بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمدُ لله الذي لا نُحصي ءالاءَهُ بحَدّ، ولا نحصُر نَعْماءَهُ بِعَدّ، خالقِ الذَّواتِ والأعراضِ ببَديعِ صُنعتِهِ، ومُقَدِّر الأيامِ والشُّهورِ على وَفقِ عِلمهِ، مُكوِّرِ الليلِ على النهارِ، وبارئِ الظُّلماتِ والأنوارِ، المُنفَرِدِ بالخَلقِ والتكوينِ، الحاكمِ بين العبادِ يومَ الدين، جلَّ ربي عن المِثلِ والنَّديدِ، وتنزَّهَ عن التَّكييف والتحديدِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا ظهير، وأشهدُ أنّ سيدَنا محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ البشيرُ النذيرُ، صلى الله وسلمَ عليهِ وعلى ءاله وأصحابِهِ صلاةً أفُوزُ بها مِن الله بمغفرةٍ وأجرٍ كبير، وأنجُو بها في الآخرةِ من عذابِ السعير، وحسبُنا اللهُ تعالى ونِعمَ الوكيلُ، فنِعمَ المَولَى ونِعمَ النَّصير.
وبعدُ، فقد فضَّلَ اللهُ تعالى بِحِكمتِهِ بعضَ الأيامِ على بَعض، وجعلَ لبَعضِ الشُّهورِ على بعضٍ فضيلةً ومَزية، وذلكَ ليُقبِلَ العبادُ إلى إعمارِها تلكَ الأيام بالتَّعَبُّدِ والنَّيل من فضائِلها، فأقسَم عزّ وجل بالأيامِ العَشرِ الأُول من ذي الحجةِ، وفضَّلَ رمضانَ على سائرِ الشُّهورِ، وجعلَ الأشهُرَ الحرُمَ أربعةً دون البواقي، وخصَّ ليلةَ القدرِ بالشَّرفِ العظيمِ على غيرِها من الليالي، ورفعَ يومَ عرفةَ بالفضلِ على سائر أيامِ العامِ، كما خصَّ يوم الجُمعة بالفَضل على جميعِ أيامِ الأسبوع، {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يشاءُ ويَخْتارُ}.
وقد قال الله عزّ وجل في القرءان الكريم: {إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عندَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا في كتابِ اللهِ يومَ خلَقَ السمواتِ والأرضَ منها أربعةٌ حُرُمٌ} فجعلَ ضميرَ الأشهُر الحُرُم بالهاءِ والنُّون لقِلَّتِهِنّ وضميرَ شُهور العامِ الهاءَ والألِفَ لكثرتِها. والمرادُ بالشُّهور في الآيةِ شُهورُ العرَبِ الذين نزلَ القرءانُ بِلُغَتِهِم، ومَدارُها الأهِلَّةُ، سواءٌ جاءَ الشهرُ ثلاثينَ يومًا أو تسعةً وعِشرينَ.
ولمَّا كانَ شهرُ المُحرَّمِ خيرَ شُهورِ الأشهُرِ الحُرُم، وجاءَ في شأنِ العملِ بالطاعةِ فيه عدةُ أحاديثَ، قصدتُ جمعَ رسالةٍ في بعضِ ما يتعلَّقُ به من الفوائدِ والفضائلِ، راجِيًا منَ اللهِ بها النَّفعَ العميم، وأسألُه عزَّ وجلَّ الإخلاصَ في النيةِ وموافقةَ الحقّ في القولِ والعملِ، إنهُ كريمٌ وهّابٌ.