خالف الألباني أهل الحديث بكتابته حرف «ص» عند ذكر اسم النبي ، فقال في هامش تعليقه على صحيح ابن خزيمة ما نصّه([1]): «انظر الفقرة 19 من كتابي «حجة النبي ص». ناصر» انتهى بحروفه. وناصر هو اسمه، أي: هو كاتب هذا التعليق، وقال أيضًا في الكتاب ذاته: «مفهومه أنه لا يجوز الزيادة على عدد ركعات ص، وهو الذي ذهبت إليه في رسالتي «صلاة التراويح» ناصر».اهـ. وكذلك كتب في تعليقه على كتاب «الكلم الطيب»([2]) لابن تيمية في مواضع عديدة وكثيرة، وفي كتابه «أحكام الجنائز»([3])، وكتابه «صحيح الجامع الصغير»([4])، وغيرها من كتبه.
الرَّدُّ:
عندما كتب الألباني ما نقلناه عنه كان مضى عليه كما ادعى نحوًا من عشرين سنة في دراسة علم الحديث، ومع ذلك خالف أهل الحديث في الأصول، وشذ عنهم، وهذا دلالة على أنه لم تنفعه مطالعته هذه السنن الكثيرة، إنما العبرة بالدراسة المعتبرة التي تكون على أيدي العلماء الذين يؤخذ العلم من أفواههم، ومسألتنا هذه يعرفها طلاب العلم فضلًا عن علمائهم، فهل حقيقةً صحت له دراسة مصطلح الحديث طوال هذه المدة؟!
وإليك أيها القارئ بعض أقوال أهل الحديث ننقلها من مصنفاتهم لتكون على بيّنة من دعاوى الأدعياء.
قال الحافظ السيوطي في «تدريب الراوي» ممزوجًا بمتن النووي([5]): «ويكره الاقتصار على الصلاة أو التسليم… و» يكره (الرمز إليهما في الكتابة) بحرف أو حرفين كمن يكتب صلعم (بل يكتبهما بكمالهما)».اهـ. وذكر مثله الحافظ زين الدين العراقي في شرح ألفيته في مصطلح الحديث.
وقال الحافظ السخاوي في «فتح المغيث»([6]) ممزوجًا بمتن الحافظ زين الدين العراقي: «(واجتنب) أيها الكاتب (الرمز لها)، أي: للصلاة على رسول الله في خطك بأن تقتصر منها على حرفين ونحو ذلك فتكون منقوصة صورة كما يفعله الكسائي والجهلة من أبناء العجم غالبًا وعوامّ الطلبة فيكتبون بدلًا عن «ص» أو «صم» أو «صلم» أو «صلعم»».اهـ.
قال الألباني في كتابه «إرواء الغليل» ما نصّه([7]): «هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين لولا أنّ ابن جريج عنعنه… قال: «إذا قلت: قال عطاء: فأنا سمعته منه وإن لم أقل سمعت» قلت: وهذه فائدة عزيزة فاحفظها، فإني كنت في غفلة منها زمنًا طويلًا ثم تنبهت لها، وبها تبين السر في إخراج الشيخين لحديث ابن جريج عن عطاء معنعنًا».اهـ.
وقال في كتابه المسمّى «سلسلة الأحاديث الصحيحة»([8]) ما نصّه: «كنت أوردت حديث المعلّى هذا في ضعيف الجامع الصغير مقتصرًا على قولي ضعيف، وكان ذلك بناء على تضعيفي قديمًا لحديث درّاج مخرجًا لهما في الضعيفة، رقم 3170»، ثم قال: «وهو([9]) وإن كان مال إلى تضعيف دراج مطلقًا كما كنت أنا عليه سابقًا».اهـ. وقال أيضًا([10]): «والذي أراه أنه([11]) حسن للخلاف المعروف في أبي السّمح اسمه درّاج، وقد كنت ضعفت حديثه هذا قديمًا كأحاديثه الأخرى ثم ترجّح عندي قول أبي داود في التفريق بين ما يرويه عن أبي الهيثم فضعيف وما يرويه عن ابن حجيرة فمستقيم».اهـ.
الرَّدُّ:
هذا يعني أنه مضى عليه سنوات عديدة في تضعيف كل حديث فيه رواية ابن جريج عن عطاء، سواء كان في الصحيحين أو غيرهما، وهذا يقتضي إبطال العمل بهذه الأحاديث كلها ما لم يصرّح ابن جريج بالتحديث أو لم يكن للحديث شاهد أو عاضد. وهذا شأن الذين يقرأون في الكتب من غير تلقٍّ عن العلماء.
وكذلك في تضعيفه كل أحاديث أبي السمح درَّاج، معرضًا عمّا ورد فيها من أحكام شرعية عن رسول الله ، لجهله بمراتب الرجال.
للذهبي كتاب سمّاه «ميزان الاعتدال» يتكلم فيه على الرواة ومراتبهم من حيث الجرح والتعديل، وأدخل فيه أيضًا رواة من أهل الثقة والعدالة للذّب عنهم، فقد قال في مقدمة كتابه([12]): «وفيه من تُكلّم فيه مع ثقته وجلالته بأدنى لين وباقل تجريح، فلولا أن ابن عدي أو غيره من مؤلفي كتب الجرح ذكروا ذلك الشخص لما ذكرته لثقته، ولم أر من الرأي أن أحذف اسم أحد ممن له ذِكْر بتليين ما في كتب الأئمة المذكورين خوفًا من أن يُتعقب عليّ، لا أني ذكرته لضعف فيه عندي».اهـ. وقال في ءاخر كتابه «الميزان»([13]): «تم الكتاب، فأصله وموضوعه في الضعفاء وفيه خَلْق كما قدّمنا في الخطبة من الثقات ذكرتهم للذبّ عنهم، ولأن الكلام فيهم غير مؤثر ضعفًا».اهـ.
الرَّدُّ:
أهل الحديث إذا رأوا راويًا ذكره الذهبي في «الميزان» لا يحكمون لمجرد ذلك بضعفه، لأن منهم من هو ثقة كما قدّمنا، وخالف ذلك الألباني فأشار إلى تضعيف رواة «الميزان» ضاربًا بشرط الذهبي مؤلف هذا الكتاب عرض الحائط متبعًا هواه لتضعيف راوٍ ثقة في سند حديث فيه أن المسلمين كانوا يصلون قيام رمضان بعشرين ركعة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال([14]): «ولهذا أورده الذهبي في «الميزان».اهـ. ومن المعلوم أنه إنما يذكر فيه من تكلم فيه من الرواة.
فهل بعد هذا يوثق بما يقوله الألباني أو ينقله من الكتب؟!
قال الألباني ما نصّه([16]): «تنبيه: أورد المنذري هذا الحديث([17]) في «الترغيب» من رواية أبي داود الترمذي فقط عن ابن عمر وهذا قصور فاحش، إذ فاته أنه في «صحيح البخاري»، وأفحش منه أنّ السيوطي أورد الجملة الأولى منه من رواية أبي داود عن سويد بن حنظلة ففاته أنه عند الشيخين وغيرهما».اهـ. وقال أيضًا في كتابه المسمّى «تمام المنّة» ما نصّه([18]): «قوله([19]): «وعن عبد الله بن أبي أوفى أن رسول الله كان إذا أُتِيَ بصدقة قال: اللَّهُمَّ صلِّ عليهم» رواه أحمد وغيره». قلت [يعني: الألباني]: لقد أبعد المؤلف النجعة، فالحديث في الصحيحين كما في المنتقى وغيره، ولا يجوز عزو الحديث إذا كان في الصحيحين أو في أحدهما إلى غيرهما إلا تبعًا أو لزيادة فيه».اهـ.
الرَّدُّ:
هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه([20]) بحروفه إلا قول «لينظرَ» ففيه «فينظرَ» ومع ذلك لم يعزه الألباني له.
ونترك التعليق للقارئ، فما عليه إلا أن يقارن كلامه ليقف على حقيقة أمره وتطاوله على أهل الحديث واتهامهم بالذي فيه.
الرَّدُّ:
حديث نُبَيْشة الذي جهل هذا المدّعي أنه من أهل الحديث، وهم بريئون منه، رواه مسلم في صحيحه([25]) عن نببيشة، فلم يعزه إليه الألباني؛ بل عزاه إلى الطحاوي، فليتأمّل.
الرَّدُّ:
عزا الألباني الحديث لأبي الشيخ وابن عساكر مع أنه موجود في سنن ابن ماجه برقم (2562)، أي: تحت حديث ابن عباس مباشرة، فما باله يعيب على غيره بما هو فيه!
[1])) صحيح ابن خزيمة (2/76 – 194، 349)، ط 1395هـ – 1975ر.
[2])) الكلم الطيب لابن تيمية، تعليق الألباني (ص90 – 119 – 121 – 125 – 126).
[3])) الألباني، الكتاب المسمّى أحكام الجنائز (ص56 – 64 – 65)، ط1388هـ – 1969ر.
[4])) الألباني، الكتاب المسمّى صحيح الجامع الصغير (ص227)، ط1388هـ – 1969ر.
[5])) السيوطي، تدريب الراوي (ص284).
[6])) السخاوي، فتح المغيث (3/70).
[7])) الألباني، الكتاب المسمّى إرواء الغليل (5/202).
[8])) الألباني، الكتاب المسمّى سلسلة الأحاديث الصحيحة (7/154) (رقم 3351).
[9])) أي: أحد معاصري الألباني.
[10])) الألباني، الكتاب المسمّى صلاة التراويح (ص50).
[11])) أي: الحديث الذي أورده للكلام عليه.
[12])) الذهبي، ميزان الاعتدال (1/2).
[13])) الذهبي، ميزان الاعتدال (4/616).
[14])) الألباني، الكتاب المسمّى سلسلة الأحاديث الصحيحة (3/277، رقم 1282).
[15])) الألباني، الكتاب المسمّى سلسلة الأحاديث الصحيحة (رقم 911).
[16])) الألباني، الكتاب المسمّى سلسلة الأحاديث الصحيحة (2/17).
[17])) أي: حديث «المسلمُ أخو المسلمِ».
[18])) الألباني، الكتاب المسمّى تمام المنة (ص360).
[19])) يعني: سيد سابق.
[20])) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الرقاق، باب: أكثر أهل الجنة الفقراء (8/89).
[21])) الألباني، الكتاب المسمّى سلسلة الأحاديث الصحيحة (3/277، رقم 1282).
[22])) الطحاوي، شرح معاني الآثار (2/245).
[23])) يعني: الطحاوي، فإنه أخرج الحديث بألفاظ متقاربة عن كل من ذكرهم الألباني (الطحاوي، شرح معاني الآثار (2/245، 246).
[24])) ولفظه: «أيامُ التشريقِ أيامُ أكلٍ وشربٍ».
[25])) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب: تحريم صوم أيام التشريق (3/153).
[26])) الحاكم، المستدرك (2/90).
[27])) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب: فضل الصدقة في سبيل الله وتضعيفها (6/41).
[28])) الألباني، الكتاب المسمّى سلسلة الأحاديث الصحيحة (2/228، رقم 634).
[29])) أي: أن جريرًا تابع الفضيل.
[30])) الألباني، الكتاب المسمّى إرواء الغليل (8/17، 18).