الجمعة يناير 3, 2025

الْشَّكُوْرُ: هوَ الذي يُثيبُ على اليسيرِ مِنَ الطَّاعَةِ الكثيرَ مِنَ الثَّوابِ ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﲂ ﲃ ﲄ  ﲅﲆ([1]) فَالله تَعَالَى يُثِيبُ على القَلِيلِ مِنَ العَمَلِ كَثِيرًا مِنَ الأُجُورِ ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ  ﱴ ﱵﱶ([2]) فَقَدْ يَعْمَلُ العَبْدُ عَمَلًا قَلِيلًا يَكُونُ سَبَبًا فِي نَجَاتِهِ مِنَ النَّارِ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى فَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: ((مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَتِرَ مِنَ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ([3]))) فَقَدْ تَتَصَدَّقُ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَتَكونَ سَبَبًا فِي وِقَايَتِكَ مِنَ النَّارِ، لِذَلِكَ يَنْبَغِي لِلعَاقِلِ أَنْ لَا يَسْتَقِلَّ مِنَ الحَسَنَاتِ بَلْ يَسْتَكْثِرَ مِنْهَا فَعَنْ أَبِي ذَرٍ  قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ : ((لا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ([4])))، وَمِنْ جُمْلَةِ مَا يَسْتَكْثِرُ الشَّخْصُ مِنْهُ بَلْ هُوَ مِنْ أَولَى الأَعْمَالِ حُضُورُ مَجَالِسِ عِلْمِ الدِينِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ الشَّخْصُ قَاصِرَ الرَّغْبَةِ فِي الازْدِيَادِ مِنَ العِلْمِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: “إِنَّ أَولَى مَا صُرِفَتْ فِيهِ نفائسُ الأَيَّامِ وَأَعْلَى مَا خُصَّ بِمَزِيدِ الاهْتِمَامِ الاشْتِغَالُ بِالعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ المتَلَقَّاةِ عَنْ خَيْرِ البَرِّيَّةِ ﷺ وَلَا يَرْتَابُ عَاقِلٌ أَنَّ مَدَارَهَا كِتَابُ اللهِ المقتفى وَسُنَّةُ نَبِيِّهِ المجتبى ([5])“.اهـ وقالَ الحافظُ ابنُ حجرٍ أيضًا: “قولُه عزَّ وجلَّ: ﱡﭐﱐ ﱑ ﱒ ﱓﱔ([6]) وَاضِحُ الدِّلَالَةِ فِي فَضْلِ العِلَمِ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ نَبِيَّهُ ﷺ بِطَلَبِ الازْدِيَادِ مِنْ شَىءٍ إِلَّا مِنَ العِلْمِ، وَالمرَادُ بِالعِلْمِ العِلْمُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي يُفِيدُ مَعْرِفَةَ مَا يَجِبُ عَلَى المكَلَّفِ مِنْ أَمرِ دِينِهِ فِي عِبَادَاتِهِ وَمُعَاملَاتِهِ وَالعِلْمِ بِاللهِ وَصْفَاتِهِ وَمَا يَجِبُ لَهُ مِنَ القِيَامِ بِأَمْرِهِ وَتَنْزِيهِهِ عَنِ النَّقَائِصِ([7])“.اهـ فَالعَبْدُ الشَّاكِرُ للهِ تَعَالَى هُوَ الَّذِي تَعْلَّمَ مَا يَجِبُ وَأَدَّاهُ وَتَعَلَّمَ مَا يَحْرُمُ وَاجْتَنَبَهُ، وَقَدْ جَاءَ فِي وَصْفِ نُوحٍ عَلَيْهِ السلامُ: ﱡﭐﱫ ﱬ ﱭ ﱮﱯ([8])، يقولُ الزَّبيدِيُّ: “ونُوحٌ: بالضَّمِّ اسْمُ نَبِيٍّ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ اسْمُهُ عَبْدُ الشَّكُورِ أَوْ عَبْدُ الغَفَّارِ([9])“.اهـ قالَ القرطبيُّ: “ قَالَ سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ: لِأَنَّهُ كَانَ يَحْمَدُ اللهَ عَلَى طَعَامِهِ. وَقَالَ عِمْرَانُ بِنُ سُلَيمٍ: إِنَّمَا سُمِّيَ نوحٌ عَبْدًا شَكُورًا لِأَنَّهُ كَانَ إِذَا أَكَلَ قَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي وَلَوْ شَاءَ لأجاعَني وَإِذَا شَرِبَ قَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي سَقَانِي وَلَوْ شَاءَ لأظمأني وَإِذَا اكْتَسَى قَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي كَسَانِي وَلَوْ شَاءَ لأَعْرَانِي وَإِذَا احْتَذَى قَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي حَذَانِي وَلَوْ شَاءَ لأَحْفَانِي وَإِذَا قَضَى حَاجَتَهُ قَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَخْرَجَ عَنِّي الأَذَى وَلَوْ شَاءَ لَحَبَسَهُ فِيَّ([10])“اهـ

فائدةٌ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ غَنَّامٍ الْبَيَاضِيِّ([11])  أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: ((مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ: اللَّهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْكَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ، فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ يَوْمِهِ، وَمَنْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ حِينَ يُمْسِي فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ لَيْلَتِهِ([12]))).اهـ  

       وَقَالَ سَهْلُ بنُ عَبْدِ الله التستريُّ رحمَهُ اللهُ: “الشُّكْرُ: هُوَ شُكْرُ النِّعْمَةِ وَحِفْظُ المِنَّةِ”([13]).اهـ وَقَالَ الجنيدُ: “كُنْتُ بَيْنَ يَدَيِ السَّرِيِّ أَلْعَبُ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ جَمَاعَةٌ يَتَكَلَّمُونَ فِي الشُّكْرِ فَقَالَ لِي: يَا غُلَامُ مَا الشُّكْرُ فَقُلْتُ: أَنْ لَا تَعْصِيَ اللهَ بِنِعَمِهِ”، وَقَالَ أَيْضًا: الشُّكْرُ أَنْ لَا يُسْتَعَانَ بِشَىءٍ مِنْ نِعَمِ اللهِ تَعَالَى عَلَى مَعَاصِيهِ”([14]).اهـ

فائدةٌ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَجْزِي بِالفِعْلِ القَلِيلِ الخَيْرَ الكَثِيرَ مَا وَرَدَ عَنْ أَبِي أمامةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : ((مَنْ صَلَّى صَلاةَ الغَدَاةِ في جَمَاعَةٍ، ثُمَّ جَلَسَ يَذْكُرُ اللهَ حَتّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ انْقَلَبَ بِأَجْرِ حَجَّةٍ وعُمْرَةٍ)) ([15])، أي مِنَ النوافلِ([16]).وكذلكَ ما وردَ عنْ عُبادةَ بنِ الصَّامتِ  قالَ: سمعتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: ((مَنِ اسْتَغْفَرَ لِلْمُؤمِنِينَ والمُؤْمِنَاتِ، كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ حَسَنَةً([17])))، فأيُّ ثوابٍ هذا الذي ننالُه بجهدٍ يسيرٍ قليلٍ فَمَنْ عَرَفَ هذا لا ينبغي أنْ يُضيِّعَ أنفاسَهُ في غيرِ طاعةِ اللهِ والاغترافِ مِنَ الخيراتِ.

مِنْ خَوَاصِّ اِسْمِ اللهِ “الشَّكُورِ”: التَّوْسِعَةُ وَوُجُودُ العَافِيَةِ فِي البَدَنِ، بِحَيْثُ لَوْ كَتَبَهُ مَنْ بِهِ ضِيقٌ نَفْسِيٌّ أَوْ تَعَبٌ فِي البَدَنِ وَثِقَلٌ فِي الجِسْمِ وَتَمَسَّحَ بِهِ وَشَرِبَ مِنْهُ برىء. ([18])

دُعَاءٌ: اَللَّهُمَّ يَا غَفُورُ يَا شَكُورُ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ يَا اللهُ.



([1])  سورة فاطر / 34.

 سورة النساء / 40.([2])

صحيح مسلم كتاب الزكاة باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة. ([3])

صحيح مسلم كتاب البر والصلة باب استحباب طلاقة الوجه عند اللقاء. ([4])

مقدمة فتح الباري وأسماها “هدي الساري” ص 8. ([5])

 سورة طه / 114.([6])

فتح الباري كتاب العلم ج1 ص 196. ([7])

 سورة الإسراء / 3. ([8])

تاج العروس للزبيدي ج7 ص199. ([9])

الجامع لأحكام القرآن ج 10 ص 213. ([10])

([11]) عبد الله بن غنام له صحبة، وقيل: عنام بدري، وهو ابن أوس بن عمرو بن مالك بن بياضة.اهـ معرفة الصحابة لأبي نعيم باب الغين من باب العين.

سنن أبي داوود ج13 ص413. ([12])

 التشرف بذكر أهل التصوف ص 55.([13])

 تفسير النسفي ج 3 ص 406.([14])

 قال الهيثمي: رواه الطبراني وإسناده جيد.اهـ مجمع الزوائد للهيثمي ج10 ص 133.([15])

 ([16]) قال محمد أنور شاه الكشميري: التشبيه يمكن أن يكون في إلحاق العبادة الصغيرة بالكبيرة لا بيان أن هذا المصلي أحرز ثواب حجة وعمرة.اهـ العرف الشذي بشرح سنن الترمذي ج2ص81.

قال الهيثمي: رواه الطبراني في معجمه وإسناده جيد.اهـ مجمع الزوائد ج10 ص352. ([17])

فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي ج2 ص490. ([18]