الخميس يناير 2, 2025

الْوَكِيْلُ: هوَ الكفيلُ بأرزاقِ العِبادِ والعالِمُ بأحوالِهم ﭧﭐﭨ ﭐﱡﭐﲴ ﲵ ﲶﲷ([1]). وقالَ تَعَالَى:ﭐﱡﭐﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ  ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ([2]) فَهَذِهِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ لِلمُؤَمِّنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلًا كَبِيرًا إِذَا تَوَكَّلُوا عَلَى الله تَعَالَى وَعَمِلُوا بِمُقْتَضَى هَذِهِ الآيَاتِ، تَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَلَا تُطِعِ الكَافِرِينَ وَلَا تُطِعِ المنَافِقِينَ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلًا فَهُوَ نِعْمَ الموكولُ إِلَيْهِ الأُمُورُ.

           أَمَرَنَا اللهُ أَنْ نَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ فَهُوَ الموكولُ إِلَيْهِ كُلُّ شَىءٍ مِنْ أُمُورِنَا، وَالتَّوَكُّلُ هُوَ الاعْتِمَادُ عَلَى الله تَعَالَى، فَالله تَعَالَى هُوَ الرازقُ وَهُوَ الرَّزَّاقُ، تَوَكَّلْ عَلَى اللهِ يَا عَبْدَ اللهِ فِي رِزْقِكَ وَفِي عَمَلِكِ، خُذْ بِالأَسْبَابِ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ قَالَ تَعَالَى:ﭐﱡﭐﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄﲅ([3]) وقَالَ تَعَالَى: ﱊ  ﱋ ﱌ ﱍﱎ([4])، التَّوَكُّلُ هُوَ الاعْتِمَادُ، فَيَجِبُ عَلَى العَبْدِ أَنْ يَكُونَ اعْتِمَادُهُ عَلَى اللهِ لِأَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَىءٍ مِنَ المنَافِعِ وَالمضَارِّ وَسَائِرِ مَا يَدْخُلُ فِي الوُجُودِ فَلَا ضَارَّ وَلَا نَافِعَ عَلَى الحَقِيقَةِ إِلَّا اللهُ، فَإِذَا اعْتَقَدَ العَبْدُ ذَلِكَ وَوَطَّنَ قَلْبَهُ عَلَيْهِ وكَانَ اعْتِمَادُهُ عَلَى اللهِ فِي أُمُورِ الرِّزْقِ وَالسَّلَامَةِ مِنَ المضَارِّ، فَجُمْلَةُ التَّوَكُّلِ تَفْوِيضُ الأَمْرِ إِلَى الله تَعَالَى وَالثِّقَةُ بِهِ مَعَ مَا قَدَّرَ لِلعَبْدِ مِنَ التَّسَبُّبِ أَيْ مُبَاشَرَةِ الأَسْبَابِ فَالله تَعَالَى فَرَضَ عَلَى المؤْمِنِينَ أَنْ يَتَوَكَّلُوا عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ فَقَالَ فِي سُورَةِ المجَادلَةِ: ﱡﭐ   ([5])، أَيُّ ضَرَرٍ يَحْصُلُ فاللهُ خَالِقُهُ أَيُّ نَفْعٍ يَحْصُلُ فاللهُ خَالِقُهُ وَالَّذِي يَشْهَدُ هَذَا شُهُودًا ذوقيًّا يَعْنِي الَّذِي يَقْوَى هَذَا فِي قَلْبِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُقْبِلًا إِلَى الآخِرَةِ، لَا يَكُونُ مُعَلَّقَ القَلْبِ بِهَذِهِ الدُّنْيَا وَجَمْعِ الأَمْوَالِ فِيهَا فَإِنَّ البَعْضَ لِعَدَمِ تَوَكُّلِهِ عَلَى اللهِ يَسْتَقِلُّ مَا يَأْتِيهِ مِنَ المالِ فَيَتَّجِهُ لِأَخْذِ المالِ الحَرَامِ والانغماسِ فِي الشَّهَوَاتِ.قَالَ الفُقَهَاءُ: “التَّوَكُّلُ سَبَبٌ لِنَيْلِ الرِّزْقِ”. وَقَالَ البَيْهَقِيُّ: قَالَ الجنيدُ: “لَيْسَ التَّوَكُّلُ الكَسْبَ وَلَا تَرْكَ الكَسْبِ التَّوَكُّلُ شَىءٌ فِي القُلُوبِ”، وَقَالَ أَيْضًا: “إِنَّمَا هُوَ سُكُونُ القَلْبِ إِلَى مَوْعُودِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ”، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ تَجْرِيدُ هَذَا السُّكُونِ عَنْ الكَسْبِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّوَكُّلِ بَلْ يَكْتَسِبُ بِظَاهِرِ العِلْمِ مُعْتَمَدًا بِقَلْبِهِ عَلَى الله تَعَالَى كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: اكْتَسِبْ ظَاهِرًا وَتَوَكَّلْ بَاطِنًا، فَهُوَ مَعَ كَسْبِهِ لَا يَكُونُ مُعْتَمَدًا عَلَى كَسْبِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ اعْتِمَادُهُ فِي كِفَايَةِ أَمْرِهِ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ”([6]).اهـ فَالتَّوَكُّلُ مَحَلُّهُ القَلْبُ وَالحَرَكَةُ بِالظَّاهِرِ لَا تُنَافِي التَّوَكُّلَ بِالقَلْبِ، قَالَ سَهْلُ ابنُ عَبْدِ اللهِ رَحِمَهُ اللهُ: “التَّوَكُّلُ أَنْ يَسْتَوِيَ عِنْدَكِ الإِكْثَارُ وَالإِقْلَالُ”([7]).اهـ يَقُوْلُ تَعَالَى فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ:  ﱡﭐﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜﲝ ﲞ ﲟ  ﲠ ﲡﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨﲩ([8]). وقد رُوى عَنْ أَبِي ذَرٍّ  قَالَ: “جَعَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَتْلُو عَلَيَّ هَذِهِ الآيَةَ: ﱡﭐﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏﲐ حَتَّى فَرَغَ مِنْ الآيَةِ ثُمَّ قَالَ: ((يَا أَبَا ذَرٍّ لَوْ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ أَخَذُوا بِهَا لَكَفَتْهُم)) قَالَ: فَجَعَلَ يَتْلُو بِهَا وَيُرَدِّدُهَا” ([9]). فلا يَتركُ العاقلُ وَاجبًا مَهمَا كَانَ ولَا يَأتِي مَعصِيةً مَهمَا كَانتْ صَغيرةً أو كَبيرةً، وَلَا يَخْشَى فِي ذَلِكَ تَغَيُّرَ الزَّمَانِ بَلْ يَتَوَكَّلُ عَلَى اللهِ فِإِنَّ الأَمْرَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ أيْ فَهُوَ كَافِيْهِ، رُويَ عَنْ أَمِيْرِ المؤْمِنِينَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ  أَنَّهُ قَالَ: “سَمِعْتُ النَّبيَّ ﷺ يَقُولُ: ((لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا([10]) وَتَرُوحُ بِطَانًا ([11])))([12]).

وَقَالَ رَجُلٌ لِحَاتِمٍ الأَصَمِّ: “بَلَغَنِي أَنَّكَ تَجُوزُ المفَاوزَ([13]) بِغَيْرِ زَادٍ، فَقَالَ: بَلْ أَجُوزُهَا بالزادِّ، وَإِنَّمَا زادي فِيهَا أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ، قَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَ: أَرَى الدُّنْيَا كُلَّهَا مُلْكًا للهِ، وَأَرَى الخَلْقَ كُلَّهُمْ عِبَادَ اللهِ، وَأَرَى الأَرْزَاقَ كُلَّهَا بِيَدِ اللهِ، وَأَرَى قَضَاءَ اللهِ نَافِذًا فِي كُلِّ أَرْضٍ للهِ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: نِعْمَ الزادُ زَادُكَ يَا حَاتِمُ، أَنْتَ تَجُوزُ بِهِ مَفَاوزَ الآخِرَةِ”([14]).اهـ

ورُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ أَنَّهُ قَالَ: ((وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى النَّاسِ فَلْيَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ([15]))).



 سورة النساء / 132.([1])

 سورة الأحزاب / 45-48.([2])

 سورة التوبة / 51.([3])

 سورة آل عمران / 122.([4])

 سورة المجادلة / 10.([5])

 شعب الإيمان للبيهقي ج 2 ص 96.([6])

 التشرف بذكر أهل التصوف ص55.([7])

 سورة الطلاق / 2-3.([8])

المستدرك على الصحيحين للحاكم ج 2 ص 533. ([9])

 ([10]) أى تخرج في أولِ النهار وليس في بطونِها أكلٌ.

 ([11]) أي وترجع إلى أعشاشها وقد امتلأت بطونها.

 مسند أحمد ج1 ص51.([12])

([13]) قال ابن منظور: والمَفازَةُ: واحدةُ المفاوِزِ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَنها مَهْلَكة مَنْ فَوَّزَ أَي هَلَكَ، وَقِيلَ: سُمِّيَتْ تَفَاؤُلَا مِنَ الفَوْزِ النَّجاةِ.اهـ لسان العرب ج5 ص392.

 تاريخ بغداد ج 8 ص 236.([14])

المستدرك للحاكم ج 4 ص 300. ([15]