الجمعة يوليو 26, 2024

الفصل الحادي عشر:
براءة سيدنا عيسى المسيح عليه السلام من افتراء أعدائه

عيسى عبد الله ورسوله

اختلف الكثير من الناس في أمر سيدنا عيسى ابن مريـم عليهما السلام، فمنهم من افترى عليه ونسب إليه أنه ادَّعى الألوهية والعياذ بالله تعالى، ومنهم من نسب إليه أنه قال عن نفسه إنه ابن الله وإن الله هو أبوه والعياذ بالله سبحانه، ومنهم مَنْ قال إنه قُتِلَ وصُلِب، وكل هذه الأقوال مجانبة للحق، والصواب: أنه عبدُ الله ورسولُهُ وأنه رُفِعَ إلى السماء وحسبنا في ذلك تبرئته في القرآن وبيان حاله، وليس فوق ذلك بيان.

يقول الله تعالى:{ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [مريم: 34، 35]، أي: أن عيسى عليه السلام هو عبدٌ من عباد الله مخلوقٌ من امرأة وهـي أمُه مريم عليها السلام، وقوله {فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}، معناه: أن الله تعالى لا يعجزه شيء ولا يؤوده ولا يتعبه شيء؛ بل هو يُوْجِدُ ما أراد وجودَه بسرعة، أي: من غير تأخر عن الوقت الذي أراد وجودَه فيه من غير أن يلحقَه تعبٌ ولا مشقة، وقد توعَّد الله تبارك وتعالى الذين كفروا ونسبوا لعيسى ما لا يصح ولا يليق فقال عزَّ من قائل: {فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [مريم: 37]، أي: فاختلف أهلُ ذلك الزمان ومَنْ بعدَهم في أمر عيسى عليه السلام، فمن قائلٍ من اليهود: إنه ابنُ امرأةٍ زانية والعياذ بالله تعالى، وقابلَهم آخرون في الكفر فقالوا: هو الله، وقال آخرون: هو ابنُ الله، وقال آخرون: الله ثالثُ ثلاثة، وقال المؤمنون الصادقون: هو عبد الله ورسوله وابنُ أمته، وهؤلاء همُ الناجون المنصورون. وأما الذين كفروا فقد توعّدهم الله تعالى بالعذاب وهَوْل الحساب يوم القيامة([1]).

[1])) مدارك التنزيل وحقائق التأويل، النسفي، (2/57).