الْخَاْفِضُ الْرَّاْفِعُ:
هوَ الذي يُخْفِضُ الجبارينَ
ويُذِلُّ المتكبرينَ ويرفَعُ أولياءَهُ بالطاعةِ فيُعلي مراتِبَهُم([1])
قالَ البيهقيُّ:
“الخافضُ الرافعُ: فالخافضُ هوَ الذي يخفضُ من يشاءُ بانتقامِه، والرافعُ هوَ
الذي يرفعُ مَنْ يشاءُ بإنعامِه”([2]).اهـ
فالتقيُّ رفيعُ الرتبةِ بالتقوى والعاصي مخفوضُ الدرجةِ بالمعاصي والعياذُ باللهِ
تعالى، فكمْ مِن متكبرٍ كافرٍ تكبَّرَ على اللهِ وعلى رسولِه أذلَّه اللهُ تعالى
فهذا أبو لهبٍ عدوُّ اللهِ وعدوُّ رسولِه ﷺ
لم يخرجْ معَ المشركينَ في بدرٍ بسببِ مرضٍ أصابَه وأنابَ غيرَه، يُروى عنِ ابن
عباسٍ رضيَ اللهُ عنهما أَنَّه قالَ: “فواللهِ ما عاشَ إلا سبعَ ليالٍ –أي
أبو لهبٍ بعدَ غزوةِ بدرٍ- حتى ضربَه اللهُ بالعدسةِ([3])
فَقَتَلَتْهُ فلقدْ تركَه ابناهُ ليلتينِ أو ثلاثةً ما يدفِنَاهُ حتى أَنْتَنَ
فقالَ رجلٌ مِنْ قريشٍ لابنَيه: ألا تستحيانِ إِنَّ أباكُما قدْ أنتنَ في بيتِه.
فقالا: إِنَّا نخشى هذهِ القرحةَ، وكانتْ قريشٌ يتقونَ العدسةَ كمَا يتقونَ
الطاعونَ، فقالَ رجلٌ: انطلِقَا فأنَا معَكُما قالَ فواللهِ ما غسلُوه
إلا قذفًا بالماءِ عليهِ مِن بعيدٍ ثم احتَمَلُوه فقذفُوه في أعلى مكةَ إلى جدارٍ
وقذفوا عليهِ الحجارةَ”([4]).
فسبحانَ الخافضِ الرافعِ الذي يرفعُ مَن يشاءُ ويخفضُ مَن يشاء.
ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﳟ ﳠﳦﱠ([5])
فأهلُ العلمِ المخلصونَ اللهُ رفعَ
درجاتِهم يومَ القيامةِ واللهُ تعالى يرفعُ المؤمنينَ الصالحينَ لأعالي الدرجاتِ
ويخفضُ الكفارَ لأسفلِ الدرجاتِ، وقدْ قيلَ: باللهِ عليكَ يا رفيعَ القدرِ بالتقوى
لا تبعْ عزَّها بذلِّ المعاصي ([6])،
كانَ في سلفِنا الصالحِ رجالٌ رفعَ اللهُ قدرَهم ومكانَتَهُم وذِكْرَهُم، فيروى
أَنَّه مرَّ أعرابيٌ على البصرةِ فقالَ: مَنْ سيِّدُ هذه البلدةِ؟ قيلَ لهُ:
الحسنُ البصريُّ([7])
وقالَ: وبِمَ سادَهُمْ؟ قالُوا: لأَنَّهُ استغْنَى عنْ دُنياهُمْ وافتقَرُوا إلى
عِلْمِهِ ([8]).
اهـ فاللهُ تعالى هوَ الذي رفعَ مقامَه بينَ الناسِ بسببِ علمِه وتقواهُ فبقيَ
ذِكْرُهُ إلى ما نَعُدُّ مِن الأيامِ، فسبحانَ الخافضِ الرافعِ الذي يرفعُ أقوامًا
ويضعُ آخرينَ. ﭧﭐﭨﭐ ﱡﭐﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁﱠ([9])
فعنْ أبي الدرداءِ عنِ النبيِّ ﷺ:
ﱡﭐﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀﲁﱠ قالَ
((مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَغْفِرَ ذَنْبًا وَيُفْرِّجَ كَرْبًا وَيَرْفَعَ
قَوْمًا وَيَضَعَ آخَرِينَ([10])))([11]).
دُعَاءٌ:
اللهُمَّ يَا رَافِعَ المتَّقِيْنَ وَالصَّالِحِيْنَ ارْفَعْ دَرَجَتَنَا فِي
الجَنَّةِ يَا اللهُ.
([1]) قال الرازي عن الله تعالى: وهو الذي يحط درجة أعدائه ويعلي منازل
أوليائه ومقاديرهم دنيا وآخرة جاها ومالا عملا واعتقادا.اهـ لوامع البينات في شرح
أسماء الله الحسنى والصفات للرازي ص 177.
([3]) قال ابن الأثير: “إن أبا لهب
رماه الله بالعدسة” وهي بثرة تشبه العدسة تخرج في مواضع من الجسد من جنس
الطاعون تقتل صاحبها غالبا. اهـ النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير ج 3 ص
190.
([7]) الحسن بن يسار البصري تابعي كان إمام أهل البصرة وأحد العلماء
الفقهاء الفصحاء الشجعان النساك. ولد بالمدينة سنة 21هـ وشب في كنف علي بن أبي
طالب، وعظمت هيبته في القلوب فكان يدخل على الولاة فيأمرهم وينهاهم لا يخاف في الحق
لومة. وكان أبوه من أهل ميسان مولى لبعض الأنصار توفي سنة 110هـ الأعلام للزركلي ج2 ص 226.