السبت يوليو 27, 2024

بيان أن الله رخّص لأمة محمد  أمورًا منها
استحداث ما لم يفعله الرسول
 إن لم
يخالف شرعه

درس ألقاه المحدث الشيخ عبد الله بن محمد العبدريّ رحمه الله تعالى فِي سويسرة سنة اثنتي عشرة وأربعمائة وألف من الهجرة الشريفة الموافق لسنة اثنتين وتسعين وتسعمائة وألف رومية وهو فِي بيان أن الله رخّص لأمة محمد r أمورًا منها استحداث ما لم يفعله الرسول r إن لم يخالف شرعه. قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:

الْحَمْدُ لله والصلاة والسلام على رسول الله.

أمَّا بعدُ: قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [سورة الأعراف: 157] الله تعالى قال لسيدنا محمد r إنه يضع، أي: يخفف عنهم، أي: أمتِهِ الإصر والأغلال التي كانت عليهم فيما مضى قبل سيدنا محمد r كانت على الأمم السابقة تشديداتٌ فِي بعض الشرائع إذا قَتَلَ شخصٌ عمدًا أو خطأً حَتْمٌ أن يُقْتلَ أما فِي شريعة محمد r إذا قتل شخص شخصًا عمدًا فهو إما أن يسلم لأهل الدم لأهل القتيل حتى يأخذوا حقهم وإما أن يسامحوه على المال على الدية وإما أن يسامحوه مجانًا بدون شيء وإن قَتَلَ الشخصُ شخصًا خطأ لا قِصاص عليه إنما يدفع الدية ويدفع الكفارة، والديةُ أيضًا على أقاربه عَصَبَتِهِ إخوتِهِ وأبناءِ إخوتِهِ ونحوِ ذلك ثم على بيت المال وإن لم يوجد بيتُ مال فهو يدفع من ماله الذي مَلَّكَهُ اللهُ. ثم أيضًا الأمم الذين قبلنا لا تصح صلاتهم إلا بمكان مخصوص أما هذه الأمة الله جعل لهم الرخصة أن يصلوا أينما أدركتهم الصلاة إن صلى فِي سوقه صحت صلاته، وإن صلى فِي بيته صحت صلاته، وإن صلى فِي الغابة صحت، وإن صلى على حافة الطريق صحت حتى لو صلى فِي وسط الطريق صحت لكن مكروهة إلى غير ذلك. ومثالُ ما كان عليهم أنه إذا أصاب إنسانًا بولٌ يقطع ذلك الموضع لا يطهره الماءُ لا يصلى فِي ذلك الثوب إلا أن يقطع المكان الذي أصابه البول، لو غسله بالماء لا يكفِي. ثم أيضًا رخص لهم فِي أمر كانت الأمم السابقة أمةُ عيسى u كانت فيهم خصلة مدحها الله وهِيَ الانقطاع للعبادة بترك التزوج والترفه بنعيم الدنيا، أحدهم كان ينزوِي إلى صومعة ليعبد الله متجردًا للعبادة ينقطع عن الزواج لا يلتفت إلى الزواج ولا إلى أن يجمع مالًا؛ بل يمضِي على التوكل هذه أيضًا مدحها الله تعالى بقوله: {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّـهِ} [الحديد: 27] ابتدعوا رهبانية، أي: هذا الأمر اللهُ ما فرض عليهم إنما هم أرادوا الزيادة فِي العبادة مدحه ما ذمَّه وهذه الأمة الله تعالى رخص لهم أيضًا أن يُحْدِثُوا أعمالًا توافق الشريعة مما لم يفعله الرسول r ولا قال افعلوا كذا افعلوا كذا هذه تسمّى سنّةً حسنةً، جاء فِي الحديث: «من سن فِي الإسلام سُنَّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده لا ينقص من أجورهم شيئًا»([i]).اهـ. معنى مَن أحدث فِي الإسلام سُنّةَ حسنة، أي: عمل أمرًا يوافق الشرع مما لم يفعله رسول الله r ولا نص عليه القرءان لكن لا يخالف القرءان والحديث رخص لهم الله تبارك وتعالى فِي هذا الأمر وجعل لهم فيه أجرَ الشخص الذي عمل هذا العمل وأجرَ من تبعه بعد ذلك، كلما فعله إنسانٌ يتجدد له الثواب؛ لأنه هو أول من فعل هذا الشيء، هذا الذي يقال عنه: بدعة حسنة، ويقال له: بدعة مستحبة، كما يقال: سُنَّة حسنة وسُنَّة خير، ومن هذا الطرقُ، طُرُقُ أهل الله القادرية والرفاعية والبدوية إلى غير ذلك، هذه الطرق طرق أهل الله شيء مرغوب فيه شرعًا الشرع رغَّب فيه ليس كما تقول الوهابية إذا أرادوا أن يذموا إنسانًا يقولون فلان طُرُقِيٌّ معناه من أهل الطريقة، عندهم ذم ومنقصة وضلال وبدعة محرمة وكذبوا.

ومن جملة من ابتدع أمرًا لم ينص عليه الرسول r ولا نص عليه القرءان هو خُبَيْب بن عَدِيّ t، كان المشركون أسروه كفارُ أهل مكة أسروه قبل فتح مكة تركوه عندهم أسيرًا ثم أخرجوه إلى خارج الحرم ليقتلوه طلب منهم من الكفار أن يمهلوه حتى يصليَ ركعتين فأمهلوه فصلى ركعتين وكان هذا خبيب t أول مَن صلى عند القتل قبل ذلك ما أحدٌ فعل هذا الشيء من أصحاب رسول الله r هو أول من فعل هذا ثم هذا الفعل الذي فعَلَهُ أعجبَ أصحابَ رسولِ الله r والرسولُ لا بد أن يكون بلغه فأعجبه، هذا بدعة حسنة وسنة خير وسنة حسنة وبدعة مستحبة مَن فعل مثل ذلك إلى يوم القيامة من أمة محمد r فهو عمل حسن.

ليس الحكم كما تقول الوهابية، الوهابية تحرّم الطريقة، والمسبحة هذه عندهم حرام يقولون الرسول ما فعل بهذا إنما سبح بيمينه وذكر التسبيح بالأنامل للنساء أمر النساء أن يُقَدِّسْنَ الله ويُسَبِّحْنَهُ ويُكَبِّرْنَهُ بأناملهن ما فعل مسبحة مثل هذه، يقولون هذا حرام، هؤلاء تائهون لا يجوز اتباعهم إنما هم أهل تلبيس وتمويه على الناس، بعض الأشياء التي لم يفعلها الرسول r هم يفعلونها ويرونها عملًا حسنًا ثم مع ذلك يحرّمون على الناس أشياء لم يفعلها الرسول r وهِيَ غير مخالفة للقرءان والحديث كالطريقة وكهذه السبحة إلى أشياءَ عديدة. ومما فعله المسلمون مما لم يفعله الرسول r المحاريب المجوفة فِي المساجد، المحاريب لم تكن فِي عهد الرسول r فِي مسجده ولا فِي سائر المساجد التي فِي المدينة ما كانت إنما فِي أواخر القرن الأول عمل عمر بن عبد العزيز t ذلك والوهابية فِي مساجدها توجد محاريبُ لو قيل لهم هذا ما فعله الرسول r وأنتم تفعلون ثم مع ذلك ترون هذا عملًا حسنًا ثم تنكرون على الناس أشياء يفعلونها ما فعلها رسول الله r تقولون هذا ما فعله الرسول أنتم متناقضون فِي أمركم لستم على حق وصواب مستقيم ماذا يقولون؟ لكنه اليوم فِي الجزائر وهابيةُ الجزائر بلغنا أنها سكَّرَتِ المحاريب بالخشب وهذا من عجيب تَهَوُّرِهِمْ، الأصول من الوهابية فِي السعودية يعملون المحاريب وهؤلاء أتباع أولئك أتباع وهابية السعودية ما لهم يسكرون المحاريب وجماعتهم الذين هم أصولهم لم ينكروا؟ انظروا إلى تخبط هؤلاء هذا دليل على عمى القلب، قلوبهم عمياء.

ثم إن الطريقة الرفاعية هِيَ أقدمُ طريقة هِيَ والقادريةُ، بعد ذلك سائر الطرق طرقِ أهل الله حدثت، ثم إن الطريقة الرفاعية منسوبة إلى سيدنا أحمد ابن عليّ الحسيني من ذرية الحسين بن عليّ بن أبي طالب t كان فقيهًا شافعيًّا مفسرًا محدثًا كان شديد الرحمة والشفقة على عباد الله وكان شديد التواضع مع الكبير والصغير والغنيّ والفقير وأصحاب العاهات كان يجالس أصحاب العاهات ويَبَشُّ فِي وجوههم ابتغاء رضوان الله تعالى؛ لأن الله تعالى يحب التواضع وأن يدنو المسلم من المسلم أي يقترب منه وكان فِي القرن السادس رحمه الله ورضِيَ عنه.

والله سبحانه أعلم.

([i]) رواهُ مسلمٌ فِي صحيحه، بابُ: الحَثّ على الصَّدَقَةِ ولوْ بِشِقّ تمرة أو كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ وأَنَّهَا حِجَابٌ مِنَ النَّارِ.