيم، وليس الحق بذي أجزاء وأبعاض فيعالج بها” اهـ.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي الأندلسي [ت543هـ] في كتابه “عارضة الأحوذي” [53] في الرد على المبتدعة الذين يزعمون أن الله في جهة فوق العرش: “قالوا – أي هؤلاء المبتدعة – وحجتهم ظاهر قول الله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى {5} [سورة طه] قلنا: وما العرش في العربية ؟ وما الاستواء ؟ قالوا: كما قال الله تعالى: لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ [سورة الزخرف] قلنا: إن الله، تعالى أن يمثل استواؤه على عرشه باستوائنا على ظهور الركاب، قالوا: وكما قال: وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ [سورة هود] قلنا: تعالى الله أن يكون كالسفينة جرت حتى لمست فوقفت، قالوا: وكما قال: فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ [سورة المؤمنون] قلنا: معاذ الله أن يكون استواؤه كاستواء نوح وقومه لأن هذا كله استواء مخلوق بارتفاع وتمكن في مكان واتصال ملامسة، وقد اتفقت الأمة مِن قبل سماع الحديث ومن بعده على أنه ليس استواؤه على شئ من ذلك، فلا يضرب له المثل بشئ من خلقه، قالوا: قال الله عز وجل: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [سورة السجدة]، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء [سورة البقرة ] قلنا: تناقضت تارة تقول إنه على العرش فوق السماء ثم تقول إنه في السماء لقوله: أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء [سورة الملك] وقلتَ إنَّ معناه على السماء…” اهـ، إلى ءاخر كلامه في الرد على من أثبت الجهة.
ثم قال: “والذي يجب أن يعتقد في ذلك أن الله كان ولا شىء معه ثم خلق المخلوقات من العرش إلى الفرش فلم يتعين بها ولا حدث له جهة منها ولا كان له مكان فيها فإنه لا يـَحُول ولا يزول، قدوس لا يتغير ولا يستحيل. وللاستواء في كلام العرب خمسة عشر معنى ما بين حقيقة ومجاز، منها ما يجوز على الله فيكون معنى الآية ومنها ما لا يجوز على الله بحال وهو ما إذا كان الاستواء بمعنى التمكن أو الاستقرار أو الاتصال أو المحاذاة فإن شيئا من ذلك لا يجوز على البارئ تعالى ولا يضرب له الأمثال في المخلوقات، وإما أن لا يُفَسَّر كما قال مالك وغيره إن الاستواء معلوم يعني مورده في اللغة” اهـ، ثم قال: “فتحصل لك من كلام إمام المسلمين أن الاستواء معلوم وأن ما يجوز على الله غير متعين وما يستحيل عليه هو منزه عنه” اهـ
وقال الإمام العارف بالله السيد أحمد الرفاعي [578هـ] في كتابه البرهان المؤيد ما نصه[54]:”وطهِّروا عقائدكم من تفسير معنى الاستواء في حقه تعالى بالاستقرار، كاستواء الأجسام على الأجسام المستلزم للحلول، تعالى الله عن ذلك. وإياكم والقول بالفوقية والسُّفْلية والمكان واليد والعين بالجارحة، والنزول بالإتيان والانتقال، فإن كل ما جاء في الكتاب والسنة مما يدل ظاهره على ما ذُكر فقد جاء في الكتاب والسنة مثله مما يؤيد المقصود” اهـ.
وقال الإمام الزاهد شيخ المشايخ أبو مدين شعيب الأندلسي[594هـ] في عقيدته[55]: الحمد لله الذي تنـزه عن الحد والأين والكيف والزمان والمكان المتكلم بكلام قديم أزلي صفة من صفاته قائم بذاته لا منفصل عنه ولا عائد إليه ولا يحُل في المحدثات ولا يجانس المخلوقات ولا يوصف بالحروف والأصوات تنـزَّهت صفات ربنا عن الأرض والسمـٰوات. اللهم إنّا نُوَحِّدُك ولا نَحُدُّك ونؤمن بك ولا نكَيِّفُك ونعبدك ولا نُشَبِّهُك ونعتقد أن من شبهك بخلقك لم يعرف الخالق من المخلوق اﻫ وقال فيها: القُدُّوس على العرش استوى من غير تمكن ولا جلوس. اﻫ وقال: العرش له حدٌّ ومقدار والرب لا تدركه الأبصار. العرش تُكَيِّفُه خواطر العقول وتصفه بالعرض والطول وهو مع ذلك محمول وهو الذي لا يحول ولا يزول. العرش بنفسه هو المكان وله جوانب وأركان، وكان الله ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان ليس له تحتٌ فيُقِلَّه ولا فوقٌ فيُظِلَّه ولا جوانب فتعدله ولا خلْف فيسنده ولا أمام فيحده.اﻫ
وقال الحافظ عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي [ت597هـ] في كتابه “دفع شبه التشبيه” ما نصه[56]: “الخالق سبحانه وتعالى لا يجوز أن يوصف بالجلوس على شئ فيفضل من ذلك الشئ لأن هذه صفة الأجسام” اهـ.
وقال الفخر الرازي [606 هـ]في تفسيره ما نصه[57]: “أما قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ {54} [سورة الأعراف] فاعلم أنه لا يمكن أن يكون المراد منه كونه مستقِرا على العرش، ويدل على فساده وجوه عقلية ووجوه نقلية، أما العقلية فأمور أولها: أنه لو كان مستقرا على العرش لكان من الجانب الذي يلي العرش متناهيا وإلا لزم كون العرش داخلا في ذاته وهو محال، وكل ما كان متناهيا فإن العقل يقضي بأنه لا يمنع أن يصير أزيد منه أو أنقص منه بذرة، والعلم بهذا الجواز ضروري. فلو كان البارئ تعالى متناهيا من بعض الجوانب لكان ذاته قابلا للزيادة والنقصان، وكل ما كان كذلك كان اختصاصه بذلك المقدار المعين بتخصيص مخصص وتقدير مقدّر، وكل ما كان كذلك فهو محدَث، فثبت أنه تعالى لو كان على العرش لكان من الجانب الذي يلي العرش متناهيا، ولو كان كذلك لكان محدثا وهذا محال، فكونه على العرش يجب أن يكون محالا” اهـ.
وقال الشيخ عز الدين عبد العزيز عبد السلام [660هـ] في عقيدته المشهورة التي رد بها على مجسمة عصره ما نصه[58]: “استوى على العرش المجيد على الوجه الذي قاله وبالمعنى الذي أراده، استواءا منزها عن المماسة والاستقرار والتمكن والحلول والانتقال، فتعالى الله الكبير المتعال عما يقول أهل الغي والضلال، بل لا يحمله العرش، بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته” اهـ.
وكان هؤلاء المجسمة يكرهون الشيخ عز الدين لأنه كان من الأشاعرة -والوهابية كذلك يكرهون الأشاعرة ويضللونهم – والأشاعرة هم أتباع الإمام أبي الحسن الأشعري وهم والماتريدية أتباع الإمام أبي منصور الماتريدي أهل السنة والجماعة جمهور أمة محمد صلى الله عليه وسلم [59]، فصاروا أي المشبهة يحرضون السلطان الأشرف ضد الشيخ فإنه كانت لهم صلة به، فقد صحبهم السلطان في صغره، وعلم بذلك الشيخ العلامة جمال الدين أبو عمرو بن الحاجب المالكي وكان عالم مذهبه في زمانه، فقام بنصرة الحق وأهله وقال[60]: “ما قاله ابن عبد السلام هو مذهب أهل الحق وأن جمهور السلف والخلف على ذلك ولم يخالفهم فيه إلا طائفة مخذولة” اهـ.
ولم تخمد هذه الفتنة بل ظل المجسمة يعيثون في الأرض فسادا حتى علم الشيخ العلامة جمال الدين الحصيري شيخ الحنفية في زمانه بما جرى للشيخ عز الدين وكيف أن المجسمة استنصروا على أهل السنة وعلت كلمتهم بحيث إن المجسمة صاروا إذا خلوا بأهل السنة أي الأشاعرة في المواضع الخالية يسبونهم ويضربونهم ويذمونهم – وكذا الوهابية اليوم يذمون الأشاعرة ويسبونهم ويكفرونهم – فاجتمع بالسلطان وتكلم معه في بيان عقيدة أهل السنة من أن الله منزه عن الاستقرار ولا يشبهه شئ وأن كلام الله ليس بحرف ولا صوت، فانكسرت المبتدعة بعض الانكسار، ولم يزل الأمر مستمرا على ذلك إلى أن اتفق وصول السلطان الملك الكامل رحمه الله تعالى من الديار المصرية وكان اعتقاده صحيحا، وكان وهو بالديار المصرية قد سمع ما جرى في دمشق للشيخ، فرام الاجتماع بالشيخ ابن عبد السلام فاعتذر إليه، وعاتب السلطان الأشرف على ما صدر منه، وهكذا ذلت رقاب المبتدعة وانقلبوا خائنين وعادوا خاسئين، وكان ذلك على يد السلطان الملك الكامل، واعتذر السلطان الأشرف من الشيخ وقال[61]: “لقد غلطنا في حق ابن عبد السلام غلطة عظيمة” اهـ .
فصار يطلب أن يُقرأ عليه العقيدة التي أملاها الشيخ ابن عبد السلام ويأمر بقراءتها في المجالس العامة لتعم الفائدة .
فرحم الله تعالى من عمل على نشر عقيدة أهل الحق ودافع عنها فإنها رأس مال المؤمن التي يدخرها لآخرته.
وقال الشيخ إسماعيل بن إبراهيم الشيباني الحنفي [629هـ] ما نصه: «فكان القول بالمكان والتمكن ردا لهذا النص المحكم: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ {11} الذي لا احتمال فيه، وردّ مثله يكون كفرا»[62]اهـ.
وقال الإمام أحمد بن عليّ الرازي الحنفي في كتابه شرح بدء الأمالي:[63] وقالت الـمُشبّهة والكرامية: (عن الله) هو جسم لا كالأجسام، كما يُقال هو شيء لا كالأشياء. قلنا: الله تعالى مُنزّه عن الشبيه والنظير. والجسم اسم لذات الصورة، والله تعالى لا صورة له، وهو خالق الصورة لقوله تعالى: وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ {64} (غافر:64) وكلّ ما تصوّر في وهم فالله تعالى بخلافه اهـ.
وقال الإمام أبو علي السكوني الإشبيلي [ت717هـ] في كتاب”أربعون مسألة في أصول الدين”[64]: فمن قال أطرد الشاهد غائبا من غير رابط يجمع بينهما فقد ألحد في دين الله، لأنه يقول لـم أعرف موجودا في الشاهد إلا في جهة، والبارىء تعالى موجود فهو في جهة، فهذا كفر، لأنه طرد من غير شرط”اهـ
وقد قال المفسر اللغوي أبو حيان الأندلسي [745هـ] في تفسيره ما نصه[65]: “وأما استواؤه تعالى على العرش فحَمَلَه على ظاهره من الاستقرار بذاته على العرش قوم، تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا” اهـ.
وقال الحافظ الفقيه اللغوي تقي الدين السبكي[756هـ] في “السيف الصقيل” ما نصه[66]:”ومن أطلق القعود وقال: إنه لم يرد صفات الأجسام، قال شيئا لم تشهد به اللغة فيكون باطلا وهو كالمقر بالتجسيم المنكر له فيؤاخذ بإقراره ولا يفيد إنكاره” اهـ.
وقال الذهبي [748هـ] في كتابه “الكبائر” ما نصه[67]: “ولو قال إن الله جلس للإنصاف أو قام للإنصاف كفر”اهـ.
وقال الإمام سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الأنصاري الشافعيِّ المعروف بـ ابن الـمُلقن [804هـ] في كتابه “التوضيح لشرح الجامع الصحيح”[68]: لقيام الدليل على استحالة وصفه بأنه ذو جوارح وأعضاء. تعالى عن ذلك، خلافًا لما تقوله المجسمة من أنه جسمٌ لا كالأجسام، واستدلوا على ذلك بهذه الآيات كما استدلوا بالآيات المتضمنة لمعنى الوجه واليدين، ووصفه لنفسه بالإتيان والمجئ والهرولة فى حديث الرسول، وذلك كله باطل وكفر من متأوله؛ لقيام الدليل على تساوى الأجسام فى دلائل الحدث القائمة بها واستحالة كونه من جنس المحدَثات.اهـ
وقال الشيخ تقي الدين الحصني[829هـ] في كتابه “دفع شبه من شبه وتمرد ونسب ذلك إلى السيد الجليل أحمد ” ما نصه[69]:”فإن الفوقية بإعتبار المكان لا تكون بالضرورة إلا في الأجرام والأجسام مركبة كانت أو بسيطة، والرب سبحانه وتعالى منزه عن ذلك إذ هو من صفات الحدث”اهـ.
وقال الشيخ تقي الدين الحصني[70]: “الكيف من صفات الحدث، وكل ما كان من صفات الحدث فالله عز وجل منزه عنه، فإثباته له سبحانه كفر محقق عند جميع أهل السنة والجماعة“اهـ
وقال الشيخ تقي الدين الحصني في كتابه كفاية الأخيار[71]: «إلا أن النووي جزم في صفة الصلاة من شرح المهذب بتكفير المجسمة[72]، قلت: وهو الصواب الذي لا محيد عنه، إذ فيه مخالفة صريح القرءان، قاتل الله المجسمة والمعطلة، ما أجرأهم على مخالفة من لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {11} وفي هذه الآية رد على الفرقتين»اهـ.
وقال الكمال بن الهمام الحنفي[861هـ] في “فتح القدير”[73] عمن قال عن الله جسم لا كالأجسام: وقيل يكفر بمجرد الإطلاق أيضا وهو حسن بل هو أولى بالتكفير”اهـ
وقال شهاب الدين أحمد بن إسماعيل الكوراني[893هـ] في كتابه الدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع[74]: شارحا عبارة: “ولا نكفر أحدا من أهل القبلة”، ما نصه: “أقول هذا كلام قد اشتهر بين الناس، ونقل عن الأئمة مثل الشافعي وأبي حنيفة، وليس على إطلاقه؛ إذ المجسم كافر، وإن صام وصلى”.اهـ
وقال الحافظ السيوطي [911هـ] في الأشباه والنظائر[75]: “قاعدة: قال الشافعي: لا يكفر أحد من أهل القبلة، واستثنى من ذلك المجسم، ومنكر علم الجزئيات “اهـ.
وقال الإمام المحدث محمد بن علي بن عراق الكناني الشافعي (933هـ): اللهم إنا نوحدك ولا نحدك، ونؤمن بك ولا نكيفك، جل ربنا وعلا تبارك وتعالى، حياته ليس لها بداية فالبداية بالعدم مسبوقة، قدرته ليس لها نهاية فالنهاية بالتحقيق ملحوقة، إرادته ليست بحادثة فالحادثة بالأضداد مطروقة، سمعه ليس بجارحة فالجارحة مخروقة، بصره ليس بحدقة فالحدقة مشقوقة، علمه ليس بكسبي فالكسبي بالتأمل والاستدلال بعلم، ولا بضروري فالضرورة على الإرادة والإلزام تلزم، كلامه ليس بصوت فالأصوات توجد وتُعدم، ولا بحرف فالحروف تُؤخّر وتُقدّم، ذاته ليست بـجوهر، فالجوهر بالتحيّز معروف، ولا بعرَض فالعرض باستحالة البقاء موصوف، ولا بجسم فالجسم بالجهات محفوف، هو الله الذي لا إله إلاّ هو الملك القدّوس على العرش استوى من غير تمكّن ولا جلوس، لا العرش له من قِبَل القرار ولا الاستواء من جهة الاستقرار، العرش له حدٌّ ومقدار، والربُّ لا تُدركه الأبصار، العرش تُكيّفه خواطر العقول وتصفه بالعرض والطول، وهو مع ذلك محمول، والقديم لا يـحول ولا يزول، العرش بنفسه هو المكان، وله جوانب وأركان، وكان الله ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان. جَلَّ عن التشبيه والتقدير والتكييف والتغيير والتأليف والتصوير. ليس كمثله شىء وهو السميع البصير.اهـ[76]
وقال الشيخ ابن حجر الهيتمي [947هـ] في “المنهاج القويم” ما نصه[77]: “واعلم أن القرافي وغيره حكوا عن الشافعي ومالك واحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم القول بتكفير القائلين بالجهة والتجسيم وهم حقيقون بذلك”اهـ أي جديرون بالحكم عليهم بالكفر.
وقال الشيخ ملا علي القاري الحنفي[1014هـ]في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ما نصه[78]:” بل قال جمع منهم -أي من السلف- ومن الخلف إن معتقد الجهة كافر كما صرح به العراقي، وقال: إنه قول لأبي حنيفة ومالك والشافعي والأشعري والباقلاني”.اهـ
وقال الشيخ عبد الرؤوف المناوي[1031هـ] في كتابه “فيض القدير” ما نصه[79]:” أما من كُفِّر بـها (ببدعته) كمنكر العلم بالجزئيات، وزاعم التجسيم أو الجهة أو الكون أو الاتصال بالعالم أو الانفصال عنه فلا يوصف عمله بقبول ولا رد لأنه أحقر من ذلك”.اهـ
وقال المحقق عبد الرحمن بن محمد بن سليمان الكيلوبي [1078هـ] في “مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر”[80]: “ويكفر بقوله: الله تعالى جلس للانصاف أو قام به، لأنه وصف الله تعالى بالقيام والقعود، وبوصفه تعالى بالفوق والتحت” اهـ.
وقال محمد بدر الدين بن بلبان الحنبلي الدمشقي[1083هـ] في كتابه “مختصر الإفادات في ربع العبادات والآداب وزيادات” ما نصه[81]: “ويجب الجزم بأنه سبحانه ليس بجوهر ولا جسم ولا عرَض لا تـُحله الحوادث ولا يـحل في حادث ولا ينحصر فيه، فمن اعتقد أو قال إن الله بذاته في كل مكان أو في مكان فكافر. فيجب الجزم بأنه سبحانه بائن من خلقه، فالله تعالى كان ولا مكان، ثم خلق المكان وهو كما كان قبل خلق المكان، ولا يعرفُ بالحواس، ولا يقاس بالناس، ولا مدخل في ذاته وصفاته للقياس، لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا، فهو الغني عن كل شىء، ولا يستغني عنه شىء، ولا يشبه شيئا ولا يشبهه شىء، فمن شبَّهه بشىء من خلقه فقد كفر كمن اعتقده جسمًا أو قال إنه جسم لا كالأجسام، فلا تبلغه سبحانه الأوهام ولا تدركه الأفهام ولا تضرب له الأمثال”.اهـ
وقال الشيخ عبد الغني النابلسي الحنفي [1143هـ] في “الفتح الرباني”[82]: ما نصه :” وأما أقسام الكفر فهي بحسب الشرع ثلاثة أقسام ترجع جميع أنواع الكفر إليها، وهي: التشبيه، والتعطيل، والتكذيب. وهي أصول ثلاثة من أصول الكفر، لا يدخل الإنسان في مرتبة عوام المسلمين إلا بعد تبرئته منها ظاهرا وباطنا، ومن وجد عنده شىء منها، فليعلم أنه كافر وليس مؤمنا، ولا يغره بالله الغرور. النوع الأول: التشبيه: التشبيه هو الاعتقاد بأن الله تعالى يشبه شيئًا من خلقه، كالذين يعتقدون أن الله تعالى جسمٌ فوق العرش، أو يعتقدون أن له يدَين بمعنى الجارحتين، وأن له الصورة الفلانية أو على الكيفية الفلانية، أو أنه نور يتصوره العقل، أو أنه في السماء (بذاته)، أو في جهة من الجهات الست، أو أنه في مكان من الأماكن، أو في جميع الأماكن، أو أنه ملأ السموات والأرض، أو أنَّه له الحلول في شىء من الأشياء، أو في جميع الأشياء، أو أنه متحد بشىء من الأشياء، أو في جميع الأشياء، أو أن الأشياء منجلية منه، أو شيئًا منها. وجميع ذلك كفر صريح والعياذ بالله تعالى، وسببه الجهل بمعرفة الأمر على ما هو عليه” اهـ.
وجاء في كتاب الفتاوى الهندية[83] في مذهب الإمام أبي حنيفة، (قام بتأليفها جماعة من علماء الهند برئاسة الشيخ نظام الدين البلخي) ما نصه:”يكفر بإثبات المكان لله تعالى”، وفيه: ويكفر بقوله الله تعالى جلس للانصاف أو قام له بوصفه الله تعالى بالفوق والتحت كذا في البحر الرائق.اهـ
وقال شيخ الجامع الأزهر سليم البِشْري [1335هـ]ما نصه[84]: «مذهب الفرقة الناجية وما عليه أجمع السُّنّيون أن الله تعالى منـزه عن مشابهة الحوادث، مخالف لها في جميع سمات الحدوث ومن ذلك تنـزهه عن الجهة والمكان كما دلت على ذلك البراهين القطعية. ثم قال: من اعتقد أنه – تعالى- جسم أو أنه مماس للسطح الأعلى من العرش وبه قالت الكرامية واليهود وهؤلاء لا نزاع في كفرهم »اهـ.
وقال الشيخ محمود بن محمد بن أحمد خطاب السبكي المصري[1352هـ]ما نصه[85]: “سألني بعض الراغبين في معرفة عقائد الدين والوقوف على مذهب السلف والخلف في المتشابه من الآيات والأحاديث بما نصه: ما قول السادة العلماء حفظهم الله تعالى فيمن يعتقد أن الله عز وجل له جهة، وأنه جالس على العرش في مكان مخصوص، ويقول: ذلك هو عقيدة السلف، ويحمل الناس على أن يعتقدوا هذا الاعتقاد، ويقول لهم: من لم يعتقد ذلك يكون كافرًا مستدلا بقوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى {5} ، وقوله عز وجل: أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء {16}، أهذا الاعتقاد صحيح أم باطل؟ وعلى كونه باطلا أيكفر ذلك القائل باعتقاده المذكور ويبطل كل عمله من صلاة وصيام وغير ذلك من الأعمال الدينية وتبين منه زوجه، وإن مات على هذه الحالة قبل أن يتوب لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، وهل من صدّقه في ذلك الاعتقاد يكون كافرًا مثله…..؟ فأجبت بعون الله تعالى، فقلت: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الهادي إلى الصواب، والصلاة والسلام على من أوتي الحكمة وفصل الخطاب، وعلى ءاله وأصحابه الذين هداهم الله ورزقهم التوفيق والسداد. أما بعد: فالحكم أن هذا الاعتقاد باطل ومعتقده كافر بإجماع من يعتد به من علماء المسلمين، والدليل العقلي على ذلك قِدَم الله تعالى ومخالفته للحوادث، والنقلي قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ {11}، فكل من اعتقد أنه تعالى حلّ في مكان أو اتصل به أو بشىء من الحوادث كالعرش أو الكرسي أو السماء أو الأرض أو غير ذلك فهو كافر قطعًا، ويبطل جميع عمله من صلاة وصيام وحج وغير ذلك، وتبين منه زوجه، ووجب عليه أن يتوب فورًا، وإذا مات على هذا الاعتقاد والعياذ بالله تعالى لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، ومثله في ذلك كله من صدَّقه في اعتقاده أعاذنا الله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. وأما حمله الناس على أن يعتقدوا هذا الاعتقاد المكفر، وقوله لهم: من لم يعتقد ذلك يكون كافرًا، فهو كفر وبهتان عظيم”اهـ.
ثم قال الشيخ محمود محمد خطاب السبكي عقب هذه الفتوى[86]: «هذا وقد عرضت هذه الإجابة على جمع من أفاضل علماء الأزهر فأقروها، وكتبوا عليها أسماءهم، وهم أصحاب الفضيلة: الشيخ محمد النجدي شيخ السادة الشافعية. والشيخ محمد سبيع الذهبي شيخ السادة الحنابلة. والشيخ محمد العربي رزق المدرس بالقسم العالي. والشيخ عبد الحميد عمار المدرس بالقسم العالي. والشيخ علي النحراوي المدرس بالقسم العالي. والشيخ دسوقي عبد الله العربي من هيئة كبار العلماء. والشيخ علي محفوظ المدرس بقسم التخصص بالأزهر. والشيخ إبراهيم عيارة الدلجموني المدرس بقسم التخصص بالأزهر. والشيخ محمد عليان من كبار علماء الأزهر. والشيخ أحمد مكي المدرس بقسم التخصص بالأزهر. والشيخ محمد حسين حمدان”اهـ.
وقال أيضا[87]:” فمن اعتقد أنه سبحانه وتعالى يشبه شيئا من الحوادث كالجلوس في مكان أو التحيز في جهة فهو ضال مضل كافر بالله عز وجل، نسأله تعالى السلامة من سوء الاعتقاد”.اهـ
وقال أيضا[88]: “فقد علمت مما ذكره أولئك الأئمة المحققون من الأدلة والبراهين النقلية والعقلية أن الله عز وجل لا جهة له ولا مكان ولا يمر عليه زمان، إذ هو تعالى مخالف للحوادث. وردهم على أصحاب العقائد الزائغة المكفرة المعقدة أن الله تعالى جسم جلس على العرش أو حل في السماء، إلى غير ذلك من الكفر الصريح أجارنا الله تعالى من الضلال والإضلال وأهلهما. (فمن) اعتقد أنه سبحانه وتعالى يشبه شيئا من الحوادث كالجلوس في مكان أو التحيز في جهة (فهو) ضال مضل كافر بالله عز وجل. نسأله تعالى السلامة من سوء الاعتقاد والتوفيق للعقائد الحقة التي ترضيه عز وجل”اهـ
وقال أيضا[89] عن عقيدة السلف والخلف: “اعتقادهم واحد وهو أن الآيات والأحاديث المتشابهات مصروفة عن ظاهرها الموهم تشبيهه تعالى بشىء من صفات الحوادث وأنه سبحانه وتعالى مخالف للحوادث، فليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ولا مستقر على عرش ولا في سماء ولا يمر عليه زمان وليس له جهة إلى غير ذلك من نعوت المخلوقين، فمن اعتقد وصفه تعالى بشىء منها فهو كافر بإجماع السلف والخلف”اهـ.
وذكر الشيخ محمد زاهد الكوثري [1371هـ] في مقالاته[90]: “أن القول بإثبات الجهة له تعالى كفر عند الأئمة الأربعة هداة الأمة كما نقل عنهم العراقي على ما في “شرح المشكاة” لعلي القاري” اهـ.
وذكر الشيخ المحدث محمد زاهد الكوثري في تعليقه[91] على كتاب الأسماء والصفات للإمام البيهقي: قال القاضي أبو بكر ابن العربي في العواصم من القواصم: فلما قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى {5} كان المطلوب هنا ثلاثة معان: معنى (الرحمن)، ومعنى (استوى)، ومعنى (العرش). فأما (الرحمن) فمعلوم لا خلاف فيه ولا كلام. وأما (العرش) فهو في العربية لمعان فأيها تريدون؟ ولفظ (استوى) معه محتمل لخمسة عشر معنى في اللغة فأيها تريدون، أو أيها تدعون ظاهرًا منها؟ ولِـمَ قلتم إن العرش ههنا المراد به مخلوق مخصوص؟ فادعيتموه على العربية والشريعة؟ ولم قلتم إن معنى استوى قعد أو جلس فتحكمون باتصاله به ثم تقولون إنه أكبر منه من غير ظاهر، ولم يكن عظيما بقدر جسمي حتى تقولوا إنه أكبر أجزاء منه؟ ثم تحكمهم بأنه أكبر منه بأربع أصابع، تحكم لا معنى له.اهـ
وقال المحدث ابن المعلم في نجم المهتدي: اعلم أرشدنا الله وإياك أن العلماء انقسموا في تأويل الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى {5} قسمين: فريق أوّل التركيب، وفريق أوّل الإفراد، وهؤلاء على قسمين قسم أوّل استوى، وقسم أوّل العرش، ثم سرد ابن المعلم تلك المعاني الخمسة عشر عازيا كل معنى منها إلى قائله من الأئمة كالأشعري، وأبي منصور، وأبي إسحاق الأسفرايني، وعبد القاهر التميمي، وأبي جعفر السمناني، وإمام الحرمين وغيرهم. وتلك المعاني نحو الملك واستئثار الملك، واستواء الحكم، والاستيلاء المجرد عن معنى المغالبة، والإقبال، والقصد، والإتقان، وعلو العظمة، والعزة، وعلو القهر والغلبة، إلى غير ذلك من المعاني المذكورة في الجزء الخامس من نجم المهتدي. ثم قال ابن المعلم: فقد ظهر لكم، أيدكم الله هذه التأويلات، فأيها ترجح عندكم فاحملوا اللفظ عليه، فإن الظاهر منفي بإجماع علماء السنة، فلله الحمد على اتباعهم. اهـ. ما نقله الكوثري
وقال العلامة المحدث الفقيه الشيخ عبد الله الهرري[1429هـ] في كتابه “المقالات السنية” ما نصه [92]: “قولهم إن استواء الله على العرش جلوس لكن لا كجلوسنا ويستشهدون لذلك بقول بعض الأئمة” لله وجه لا كوجوهنا ويد لا كأيدينا وعين لا كأعيننا”. والجواب عنه: أن الجلوس في لغة العرب لا يكون إلا من صفات الأجسام، فالعرب لا تطلق الجلوس إلا على اتصال جسم بجسم على أن يكون أحد الجسمين له نصفان نصف أعلى ونصف أسفل، وليس للجلوس في لغة العرب معنى إلا هذا، وهم في هذا أثبتوا – أي الوهابية – الجسمية لله وبعض صفاتها ولا يجوز ذلك على الله لأنه لو كان كذلك لكان له أمثال لا تحصى، فالجلوس يشترك فيه الإنسان والجن والملائكة والبقر والكلب والقرد والحشرات وإن اختلفت صفات جلوسهم.
ويقال لهم: أما الوجه واليد والعين فليست كذلك فإن الوجه في لغة العرب يطلق على الجسم وعلى غير الجسم، والوجه بمعنى الجسم هو هذا الجزء الذي هو مركب في ابن ءادم وفي سائر ذوات الأرواح. وأما معنى الوجه الذي هو غير هذا الجزء في لغة العرب فمنه الـمُلك كما فسر البخاري في جامعه[93] قوله تعالى: كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ {88} [سورة القصص] قال: “إلا مُلكه” اهـ، ويطلق الوجه إذا أضيف إلى الله بمعنى ما يقرب إلى الله من الأعمال كالصلاة والصيام وسائر الأعمال الصالحة. ويطلق على الذات، والذات بالنسبة إلى المخلوقين الـجِرم الكثيف أو اللطيف كحجم الإنسان وحجم النور والريح هذا معنى الذات في المخلوق، أما الذات إذا أضيف إلى الله فمعناه حقيقته لا بمعنى الحجم الكثيف أو اللطيف، وأما اليد فلها في لغة العرب معان منها ما هو أجرام وأجسام ومنها ما هو غير الأجرام، فاليد تأتي بمعنى الجارحة التي هي مركبة في الإنسان وفي البهائم، وتأتي بمعنى غير الجرم كالقوة، وتأتي بمعنى العهد. وأما العين فتطلق في لغة العرب على الجرم كعين الإنسان والحيوانات، وتطلق على الذهب، وتطلق على الجاسوس، وتطلق على الماء النابع، وتطلق بمعنى الحفظ. وبهذا بان الفرق بين الجلوس وبين الوجه واليد والعين .
فلما كانت هذه الألفاظ الثلاثة واردة في القرءان مضافة إلى الله كان لها معان غير الجسم وصفات الجسم، فأراد أبو حنيفة وغيره من الذين أطلقوا هذه العبارة “لله وجه لا كوجوهنا ويد لا كأيدينا وعين لا كأعيننا” معاني هذه الألفاظ الثلاثة التي هي غير الجسم ولا هي صفة جسم مما يليق بالله كالقوة والملك والذات والحفظ كما قال المفسرون في تفسير قول الله تعالى: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي {39} [سورة طه] قالوا: على حفظي.
ولهم – أي الوهابية – تمويه ءاخر وهو قولهم: “نثبت لله ما أثبت لنفسه وننفي عنه ما نفى عن نفسه”، يقال لهم: أنتم على عكس الحقيقة تثبتون لله الجسمية والحركة والسكون والتحيز في جهة أو مكان وهذا شئ نفاه الله عن نفسه بقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ {11} [سورة الشورى] تدعون أن قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى {5} [سورة طه] أنه جلوس على العرش والجلوس صفة للإنسان والجن والملائكة والبقر وسائر البهائم والكلاب والقرود وهذا تنقيص لله تعالى، أما الذي تنكرونه وهو تفسير الاستواء بالقهر فهو شىء أثبته الله لنفسه بقوله: وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ {16} [سورة الرعد]. لذلك جرت عادة المسلمين أن يسموا أولادهم عبد القاهر ولم يسم أحد من المسلمين عبد الجالس. ويقال لهم: أثبت الله لنفسه الاستواء الذي يليق به وهو القهر وفي معناه الاستيلاء. وقد قال شارح القاموس وأبو القاسم الأصبهاني اللغوي المشهور في “مفردات القرءان” إن الاستواء إذا عدي بعلى كان معناه الاستيلاء[94]، ولا معنى لقول ابن الأعرابي[95] إن الاستيلاء لا يكون إلا عن سبق مغالبة[96]، فإنكم قد خرجتم عن الاستواء اللائق لله تعالى وعمدتم إلى الاستواء الذي هو لا يليق به وهو الجلوس”. انتهى كلام الشيخ الهرري .
قلت: نعم عدلوا عن تأويل الاستواء بالمعنى اللائق بالله وهو القهر، إلى المعنى المستحيل شرعا وعقلا على الله تعالى، وهو الجلوس والاستقرار والمحاذاة[97]، وهذا من مسخ القلوب. قال تعالى: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ {23} أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءانَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا {24} [سورة محمد23-24]
ويريدون من أهل الإسلام ترك ما كان عليه النبي الكريم وأصحابه والسلف الصالح، واللحاق بركب المجسمة المشبهة كابن
تيمية الحراني القائل في مجموعه[98]: “إن محمدا رسول الله يجلسه ربه على العرش معه[99]“.اهـ والقائل في كتابه بيان تلبيس
الجهمية[100]:”وليس في مماسته –تعالى- للعرش ونحوه محذور كما في مماسته لكل مخلوق من النجاسات والشياطين وغير ذلك، فإن تنـزيهه عن ذلك لوجوب بُعدِ الأشياء عنه، ولكونها ملعونة مطرودة، لم نثبته لاستحالة المماسة عليه، وتلك الأدلة منتفية في مماسته للعرش ونحوه، كما روي في مس ءادم وغيره.”اهـ بحروفه
والقائل في كتابه بيان تلبيس الجهمية [101] نقلا عن أحد الـمجسمة موافقا له: “ولا حملة العرش حملوه بقوتهم ولا استقلوا بعرشه ولكنهم حملوه بقدرته وقد بلغنا أنهم حين حملوا العرش وفوقه الجبار في عزته وبهائه ضعفوا عن حمله واستكانوا وجثوا على ركبهم حتى لقنوا لا حول ولا قوة إلا بالله فاستقلوا به بقدرة الله وإرادته ولولا ذلك ما استقل به العرش ولا الحملة ولا السماوات والأرض ولا من فيهن، ولو قد شاء لاستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته فكيف على عرش عظيم أكبر من السماوات والأرض”اهـ. نعوذ بالله من مقت القلوب.
والقائل في كتابه بيان تلبيس الجهمية[102] نقلا عن أحد الـمجسمة موافقا له:” إن الرحمن سبحانه ليثقل على حملة العرش”.اهـ
والقائل في تفسير سورة العلق[103] زورا: أكثر أهل السنة قبلوه –لهذا الحديث المزعوم-، وفيه قال: إن عرشه أو كرسيه وسع السموات والأرض، وإنه يجلس عليه فما يفضل منه قدر أربعة أصابع أو فما يفضل منه إلا قدر أربعة أصابع، وإنه ليئط به أطيط الرحل الجديد براكبه”اهـ بل وصوّب[104] رواية” فما يفضل منه قدر أربعة أصابع” على رواية” إلا قدر أربعة أصابع”.اهـ وقوله هذا فيه اثبات المساحة والمقدار والمقياس لله، تعالى الله عن ذلك.
وقد نقل الحافظ المؤرخ شمس الدين بن طولون في ذخائر القصر[105] عن الحافظ أبي سعيد العلائي شيخ الحافظ العراقي أنه قال ما نصه: ذكر المسائل التي خالف فيها ابن تيمية الناس في الأصول والفروع، إلى أن قال: ومنها قوله بالجسمية والجهة والانتقال، وهو مردود، وصرح في بعض تصانيفه بأن
الله بقدر العرش لا أكبر منه ولا أصغر، تعالى الله عن ذلك.اهـ
وقد نقل المفسر النحوي أبو حيان الأندلسي في النهر الماد، في تفسير ءاية الكرسي[106]، ما نصه: وقرأت في كتاب لأحمد ابن تيمية هذا الذي عاصرنا وهو بخطه سماه كتاب العرش: إن الله تعالى يجلس على الكرسي وقد أخلى منه مكانا يقعد فيه معه رسول الله صلى الله عليه وسلم تحيل عليه التاج محمد بن علي بن عبد الحق البارنباري وكان أظهر أنه داعية لـه حتى أخذه منه وقرأنا ذلك فيه.اهـ
بل وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة[107]: فذكروا أنه (ابن تيمية) ذكر حديث النـزول، فنـزل عن المنبر درجتين، فقال: كنـزولي هذا، فنُسب إلى التجسيم.اهـ
وقال الشيخ ابن حجر الهيتمي في كتابه الفتاوى الحديثية[108] ناقلا المسائل التي خالف فيها ابن تيمية إجماع المسلمين ما نصه: وقوله بالجِسْمِّية، والجهة والانتقال، وأنه بقَدر العرش لا أصْغَرَ ولا أكبر، تعالى الله عن هذا الافتراء الشنيع القبيح، والكفر البراح الصريح، وخذل مُتَّبِعيه وشتت شَمْل معتقديه.اهـ
وذكر الحافظ مرتضى الزبيدي في شرح الإحياء[109] ما نصه: قال التقي السبكي[110]: وكتاب العرش من أقبح كتبه (أي لابن تيمية) ولما وقف عليه الشيخ أبو حيان ما زال يلعنه حتى مات بعد أن كان يعظمه.اهـ
فلينظر العقلاء إلى تـخبّط ابن تيمية حيث يقول مرة إنه جالس على العرش، ومرة إنه جالس على الكرسي، وقد ثبت في الحديث أن الكرسي بالنسبة للعرش كحلقة في أرض فلاة فكيف ساغ لعقله.
وهذا ابن قيم الجوزية تلميذ ابن تيمية يقول في كتابه “بدائع الفوائد “[111]: ولا تنكروا أنه قاعد ** ولا تنكروا أنه يقعده.اهـ ويقول ابن قيم الجوزية أيضا في كتابه المسمى الصواعق المرسلة[112]:” استوى على عرشه بذاته[113] أي ذاته فوق العرش عالية عليه” اهـ.
وقال سليمان بن سحمان النجدي الوهابي [1349هـ] في تعليقه على كتاب “لوامع الأنوار البهية” نقلا عن ابن تيمية
المجسم مقرا وموافقا له – الذي نقل عن المجسم عثمان بن سعيد الدارمي – مقرا وموافقا له ما نصه[114]: “الحي القيوم يفعل ما يشاء ويتحرك إذا شاء ويهبط ويرتفع إذا شاء ويقبض ويبسط ويقوم ويجلس إذا شاء، لأن أمارة ما بين الحي والميت التحرك” اهــ
وقال أيضا- أي سليمان بن سحمان- في كتابه الضياء الشارق في رد شبهات الماذق المارق[115]:” فأما كون الوهابية أبت إلا جعل استوائه سبحانه ثبوتًا على عرشه، واستقرارًا[116] وعلوًا فوقه: فنعم”.اهـ بحروفه
فانظر أيها القارئ رحمك الله بتوفيقه، حقيقة أمر هذة الفرقة الوهابية مجسمة هذا العصر، وكيف أنهم يريدون من الأمة الإسلامية، ترك ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، من التـنزيه والتوحيد، وإغراقهم في وحول التشبيه والتجسيم، والعياذ بالله، وأنـّى يكون لهم ذلك، فقد حفظ الله جمهور هذه الأمة المحمدية من الضلال في العقيدة، ويدل على ذلك ما رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة” وعند ابن ماجه زيادة: “فإذا رأيتم اختلافًا فعليكم بالسواد الأعظم“. ويقوي هذا الحديث الحديث الموقوف على أبي مسعود البدري: “وعليكم بالجماعة فإن الله لا يجمع هذه الأمة على ضلالة” قال الحافظ ابن حجر: “وإسناده حسن”، والحديث الموقوف على عبد الله بن مسعود وهو أيضًا ثابت عنه: “ما رءاه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رءاه المسلمون قبيحًا فهو عند الله قبيح“، قال الحافظ ابن حجر: “هذا موقوف حسن”.
فالعقيدة الحقة التي كان عليها السلف الصالح هو ما عليه الأشعرية والماتريدية وهم مئات الملايين من المسلمين السواد الأعظم الشافعية والمالكية والحنفية وفضلاء الحنابلة، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن جمهور أمته لا يضلون، فيا فوز من تمسك بهم.
[1] وليس معنى وصف هذه الآية بأنها أصرح ءاية في التـنزيه أنها أفضل ءاية بل ورد في ءاية الكرسي أنها سيدة ءاي القرءان.
[2] قال أبو عبد الله الحطاب المالكي (954هـ) في قرة العين بشرح ورقات إمام الحرمين (ص/36، دار المشاريع): فالكاف مزيدة للتأكيد اﻫ
[3] قال الحافظ ولي الدين أبو زرعة العراقي(826هـ) في الغيث الهامع شرح جمع الجوامع في كتاب الاجتهاد(3/917، الناشر الفاروق الحديثة): وقوله ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾ تتمته في التنـزيل ﴿ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ فأول هذه الآية تنـزيه وءاخرها إثبات وصدرها رد على المجسمة وعجزها رد على المعطلة والنكتة في نفي التشبيه أولاً أنه لو بدأ بذكر السميع والبصير لأوهم التشبيه فاستفيد من الابتداء بنفي التشبيه أنه لا يشابهه في السمع والبصر غيره اﻫ
[4] قال الفخر الرازي (606ه) في تفسير سورة الأنبياء (مجلد11/جزء22/203، دار الفكر): واعلم أن أجسام هذا العالم إما كثيفة أو لطيفة اﻫ
[5] العلويات ما كان في السموات والسفليات ما كان في الأرض.
[6] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب بدء الخلق: باب ما جاء في قول الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ [الروم27]، والبيهقي في السنن الكبرى(9/4، دار الكتب العلمية).
[7] الأسماء والصفات (ص/373، المكتبة الأزهرية للتراث)
[8] ذكره الإمام المقدم الأستاذ أبو منصور البغدادي في “الفرق بين الفرق” (ص/333، دار المعرفة).
[9] ذكره الإمام المقدم الأستاذ أبو منصور البغدادي في “الفرق بين الفرق” (ص/333). وفي كتاب العقد الفريد (2/92، دار الكتب العلمية) لأحمد بن محمد بن عبد ربّه الأندلسي (328هـ): وسُئل علي بن أبي طالب رضوان الله عليه: أين كان ربُّنا قبل أن يخلق السماء والأرض؟ فقال: أين توجبُ المكان، وكان الله عزّ وجلَّ ولا مكان.اهـ وذكر الإمام أبو المعين النسفي(508هـ) في كتابه بحر الكلام(ص/117، مكتبة دار الفرفور): وعن علي رضي الله عنه: أنه سئل أين كان ربنا قبل أن خلق العرش؟ فقال رضي الله عنه: أين سؤال عن المكان، وكان الله ولا مكان ولا زمان، وهو الآن كما كان.اهـ
[10] انظر صحيح مسلم، كتاب صلاة الاستسقاء، باب رفع اليدين بالدُّعاء في الاستسقاء.
[11] العقيدة الطحاوية (ص/15، دار ابن حزم)
[12] هذا وقد ثبت في النقل عن أبي حنيفة وغيره حتى عمّن قبله وهو الإمام زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنهما في رسالته المشهورة بالصحيفة السجادية نفي الحدّ عن الله، فقد ذكر المحدث الحافظ محمد مرتضى الزبيدي شارح القاموس في شرح إحياء علوم الدين (4/380، مؤسسة التاريخ العربي) هذه الصحيفة بإسناد متصل منه إلى زين العابدين قوله: “أنت الله الذي لا تحدُّ فتكون محدودًا”. أي فكيف تكون محدودًا، وقوله: ” أنت الله الذي لا يحويك مكان “. فقوله فتكون بالنصب مرتبط بالنفي السابق ولا يجوز أن يقرأ برفع النون لأنه يلزم منه تناقض، وهذا كقوله تعالى: لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا الآية [سورة فاطر/36]، فيموتوا منصوب بأن مضمرة. وقول علي رضي الله عنه: أنت الله الذي لا تحدُّ، صريح في أن الله تعالى لا يجوز عليه أن يكون محدودًا، ليس له حد في علمه ولا في علم الخلق. فأين ما ادّعاه ابن تيمية في كتابه الموافقة (2/59، طبع بإشراف جامعة محمد بن سعود) من اتّفاق كلمة المسلمين على إثبات الحد لله، وبقية أئمة السلف على ما كانوا عليه من نفي الحد عن الله، بدليل قول الطحاوي: تعالى عن الحدود، فإنه أورد ذلك على أنه مذهب السلف وهؤلاء الأربعة من أئمة السلف المشاهير وإنما خص أبا حنيفة وصاحبيه بالذكر لشهرتهم ولأنه سبك عبارة العقيدة على حسب أسلوبهم، وهو مذهب كل السلف كما أشعر بذلك قول الطحاوي: “ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة”. فقد بان تمويه ابن تيمية وانكشف وهذا دأبه، الرأي الذي يعجبه في الاعتقاد ينسبه إلى السلف ليوهم بذلك ضفعاء العقول والافهام أن مذهبه مذهب السلف، وهيهات هيهات.اهـ وقال الإمام أبو منصور البغدادي في الفرق بين الفرق في بيان الأصول التي اجتمع عليها أهل السنة(ص/332): وقالوا (أهل السنة) بنفي النهاية والحد عن صانع العالم.اهـ
[13] العقيدة الطحاوية( ص/13)
[14] الفرق بين الفرق (ص/333).
[15] الإرشاد (ص/39، مكتبة الخانجي).
[16] طبقات الشافعية الكبرى: ترجمة عبد الرحمن بن محمد بن الحسن (8/186، دار إحياء الكتب العربية)
[17] الفقيه والمتفقه (1/354، دار ابن الجوزي)
[18] عند أهل السنة يصح تأويل الاستواء بالاستيلاء المجرد عن سبق المغالبة كما سيأتي. قال الشيخ محمد زاهد الكوثري في تعليقه على “الأسماء والصفات”(ص/380): ومن حمله على معنى الاستيلاء حمله عليه بتجريده من معنى المغالبة.اهـ وقال الإمام أبو المعين النسفي(508هـ) في تبصرة الأدلة(1/242، نشريات رئاسة الشئون الدينية للجمهورية التركية): أصحابنا (يعني الماتريدية) أوّلوا هذا التأويل ولم يختصَّ به المعتـزلة.اهـ
[19] الغنية في أصول الدين (ص/73-75، مؤسسة الكتب الثقافية).
[20] روضة الطالبين (7/284، دار عالم الكتب)
[21] روضة الطالبين ( 7/286)
[22] دفع شبه التشبيه (ص/21-24، المكتبة الأزهرية للتراث) بتحقيق وتعليق الشيخ محمد زاهد الكوثري، وطبع باسم الباز الأشهب (ص/54، دار الجنان)، قال في كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، باب الباء الموحدة، (1/218، دار إحياء التراث العربي): البازي الأشهب، المنقض على مخالفي المذهب، للشيخ أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، الحنبلي. المتوفى سنة سبع وتسعين وخمسمائة. مختصر. صنف في تأييد مذهبه، والرد على الحنابلة المجسمة.اهـ. وقد نقل ابن رجب (795هـ) في الذيل على طبقات الحنابلة (2/495، مكتبة العبيكان) عن ابن القطيعي قوله في مؤلفات ابن الجوزي: ( الباز الأشهب المنقض على من خالف المذهب؛ وهو تعليقة في الفقه كبير). وكذا قال ابن المـبـرد (ت909هـ) في كتابه “معجم الكتب” (ص/83، مكتبة ابن سينا).
[23] في تفسيره المسمى التفسير الكبير (سورة البقرة/ءاية 255- مجلد4 / جزء 7 / ص14)
[24] المصدر السابق: (سورة طه/ءاية 5- مجلد 11 / جزء 22 / ص5 – 6 )
[25] إحياء علوم الدين: كتاب قواعد العقائد، الفصل الثالث، الركن الأول، الأصل الثامن (1/187، دار الشعب)
[26] إتحاف السادة المتقين (2/109، مؤسسة التاريخ العربي)
[27] أي القول بجوازه
[28] المراد بالكون الحركة والسكون والاجتماع والافتراق.
[29] إتحاف السادة المتقين (2/104)
[30] إتحاف السادة المتقين( 2/105)
[31] وما سنذكره غيض من فيض. فمن يحصي نجوم السماء !!
[32] ذكره الأستاذ أبو القاسم القشيري في الرسالة القشيرية(ص/6، دار الكتاب العربي)، والإمام الباقلاني في الإنصاف(ص/40،المكتبة الأزهرية للتراث)، والإمام الرفاعي في البرهان المؤيد(ص/18،شركة دار المشاريع)، وغيرهم.
[33] نقله الشيخ ملاّ علي القاري(1014هـ) في “شرح الفقه الأكبر” (ص/126، دار البشائر). وفي كتاب شرح وصية الإمام أبي حنيفة للعلامة أكمل الدين البابرتي الحنفي (786هـ)(ص/97، دار الفتح للدراسات والنشر): قال – أبو حنيفة – نقرّ بأن الله على العرش استوى من غير أن تكون له حاجة إليه واستقرار عليه، وهو حافظ العرش وغير العرش من غير احتياج، فلو كان محتاجا لـمَا قدر على إيجاد العالم وتدبيره كالمخلوقين، ولو صار محتاجا إلى الجلوس والقرار فقبل خلق العرش أين كان الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا”اهـ وكذا في الجوهرة المنيفة في شرح وصية الإمام أبي حنيفة (ص/62، دائرة المعارف النظامية)، لملا حسين بن اسكندر الحنفي.
[34] قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (18/261-262، مؤسسة الرسالة): “وكان من أوعية العلم، وكان يلقب بحبر الأمة. مات القاضي حسين بمرو الروذ في المحرم سنة اثنتين وستين وأربعمائة”.اهـ
[35] كفاية النبيه شرح التنبيه (4/24، دار الكتب العلمية) وذكره أيضا ابن المعلم القرشي في كتابه نجم المهتدي ورجم المعتدي (ص/551).
[36] نقل ذلك عنه عدد من العلماء، منهم القرافي وابن حجر الهيتمي والزركشي وصاحب الخصال من الحنابلة وغيرهم كما سيمر.
[37] نقله البياضي الحنفي في إشارات المرام (ص/200، زمزم ببلشرز) وقال: كما في شرح الإرشاد لأبي القاسم الأنصاري.اهـ
[38] انظر تبيين كذب المفتري للحافظ ابن عساكر (ص/150، دار الفكر)
[39] كتاب التوحيد (ص/ 132، دار صادر)
[40] كتاب التوحيد (ص/133-134)
[41] المنهاج في شعب الإيمان (1/184، دار الفكر)
[42] انظر الكتاب (10/432، مكتبة الرشد)
[43] الاعتقاد (ص/44، دار العهد الجديد)
[44] انظر الكتاب (1/104، دار الكتب العلمية)
[45] الإشارة إلى مذهب أهل الحق في أصول الاعتقاد (ص/150، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وزارة الأوقاف، مصر)
[46] كتاب الإرشاد إلى قواطع الأدلة (ص/41).
[47] إحياء علوم الدين (1/154-155)
[48] بحر الكلام (ص/117)
[49] شرح الإرشاد (ق/58 – 60)، مخطوط.
[50] الجوهر الفرد هو الجزء الذي لا يتجزأ لتناهيه في القلة وسمي جوهرًا لأن الجسم يتركب من جوهرين فردين فأكثر.
[51] قال الحافظ السيوطي(911هـ) في الدر المنثور في التفسير بالمأثور(14/49، مركز هجر): أخرج الدارقطني في الأفراد والبغوي في تفسيره عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى {42} قال: لا فكرة في الرب.اهـ
[52] دفع شبه التشبيه، الحديث الحادي عشر (ص/43).
[53] عارضة الأحوذي (2/234- 235-236، دار الكتب العلمية).
[54] البرهان المؤيد (ص/18،17)
[55] عن مخطوط في المكتبة الوطنية بباريس رقم 5485.
[56] دفع شبه التشبيه (ص/69)
[57] التفسير الكبير (14/106)، وذكر الإمام فخر الدين الرازي في كتابه: أصول الدين، وهو الكتاب المسمّى معالم أصول الدين(ص/143-144): (المسألة العشرون: المختار عندنا أنّه لا يُكفّرُ أحد من أهل القبلة إلاّ بدليل منفصل) بل الأقرب أنّ الـمُجسّمة كفّار لأنهم اعتقدوا أنّ كلّ ما لايكون متحيزًا ولا في جهة فليس بموجود، ونحن نعتقد أنّ كلّ متحيّز فهو مُحْدَثٌ، وخالقه موجود ليس بمُتحيّز ولا في جهة، فالـمُجسّمة نَفَوا ذات الشىء الذي هو الإله فيلزمهم الكفر.اهـ
[58] طبقات الشافعية الكبرى(8/219) عند ترجمة الشيخ عز الدين.
[59] قال المحدث العلاّمة السيد محمد بن محمد الحسيني الزبيدي الشهير بمرتضى رحمه الله إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدّين (2/6-7) ما نصه: «الفصل الثاني: إذا أطلق أهل السنة والجماعة فالمراد بهم الأشاعرة والماتريدية. قال الخيالي في حاشيته على شرح العقائد: الأشاعرة هم أهل السنة والجماعة، هذا هو المشهور في ديار خراسان والعراق والشام وأكثر الأقطار وفي ديار ما وراء النهار يطلق ذلك على الماتريدية أصحاب الإمام أبي منصور وبين الطائفتين اختلاف في بعض المسائل كمسئلة التكوين وغيرها – إلى أن قال: وذكر العز بن عبد السلام أن عقيدة الأشعري أجمع عليها الشافعية والمالكية والحنفية وفضلاء الحنابلة ووافقه على ذلك من أهل عصره شيخ المالكية في زمانه أبو عمرو بن الحاجب، وشيخ الحنفية جمال الدّين الحصيري، وأقرّه على ذلك التقي السبكي فيما نقله عنه ولده التاج. وفي كلام عبد الله الميورڤي المتقدّم ما نصه: «أهل السنة من المالكية والشافعية وأكثر الحنفية بلسان أبي الحسن الأشعري يناضلون وبحجته يحتجّون». إلى أن قال: «ثم قال التاج السبكي: وأنا أعلم أن المالكية كلهم أشاعرة لا أستثني أحدًا، والشافعية أغلبهم أشاعرة لا أستثني إلا من لحق منهم بتجسيم أو اعتزال» اهـ.
[60] طبقات الشافعية الكبرى (8/230).
[61] طبقات الشافعية الكبرى (8/239)
[62] شرحه على العقيدة الطحاوية المسمى البيان اعتقاد أهل السنة والجماعة (ص/45، دار الرشيد).
[63] شرح بدء الأمالي (ص/201 وما بعدها، دار الكتب العلمية) وفي كتاب الشهادات من كتاب الإختيار لتعليل المختار (2/149، دار الكتب العلمية) لعبد الله بن محمود الموصلي الحنفي (683هـ): ولا تُقبل شهادة الـمُجسّمة لأنهم كفرة.اهـ
[64] كتاب”أربعون مسألة في أصول الدين”(ص/65، دار الغرب الإسلامي)
[65] النهر الماد (1/809، دار الجنان)
[66] السيف الصقيل” (ص/77، المكتبة الأزهرية للتراث)
[67] الكبائر (ص/118، مكتبة الكليات الأزهرية)
[68] التوضيح لشرح الجامع الصحيح(33/256، وزارة الأوقاف في قطر )
[69] دفع شبه من شبه وتمرد (ص/25، مكتبة الأزهرية للتراث).
[70] دفع شبه من شبه وتمرد (ص/ 31- 32).
[71] كفاية الأخيار(ص/202، دار الفكر)، ويقول وليّ الدين أبو زرعة العراقي في كتاب تحرير الفتاوى على التنبيه والمنهاج والحاوي، الـمُسمّى:النكت على المختصرات الثلاث(1/343، دار المنهاج): في شرح المـُهذّب جزم بتكفير المجسّمة.اهـ
[72] المجموع شرح المهذب (4/253، دار الفكر).
[73] فتح القدير (1/360، دار الكتب العلمية)
[74] الدرر اللوامع (ص/656، دار صادر)
[75] الأشباه والنظائر (2/245، مكتبة نزار مصطفى الباز)
[76] انظر كتاب تاريخ النور السافر عن أخبار القرن العاشر لعبد القادر بن شيخ بن عبد الله العيدروس(ت978هـ)(ص/258، دار صادر)، وقد شرح هذه العقيدة ابن حجر الهيتمي.اهـ
[77] المنهاج القويم (ص/69، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده)
[78] مرقاة المفاتيح (2/137، مؤسسة التاريخ العربي).
[79] فيض القدير(1/72، دار المعرفة)
[80] مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (2/505، دار الكتب العلمية)
[81] مختصر الإفادات (ص/489-490، طبع دار البشائر الإسلامية)
[82] أسرار الشريعة أو الفتح الرباني والفيض الرحماني (ص/190-191، دار الكتب العلمية)
[83] الفتاوى الهندية (2/259، المطبعة الكبرى الأميرية)
[84]– انظر كتاب فرقان القرءان بين صفات الخالق وصفات الأكوان للشيخ سلامة القضاعي العزامي (ص/74، دار إحياء التراث العربي).
[85] إتحاف الكائنات ببيان مذهب السلف والخلف في المتشابهات (ص/2 -4، مطبعة الاستقامة)
[86] إتحاف الكائنات ببيان مذهب السلف والخلف في المتشابهات (ص/9)
[87] إتحاف الكائنات ببيان مذهب السلف والخلف في المتشابهات(ص/161)
[88] إتحاف الكائنات ببيان مذهب السلف والخلف في المتشابهات (ص/164).
[89] الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق للشيخ محمود محمد خطاب السبكي (1/28، المكتبة المحمودية السبكية).
[90] مقالات الكوثري (ص/269، المكتبة التوقيفية)
[91] (ص/377)
[92] المقالات السنية في كشف ضلالات أحمد بن تيمية (ص/219-221، دار المشاريع)
[93] صحيح البخاري:كتاب التفسير: أول سورة القصص.
[94] بصائر ذوي التمييز(2/107، المكتبة العلمية) للفيروزءابادي، مفردات القرءان (ص/251، دار المعرفة) للأصبهاني.
[95] على أن ابن الأعرابي ليس مجسما كالوهابية بل هو يوؤل “العرش” بالـمُلك كما نقل عنه الحافظ اللغوي الزبيدي في شرح القاموس (4/321، المطبعة الخيرية بمصر)، وأوَّل ابن الأعرابي القَدم في الحديث فقال: القدم المتقدم وكل قادم عليها يسمى قدمًا والقدم جمع قادم. اهـ نقله عنه التقي الحصني في دفع شبه من شبه وتمرد (ص/22)، والوهابية تعتبر من يؤول معطلا. اهـ
[96] وأما أئمة اللغة غيره فقد أثبتوا أن الاستيلاء قد يأتي مجردا عن سبق المغالبة، كالزجاج والأصبهاني والفيروزءابادي والزبيدي وغيرهم كما سيأتي.
[97] قال الشيخ تقي الدين الحصني في دفع شبه من شبه وتمرد (ص/19) : فمن جعل الاستواء على العرش بمعنى الاستقرار والتمكن فقد ساوى بينه عز وجل وبين خلقه وذلك من الأمور الواضحة التي لا يقف في تصورها بليد فضلا عمن هو حسن التصور جيد الفهم والذوق وحينئذ فلا يقف في تكذيبه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ {11} وذلك كفر محقق.اهـ قلت: وما روي عن ابن عباس أنه فسر الاستواء بالاستقرار فهو من رواية محمد بن مروان وهو السّدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح، قال البيهقي في الأسماء والصفات (ص/383): فهذه الرواية منكرة.اهـ ثم قال(ص/384): وأبو صالح هذا والكلبي ومحمد بن مروان كلهم متروك عند أهل العلم بالحديث، لا يحتجون بشىء من رواياتهم لكثرة المناكير فيها وظهور الكذب منهم في رواياتهم.اهـ ثم قال(ص/384-385): وما تفرد به الكلبي وأمثاله يوجب الحد، والحد يوجب الحدث لحاجة الحد إلى حاد خصه به، والباريء قديم لم يزل.اهـ وهذا السند يسمى سلسلة الكذب فوجب الحذر من كتاب “تنوير المقباس من تفسير ابن عباس” فإنه كذب عليه.اهـ
[98] مجموع الفتاوى (4/374) وروى بعض المجسمة أن المقام المحمود للنبي صلى الله عليه وسلم هو (قعوده صلى الله عليه وسلم مع ربه على العرش) واعتبروا من رد هذا جهميًا أو زنديقًا!! وأنه لا يؤمن بيوم الحساب. انظر طبقات الحنابلة (3/21).
[99] قال الله تعالى: عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا {79} المقامُ المحمودُ في الآيةِ الشَرِيفَةِ فهو (الشفاعةُ العُظْمَى) كما صحَّ في الحديثِ مِن روايةِ البخاريِّ ومسلمٍ والتِرْمِذِيِّ وغيرِهم، وما يُرْوَى عن مُجاهِدٍ مِنْ أنَّهُ صلى الله عليه وسلمَ يَقْعُدُ على العرشِ، لا يصِحُّ ومخالف لنصّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في أنه الشفاعةُ. ويزعُمُه بعضُهم بزيادةِ لفظِ (معَ اللهِ)، فهٰذا باطلٌ جدًّا، قلتُ: وهو رِوايَةُ ليثِ بنِ أبي سُلَيْمٍ عنه، وفيه ضَعْفٌ لِنَقْصٍ في حِفْظِهِ، وَلَسنا مُكلَّفِينَ بقَبُولِها مِنْ أجلِ رجلٍ في الاحتجاجِ بهِ في أحاديثِ أحكامِ الفقهِ كلامٌ طويلٌ، فكيفَ بمِثْلِ هٰذا الأمرِ العظيمِ، قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: مضطرب الحديث، وقال عثمان بن أبي شيبة: سألت جريرا عن ليث ويزيد بن أبي زياد وعطاء ابن السائب فقال: كان يزيد أحسنهم إستقامة ثم عطاء وكان ليث أكثر تخليطا، قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن هذا، فقال: أقول كما قال، وقال إبراهيم بن سعيد الجوهري عن يحيى بن معين كان يحيى بن سعيد لا يحدث عنه، وكذا قال عمرو بن علي وابن المثنى وعلي بن المديني وزاد عن يحيى: مجالد أحب إلي من ليث وحجاج ابن أرطاة، وقال أبو المعتمر القطيعي: كان ابن عيينة يضعف ليث بن أبي سليم، وقال ابن أبي حاتم سمعت أبي وأبا زرعة يقولان: ليث لا يشتغل به هو مضطرب الحديث، قال: وقال أبو زرعة: ليث بن أبي سليم لين الحديث لا تقوم به الحجة عند أهل العلم بالحديث، وقال الحاكم أبو عبد الله: مجمع على سوء حفظه، وقال الجوزجاني يضعف حديثه. اهـ راجع ترجمته في تهذيب التهذيب (8/465-468، دائرة المعارف)، وميزان الاعتدال (5/509، دار الكتب العلمية)، وغيرهما. وقدْ رَوَى مَنْ هو أضبَطُ مِنْهُ عن مُجاهِدٍ وهو ابنُ أبي نَجِيْحٍ أنّ المقامَ المحمودَ هو الشفاعةُ العُظْمَى، قال الذهبي في سير أعلام النبلاءِ (6/126، مؤسسة الرسالة): قال علي: أما التَفْسِيرُ، فهو فيهِ ثِقَةٌ يَعْلَمُهُ، قَدْ قَفَزَ القَنْطَرَةَ، واحْتَجَّ بهِ أَرْبابُ الصِّحَاحِ.انتهى، قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري(11/426-427): قال ابن بطال: أنكرت المعتزلة والخوارج الشفاعة في إخراج من أدخل النار من المذنبين وتمسكوا بقوله تعالى فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ {48} وغير ذلك من الآيات. وأجاب أهل السنة بأنها في الكفار، وجاءت الأحاديث في إثبات الشفاعة المحمدية متواترة ودل عليها قوله تعالى عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا {79} والجمهور على أن المراد به الشفاعة، وبالغ الواحدي فنقل فيه الإجماع، ولكنه أشار إلى ما جاء عن مجاهد وزيفه. وقال الطبري: قال أكثر أهل التأويل المقام المحمود هو الذي يقومه النبي صلى الله عليه وسلم ليريحهم من كرب الموقف، ثم أخرج عدة أحاديث بعضها التصريح بذلك وفي بعضها مطلق الشفاعة.اهـ، قال ابن عبد البر(463هـ) في التمهيد (19/63-64، إحياء التراث بوزراة الأوقاف، المغرب):” على هذا أهل العلم في تأويل قول الله عز وجل: عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا {79} أنه الشفاعة. وقد روي عن مجاهد أن المقام المحمود أن يقعده معه يوم القيامة على العرش، وهذا عندهم منكر في تفسير هذه الآية. والذي عليه جماعة العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين أن المقام المحمود هو المقام الذي يشفع فيه لأمته، وقد روي عن مجاهد مثل ما عليه الجماعة من ذلك، فصار إجماعا في تأويل الآية من أهل العلم بالكتاب والسنة. ذكر ابن أبي شيبة عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله تعالى: عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا {79} قال: شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم ” انتهى، وذكر الحافظ السيوطي(911ه) في كتابه تحذير الخواص من أحاديث القصاص(مخطوط ص/15): وفي بعض المجاميع أن قاصا جلس ببغداد فروى في تفسير قوله تعالى: عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا {79} أنه يجلسه معه على عرشه فبلغ ذلك الإمام محمد بن جرير الطبري فاحتد من ذلك وبالغ في انكاره وكتب على باب داره: (سبحان من ليس له أنيس ** ولا له في عرشه جليس).اهـ وفي ترجمة الإمام محمد بن جرير الطبري، شيخ المفسرين (310هـ) ذكر ياقوت الحموي (626هـ) في كتابه معجم الأدباء (6/2450، دار الغرب الإسلامي): أن الإمام الطبري قال: وأما حديث الجلوس على العرش فمحال، ثم أنشد: سبحان من ليس له أنيس *** ولا له في عرشه جليس”اهـ. وقال الحافظ ابن الجوزي في دفع شبه التشبيه (ص/68): روي عن عائشة رضي الله عنها قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المقام المحمود قال: وعدني ربي بالقعود على العرش، قلت: هذا حديث مكذوب لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن حامد المجسم: يجب الإيمان بما ورد من المماسة والقرب من الحق لنبيه في إقعاده على العرش. قال وقال ابن عمر: وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى {25} قال: ذكر الله الدنو منه حتى يمس بعضه، قلت: وهذا كذب على ابن عمر، ومن ذكر تبعيض الذات كفر بالإجماع. اهـ قال ابن كثير في تاريخه (15/42، دار هجر): وقعت فتنة ببغداد بين أصحاب أبي بكر المروذي الحنبلي، وبين طائفة من العامة اختلفوا في تفسير قوله تعالى: عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا {79} [الإسراء: 79]. فقالت الحنابلة: يجلسه معه على العرش. وقال الآخرون: المراد بذلك الشفاعة العظمى. فاقتتلوا بسبب ذلك وقتل بينهم قتلى، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وقد ثبت في صحيح البخاري أن المراد بذلك: مقام الشفاعة العظمى، وهي الشفاعة في فصل القضاء بين العباد، وهو المقام الذي يرغب إليه فيه الخلق كلهم، حتى إبراهيم، ويغبطه به الأولون والآخرون.اهـ وقال الكوثري في تكملته (ص/105): جزى اللهُ الواحديَّ خيرا حيث رد تلك الأخلوقة ردا مشبعا وكذا ابن المعلم القرشي.اهـ أقول: ويكفي لعدم ثبوت صفة لله تعالى بهذه الرواية وأمثالها العمل بقاعدة: لا تثبت الصفة لله إلا بكتاب ناطق أو خبر مقطوع بصحته.اهـ كما نقل الإمام البيهقي في الأسماء والصفات (ص/317) عن الإمام الخطابي، فهذه القاعدة تريح من تكلف الجواب عن بعض ما يروى عن أفراد الصحابة والتابعين. فضيحة: ذكر الخلال في كتابه المسمى بالسنة (1/232، دار الراية) نقلا عن بعض المجسمة: من رد حديث محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد في قوله عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا {79} قال يقعده على العرش فهو عندنا جهمي يهجر ونحذر عنه.اهـ ثم قال(1/238) نقلا عن بعض المجسمة: ومن رد حديث مجاهد فقد دفع فضل رسول الله ومن رد فضيلة الرسول فهو عندنا كافر مرتد عن الإسلام، ثم قال: والذي ندين الله عز وجل به حديث مجاهد يقعده على العرش فمن رد هذا فهو عندنا جهمي كافر. اهـ وأما الذهبي فقد قال في كتابه العلو (1/170، مكتبة ما يسمى أضواء السلف): فأما قضية قعود نبينا على العرش فلم يثبت في ذلك نص بل في الباب حديث واه. وقال أيضا (1/131): ويروى مرفوعا وهو باطل.اهـ وأما الألباني الوهابي فقال في مقدمة مختصر العلو( ص/17، ما يسمى المكتب الإسلامي) في بيان أنه ثبت في ( الصحاح ) أن المقام المحمود هو الشفاعة العامة الخاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم: قلت: وهذا هو الحق في تفسير المقام المحمود دون شك ولا ريب للأحاديث التي أشار إليها المصنف رحمه الله تعالى وهو الذي صححه الإمام ابن جرير في ( تفسيره ) (15/99) ثم القرطبي (10/309) وهو الذي لم يذكر الحافظ ابن كثير غيره وساق الأحاديث المشار إليها. بل هو الثابت عند مجاهد نفسه من طريقين عنه عند ابن جرير. وذاك الأثر عنه ليس له طريق معتبر.اهـ أقول: فيا لها من فضيحة على المشبهة فقد رمى بعضهم البعض بما يرمون به خصومهم، بالكفر تارة، وبمذهب الجهمية تارة أخرى. قال تعالى: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ {43} اهـ
[100] بيان تلبيس الجهمية (5/127، مجمع الملك فهد)
[101] بيان تلبيس الجهمية (3/243)
[102] بيان تلبيس الجهمية (3/270)
[103] مجموعة تفسير(ص/354-355)، مجموع الفتاوى لابن تيمية (16/435 وما بعدها).
[104] مجموعة تفسير(ص/358 )
[105] انظر ذخائر القصر،(ص/69)، مخطوط.
[106] النهر الماد (1/254)، كما ترى ذلك في النسخ المخطوطة من التفسير، كالمخطوطة المودعة في الخزانة الأحمدية في حلب، وقال الشيخ محمد زاهد الكوثري في تكملته (ص/75): وأخبرني مصحح طبعه بمطبعة السعادة أنه استفظعها جدا وأكبر أن ينسب مثلها إلى مسلم فحذفها عند الطبع لئلا يستغلها أعداء الدين، ورجاني أن أسجل ذلك هنا استدراكا لما كان منه ونصيحة للمسلمين.اهـ وقال الشيخ عبد الله الغماري في كتابه بدع التفاسير(ص/159، دار الرشاد) عن أبي حيان: وقد تعرض لابن تيمية، وذكر أنه اغتر به أول الأمر فمدحه، ثم تبين له خلاف ذلك، فذمه وحط عليه، وذكر بعض عيوبه، لكن القائمين على طبع التفسير حذفوا منه ذم ابن تيمية، غيرة منهم عليه.اهـ وفي كشف الظنون لحاجي خليفة (2/1438، دار إحياء التراث العربي) عن كتاب العرش وصفته: ولابن تيمية ذكر فيه أن الله تعالى يجلس على الكرسي وقد أخلى مكانا يقعد معه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكره أبو حيان في النهر في قوله سبحانه وتعالى: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ {255}، وقال قرأت في كتاب العرش لأحمد بن تيمية ما صورته بخطه.اهـ
[107] الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة (1/154، دار الجيل)
[108] الفتاوى الحديثية (ص/87)
[109] إتحاف السادة المتقين (ج2/106)
[110] انظر كتابه السيف الصقيل (ص/74)
[111] انظر بدائع الفوائد (ج4/1380 طبع دار عالم الفوائد) ، وقد استحسن ابن القيم هذه الأبيات ونسبها زورا إلى الدارقطني.
[112] انظر الكتاب(4/1385، دار العاصمة)
[113] قال الحافظ ابن الجوزي الحنبلي في دفع شبه التشبيه (ص/8): ومن قال استوى بذاته المقدسة فقد أجراه سبحانه وتعالى مجرى الحسيات.اهـ وقال في ص/20: وقد حمل قوم من المتأخرين هذه الصفة على مقتضى الحس فقالوا استوى بذاته. وهذه زيادة لم ينقلوها إنما فهموها من إحساسهم .اهـ قال القاضي بدر الدين بن جماعة في “إيضاح الدليل” عن الذي قال استوى بذاته ما نصه (ص/136 طبع دار اقرأ): “فقد ابتدع بهذه الزيادة التي لم تثبت في السنة ولا عن أحد من الأئمة المقتدى بهم”. ولهؤلاء المشبهة نقول قال الذهبي في “سير أعلام النبلاء” ما نصه (19/607): “فقد ذكرنا أن لفظة بذاته لا حاجة إليها وهي تشغب النفوس” اهـ
[114] التعليق على “لوامع الأنوار” (1/261).
[115] انظر الكتاب (ص/96) طبع ما يسمى رئاسة إدارات البحوث العلمية والافتاء والدعوة والإرشاد(في السعودية)، وفيه اعتراف بكونهم وهابية.اهـ
[116] مع أن أحد دعاة الوهابية البارزين وهو الألباني (1420هـ) يقول في كتابه “مختصر العلو” (ص/17): “وهذا يستلزم نسبة الاستقرار عليه لله تعالى، وهذا مما لم يرد، فلا يجوز اعتقاده ونسبته إلى الله عز وجل، لذلك ترى المؤلف (الذهبي) رحمه الله أنكر على من قال ممن جاء بعد القرون الثلاثة: إن الله استوى استواء استقرار” اهـ، فيا لـها من فضيحة عليهم. ولكن هذا لا يخرج الألباني عن دائرة التجسيم فهو يصرح بتحيز الله في جهة العرش تارة كما في كتابه مختصر العلو، وتارة بأن الله واسع محيط بالعالم كله من جميع الجهات والجوانب كما في كتابه صحيح الترغيب والترهيب (1/234، مكتبة المعارف). أقول: وإنما هذا يدل على أنه لم يثبت عن أحد من السلف الصالح أنه قال في حق الله بالجلوس أو الاستقرار أو المحاذاة، فيحرم تسمية الوهابية بالسلفية ولا تغتر بهم أيها القارئ.