الإثنين يونيو 16, 2025

الْشَّهِيْدُ: هوَ الذي لا يَغِيبُ عَنْ عِلمِهِ شَىءٌ  ﭧﭐﭨ ﱡﭐﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡﱢ([1]) وقالَ تعالَى: ﭐﱡ ﲶ ﲷ  ﲸ ﲹ ﲺﲻ([2]) وقالَ تعالَى: ﱡﭐﳦ ﳧ ﳨ ﳩ([3])، فَالله تَعَالَى عَالمٌ بِكُلِّ شَىءٍ وَهُوَ الذِي لَا يَغِيبُ عَنْ عِلْمِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ العَالِمُ لَا يَغِيبُ عَنْ عِلْمِهِ شَىءٌ مِنَ المعْلُومَاتِ مِمَّا كَانَ وَيَكُونُ وَسَيَكُونُ ([4]) قَالَ البَيهَقِيُّ: “الشَهِيدُ: هوَ الذِي لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَىءٌ”([5]).

دَعْوَةٌ لِلْتَأَمُّلِ: اذْكُرْ أَخِي المسْلِمَ تَقَلُّبَكَ فِي اللَّيْلِ والنّهارِ وَعَجْزَكَ وَضَعْفَكَ وَافْتِقَارَكَ إِلَى اللهِ تَعَالَى وَتَذَكَّرْ أَنَّ اللهَ رَبَكَ هُوَ الموْصُوفُ بِالعِلْمِ وَالسَّمْعِ وَالبَصَرِ وَالقُدْرَةِ وَكَلُّ ذَلِكَ لَيْسَ كَصِفَاتِ الخَلْقِ فَالله يَسْمَعُ المسْمُوعَاتِ كُلَّهَا مِنْ غَيْرِ أُذُنٍ وَآلَةٍ وجَارِحَةٍ بَلْ صِفَاتُهُ لاتُشْبِهُ صِفَاتِ الخَلْقِ وَعِلْمُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالسَّرَائِرِ وَمَا فِي الضَّمَائِرَ، وَأَحَاطَ بِالأَوَّلِ وَالآخَرِ وَالبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ والخفيّاتِ والجَلياتِ وَالممْكِنَاتُ وَالمسْتَحِيلَاتُ وَمَا يَكُونُ وَمَا لا يَكُوْنُ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﭐﱡﭐ  ﲿﳀ   ﳅﳆ     ([6]). فاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلِمَ مَا كَانَ وَمَا سَيَكُونُ وَمَا لَا يَكُونُ لَوْ كَانَ كَيْفَ يَكُونُ بِعِلْمٍ وَاحِدٍ أَزَليٍّ غَيْرِ مَخْلُوقٍ، سُبْحَانَ اللهِ رَبِّي، الوَرَقَةُ لَا تَسْقُطُ مِنَ الشَّجَرَةِ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَالهَمْسَةُ الخَفِيَّةُ تَظهرُ بِعِلْمِهِ وَخَلْقِهِ وَالكَلِمَةُ تُقَالُ بِعِلْمِهِ وَتَقْدِيرِهِ وَخَلْقِهِ وَالنِّيَّةُ تُعْقَدُ في القَلْبِ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيكِ شِفَاهٍ بِعِلْمِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَالقَطْرَةُ الضَّئِيلَةُ تَنْزِلُ وَتَتَحَرَّكُ بِعِلْمِهِ وَالخُطْوَةُ تُنْقَلُ بِعِلْمِهِ وَخَلْقِهِ بَلْ تَقْلِيبُ البَصَرِ الَّذِي لَا يُحصيهِ أَحَدٌ بِخَلْقِهِ وَمَشِيئَتِهِ، أَلَا تَرَى تَحَرُّكَ عَيْنِكَ يَمْنَةً وَيَسْرَةً وَفَوْقَ وَتَحْتَ وَمَرَّةً تَنْظُرُ إِلَى الأُفْقِ وَأُخْرَى إِلَى أَنْفِكَ كُلُّ ذَلِكَ بِمَشِيئَتِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﭧﭐﭨ ﱡﭐ ([7]) سُبْحَانَهُ العَظِيمُ القَدِيرُ، سُبْحَانَهُ العَلِيمِ الشَّهِيدِ الَّذِي يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ، فاللهُ تعالى هوَ الشهيدُ على خلقِهِ الذي لا يغيبُ عنهُ شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ، ﭧﭐﭨ ﱡﭐ          ﱅﱆ    ﱈﱉ         ([8]).

فَائِدَةٌ مِنْ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيْمَةِ: قَالَ إِمَامُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ النُّعْمَانُ ابنُ ثَابِتٍ الْكُوفِيُّ  وَأَرْضَاهُ عَنِ الله تَعَالَى إِنَّهُ شَىءٌ لَا كَالأَشْيَاءِ([9]).اهـ وَاستَدَلَّ بِهَذِهِ الآيَةِ: ﱡﭐ          ﱅﱆ    ﱈﱉ         ([10])، وَتَمَامُ قَوْلِهِ هُوَ: “وَهُوَ شَىءٌ لَا كَالأَشْيَاءِ ومعنى الشىءِ إثباتُهُ بلا جسمٍ ولا جَوهرٍ ولا عَرَضٍ، ولا حدَّ لهُ، ولا ضِدَّ لَهُ، ولا نِدَّ لهُ، ولَا مِثْلَ لَهُ”.اهـ مُعَنَاهُ بِاخْتِصَارٍ: يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: اللهُ شَىءٌ أَيْ مَوْجُودٌ، وَهَذَا مَعْنَى الشىءِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَلَيْسَ مَعْنَى الشىءِ عِبَارَةً عَنْ مَخْلُوقٍ كَمَا يتوهَمُ كَثِيرٌ مِنْ الجُهَّالِ، فَقُول أَهْلِ السُّنَّةِ عَنِ اللهِ تَعَالَى: “شَىءٌ لَا كَالأَشْيَاءِ”، هُوَ كَقَوْلِهِمْ “مَوْجُودٌ لَا كَالموْجُودَاتِ”، أَيْ لَيْسَ جِسْمًا وَلَا حَجْمًا وَلَا عَرَضًا وَلَا يُشْبَهُ الأَجْسَامَ وَلَا يَحْوِيهِ مَكَانٌ وَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ زَمَانٌ  ﱡﭐ    ﱒﱓ          ([11]).

     وَاللهُ تَعَالَى شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ فَهُوَ يَعْلَمُ الكُلِّيَّاتِ وَالجُزْئِيَّاتِ فَمَنْ عَلِمَ هَذَا وَشَهِدَهُ بِقَلْبِهِ كَيْفَ يَعْصِيهُ سُبْحَانَهُ قَالَ تَعَالَى: ﭐﱡﭐ       ﲿ              ﳇﳈ                  ([12]).

          وَلْيُعْلَمْ أَنَّ الخَوْفَ مِنَ اللهِ وَالتَّمَكُّنَ فِي خَشْيَتِهِ لَهُ أَثَرٌ عَلَى العَبْدِ فَقَدْ وَرَدَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رضيَ اللهُ عنْهَا أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: ((أُنَبِّئُكُمْ بِخِيَاركُمْ؟)) قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: ((خِيَارُكُمُ الَّذِينَ إِذَا رُؤُا ذُكِرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ))([13])، معنى قَولِهِ : ((إِذَا رُؤُا)) أَيْ أَنَّهُمْ مِنَ الخَشْيَةِ وَالخَوْفِ مِنَ اللهِ أَوْ مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ اللهِ أَنَّ النَّاسَ يَذْكُرُونَ اللهَ عِنْدَ حُضُورِهِمْ، فَالأَخْيَارُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ الله تَعَالَى وَيَخَافُونَهُ فِي السِرِّ وَالعَلَنِ وَيَسْتَحْضِرُونَ مَعْنى أَنَّ اللهَ شَهِيدٌ عَلَى كُلِّ شَىءٍ عَالِمٌ بِكُلِّ شَىءٍ هُمُ الَّذِينَ إِذَا تَكَلَّمُوا كَانَ كَلَامُهُمْ لِعِزِّ الإِسْلَامِ وَنَجَاةِ النُّفُوسِ وَصَلَاحِهَا لَا لِعِزِّ النُّفُوسِ وَطَلَبِ الدُّنْيَا، وَكَانُوا لِعِلْمِهِمْ مُسْتَعْمِلِينَ وَلِرَأْيِهِمْ مُتَّهِمِينَ وَلِسَبِيلِ أَسْلَافِهِمْ مُتَّبَعِينَ وَبِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ مُتَمَسِّكِينَ، الخُشُوعُ لِبَأْسِهِمْ والورعُ زِينَتُهُمْ وَالخَشْيَةُ حِلْيَتُهُمْ، كَلَامُهُمْ الذِّكْرُ وَصَمَتُهُمُ الفِكْرُ نَصِيحَتُهُمْ لِلنَّاسِ مَبْذُولَةٌ وَشُرُورُهُمْ عَنْهُمْ مَخْزُونَةٌ وَعُيُوبُ النَّاسِ عِنْدَهُمْ مَدْفُونَةٌ، أَوْرَثُوا جُلَّاسَهُمُ الزُّهْدَ فِي الدُّنْيَا لِإِعْرَاضِهِمْ وَإِدْبَارِهِمْ عَنْهَا، وَرَغَّبُوهُمْ فِي الآخِرَةِ لِإِقْبَالِهِمْ وَحِرْصِهِمْ عَلَيْهَا. نسألُ اللهَ تعالَى أنْ يجعلَنا منهم.



(2) سورة الحج / 17.

(3) سورة آل عمران / 98.

(4) سورة النساء / 79.

 ([4]) قال الحافظ أبو منصور البغدادي: وأجمع أهل الحق أن علم الله واحد قد علم به جميع معلوماته ما كان منها وما يكون وما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون.اهـ أصول الدين للبغدادي ص 95.

(6) الاعتقاد للبيهقي ص59.

سورة الأنعام / 59. ([6])

سورة الأنعام / 110. ([7])

 سورة الأنعام / 19.([8])

الفقه الأكبر لأبي حنيفة / 26. ([9])

سورة الأنعام / 19. ([10])

 سورة الشورى / 11.([11])

سورة فصلت / 53. ([12])

سنن ابن ماجه ج 2 ص 1379. ([13]