الخميس مايو 15, 2025

باب ما يَقُولُ وَما يُقالُ لَهُ إِذَا خَرَجَ فِي سَفَرٍ أو رَجَعَ مِنْه

  • عن سالِم بنِ عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ قال: كانَ ابنُ عُمرَ رضي الله عنهُما إذَا جاءَه الرَّجلُ وهو يُرِيدُ السّفَرَ قال له: ادْنُ منِّي حتَّى أُوَدِّعَكَ كما كانَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُوَدِّعُنا يَقول: «أَسْتَوْدِعُ اللهَ دِينَكَ وأَمَانَتَكَ([1]) وَخَواتِيمَ عَمَلِكَ([2])». أخرجه الإمامُ أحمدُ والترمذِيُّ وقالَ: حسَنٌ صحِيحٌ.
  • عن قَزَعَةَ بنِ يَحيَى أنّه أتَى ابنَ عُمرَ رضي الله عنهُما في حاجةٍ فقالَ: تَعالَ أُوَدِّعْك كما وَدَّعَنِي رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأَرسَلَنِي في حاجةٍ فقال: «أَسْتَودِعُ اللهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَواتِيمَ عَمَلِكَ». هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه البُخاريُّ.
  • عن مُجاهِدٍ قالَ: أتَيتُ ابنَ عُمرَ رضي الله عنهُما أنَا ورَجلٌ معِي أرَدْنا الخُروجَ إلى الغَزوِ فشَيَّعَنا([3])، فلَمّا أرادَ أنْ يُفارِقَنا قالَ: إنّه ليسَ لِي ما أُعطِيْكُما، ولكِنِّي سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقولُ: «إِذَا اسْتُودِعَ اللهُ شَيئًا حَفِظَهُ»، وإِنِّي أستَودِعُ اللهَ دِينَكُما وأَمانَتَكُما وخَواتِيمَ أَعمالِكُما. هذا حَدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه ابنُ حِبّانَ.
  • عن ابنِ عُمرَ رضي الله عنهُما عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قالَ: «إِنَّ لُقْمَانَ الحَكِيمَ([4]) كانَ يَقُولُ: إِنَّ اللهَ إِذَا اسْتُودِعَ شَيْئًا حَفِظَهُ». أخرجَه أحمدُ والنَّسائيُّ في «اليَومِ واللَّيلةِ».
  • عن الحسَنِ بنِ ثَوْبانَ أنّه سَمِعَ مُوسَى بنَ وَرْدانَ قالَ: أردتُ الخُروجَ إلَى سفَرٍ فأَتَيْتُ أبا هُريرةَ رضي الله عنه فقُلتُ: أُوَدِّعُكَ، فقال: يا ابنَ أَخِي أَلَا أُعَلِّمُكَ شَيئًا حَفِظتُه مِن رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِندَ الوَداعِ؟ قلتُ: بلَى، قالَ: فأَستَودِعُكَ اللهَ الَّذِي لا تَضِيعُ ودَائِعُه. هذا حديثٌ حسنٌ أخرجَ النَّسائيُّ وابنُ السُّنِّيّ كِلاهُما في «اليَومِ واللَّيلةِ» وأحمدُ وابنُ ماجهْ.
  • عن أبِي هُريرةَ رضي الله عنه أنّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَدَّعَ رَجُلًا، فذَكَرَه (أي: الحديث السابق) فقالَ في ءاخِرِه: «أَوْ لَا تَخِيبُ([5])». هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه أحمدُ والنَّسائيُّ في «اليَومِ واللَّيلةِ».
  • عن أنس رضي الله عنه قال: جاءَ رَجلٌ إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ اللهِ إنِّي أُرِيدُ سَفَرًا فزَوِّدْنِي، قال: «زَوَّدَكَ اللهُ التَّقْوَى»([6])، قال: زِدْنِي، قالَ: «وَغَفَرَ ذَنْبَكَ»، قال: زِدْنِي، قال: «وَيَسَّرَ لَكَ الخَيْرَ حَيْثُمَا كُنْتَ». هذا حدِيثٌ حسَنٌ غرِيبٌ أخرجَه الترمذِيُّ.
  • عن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: جاءَ رَجلٌ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رَسولَ اللهِ، إنِّي أُرِيدُ سَفَرًا فأَوْصِنِي، فقال: «إِنِي أُوْصِيْكَ بِتَقْوَى اللهِ وَالتَّكبِيرِ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ([7])»، فَلمّا وَلَّى قالَ: «اللَّهُمَّ اطْوِ لَهُ الأَرْضَ وَهَوِّنْ عَلَيْهِ السَّفَرَ([8])». هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه أحمدُ.
  • عن حُمِيدٍ عن أَنسٍ رضي الله عنه قالَ: «ما دخَلَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِن سَفَرٍ فَرأَى جُدُرَ الـمَدِينةِ فكانَ على دابّةٍ إلّا حرَّكَها أو علَى بَعِيرٍ إلّا أوْضَعَهُ تَباشِيرًا([9]) بالـمَدِينةِ». هذا حدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه أحمدُ.
  • عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهُما قالَ: كانَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أرادَ أنْ يَخرُجَ في سَفَرٍ قالَ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ»، فذَكَر الحدِيثَ إلَى أنْ قالَ: وإِذَا كانَ يَرجِعُ قال: «ءَايِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ»، فإِذَا دخَلَ علَى أَهلِه قالَ: «تَوْبًا تَوْبًا، لِرَبِّنَا أَوْبًا([10])، لا يُغادِرُ حَوْبًا([11])». هذا حدِيثٌ حسَن أخرجَه أحمدُ.
  • عن زَيدِ بنِ أَسْلَمَ عن أَبِيه هو مَولَى عُمرَ قالَ: بَينَما عمَرُ رضي الله عنه يُعطِي النّاسَ إذَا هو بِرَجُلٍ معَه ابنُه، فقال عمَرُ: مَا رَأَيْتُ غُرَابًا أشْبَهَ بِغُرَابٍ أَشْبَهَ بِهَذَا مِنْكَ، قَالَ: أَمَا وَاللهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ إِلا مَيِّتَةً، فَاسْتَوَى لَهُ عُمَرُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ([12]) حَدِّثْنِي، فقالَ: خَرَجْتُ فِي غَزَاةٍ([13])، وَأُمُّهُ حَامِلٌ بِهِ، فَقَالَتْ: تَخْرُجُ وَتَدَعُنِي عَلَى هَذِهِ الحالِ حَامِلًا مُثْقَلًا؟!، فَقُلْتُ: أَسْتَوْدِعُ اللهَ مَا فِي بَطْنِكِ، فَغِبْتُ ثُمَّ قَدِمْتُ فَإِذَا بابِي مُغْلَقٌ، فَقُلْتُ: فُلانَةُ، فَقَالُوا: مَاتَتْ، فَذَهَبْتُ إِلَى قَبْرِهَا فَبَكَيْتُ عِنْدَهُ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلِ قَعَدْتُ مَعَ بَنِي عَمِّي أَتَحَدَّثُ وَلَيْسَ يَسْتُرُنَا مِنَ الْبَقِيعِ شَيْءٌ([14]) فَارْتَفَعَتْ إِلِيَّ نَارٌ فَقُلْتُ لِبَنِي عَمِّي: مَا هَذِهِ النَّارُ؟ فَتَفَرَّقُوا عَنِّي فقُمْتُ لأَقْرَبِهِم مِنِّي([15]) فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: هذِه نار تُرَى كُلَّ لَيْلَةٍ علَى قَبرِ فُلانةَ، فَقُلْتُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أَمَا وَاللهِ إِنْ كَانَتْ لَصَوَّامَةً قَوَّامَةً عَفِيفَةً مُسْلِمَةً، انْطَلِقْ بِنَا، وَأَخَذْتُ بفَأْسٍ فَإِذَا الْقَبْرُ مُنْفَرِجٌ وَهِيَ جَالِسَةٌ وَهَذَا يَدِبُّ حَوْلَهَا، فَنَادَى مُنَادٍ: أَلا أَيُّهَا الْمُسْتَوْدِعُ رَبَّهُ خُذْ وَدِيعَتَكَ([16])، أَمَا وَاللهِ لَوِ اسْتَوْدَعْتَ أُمَّهُ لَوَجَدْتَهَا، فَعادَ الْقَبْرُ كَمَا كَانَ. هذا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مَوقُوفٌ أخرجَه الطّبَرانيُّ ورُواتُه مُوَثَّقُون إلّا عُبيدَ بنَ إسحاقَ فضَعَّفه الجُمهورُ ومَشّاهُ أبو حاتِمٍ الرّازِيُّ.

وأخرجَه أبو بَكرٍ الخَرائطِيُّ مِن وَجهٍ ءاخَرَ أخصَرَ مِنهُ وقالَ فِيهِ: فأخَذتُ الـمِعْوَلَ حَتَّى انتهَيْنا إلى القَبرِ فَحَفَرْنا فِإِذَا سِراجٌ يَقِدُ وَإِذَا هَذَا الغُلامُ يَدِبُّ. الحدِيثَ.

[1])) قال الخطّابيّ في مَعالِم السُّنَن (2/258): «الأَمانةُ ههنا أَهلُه ومَن يَخلُفُه مِنهُم ومالُه الّذي يُوْدِعُه ويَستحِفُظه أَمِينَه وَوَكِيلَه وَمَن في مَعناهُما. وجرَى ذِكرُ الدِّين معَ الوَدائِع لأنّ السّفَر مَوضِعُ خَوفٍ وخَطر، وقد تُصِيبُه فيه المشَقّةُ والتّعَب فيكون سبَبًا لإهمالِ بَعضِ الأمُورِ الـمُتعلِّقةِ بالدِّين فدَعا له بالـمَعُونةِ والتَّوفِيق».

وقال شيخنا رحمه الله: «(وَأَمَانَتَكَ) يَحتمِلُ أن يُكونَ مَعنَى الأمانةِ دِنيَه عقِيدتَه».

[2])) قال الشّهاب الرَّمليّ في شرح أبي داود (11/311): «(وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ) الصّالِح الّذي جعَلْتَه ءاخِرَ عمَلِك في الإقامةِ، فإنّ الأعمالَ بخَواتيمِها، فيُستحَبّ للمُسافِر أنْ يَختِم إقامتَه بعمَلٍ صالِحٍ».

[3])) أي: سارَ معَنا.

[4])) قال شيخنا رحمه الله: «اختلَف الفُقهاءُ في لُقمانَ هو نبيٌّ أو وليٌّ، والقولُ الـمُعتمَد أنّه ولِيٌّ ليس نَبِيًّا، ويُسمَّى لُقمانَ الحَكِيمَ علَى معنَى أنّه الفَقِيهُ في دِين اللهِ العالِمُ الـمُتمكِّنُ وليس معناه أنّه طَبِيبٌ، وهو يَحتمِلُ أنْ يكُون طَبِيبًا لكِن إنْ قِيل عنه حَكِيمٌ لا يُرادُ بِه أنّه طَبِيبٌ، {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ}، أي: الحِكمةَ الدِّينِيّةَ».

[5])) يعنِي: لَفَظَ: «لَا تَخِيبُ وَدَائِعُهُ».

[6])) قال ابن علّان في الفُتوحات (5/121): «(زَوَّدَكَ اللهُ التَّقْوَى)، أي: جعَلَها زادَكَ فإنّ خيرَ الزّادِ التَّقوَى لأنّها زادُ الـمَعاد».

[7])) قال الحافظ العسقلانيّ في الفتح (11/189): «(يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ) بفَتح الـمُعجَمة والراءِ بَعدَها فاءٌ هو الـمَكانُ العالِي».

[8])) قال الملّا علي القاري في المرقاة (4/1691): «(اللَّهُمَّ اطْوِ لَهُ البُعْدَ)، أي: قرِّبْه له وسَهِّل له، والمعنَى ارفَعْ عنه مشَقّةَ السّفَر بتَقرِيب الـمَسافةِ البَعِيدةِ له حِسًّا أو معنًى (وَهَوِّنْ عَلَيْهِ السَّفَرَ)، أي: أمُورَه ومَتاعِبَه، وهو تَعمِيمٌ بَعد تَخصِيصِ».

[9])) الرّواية بالتّنوين.

[10])) قال النوويّ في الأذكار (ص367): «(تَوْبًا توْبًا) سُؤالٌ للتَّوبةِ وهو مَنصُوبٌ إمّا علَى تَقدِيرِ: تُبْ علَينا وإمّا علَى تَقدِيرِ: نَسألُكَ تَوبًا تَوبًا، و(أَوْبًا) بِمَعناه مِن ءابَ إذَا رَجَعَ».

[11])) قال النوويّ في الأذكار (ص367): «ومعنى: (لا يُغادِرُ) لا يَترُك و(حَوْبًا)، مَعناهُ: إِثمًا، وهو بفَتحِ الحاءِ وضَمِّها لُغَتانِ».

وقال ابنُ علّان في الفتوحات (5/173): «(حَوْبًا): قال ابنُ حجَرٍ الهيتَمِيُّ: الأحسَنُ هنا الفَتحُ لمُناسَبةِ قولِه: «أَوْبًا»، ومِثلُه في «الحِرْز»، وقال: إنّ الفَتحَ في أكثَرِ نُسَخ «الحِصن»، وقال ابنُ الجزَرِيّ في «مِفتاحِ الحِصن»: وقِيلَ: الفَتحُ لُغةُ الحِجازِ والضّمُّ لُغةُ تَمٍيمٍ». مختصَرًا.

[12])) قال ابن الأثير في النّهاية (5/235): «وَيْحَ كَلمةُ تَرَحُّمٍ وتوَجُّعٍ. وقال تُقالُ بِمَعنَى الـمَدحِ والتعَجُّبِ». مختصَرًا.

[13])) أي: غَزوةٍ.

[14])) أي: نَراهُ مِن حيثُ نحنُ.

[15])) أي: أكثَر مَن بَينِي وبَينَه مُباسَطةٌ.

[16])) قال شيخنا رحمه الله: «الظاهِرُ أنّ الـمُنادِيَ كان مَلَكًا مِن الـمَلائِكة».