وقَد ثَبَت سَماعُ الشَّعْبِيّ عن علِيّ، لكِن يُمكِنُ الجَمعُ بَين ما نَقَلَه وبين ما نَقَلَه غَيرُه بأنْ يَكُونَ تَوقَّف ثُمّ جَزَمَ، وصَحَّ عن ابنِ عُمرَ كالأوَّلِ، أخرجَه سعِيدُ بنُ مَنصُورٍ أيضًا.
ويقولُ ابنُ عَبّاسٍ: «هذا قولُ جَماعةٍ مِن الصّحابةِ وأكثَرِ التّابِعِين».
وأمّا مَن قالَ: «هيَ ظِهارٌ» فجاءَ عن أبِي قِلابةَ أحَدِ التّابعِينَ ونَسَبَه ابنُ جَرِيرٍ إلى ابنِ عَبّاسٍ وساقَ بسَنَدِه إلى إسماعِيلَ بنِ إسحاق القاضِي في كتابِ «أحكامِ القُرءانِ» لهُ بِسَندٍ صَحِيحٍ إلى ابنِ عَبّاسٍ قال: «إذَا قالَ الرَّجُلُ: هذَا الطَّعامُ حَرامٌ عَلَيَّ ثُمّ أكَلَه فعَلَيهِ عِتقُ رَقَبةٍ أو صِيامُ شَهرَينِ مُتَتابِعَين أو إطعامَ سِتِّينَ مِسكِينًا».
قلتُ: وفي تَسمِيةِ هذا ظِهارًا نَظَرٌ؛ فإنّ كَفّارةَ الظِّهارِ مُرَتَّبةٌ، وهذا ظاهِرُه التَّخيِيرُ. سلَّمْنا([20])، لكِن يَحتمِلُ أن يَكُونَ ابنُ عبّاسٍ فَرَّقَ بينَ تَحرِيم الـمَرأةِ وتَحرِيم الطَّعامِ، وهو أَولَى مِن جَعلِ كَلامِه مُختلِفًا، والعِلمُ عِندَ اللهِ تَعالَى.
ويُمكِنُ الجَمعُ بَين القولَين بالحَملِ علَى الطافِح والنَّشْوانِ([22]).
[1])) أي: غَير مُحرِمَين بِنُسُكٍ.
[2])) أي: الواسِطةَ، قاله الملّا عليّ في «المرقاة» (5/1854).
[3])) قال النوويّ في تهذيب الأسماء واللُّغات (2/355): «(بِسَرِفٍ) بسِينٍ مُهمَلةٍ مَفتُوحةٍ ثُمّ راءٍ مكسُورةٍ ثُمّ فاءٍ، وهو ماءٌ بينَه وبينَ مكّةَ عشَرةُ أميالٍ، وقيل: على سِتّةِ أميالٍ مِن مكّةَ، وقيل: سَبعةٍ، وقيل: تِسعةٍ، وقيل: اثْنا عشَر. قُلتُ: وهو إلى جِهةِ الـمَدينةِ».
[4])) أي: اترُكِ الباقِياتِ مِنهُنّ.
[5])) هو قاتِلُ الأسَودِ العَنْسِيّ الكذّابِ مُدَّعِي النّبُوّةِ.
[6])) أي: تزوَّجَ الأُختَين قبلَ إسلامِه، ثُم أسلَم وهُما تَحتَه.
[7])) أي: مَهرُ مِثلِها.
[8])) قال السُّيوطي في قُوت الـمُغتَذِي (1/332): «(فَإِنِ اشْتَجَرُوا)، أي: اختَصَم الأَولِياءُ أيُّهُم يُزَوِّجُ».
وقال ابن الأثير في النهاية (2/446): «واشْتَجَر القومُ وتَشاجَروا إذا تَنازَعوا واختلَفوا».
[9])) قال الشهاب الرَّملي في شرح أبي داود (9/348): «فيه دِلالةٌ على أنّ المرأةَ لا تُزوِّجُ نَفسَها ولا غيرَها؛ إذْ لَو كان لها وِلايةٌ لَمَا نُقِلَتِ الوِلايةُ عَنها إلى السُّلطانِ بل كانتْ هي وَليّةَ نَفسِها وكانتْ أَولَى مِن السُّلطانِ. وقال أبو حَنِيفةَ: لَهَا أنْ تُزوِّجَ نَفسَها وغيرَها لِقَولِه تعالَى: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [سُورة البقرة: 232] فأضاف النِّكاحَ إلَيهِنّ».
وقال المناوي في التّيسير (1/411): «(وَالسُّلْطَانث وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ)، أي: وَلِيُّ كُلِّ امرأَةٍ ليسَ لها وَلِيٌّ خاصٌّ».
[10])) قال في تاج العَروس (31/381): «والجُذامُ عِلَّةٌ تَحدُثُ مِن انتِشارِ السَّوداءِ في البدَنِ كُلَّهِ فيَفسُدُ مِزاجُ الأَعضاءِ وَهَيأَتُها، ورُبّما انتَهَى إلى تَقَطُّع الأعضاءِ وسُقُوطِها عن تَقَرُّحٍ، وإنّما سُمِّيَ به لِتَجَذُّم الأصابعِ وتَقَطُّعِها».
[11])) قال في تاج العَروس (17/486): «البَرَصُ داءٌ مَعْرُوفٌ أَعاذَنا اللهُ مِنهُ ومِن كُلِّ داءٍ، وهو بَياضٌ يَظْهَرُ في ظاهِرِ البَدَنِ». والبرَصُ مُستحِيلٌ علَى الأنبِياءِ علَيهِمُ الصّلاةُ والسّلامُ كسائِر الأمراضِ الـمُنفِّرةِ الّتي لا تَجوزُ علَيهِم.
[12])) أي: النِّكاحُ.
[13])) قال في تاج العَروس (30/3): «داءٌ عُضالٌ شَدِيدٌ مُعْيٍ غالِبٌ». قال الخطّابِي في غرِيبِ الحدِيث (2/200): «وداءٌ عُضالٌ أي: شَدِيدٌ لا يَقبَلُ الدَّواء».
[14])) أي: طَلاق ثَلاث.
[15])) وفي رواية: «قال في الَّذِي يُحَرِّمُ أَهلَه: هِي طالِقٌ ثَلاثًا».
[16])) قال الحُسامُ ابنُ مازةَ الحنفيّ في شرح أدَب القاضِي (ص24): «يعنِي إنْ شِئتَ أنْ تَجتهدَ فاجتَهِدْ رَجاءَ أنْ تُوفَّقَ للصَّوابِ فيَكُونَ لك أَجْرانِ، وإنْ شِئتَ أنْ تَمتنِعَ مِن الاجتِهادِ مَخافةَ أنْ تُقصِّرَ في طرِيقِه فتُخطِئَ الحَقَّ».
[17])) أي: قال لها: «أنتِ علَيَّ حَرامٌ».
[18])) قال النوويّ في شرح مُسلِم (10/73): «اختلَف العُلَماءُ فيما إذَا قال لِزَوجتِه: أنتِ علَيَّ حَرامٌ؛ فمذهبُ الشافعِيّ أنّه إنْ نوَى طَلاقَها كان طلاقًا، وإنْ نوَى الظِّهارَ كان ظِهارًا، وإن نوَى تحرِيمَ عَينِها بِغَيرِ طَلاقٍ ولا ظِهارٍ لَزِمَه بنَفسِ اللَّفظِ كفّارُة يَمِينٍ ولا يَكُون ذلك يَمِينًا، وإنْ لَم يَنْوِ شيئًا ففِيه قَولان للشافعيّ: أصحُّهُما: يَلزَمُه كَفّارةُ يَمِينٍ، والثّاني: أنّه لَغْوٌ لا شيء فيه (أي: مِن الكفّارة)، ولا يَترتَّب عليه شيءَ مِن الأحكامِ، هذا مَذهبُنا، وحكَى القاضِي عِياضٌ في المسألةِ أربعةَ عشَر مَذهبًا».
[19])) قال شيخنا رحمه الله: «{أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}، أي: قُدْوةٌ حسَنةٌ. هذِه الآيةُ القُرءانِيّةُ تَدُلّ علَى أنّه يجِبُ اتِّباعُ الرَّسولِ r فيما أمَرَ بِه وفيمَا نَهَى عنه إنْ كان ذلكَ الشيءُ ذُكِرَ في القُرءانِ أو لَم يُذكَرْ، ليسَ كما يَقُول بعضُ الـمُلحدِينَ: «ما وجَدْناه في القُرءانِ أخَذْنا بِه، أمّا ما لَم نَجِدْه في القُرءانِ لا نأخذُ به»، مَعنى الآيةِ اتَّبِعُوا الرَّسوُلَ مُطلَقًا، أنتُم مأمُورُونَ بالاقتِداءِ برَسولِ الله r فِيمَا يُبلِّغُه عن اللهِ مِن تَحلِيلٍ أو تَحرِيمٍ أو غَيرِ ذلكَ».
[20])) أي: لَو سَلَّمْنا.
[21])) قال ابنُ الملقِّن في التّوضيح (25/287): «والإجماعُ قائِمٌ علَى أنّ طَلاقَ المجنُونِ والـمَعتُوهِ غيرُ واقعٍ».
وقال شيخنا رحمه الله: «الطّلاقُ في شَرعِ اللهِ تعالى يقَع مِمَّن هو بالِغٌ عاقِلٌ، أمّا الـمَجنونُ فلا يقَعُ طَلاقُه، والصَّبِيُّ الّذي زَوَّجَه أَبُوه قبلَ البُلوغِ لا يقَعُ طلاقُه، والـمُكرَهُ لا يقَعُ طلاقُه تحتَ التَّهدِيد، إذَا قِيلَ له: قلْ: طَلَّقتُ امرأَتِي ثَلاثًا وإِلّا قتَلْناكَ فقال: طَلَّقتُ امرأَتِي ثَلاثًا خَوفَ القَتلِ فلا يقَعُ طَلاقُه. أمّا الغَضْبانُ فيقَعُ طَلاقُه مَهْمَا كانَ مُحتَدًّا بالغضَبِ. كذلك لا يقَعُ طَلاقُ مَن سَبَقَ لِسانُ÷ في حالِ الغضَبِ أو في غَيرِ ذلكَ، سبَقَ لِسانُه فنَطَقَ بِالطَّلاقِ بِلا إرادةٍ، حتّى كَلِمةُ الكُفرِ إذَا نَطَقَ بِها شَخصٌ بِلا قَصدٍ ولا إِرادةٍ كأنْ يُرِيدَ أنْ يَقُولَ: إِبليسُ لَعنةُ اللهِ علَيهِ فسَبقَ لِسانُه فقال: علَيه السّلامُ، هذا سَبْقُ لِسانٍ. أمّا السَّكْرانُ إذَا كان لا يَدرِي ما يَقُول فنَطَقَ بالطَّلاقِ في تِلكَ الحَالِ ثُمّ قيلَ له: أنتَ طَلَّقتَ امرأَتَك قُلتَ لامرأَتِك: أنتِ طالِقٌ، فقال: متَى؟ قِيل له: ساعةَ كذَا وكذَا، وهو لا يَذكُر أنّه حَصَل مِنهُ هذَا لأنّ السُّكرَ أخَذَ مِنهُ ما أَخَذَ، هذا فيه خِلافٌ عِندَ الفُقهاءِ؛ القَولُ الرّاجِحُ عند الشافعيّةِ أنّه يَقَعُ طَلاقُه لأنّنا لا نَكُونُ علَى يَقِينٍ بأنّه كان ذاهِبَ العَقلِ عِندَما نَطَقَ بالطَّلاقِ، ما يُدْرِينَا بأنّه كان واعِيًا ثُمّ هو ادَّعَى أنّه لَم يَكُن واعِيًا؟ لذلك في مذهبِ الشافعِيّة يَعتبِرُون طلاقَ السَّكرانِ واقِعًا، أمّا بَعضُ الـمَذاهِب كمَذهبِ الإمام أحمدَ بن حَنبلٍ لا يَقَعُ لأنّ السُّكرَ يُغَيِّبُ العَقلَ، والعَقلُ هو مَدارُ التَّكلِيف، إذَا ذَهَب العَقلُ ذَهَبَ التَّكلِيفُ، لذلكَ إذًَا قتلَ الـمَجنونُ إنسانًا فلا يُقتَلُ إنّما تُؤخَذُ الدِّيةُ مِن مالِه».
[22])) الطّافِحُ الّذي امتَلَأَ، والنَّشْوانُ الّذي أَسكَرَتْهُ الخَمرةُ.
[23])) كانتْ تحتَ أبِي عَمرِو بنِ حَفصِ بنِ الـمُغِيرةِ فَطَلَّقَها ءاخِرَ ثَلاثِ تَطلِيقاتٍ، واسمُ أبِي عَمرٍو عبدُ الحَمِيد بنُ عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ حَرامٍ، قاله الحافظُ العسقلانيّ في «الإصابة» (5/171).
[24])) قال الخطيب البَغداديُّ في الأسماء الـمُبهَمة (4/291): «اسمُ القائِفُ مُجَزِّزٌ الـمُدلِجِيُّ».
وقال شيخنا رحمه الله: «القِيَافَةُ هي تَتبُّع أثَر الشّخصِ، يُعرَف بِها النَّسَب بالنّظَر إلى الأقدامِ والآثارِ، ويَثبُت بها النَّسَب عِندَ الإمامِ الشافعِيّ. كانَ في العرَب أُناسٌ إذَا شُكَّ في نسَبِ ولَدٍ مِن أبِيه يَطلُبون هذا القَائِفَ فيَمشيانِ أَمامَه هذا الولَدُ وهذا الرّجُل فيَنظُر في أثَرِهِما فيَقولُ هذا مِن هذَا أو يَقولُ هذا ليسَ مِن هذَا. لـمّا طعَن بَعضُ النّاس بأسامةَ بنِ زَيدٍ أنّه في نسَبِه مِن أَبِيه زَيدِ بنِ حارِثةَ شيءٌ، وكانَ لونُه غيرَ لونِ أَبِيهن طعَنُوا فيه، والرَّسولُ r عالِـمٌ جازمٌ بأنّ أسامةَ ابنُ زَيدٍ، فأرادَ r أنْ يُبعِدَ عنه هذا الاتّهامَ الخبِيثَ الّذي لا يَستنِدُ إلى دَلِيلٍ فدَعا شَخصًا مِن القافةِ مِن بَنِي مُدْلِجٍ فنَظَرَ إلى قدَمِه وقدَمِ أَبِيه فقال: هذِه الأقدامُ بَعضُها مِن بعضٍ، فسَكَتُوا، لأنّ العرَب يَعتَقِدونَ بهذِه الأشياءِ اعتِقادًا جَازمًا».
[25])) قال في تاج العَرُوس (22/261): «النّطْع بالكَسرِ وبافَتحِ وبالتّحرِيك وكَعِنَبٍ أربعُ لُغاتٍ على ما نَصَّ عليه الجوهرِيُّ والصاغانِيُّ وابنُ سِيدَه، وهو بِساطٌ مِن الأَدِيم مَعرُوفٌ»، قال شيخُنا: «وجَزَم الشِّهابُ وغَيرُه بأنّ الأفصحَ منها هو النِّطضعُ كَعِنَبٍ، وحكَى الزَّركشِيُّ فيه سَبعَ لُغاتٍ أكثَرُها في شُروحِ الفَصِيح».