الإثنين أبريل 21, 2025

باب تَحْرِيمِ الظُّلْمِ

  • عن أبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عن رَبِّهِ تَباركَ وتعالَى قال: «يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ مُذْنِبٌ إِلَّا مَنْ عَافَيْتُ فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، وَمَنْ عَلِمَ أَنِّي ذُو قُدْرَةٍ عَلَى الْمَغْفِرَةِ فَاسْتَغْفَرَنِي بِقُدْرَتِي غَفَرْتُ لَهُ وَلَا أُبَالِي، وَكُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُ، فَاسْتَهْدُونِي([1]) أَهْدِكُمْ، وَكُلُّكُمْ فَقِيرٌ إِلَّا مَنْ أَغْنَيْتُ فَسَلُونِي أُغْنِكُمْ، وَلَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَءاخِرَكُمْ وَجِنَّكُم وَإنْسَكُم وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمْ([2]) كَانُوا عَلَى أَشْقَى قَلْبٍ مِنْ قُلُوبِ عِبَادِي([3]) مَا نَقَصَ فِي ذَلِكَ مِن مُلْكِي جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وَلَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَءاخِرَكُمْ وَإِنْسَكُم وَجِنَّكُم وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمْ اجْتَمَعُوا فَسَأَلَ كُلُّ إِنْسانٍ مِنْهُمْ مَا بَلَغَتْ أُمْنِيَّتُهُ، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسانٍ مَا سَأَلَ، مَا نَقَصَنِي ذَلِكَ إِلَّا كَمَا لَوْ مَرَّ أَحَدَكُمْ بِشَفَةِ الْبَحْرِ([4]) فَغَمَسَ فِيها إِبْرَةً ثُمَّ انْتَزَعَهَا([5]) كَذَلِكَ لـمْ يَنْقُصْنِي ذَلِكَ بِأَنِّي جَوَادٌ ماجِدٌ([6]) صَمَدٌ([7])، عَطَائِي كَلَامٌ وَعَذَابِي كَلَامٌ([8])، إِنَّمَا أَمْرِي لِشَيءٍ إِذَا أَرَدْتُهُ أَنْ أَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ([9])».
  • عن أحمدَ بنِ نُمَيرٍ هو عبدُ اللهِ حدّثَنا موسَى هو ابنُ المسَيَّب عن شَهرٍ، فذَكَرَه بِطُولِه لكِن في رِوايَتِه: «حَيَّكُم وَمَيِّتَكُم» بدلَ «جِنَّكُم وَإِنْسِكُم» وقال: «ذَلِكَ لِأَنِّي جَوَادٌ ماجِدٌ واجِدٌ َأفْعَلُ ما أَشاءُ» والباقِي بنَحوِه. هذا حدِيثٌ حسَن مِن هذا الوَجهِ أخرجَه الترمذيّ عن جُندُب بنِ عبدِ الله.
  • عن أبِي إدريسَ الخَوْلانِيّ عن أبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عن جِبريلَ علَيه السّلامُ عن اللهِ تبارَك وتَعالَى أنّه قال: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي([10]) وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا([11]) فَلا تَظَالَمُوا([12])، يَا عِبَادِي إِنَّكُمُ الَّذِينَ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ([13]) وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ وَلا أُبَالِي([14])، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلا مَنْ أَطْعَمْتُهُ([15]) فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ([16])، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ([17]) إِلا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ([18])، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَءاخِرَكُمْ([19]) وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ([20]) كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ لَمْ يَزِدْ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَءاخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَءاخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ([21]) فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلًّا مِنْكُم مَا سَأَلَ لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا إِلا كَمَا يَنْقُصُ الْبَحْرُ أَنْ يُغْمَسَ فِيهِ الْمِخْيَطُ([22]) غَمْسَةً وَاحِدَةً([23])، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ([24]) أَحْفَظُها عَلَيْكُمْ([25]) ثُمَّ أُوَفِّيكُم إِيَّاهَا([26])، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا([27]) فَلْيَحْمَدِ اللهَ([28])، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ([29]) فَلا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَهُ([30])».

قال سعيدُ بنُ عبدِ العَزِيز: كان أبو إِدريسَ إذَا حدَّثَ بهذَا الحَدِيثِ جَثَا علَى رُكْبتَيه([31]). هذا حدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه مُسلِم عن أبِي بَكرٍ الصَّنْعانيّ.

  • عن أبِي ذَرٍّ عن رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيما يَروِيهِ عن رَبِّه تَبارَك وتعالَى أنه قال: «يا عِبادِي»، فذكَرَ الحدِيثَ نَحوَه وفِيه: «كُلُّ بَنِي ءادَمَ يُخْطِئُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ»، وفِيهِ: «كُلُّكُم كانَ جائِعًا إِلَّا مَن أَطْعَمْتُهُ، وَكُلُّكُم كانَ عارِيًا إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُم، وَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُم، واسْتَكْسُونِي أَكْسُكُم». أخرجَه مُسلِم عن إسحاقَ بنِ إبراهيمَ.

[1])) قال الملّا علي القاري في المرقاة (4/1629): «أي: اطلُبوا الهِدايةَ مِنِّي لا مِن غَيرِي».

[2])) قال الملّا عليّ في المرقاة (4/1629): «أي: شَبابَكُم وشُيوخَكُم، أو عالِمَكُم وجاهِلَكُم، أو مُطِيعَكُم وعاصِيَكُم».

[3])) قال الملّا عليّ في المرقاة (4/1629): «وهو إبليسُ اللَّعِين».

[4])) قال أبو البقاء في الكُلِّيّات (ص539): «وشَفة الشيءِ وشَفاهُ جانِبُه».

[5])) قال الحافظ النوويّ في شرح مُسلِم (16/133): «قال العُلَماء: هذا تقرِيبٌ إلى الأفهامِ، ومعناه: لا يَنقُص شيئًا أصلًا، لأنّ ما عِندَ اللهِ لا يَدخُلُه نَقصٌ، وإنّما يَدخُل النَّقصُ المحدُودَ الفانِيَ، وعَطاءُ اللهِ تعالَى مِن رَحمَتِه وكرَمِه وهما صِفتانِ قَدِيمتانِ لا يَتطرَّقُ إلَيهِما نَقصٌ».

[6])) أي: كريمٌ واسعُ الكرَمِ.

[7])) قال شيخنا رحمه الله: «الصّمَدُ معناه: لا يَحتاجُ إلى غَيرِهِ، الـمُستَغنِي عَن كُلِّ ما سِواهُ الـمُفتِقرُ إلَيه كُلُّ ما عَداهُ».

[8])) قال الملّا عليّ في المرقاة (4/1630): «يعني: لا يَنقُص مِن خَزائِني شيءٌ. قال القاضي: يَعنِي ما أُرِيد إيصالَه إلى عبدٍ مِن عَطاءٍ أو عَذابٍ لا أَفتقِرُ إلى كَدٍّ ومُزاوَلةِ عمَلٍ بل يَكفِي لِحُصولِه ووُصولِه تَعَلُّق الإرادةِ بِه».

[9])) قال شيخنا رحمه الله: «بعضُهم قال: مَعناهُ: اللهُ يُوجِدُ الأشياءَ بِدُونِ مشَقّةٍ ولا تعَبٍ، وبعضُهم فَسَّرَها بأنّه يُوجِدُ الأشياءَ بالكَلامِ الأزلِيّ، معناه: بالحُكمِ الأزَليّ، تَكَلَّم في الأزَلِ فوُجِدَ العالَم، هذا معناهُ: اللهُ حَكَمَ، والحُكمُ كَلامُه، حَكَمَ بِوُجودِ العالَـم بوُجِدَ العالَـمُ».

[10])) قال النوويّ في شرح مُسلِم (16/132) والحافظ العسقلانيّ في الفتح (13/384): «مَعناهُ: تَقَدَّسْتُ عنهُ وتَعالَيتُ، والظُّلمْ مُستحِيلٌ في حَقِّ اللهِ سُبحانَه وتعالَى». وقال الزَّركشيّ في تشنيف الـمَسامع (4/706): «ويَستحِيل وَصفُه بالظُّلم أي شَرعًا وعَقلًا».

[11])) أي: حكَمْتُ بِتَحرِيمِه علَيكُم تَحريمًا غَلِيظًا جِدًّا.

[12])) قال ابن علّان في شرح الرياض (2/223): «(فَلا تَظَالَمُوا) بفَتح التاء وتخفِيف الظّاءِ على الأشهَر، ورُوِي بتَشديدِها، ففِيه حَذفُ إحدَى التاءَين وإدغامُها في الظّاءِ، أي: لا يَظلِمْ بَعضُكم بَعضًا». والخِطابُ للثَّقَلَينِ، قاله الطِّيبيّ في شرح المشكاة (6/1837).

[13])) قال الصَّرْصّرِيّ في التّعيين في شرح الأربعِين (1/188): «(تُخْطِئُونَ بِاللَّيلِ وَالنَّهارِ)، أي: تَصدُر مِنكُم الخَطِيئة لَيلًا ونَهارًا، مِن بَعضِكُم لَيلًا ومِن بَعضِكُم نَهارًا».

[14])) قال شيخنا رحمه الله: «(وَلا أُبالِي)، أي: ال يَضُرُّنِي ذلكَ، فهو عزَّ وجلَّ فَعّالٌ لِـمَا يُرِيدُ، والخَلقُ كُلُّهم عَبِيدٌ له».

[15])) يعني: أنّه خَلَقَ البَشَرَ والجِنَّ والبهائِمَ كُلَّهم ذَوِي فَقْرٍ إلى الطّعامِ، فكُلُّ طاعِمٍ كانَ جائِعًا حتَّى يُطعِمَهُ اللهُ بِسَوْقِ الرِّزقِ إلَيه وتَصحيحِ الآلاتِ الَّتِي هَيَّأَها له.

[16])) قال المناوي في التيسير (2/184): «(فاسْتَطْعِمُونِي) اطلُبوا مِنّي الطّعامَ (أُطْعِمْكُم) أُيَسِّر لكُم أسبابَ تَحصِيلهِ».

[17])) أي: كلُّكُم مُحتاجٌ إِلَيّ في سَترِ العَورةِ، فمَنْ لَـم أَكْسُهُ فهو عارٍ لا يَكسُوه أحَدٌ.

[18])) قال الملّا عليّ في المرقاة (4/1612): «أي: اطلُبوا مِنّي الكِسوةَ». وقال ابنُ هُبَيرة في الإفصاح (2/187): «الكِسَا مِن اللهِ تعالَى مُتنوِّعةٌ، فقَد يَكْسُو مَن عَرِيَ جَسَدًا وقد يَكسُو بالسِّترِ الجَمِيل».

[19])) أي: الـمَوجُودِين مِنكُم ومَن سَيُوجَد، أو الأمواتَ والأَحياءَ، وعلى كِلًا التَّفسِيرَين المرادُ جَمِيعُكُم.

[20])) هو تَعمِيمٌ بَعدَ تَعمِيمٍ أو تَفصِيلٌ وتَبْيينٌ، قاله الملّا عليّ في «المرقاة» (4/1613).

[21])) قال ابن علّان في الفتوحات (7/395): «أي: أرضٍ واحِدةٍ ومَقامٍ واحدٍ».

[22])) بكَسرِ الـمِيمِ الإِبْرَةُ.

[23])) معناهُ: لا يَنقُصُ شيئًا ألبتَةَ، أي: ولو سألُوني فأعطَيتُ كلَّ سائِلٍ مِنهُم مَسؤُولَه مِن خزائِن نَعْمائِي لا يَنقُصُ ذلكَ مِنها شيئًا ألبتّةَ بسبَبِ الإعطاءِ، كما أنّ الإبرَة إِذَا أُدخِلَتِ البَحرَ ثُـمّ أُخرِجَتْ لا تَنقُصُ في رأْيِ العَينِ مِن البَحرِ شيئًا، ويُفهم مِن ذلك أنّ الله تعالَى لا يَعجِزُ عن الخَلْقِ والرَّزْقِ وال يُنقِصُ إنعامُه علَى العِبادِ شيئًا مِن صِفَتِه بَعدَ وُجدِ النّعَم.

[24])) أي: جَزاءُ أعمالِكُم.

[25])) أي: أَضْبِطُها بعِلْمِي وتَحْفَظُها علَيكُم مَلائِكَتِي.

[26])) قال الملّا عليّ في المرقاة (4/1614): «أي: أُعطِيكُم جَزاءَ أعمالِكُم وافِيًا تامًّا».

[27])) أي: تَوفِيقًا للخَيرِ مِن رَبِّه.

[28])) أي: علَى تَوفِيقِه إيّاهُ لِلخَيرِ.

[29])) أي: شَرًّا أو أعَمَّ منه، قاله الملّا عليّ في «المرقاة» (4/1614).

[30])) لأنّ الفِعلَ صَدَرَ مِن نَفْسِه.

قال شيخنا رحمه الله: «(فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ) معناه: مَن عمِل الحسَناتِ والطّاعاتِ وتَجنَّبَ المعاصِيَ فلَيحمَدِ اللهَ الّذِي وَفَّقَه لذلكَ، (وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ)، أي: مَن كان عمَلُه خِلافَ ذلك فلا يَلُومَنّ إلّا نَفْسَه، أي: أنَّ الله ليسَ ظالـمًا له ولكِن هو ظَلَم نَفْسه، ولا يُقالُ: لِـمَ لَـم يَجْعَل كُلَّ العِبادِ طائعِينَ كالملائكةِ، لأنّه يَفعَلُ ما يُرِيد، فمَن قال ذلك اعتِراضًا على اللهِ يَكفُر، أمّا إذا قال ذلكَ واحِدٌ لِيَعرِفَ الحِكمةَ فَلا يَكفُر».

[31])) قال المناويّ في التيسير (2/259): «(جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ)، أي: قَعَد علَيهِما وعَطَفَ ساقَيهِ إلى تَحتِه».