الخميس يناير 2, 2025

اللَّطِيْفُ: هوَ المحسِنُ إلى عبادِهِ في خَفاءٍ وسترٍ مِنْ حيثُ لا يحتسِبونَ ﭧﭐﭨﱡﭐﱜ ﱝ ﱞﱟ([1]) وقالَ تعالى:  ﭐﱡﭐﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒﱓ([2]) فكمْ مِنْ بلاءٍ صَرَفَهُ اللهُ تعالى وصاحبُه لا يدري وكمْ مِنْ نعمةٍ ساقَها اللهُ تعالى لعبدِه وهوَ لم يكنْ يحتسبُ ذلكَ وهذا مِنْ لُطْفِ اللهِ تعالى بعبادِهِ. قالُ البيهقيُّ: “قالَ الحليميُّ: وهوَ الذي يريدُ بعبادِهِ الخيرَ واليُسرَ ويقيضُ لهم أسبابَ الصلاحِ والبرِّ قلتُ (أيِ البيهقيُّ): أرادَ عبادَهُ المؤمنينَ خاصةً عندَ مَنْ لا يرى ما يُعطِيه اللهُ عزَّ وجلَّ الكفارَ مِنَ الدنيا أو أرادَ المؤمنينَ خاصةً في أسبابِ الدِّينِ وأرادَ المؤمنينَ والكافرينَ عامةً في أسبابِ الدنيا عندَ مَنْ يراها نعمةً في الجملةِ، وقالَ أبو سليمانَ فيما أخبرتُ عنهُ: اللطيفُ هوَ البَرُّ بعبادِه الذي يلطفُ بهم مِنْ حيثُ لا يعلمونَ ويُسَبِّبُ لهم مصالحَهم مِنْ حيثُ لا يحتسبونَ كقولِه تعالى:  ﭐﱡﭐﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿﲀ ﲁ ﲂ ﲃﲄ([3])([4]).اهـ

واللطيفُ مِنْ أسماءِ اللهِ تعالى ليسَ معناهُ لطيفَ الجسمِ كمَا نقولُ هذا جسمٌ لطيفٌ، فاللهُ تعالى منزَّهٌ عنِ الجسميةِ والشكلِ والصورةِ ليسَ كمثلِهِ شىءٌ وهوَ السميعُ البصيرُ، فالجسمُ اللطيفُ هوَ الذي لا يُضْبَطُ باليدِ كالضوءِ والظلامِ والملائكةِ، ويقابلُهُ الجسمُ الكثيفُ الذي يُضبَطُ باليدِ كالإنساِن والحجرِ والشجرِ والدوابِّ، واللهُ تعالى ليسَ جسمًا كثيفًا وليسَ جسمًا لطيفًا، ومَنْ نسبَ الجسميةَ لِله تعالى فهذا ليسَ مسلمًا فقدْ نقلَ الإمامُ السيوطيُّ عنِ الإمامِ الشافعيِّ  أَنَّه قالَ: لا يكفرُ أحدٌ مِنْ أهلِ القبلةِ، واستثنى مِنْ ذلكَ: المجسمَ، ومنكرَ علمِ الجزئياتِ([5]).اهـ وقالَ السيوطيُّ بعدَها: وقالَ بعضُهم: المبتدعةُ أقسامٌ: الأولُ: ما نكفرُه قطعًا، كقاذفِ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها ومنكرِ علمِ الجزئياتِ وحشرِ الأجسادِ والمجسمةِ والقائلِ بِقِدَمِ العالمِ ([6]).اهـ فاللهُ تعالى كانَ قبلَ الزمانِ وقبلَ المكانِ، وقبلَ الظلماتِ وقبلَ النورِ، فهوَ تعالى ليسَ مِنْ قبيلِ العالمِ الكثيفِ كالأرضِ، وليسَ مِنْ قبيلِ العالمِ اللطيفِ كالنورِ، لمخالَفَتِهِ للحوادثِ أيْ لمخالَفَتِهِ جميعَ المخلوقاتِ.

لَطِيْفَةٌ:  ﭧﭐﭨ ﭐﱡ ﭐﲧ ﲨ ([7]) فإذَا عَلِمْتَ يا عبدَ اللهِ إحسانَ اللهِ تعالى إليكَ الذي ساقَهُ لكَ وأنتَ لا تشعرُ ولا تدري، فَكُنْ محسنًا كمَا أحسنَ اللهُ إليكَ فقدْ ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﲽ ﲾ ﲿ  ﳀ ﳁ ﳂﳃ([8]) ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈﳉ  ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔﳕ([9]).

وَمِنْ لُطْفِ اللهِ بعبادِهِ أنْ أعطاهُم فوقَ الكفايةِ وكَلَّفَهُم دونَ الطاقةِ وسَهَّلَ لهم أرزاقَهم وسُبُلَ المعيشةِ في هذهِ الأرضِ، فاللهُ لطيفٌ بعبادِهِ في إيصالِ المنافعِ وصرفِ المضارِّ، وهوَ الذي يعفوْ عَمَّنْ يَهْفُوْ.

 فائدةٌ: يُحْكَى عَنْ بَعْضِ الصَّالِحَيْنَ أَنَّهُ قَالَ: “أَدْرَكَتْنِي ضَائِقَةٌ وَخَوْفٌ فَخَرَجَتُ هَائِمًا فَسَلَكتُ طَرِيقَ مَكَّةَ بِلَا زَادٍ وَلَا رَاحِلَةٍ فَمَشَيْتُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَلْمَّا كَانَ اليَوْمُ الرَّابِعُ اشتدَّ بِيَ العَطَشُ وَالحَرُّ فَخِفْتُ عَلَى نَفْسي الهَلَاكَ وَلَمْ أَجِدْ فِي البَرِّيَّةِ شَجَرَةً أَسْتَظِلُّ بِهَا فَجَلَسْتُ مُسْتَقْبِلًا القِبْلَةَ فَغَلَبَتْنِي عَيْنَاي وَأَنَا جَالِسٌ فَرَأَيْتُ شَخْصًا فِي المنَامِ فمدَّ يَدَهُ إلِيَّ وَصَافَحَنِي وَقَالَ: أبْشِرْ فَإِنَّكَ تَسْلَمُ وَتَزُورُ بَيْتَ اللهِ الحَرَامَ وَتَزُورُ قَبْرَ النَّبِيِّ فَقُلْتَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا الخَضرُ، فَقُلْتُ: اُدْعُ اللهَ لِي فَقَالَ لِي: قُلْ: (يَا لَطِيفًا بِخَلْقِهِ يَا عَلِيْمًا بِخَلْقِهِ يَا خَبِيرًا بِخَلْقِهِ أُلْطُفْ بِي يَا لَطِيْفُ يَا عَلِيْمُ يَا خَبِيْرُ) ثَلَاثًا، فَقلتهَا فَقَالَ لِي: هَذِهِ تُحْفَةٌ بِهَا غِنًى إِلَى الأَبَدِ فَإِذا لِحَقَكَ ضَائِقَةٌ أَوْ نزلَ بِكَ نَازِلَةٌ فَقُلْهَا تَكْفِي وَتَشْفِي ثُمَّ غَابَ عَنِّي، فَاسْتَيْقَظْتُ وَأَنَا أَقُولُهَا فَوَاللهِ مَا قُلْتُهَا عِنْدَ كُلِّ ضَائِقَةٍ وَشِدَّةٍ إِلَّا وَرَأيتُ مِنْ لُطْفِ اللهِ بِي مَا أعجزُ عَنْ وَصْفِهِ”([10]). وقدْ قالَ الجنيدُ([11]): لطفَ بأوليائِه فعرفُوهُ ولوْ لطفَ بأعدائِهِ ما جحدوهُ اهـ([12]).



سورة الأنعام / 103. ([1])

سورة الملك /  14. ([2])

سورة الشورى / 19. ([3])

الأسماء والصفات للبيهقي ج 1 ص 164. ([4])

الأشباه والنظائر في قواعد وفروع الفقه الشافعي للسيوطي ص598. ([5])

 ([6]) المرجع السابق.

 ([7]) سورة الرحمن / 60.

 ([8]) قال الطبري: ولا تترك نصيبك وحظك من الدنـيا، أن تأخذ فـيها بنصيبك من الآخرة، فتعمل فـيه بـما ينـجيك غدا من عقاب الله.اهـ جامع البيان في تأويل آي القرآن للطبري ج20 ص71.

 ([9]) سورة القصص / 77.

من كتاب (المنهج الحنيف من فوائد اسمه تعالى اللطيف) لأبي بكر الكتامي الشافعي. ([10])

 ([11]) الزاهد القطب شيخ العصر أَبو القاسم الجُنَيْد بن محمد القَواريري ولد ببغداد سنة سبع وقيل في سنة تسع ومائتين صحب السَّرِيَّ السَّقَطي والحارث المحاسِبِي وتفقه على أَبي ثَوْر، وله المقامات والكرامات والكلام النافع في الصدق والمعاملات، ومات في عَشْر الثمانين سنة ثمان وتسعين ومائتين.اهـ العبر في أخبار من غبر للذهبي ج1 ص435.

 تفسير النسفي ج4 ص149.([12]