السبت مارس 22, 2025

الْضَّاْرُ الْنَّاْفِعُ: هوَ القادرُ على أنْ يضرَّ مَنْ يشاءُ وينفعَ مَنْ يشاءُ هوَ سبحانَهُ خالقُ المضارِّ وخالقُ المنافعِ وخالقُ كلِّ مَا يدخلُ في الوجودِ فلا ضارَّ ولا نافعَ على الحقيقةِ إلا اللهُ، أيْ يخلقُ الضرَّ والنفعَ، وهذا الذي عليهِ المسلمونَ، ولا يعارضُ هذا الأخذَ بالأسبابِ فقد يُبتَلى الشخصُ بأنْ تصيبَه العينُ والحسدُ مِنْ بعضِ الناسِ فيلبسُ الحروزَ ويعملُ الرقيا الشرعيةَ، وكذلكَ المؤمنُ يلتمسُ البركةَ ممَّا لامَسَهُ الأنبياءُ والصالحونَ واعتقادُه أَنَّهُ لا نافعَ ولا ضارَّ على الحقيقةِ إِلَّااللهُ تعالى.

فَائِدَةٌ: الصحابةُ رضوانُ اللهِ عليهم كانوا على التبركِ بآثارِ رسولِ اللهِ فعَنْ أَنَسِ ابْنِ مَالِكٍ  أَنَّ رَسُولَ اللهِ أَتَى مِنًى فَأَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا ثُمَّ أَتَى مَنْزِلَهُ بِمِنًى وَنَحَرَ، ثُمَّ قَالَ لِلْحَلَّاقِ: خُذْ وَأَشَارَ إِلَى جَانِبِهِ الأَيْمَنِ ثُمَّ الأَيْسَرِ ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النَّاسَ([1]).اهـ وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ  قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ يَدْخُلُ بَيْتَ أُمِّ سُلَيْمٍ فَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِهَا وَلَيْسَتْ فِيهِ، قَالَ: فَجَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ فَنَامَ علَى فِرَاشِهَا فَأُتِيتْ فَقِيلَ لَهَا: هذَا النَّبِيُّ نَامَ فِي بَيْتِكِ عَلَى فِرَاشِكِ، قَالَ: فَجَاءَتْ وَقَدْ عَرِقَ، وَاسْتَنْقَعَ عَرَقُهُ علَى قِطْعَةِ أَدِيمٍ عَلَى الْفِرَاشِ فَفَتَحَتْ عَتِيدَتَهَا فَجَعَلَتْ تُنَشِّفُ ذلِكَ الْعَرَقَ فَتَعْصِرُهُ فِي قَوَارِيرِهَا، فَفَزِعَ النَّبِيُّ فَقَالَ: ((مَا تصْنَعِين يَا أُمَّ سُلَيْمٍ)) فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ نَرْجُو بَرَكَتَهُ لِصِبْيَانِنَا. قَالَ: ((أَصَبْتِ))([2]).اهـ وعنْ عَونِ بنِ أبي جُحَيفَةَ عنْ أبيهِ قالَ: ((رأيتُ رسولَ اللهِ في قُبَّةٍ حَمراءَ مِن أدَمٍ ورأيتُ بِلالًا أخذَ وَضوءَ رسولِ اللهِ ورأيتُ الناسَ يَبْتَدِرونَ ذاكَ الوَضوءَ، فمَن أصابَ منهُ شَيئًا تمسَّحَ به ومَن لم يُصِبْ منهُ شيئًا أَخَذَ مِن بَلَلِ يَدِ صاحبهِ، ثُمَّ رأيتُ بِلالًا أَخَذ عَنَزَةً([3]) فرَكزَها، وخَرجَ النبيُّ في حُلَّةٍ حمراءَ مُشَمِّرًا صلَّى إِلى العَنزَةِ بالناسِ رَكعتينِ ورأيتُ الناسَ والدَّوابَّ يَمُرُّونَ مِن بينِ يَدَيِ العَنَزَةِ))([4]).اهـ وعنِ السائبَ بنِ يَزِيدَ  يقولُ: ذَهَبتْ بي خالَتي إِلى النبيِّ فقالتْ: يا رسولَ اللهِ إِنَّ ابنَ أُختي وَجِعٌ، فمسحَ رأسي وَدَعا لي بالبرَكةِ ثُمَّ تَوَضَّأ فشَرِبتُ مِن وَضُوْئِهِ ثُمَّ قمتُ خَلفَ ظَهرِه فنَظَرتُ إِلى خاتمِ النبوَّةِ بينَ كَتِفَيهِ مِثلُ زِرِّ الحَجَلةِ))([5]).اهـ فالصحابةُ يتبركونَ بآثارِ النبيِّ معَ اعتقادِهم أَنَّ الذي يَخْلُقُ الضرَّ والنَّفْعَ هُوَ اللهُ.

وَأمَّا عنْ جوازِ لبسِ الحروزِ التي فيها قرآنٌ للبركةِ وللعلاجِ مِنَ الحسدِ والعينِ ونحوِ ذلكَ فأدلةُ جوازِهِ كثيرةٌ معَ اعتقادِ أَنَّ اللهَ هوَ خالقُ المضارِّ والمنافعِ وسائرِ ما يدخلُ في الوجودِ، فعنْ عمروِ بنِ شعيبٍ عنْ أبيهِ عنْ جدِّه قالَ: كانَ رسولُ اللهِ يعلمُنا كلماتٍ نقولُهُنَّ عندَ النومِ مِنَ الفَزَعِ، وفي روايةِ إسماعيلَ: إذا فزعَ أحدُكم فليقلْ: ((أَعُوْذُ بِكَلِمَاْتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وَمِنْ شَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِيْن وَأَنْ يَحْضُرُوْنَ))، وكانَ عبدُ اللهِ بنُ عمروٍ  يعلمُ مَنْ بلغَ مِنْ بنيهِ أنْ يقولَها عندَ نومِه ومَنْ لم يبلغْ كَتَبَهَا ثُمَّ علَّقَها في عنقِهِ. قالَ الحافظُ ابنُ حجرٍ: هذا حديثٌ حسنٌ أخرجَهُ الترمذيُّ([6]) عنْ عليِّ ابنِ حجرٍ عنْ إسماعيلَ بنِ عباسٍ، وأخرجَهُ النَّسائيُّ ([7]) عنْ عمروِ بنِ عليٍّ الفلاسِ عنْ يزيدَ بنِ هارونَ.اهـ وفي كتابِ العللِ ومعرفةِ الرجالِ عنْ عبدِ اللهِ بنِ أحمدَ بنِ حنبلٍ قالَ: حدثَني أبي، قالَ: حدثَنَا يحيى بنُ زكريا بنِ أبي زائدةَ، قالَ: أخبَرَنِي إسماعيُل بنُ أبي خالدٍ، عنْ فراسٍ، عنِ الشعبيِّ قالَ: لا بأسَ بالتعويذِ مِنَ القرءانِ يُعَلَّقُ على الإنسانِ([8]). اهـ. أمَّا الذي لا يجوزُ تعليقُهُ فقدْ قالَ الحافظُ ابنُ حجرٍ العسقلانيُّ ما نصُّه: والتمائمُ جمعُ تميمةٍ وهيَ خرزٌ أوْ قلادَةٌ تُعَلَّقُ في الرأسِ كانوا في الجاهليةِ يعتقدونَ أَنَّ ذلكَ يدفعُ الآفاتِ، والتِّوَلَةُ بكسرِ المثناةِ وفتحِ الواوِ واللامِ مخففًا شىءٌ كانتِ المرأةُ تجلبُ بهِ محبةَ زوجِها وهوَ ضربٌ مِنَ السحرِ، وإنما كانَ ذلكَ مِنَ الشركِ لأَنَّهم أرادُوا دفعَ المضارِّ وجلبَ المنافعِ مِنْ عندِ غيرِ اللهِ، ولا يدخلُ في ذلكَ مَا كانَ بأسماءِ اللهِ وكلامِهِ([9]). اهـ

دُعَاءٌ: يَا اللهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِيْنَ أَبْعِدْ عَنَّا كُلَّ ضرٍّ وَيَسِّرْ لَنَا كُلَّ خَيْرٍ يَا أَرْحَمَ الْرَّاْحِمِيْنَ.



 ([1]) صحيح مسلم كتاب الحج باب بيان أن السنة يوم النحر أن يرمي ثم ينحر ثم يحلق.

 صحيح مسلم كتاب الفضائل باب طيب عرق النبيّ ﷺ، والتبرك به. ([2])

 قال الزبيدي: العَنَزَةُ : عصًا فـي قَدْر نصف الرُّمْـح.اهـ تاج العروس ج11 ص173.([3])

صحيح البخاري كتاب الصلاة باب الصلاةِ في الثوبِ الأحمَرِ. ([4])

صحيح البخاري كتاب الوضوء باب استعمال فَضلِ وَضوءِ الناسِ. ([5])

 سنن الترمذي ج9 ص404.([6])

 السنن الكبرى للنسائي ج6 ص191.([7])

 العلل ومعرفة الرجال لأحمد بن حنبل ج 1 ص 32.([8])

 فتح الباري لابن حجر العسقلاني ج 10 ص 196.([9]