الْمُنْتَقِمُ: هوَ
الذي يبالغُ في العقوبةِ لمن يشاءُ مِنَ الظَّالمينَ وهوَ الحَكَمُ العَدلُ قالَ
تعالَى: ﭐﱡﭐ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱠ([1])
وقالَ تعالَى: ﱡﭐ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﱠ([2])
فاللهُ
تعالى يُنْزِلُ العقوبةَ على مَنْ يشاءُ مِنَ الظالمينَ الذينَ صدُّوا عنْ سبيلِه
وقاتَلوا أنبياءَه تعالَى وتولَّوا وسعَوا في الأرضِ مفسدينَ، فكمْ مِنْ جبارٍ قصمَهُ
اللهُ، وكمْ مِنْ عاتٍ ردَّ كيدَهُ، وكمْ مِنْ متجبرٍ أذَّلَّهُ اللهُ فسبحانَ
المنتقمِ الجبارِ الذي لا يُعجزُهُ شىءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ.
رَوَى
ابنُ ماجَهْ أَنَّ الرَسُولَ ﷺ
قالَ: ((ثَلاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٍ لا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ
الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ))([3])،
وَفِي بَعْضِ الرِّوايات: ((عَلَى وَلَدِهِ([4])))([5])
المظْلُومُ إذا دعَا على ظالِمِهِ فدعاءُه مستجابٌ بمشيئةِ اللهِ تعالى.
فاللهُ
عزَّ وجلَّ هوَ المنتقمُ الذي انتقمَ ممنْ كفروا بأنبياءِ اللهِ تعالى، وبعضُهمُ
انتقمَ اللهُ منهمْ في الدنيا، كقومِ نوحٍ عليهِ السلامُ عندَما كذَّبوه وبقوا على
عبادةِ الأوثانِ الخمسةِ، وهوَ كانَ لا يَملُّ منْ دعوتِهم إلى الإسلامِ، وهمْ
يقابلونَه بالسبِّ والشتمِ وأحيانًا يضربونَه، بقيَ صابرًا على هذا تسعَمِائةٍ
وخمسينَ سنةً، ما ءامنَ بهِ إِلَّانحوٌ مِنْ ثمانينَ شخصًا، اللهُ أنزلَ عليهِ
الوحيَ بأَنَّه لا يؤمنُ منهمْ إِلَّاالقدرُ الذينَ ءامنوا، وبعدَ أنْ عَلِمَ هذا
دَعَا عليهم أنْ لا يتركَ اللهُ منهم أحدًا على الأرضِ، واستجابَ اللهُ دعاءَه، كلُّ
أولئكَ حتى الأطفالُ اللهُ أهلكَهم لأَنَّ اللهَ علمَ أَنَّ أطفالَهم لو كبروا لا
يؤمنونَ، اللهُ أهلَكَهم بالغرقِ، أمرَ الأرضَ فارتفعَ ماؤُها أربعينَ ذراعًا،
وأمرَ السماءَ فصارتْ تمطرُ قطراتٍ كلُّ قطرةٍ كالجبلِ ليسَ كالعادةِ، اجتمعَ ماءُ
الأرضِ وماءُ السماءِ، فغطَّى جبالَ الأرضِ كلَّها، أمَّا نوحٌ ومَنْ ءامنَ معَهُ
اللهُ نَجَّاهم، فقدْ أَمَرَهُ أنْ يعملَ السفينةَ، والكفارُ كانوا يسخرونَ منهُ
وهوَ يعملُ السفينةَ، لكنَّ اللهَ نَجَّاهُ ومَنْ ءامنَ بهِ وأهلكَ البقيةَ حتى
ابنَه أَدرَكَهُ الغرقُ لأَنَّه كفرَ([6]).اهـ
وقدْ قيلَ: (الكامل)
واعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ
مُنتَقِمٌ فَاجْعَلْ تُقَاةَ
اللهِ مَهْرَبَكَا
ووردَ عَنْ
عَبْدِ اللهِ بنِ مسعودٍ أَنَّ النَّبِيَّ
ﷺ كَانَ
إِذَا خَافَ قَوْمًا([7])
قَالَ: ((اللهُمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ
شُرُورِهِمْ([8])))([9]).
فَائِدَةٌ:
قالَ ملَّا عليٌ القارئُ: وإنْ خافَ مِنْ عدوٍّ وغيرِه فقِراءَةُ: ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱠ([10])
أمانٌ مِنْ كلِّ سوءٍ مجربٌ([11])،
قالَ النوويُّ رحمهُ اللهُ في الأذكارِ: هوَ مَنْ قولِ أبي الحسينِ القزوينيِّ
الإمامِ السيدِ الجليلِ والفقيهِ الشافعيِّ صاحبِ الكراماتِ الظاهرةِ والأحوالِ
الباهرةِ والمعارفِ المتظاهرةِ([12]).اهـ
فاللهُ تعالى منتقمٌ ينتقمُ لعبادِه
وأنبيائِه ممنْ ظلَمَهم، يُذكَرُ أَنَّ الملكَ الظالمَ في زمنِ نبيِّ اللهِ
يحيى وزكريا عليهما السلامُ أمرَ بقتلِ يحيى عليهِ السلامُ والإتيانِ برأسِه، فقُتلَ يحيى عليهِ السلامُ
على أيدي هذهِ الفئةِ الظالمةِ وهوَ في الصلاةِ وذُبحَ ذبحًا، ثم قُدِّمَ رأسُه
إلى الملكِ في الطبقِ والدمُ ينزفُ منهُ، فلمَّا رأتِ المرأةُ الباغيةُ التي قُتلَ
يحيى عليهِ السلامُ بسببِها الرأسَ قالتْ: اليومَ قَرَّتْ عيني، وانتقَمَ اللهُ
تعالى لنبيِّه يحيى عليهِ السلامُ، فلمَّا
صعدتْ هذهِ المرأةُ إلى سطحِ قصرِها سقطتْ منهُ إلى الأرضِ وكانَ هناكَ كلابٌ
ضاريةٌ فوثبَتِ الكلابُ عليها فأكَلَتها وهيَ تنظرُ إليهم وكانَ ءاخرَ مَا أُكِلَ
منها عيناها، وبعدَه قُتِلَ أبوهُ زكريا عليهِ السلامُ فسلَّطَ اللهُ تباركَ
وتعالى عليهِم أخبثَ أهلِ الأرضِ فانتقمَ منهُم، واللهُ عزيزٌ ذو انتقامٍ.
دُعَاءٌ: اللَّهُمَّ يَا قَوِيُّ يَا مَتِيْنُ يَا
مُنْتَقِمُ انْتَقِمْ مِنَ الظَالِمِينَ الذينَ يَقْتُلُوْنَ المسْلِمِيْنَ
وَيَظْلِمُوْنَهُمْ بِغَيْرِ حَقٍّ
يَا اللهُ.
أَيِ
الْخَوْفَ الطَّبِيعِيَّ، وَلَيْسَ خَوْفَ الْجُبْنِ لأَنَّهُ مَعْصُومٌ مِنْهُ
هوَ وكلُّ الأنبياءِ صلواتُ ربِّي وسلامُهُ عليهِمْ. ([7])