الخميس نوفمبر 7, 2024
      • الفصل الثالث: مسائل متفرقة عن مخالفات الألباني

         

         

         

        الفصل الثالث

        مسائل متفرقة
        عن مخالفات الألباني

        • الألباني ينحرف عن المذاهب الأربعة:

         إن الألباني الذي يهوى الشذوذ يقول بأن عيسى عندما ينزل لا يحكم بالنصرانية ولا باليهودية ولا بالفقه الحنفي([1]).

        الرَّدُّ:

        لا شك أن أهل السُّنَّة والجماعة أجمعوا على فضل أصحاب المذاهب الأربعة أبي حنيفة النعمان، ومالك بن أنس، والشافعي، وأحمد بن حنبل، رضوان الله عليهم. فانظروا كيف يتكلم على هذا العالم الجليل الذي فسّر([2]) به حديث: «لو كان العلمُ بالثُّريا لتناوله ناسٌ من أبناءِ فارسَ»([3]).

        فكيف يقول عن الإمام أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه هذا!؟ وقد أخذ علمه عن التابعين والتقى بأنس بن مالك لما دخل الكوفة، ومشايخه كثر أمثال عطاء بن أبي رباح والشَّعبي ونافع مولى ابن عمر([4])، ومحمد بن المنكدر وابن شهاب الزهري ومحمد الباقر وعبد الرحمـٰن بن هرمز الأعرج وحماد بن أبي سليمان وجميعهم من أكابر التابعين.

        وروى عنه خلق كثير، ودرس على يديه أكابر العلماء مثل محمد بن الحسن شيخ الشافعي وأبي يوسف القاضي ووكيع شيخ الشافعي وعبد الله بن المبارك وزفر بن هذيل التميمي وداود الطائي وحماد بن أبي حنيفة وغيرهم، حتى قال عنه الشافعي([5]): «الناس عيال على فقه أبي حنيفة».اهـ.

        فلأي سبب يطعن هذا الألباني بمثل هذا الإمام؟!

        روى الحافظ البغدادي([6]) بالإسناد الصحيح عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه قال: «إني لأتبرك بأبي حنيفة وأجيء على قبره كل يوم، فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين وجئت إلى قبره وسألت الله تعالى الحاجة عنده، فما تبعد عني حتى تقضى».اهـ.

        والشافعي رضي الله عنه فُسّر([7]) به حديث النبي : «عالـمُ قريشٍ يملأُ الأرضَ علمًا»([8]).

        وحسبنا حكمًا بيننا وبين الألباني قول أفضل البشر وخاتم النبيين سيدنا محمد : «ليس من أمتي من لم يجلَّ كبيرَنا ويرحمْ صغيرَنا ويعرفْ لعالِمنا حقَّه» رواه أحمد وغيرُه([9]).

        • الألباني يشذّ عن الجمهور فيحكم على نفسه بأنه ليس معهم:

        يقول الألباني في تعليقه على قول الطحاوي «ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة» بقوله([10]): «يعني الشذوذ عن السُّنَّة ومخالفة الجماعة الذين هم السلف كما علمت، وليس من الشذوذ في شيء أن يختار المسلم قولًا من أقوال الخلاف لدليل بدا له، ولو كان الجمهور على خلافه خلافًا لمن وهم، فإنه ليس في الكتاب ولا في السُّنَّة دليل على أن كل ما عليه الجمهور أصح مما عليه مخالفوهم عند فقدان الدليل».اهـ. إلى أن قال: «وأما عند الاختلاف فالواجب الرجوع إلى الكتاب والسُّنَّة، فمن تبيَّن له الحق اتبعه ومن لا استفتى قلبه سواء وافق الجمهور أو خالفهم، وما أعتقد أن أحدًا يستطيع أن يكون جمهوريًّا في كل ما لم يتبيّن له الحق؛ بل إنه تارة هكذا، حسب اطمئنان نفسه وانشراح صدره، وصدق رسول الله إذ قال: «استفتِ قلبَك وإن أفتاك المفتون».اهـ.

         

         

        الرَّدُّ:

        إن هذه دعوة إلى ترك ما عليه جمهور الأمة، ومخالفة صريحة لحديث النبي : «عليكم بالجماعةِ، وإياكم والفرقةَ، فإن الشيطانَ مع الواحدِ، وهو من الاثنينِ أبعدُ، مَن أراد بُحبوحةَ الجنةِ فلْيلزمِ الجماعةَ»([11]).

        لم يُرد الرسول بالجماعة هنا الجماعةَ في الصلاة، إنما المعنى معنى حديث ابن حبان([12]): «ثلاثٌ لا يُغلُّ عليهنَّ قلبُ مسلمٍ: إخلاصُ العملِ لله، ومناصحةُ ولاةِ الأمرِ، ولزومُ الجماعةِ، فإنَّ دعوتَهم تُحيطُ مَن وراءهم».

        وقد كتبت مجلة «التمدن الإسلامي» منذ أكثر من أربعين سنة، أنه اجتمع الألباني بالمحدث الشيخ عبد الله الهرري رحمه الله فقال الألباني: نضع أربعة أسس: الكتاب والسُّنَّة والإجماع والقياس، ثم بعد أن بدأ بالكلام قال: الإجماع إذا لم يكن معه نص لا أقبل، فقال له المحدث الهرري: أنت متلاعب، اتفقنا على أن الأدلة الشرعية أربعة،

         والآن جعلتها ثلاثة، فأنا لا أمضي معك على هذا، أنت تناقض نفسك، قلتَ: الأدلة الشرعية أربعة، عليها نبني المناظرة، ثم جعلتها ثلاثة.

        ودعوة الألباني أيّ إنسان أن يعمل بحديث([13]): «استفتِ قلبَك»، فيه تشجيع الجهال على ترك العمل بما عليه أهل الاجتهاد، والعمل بما تميل إليه نفوسهم، ولا يخفى أن الجاهل قد يميل قلبه إلى ما يخالف الشرع، فكيف يترك فتوى المجتهدين المعتبرين ويعمل بما تميل إليه نفسه! وهذا الحديث كان الخِطابُ فيه لوابصة بن معبد رضي الله عنه، وهو من مجتهدي الصحابة، فوابصة ومن كان مثله في الأهلية لأخذ الحكم من القرءان والحديث يأخذ بما ظهر له من الأدلة على حسب اجتهاده، وليس المراد كلَّ فرد من أفراد المسلمين، وإلا لأدَّى ذلك إلى الفوضى، قال الأفوه الأودي: [البسيط]

        لا يَصْلُحُ الناسُ فَوْضَى لا سَراةَ لَهُمْ

         

        ولا سَرَاةَ إذا جُهَّالُهم سَادوا

        والسراة: الأشراف من أهل الفهم الذين يصلحون للقيادة.

        ويعلم أنه ليس كل من سمع حديثًا له أهلية الاجتهاد، أي: استنباط الأحكام من الحديث لقوله ([14]): «نضَّر اللهُ امرأً سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلَّغها، فربَّ حاملِ فقهٍ على من هو أفقهُ منه»، وفي رواية([15]): «وربَّ حاملِ فقهٍ ليس بفقيهٍ» فقد أفهمَ الرسول عليه الصلاة والسلام بذلك أنه قد يسمع منه الشخص الحديث المتضمن للأحكام ولا يكون عنده أهلية الاستنباط، ويحمله إلى من هو أفقه منه أي إلى من له أهلية الاستنباط، وفي قوله عليه الصلاة والسلام: «وربَّ حاملِ فقهٍ ليس بفقيهٍ» دليل على أن الذين لا يستطيعون أن يستخرجوا الفقه من الحديث أكثر من الذين يستطيعون، وهذا موافق لقول النحويين: ربّ للتكثير كثيرًا.

        فكيف يتجرأ الألباني على تأليف فتاوى، وما هو إلا كما قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي([16]): «من لم يأخذ الحديث من أفواه العلماء لا يسمى محدثاً بل يسمّى صحفيًّا»، إنما المحدث حكا قال أبو القاسم الحسين بن هبة الله الشافعي([17]): [الكامل]

        واظبْ على جمْعِ الحَديثِ وكَتبِهِ
        واسمَعْهُ من أَربابِهِ نقلًا كما
        واعرفْ ثقاتِ رواتِه من غيرِهمْ
        فهو المفسرُ للكتاب وإنما
        فتفهَّمِ الأخبارَ تعرفْ حِلَّهُ
        وهو الـمُبيِّنُ للعبادِ بشرحِهِ
        وتتبَّعِ العالي الصحيحَ فإنه
        وتجنَّبِ التصحيفَ فيه فربما
        واتركْ مقالةَ من لحاكَ بجهْلِه،
        فكفى المحدثَ رتبة أن يُرتضى

         

        واجهَدْ على تصحيحِهِ في كُتْبِهِ
        سَمِعُوهُ منْ أشياخِهِمْ تَسْعَدْ بِهِ
        كيما تُميِّزَ صدقَه من كذْبِهِ
        نطق النبيُّ كتابَه عن ربِّه
        من حُرمِه معْ فرضِهِ من نَدْبِهِ
        سننَ النبيِّ المصطفى معْ صحبِهِ
        قُرْبٌ إلى الرحمـٰنِ تحظَ بقربِهِ
        أدى إلى تحريفِه بل قلبِهِ
        عن كتبه، أو بدعةٍ في قلْبِهِ
        ويُعدَّ من أهلِ الحديثِ وحِزْبِهِ

        والألباني لم يقرأ كتابًا في الحديث على محدّث قرأ على غيره من المحدّثين بالاتصال خلفًا عن سلف، ومع كل ذلك يدَّعي أنه محدّث، وأنه من أهل الفتوى، وهو مبتور مقطوع.

        • الألباني يحرم زيارة الأحياء للأحياء في العيد:

        لقد اعتاد الألباني المدعي للعلم على زرع الفتنة والفرقة وبث الحقد والعداوة والبغضاء بين المسلمين، وفتاويه تدل على اعتماده المقولة المشهورة «فرّق تسد»، فهو يحرّم زيارة الأحياء للأحياء في العيد([18]).

        الرَّدُّ:

        إن الإسلام رغب في صلة الرحم وزيارتهم لاسيما في الأعيادِ، وهذا من المعلوم من الدين بالضرورة.

        • الألباني واليهود:

        لقد جاء الألباني بما لم يقل به أحد قبله فهو بهذا يأبى إلا أن يؤكد شذوذه عن المسلمين خصوصًا بعدما أوجب على أهل فلسطين أن يتركوها لليهود([19]).

        الرَّدُّ:

        أوجب الألباني على المسلمين أن يتركوا بلدًا من بلاد المسلمين ويغادروا أرضًا من الأراضي المقدسة عند المسلمين ويتركوها لليهود ليعبثوا بها متناسيًا قوله تعالى عن الأقصى: {الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [سورة الإسراء: 1] فيا ترى ما الذي دفعه إلى مثل هذا القول؟ ولخدمة من؟

        • الألباني يشذّ في قوله: «الحق لا يتعدد»:

        من دسائس الألباني قاعدة استحدثها يريد بها حصر الحق فيما يراه، وإبطال ما سواه، وهي قوله: «لا يتعدد الحق».

         

         

        الرَّدُّ:

        هذه الكلمة غير صحيحة يبطلها ما أخرجه مسلم([20]) من حديث عليّ رضي الله عنه أنه قال: «جلد النبي – في الخمر – أربعين، وجلد أبو بكر أربعين وعمر ثمانين، وكلٌّ سنَّة، وهذا أحبُ إليَّ»، يعني: جلد أربعين، وقد حكم عليّ رضي الله عنه بأن كلا الأمرين حق، وحديث البخاري([21]) أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال في غزوة: «لا يصلينَّ أحدٌ العصرَ إلا في بني قريظةً»، فخاف بعضهم أن تفوتهم العصر فصلوا قبلها، وأخَّر الآخرون، فلم يعنّف رسول الله واحدًا من الفريقين.

        ثم ماذا يقول الألباني في اختلاف الأئمة المجتهدين من الصحابة، كاختلاف أبي بكر رضي الله عنه مع عليّ رضي الله عنه في حكم الجدّ مع الإخوة؟ فمع مَن الحق عند الألباني؟ هل هو مع أبي بكر رضي الله عنه فيكون اجتهاد عليّ رضي الله عنه باطلًا على زعمه أم العكس؟! وعلماء الأمة يرون كلًّا حقًّا.

        وأيُّ باب من أبواب الأحكام الشرعية من ربع العبادات وربع المعاملات والربعين الآخرين في الفقه الإسلامي لم يختلف الأئمة المجتهدون في مسائل فيها على حسب ما يؤدي كلًّا اجتهادهُ إليه أنه صواب.

        وهذا الاختلاف الذي بينهم لا يؤدي إلى قولك لأحد المختلفين في المسألة: قولك باطل، وقول فلان حقّ، طالما أنّ كل واحد منهما له دليل مُعْتَبَر فيها ذهب إليه، ولذلك غلب على التاريخ الإسلامي على اختلاف دوله أن الحكام لم يجمعوا الناس على مذهب واحد يلتزمونه دون غيره من المذاهب الأربعة عند أهل السُّنَّة والجماعة. وهذا الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور عَرض على الإمام مالك أن يُلزم أهل الأمصار بمذهبه وكتبه، فكان جواب الإمام مالك: «دع الناس وما هم عليه وما اختار كل بلد لأنفسهم»([22]).

        فعلى قول الألباني عَلَامَ يُحمل اختلاف أبي بكر رضي الله عنه واختلاف علي رضي الله عنه في مسألة توريث الإخوة مع الجد وعدم توريثهم؟! فأبو بكر رضي الله عنه رأى أن الإخوة لا يرثن مع الجد، لأن الجد في معنى الأب، وعلي رضي الله عنه رأى تشريكه مع الإخوة في الإرث ولم ير أنه كالأب في هذه المسألة، فالمسلمون لا يختلفون في أن ما رءاه أبو بكر رضي الله عنه لا يُطلق عليه أنه باطل، ولا على مقابِلِه، ولا يجرؤ أحد من المسلمين على القول: إن ما قاله أحدهما حق، وما قاله الآخر باطل، طالما أنه لا نص في المسألة، والاجتهاد حينئذٍ مسوَّغ، ويقال للمصيب من المجتهدين: إنه مصيب، وللمخطئ منهم: إنه مخطئ. فقد قال علماء الإسلام في ذلك وأمثاله: أحد المجتهدين مصيب، والآخر مخطئ، وقال بعضهم: كلا المجتهدين مصيب. وهما قولان معروفان عند الأصوليين، يرون هذا الاختلاف بعد اتفاقهم في أصول العقيدة خطْبًا يسيرًا. وهذا أيضًا كما أفاده حديث النبي : «إذا حكم الحاكمُ فاجتهد ثم أصاب فله أجرانِ، وإذا حكم فاجتهدَ ثم أخطأ فله أجرٌ» رواه البخاري([23]).

        ثم ماذا يقول الألباني فيما رواه مسلم([24]): «بينما امرأتان معهما ابناهما جاء الذئبُ فذهب بابنِ إحداهما، فقالت هذه لصاحبتِها: إنما ذهب بابنِك أنت، وقالتِ الأخرى: إنما ذهب بابنِك، فتحاكمتا إلى داودَ فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمانَ ابنِ داودَ عليهما السلامُ فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسكينِ أشقُّه بينكما، فقالت الصغرى: لا، يرحمُك اللهُ، هو ابنُها، فقضى به للصغرى».اهـ. فهل يقول: إن حكم أحدهما باطل كما يقتضي كلامه؟

        • الألباني يحرّم الدّف والأناشيد الدينية في مدح الرسول ويزعم أن المنشدين في ضلال مبين:

        قال الألباني في مقدمة تعليقه على كتاب «بداية السول» ما نصّه([25]): «حبّ الله لا يُنال إلا باتباع نبيّه ، فاحرص إذًا على اتباع سنته كل الحرص، وأنفق في سبيل ذلك كل جهاد ونفس، ولا تغتر بما عليه بعض الضالين المغرورين من المتصوفة واللاهين الذين اتخذوا دينهم لهوًا ولعبًا ونشيدًا ونغمًا، يزعمون أنهم بذلك يرضون محمدًا بما يسمونه بالأناشيد الدينية ويكثرون منها في أذكارهم واجتماعهم التي يعقدونها في بعض الأعياد البدعية، كعيد المولد ونحوه، فإنهم واللهِ لفي ضلال مبين، وعن الحق متنكبين، كيف لا وهم قد خلطوا الدين الحق باللهو الباطل، وقلدوا المغنيين الماجنين في موازينهم وأنغامهم الموسيقية، لا سيما وأنهم قد يضيفون إلى ذلك بعض الآلات الموسيقية أو التصفيق بالأكف لتتم المشابهة بين الفريقين» إلى أن قال: «وقد تنبه أخيرًا بعض الشباب المسلم إلى ما في تلك الأناشيد من المنكرات والانحرافات عن الشريعة الإسلامية فعدلوا عنها إلى أناشيد أخرى لا تخلو من حماس وقوة وتذكير بالبطولات الإسلامية، ولكنهم قد يلزمون فيها أيضًا بعض الألحان الموسيقية، وبعضهم قد يدخل إليها شيئًا من ءالات الطرب كالدف ونحوه، وقد سمعت بأذني من بعض التسجيلات شيئًا من ذلك وتكلمت معهم بما يوجبه الدين من النصح لهم وتذكيرهم بأن ذلك لا يجوز، لا سيما وأن الكثير منهم قد جعلوا الاستماع إليها هجيرهم وديدنهم، وشغلهم ذلك عن التفرغ لتلاوة القرءان أو الاستماع إليه، وهذا كله من مفاسد الانحراف عن السلف».اهـ.

        الرَّدُّ:

        لو كان الألباني يميّز بين الحق والباطل كما يزعم لَـمَا حرَّم الأناشيد الدينية مطلقًا من غير تفصيل بين الأناشيد التي فيها ما يخالف الشرع والأناشيد التي ليس فيها ما يخالف القرءان والحديث، ولكنه وقع في المحظور وعاث في الأرض فسادًا ينشر الكفر والضلال ويحارب أهلَ السُّنَّة والجماعة الأشاعرة والماتريدية، ولم يدخل في قلبه الحب الحقيقي للنبي ، فاستولى عليه الشيطان، ووسوس له بالباطل، وزيّن له سوء عمله، فاستجاب لوساوسه فحرَّم أولًا مدح رسول الله أفضل خلق الله وحبيب ربّ العالمين، ثم حرّم الأناشيد الدينية ولو كانت تحث على التقوى والزهد والعمل للآخرة ومدح النبيّ وغير ذلك مما هو موافق للشرع، أما تحريمه مدح النبي فقد مرّ سابقًا الرد عليه ودحض تخرصاته، وأما تحريمه الأناشيد الدينية ورمي المنشدين بالضلال وتحريم استعمال الدف عند الإنشاد فسأورد ما يكشف اللثام عن كلام الطَّغام (مَنْ لا معرفة له)، فأقول وبالله التوفيق:

        روى ابن ماجه في سننه([26]) والطبراني في «المعجم الصغير»([27]) عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنّ النبي مرّ ببعض المدينة فإذا هو بجوار يضربن بدفّهنَّ ويتغنَّين ويقلن: [الرجز]

        نحنُ جوارٍ من بني النّجَّارِ

         

        يا حبّذا محمدٌ من جارِ

        فقال النبي : «الله يعلمُ إني لأحبُّكنَّ».

        قال الحافظ البوصيري([28]): «هذا إسناد صحيح رجاله ثقات».اهـ.

        فهؤلاء اجتمَعن على مدح النبيّ ولم يَجتمِعْن إلا على هذا الأمر المبارك، لأنهنَّ أحببنه عليه الصلاة والسلام وتعلقت قلوبهنَّ به، فلم يُنكر عليهنّ رسول الله بل أقرهنّ، ولم يقل لهنّ لا تُكْثرنَ مدحي. وفي الحديث أيضًا دليل على جواز استعمال الدّف في مثل هذه الأناشيد، وردٌّ على الألباني الذي حرمه لجهله بالحديث.

        ويشهد على جواز استعمال الدف في الأناشيد المباحة الحديث الذي رواه أبو داود([29]) في سننه أنّ امرأة أتت النبيّ فقالت: يا رسول الله، إني نذرت أنْ أضرب على رأسك([30]) بالدفّ، قال: «أوفي بنذرِك»، والحديث الذي رواه الترمذي([31]) وابن حبان([32]) وصححاه أنّ النبيّ لـمّا رجع المدينة من بعض مغازيه جاءته جارية سوداء فقالت: يا رسول الله، إني كنت نذرتُ إن ردّك الله سالـمًا أن أضرب بين يديك بالدّف وأتغنّى، فقال لها رسول الله : «إن كنتِ نذرتِ فاضربي».

        تأمّل كيف أقرّها النبيّ على مدحها وغنائها وعلى جواز استعمال الدّف، واي فرق بين غنائها ومدحها وبين الأناشيد المباحة؟! فمن ادّعى ذلك فعليه البيان.

        وأما تشبيه الألباني المنشدين الذين يصفقون بأكفهم طربًا بمدح النبيّ ونحو ذلك بالمغنين الماجنين فليس بصواب، لأن التصفيق بالأكف ليس شعارًا خاصًّا بهؤلاء المغنين حتى يقال إنه يحرم على المنشدين هذا الفعل، ويقال له: إن المغنين الماجنين يستعملون الدف، فهل تقول يحرم على المنشدين استعماله؟ فإن منعه يكون خالف الحديث، وإن لم يمنعه يكون ناقض كلامه واتبع هواه.

        ويؤيد ذلك ما رواه أحمد([33]) وابن حبان([34]) وصححه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانت الحبشة يزفنون بين يدي رسول الله ويرقصون ويقولون: محمد عبد صالح، فقال رسول الله : «ما يقولون؟»، قالوا: يقولون: محمد عبد صالح.

        ولهذا الحديث شاهد صحيح صححه الحافظ ابن حجر في «فتح الباري»([35]) وفيه: «ومن قولهم يومئذٍ أبا القاسم طيّبًا» رواه النسائي في «السنن الكبرى»([36]).

        فهؤلاء الحبشة كانوا يرقصون من غير تثنّ ولا تكسر أمام النبي ويراهم ولا ينكر عليهم، ولم يقل لهم هذا تشبّه بفعل الماجنين، فإذا لم ينههم عن هذا الفعل، فهل يكون التصفيق تشبهًا بالمغنين الماجنين!

        ونذكر أخيرًا قول تاج الدين السبكي في كتابه «معيد النّعم»([37]) ونصّه: «المثال الرابع والخمسون: المنشِد، وينبغي أن يذكر من الأشعار ما هو واضح اللفظ صحيح المعنى مشتملًا على مدائح سيّدنا ومولانا وحبيبنا محمد ، وعلى ذكر الله تعالى وءالاته وعظمته وخشية مقته وغضبه وذكر الموت وما بعده، وكل ذلك حسن، وأهمه مدح النبيّ ، فإنه الذي يفهم من إطلاق لفظ المنشد».اهـ.

        وها هو الألباني بعد أن ذكر حديث الجارية التي سألت النبي أن تضرب بالدف إن رده الله سالـمًا من طريق الترمذي وأحمد وصححه قال في كتابه المسمّى «سلسلة الأحاديث الصحيحة»([38]): «وقد يشكل هذا الحديث على بعض الناس، لأن الضرب بالدف معصية في غير النكاح والعيد، والمعصية لا يجوز نذرها ولا الوفاء بها، والذي يبدو لي في ذلك أن نذرها لـمّا كان فرحًا منها بقدومه صالحًا سالـمًا منتصرًا اغتفر لها السبب الذي نذرته لإظهار فرحها خصوصية له دون الناس جميعًا، فلا يؤخذ منه جواز الدف في الأفراح كلها».اهـ.

         

         

        الرَّدُّ:

        لو كان الضرب بالدف في غير النكاح والعيد معصية لا تجوز لَـمَا أباح لها استعماله بل كان نهاها، وزعمه أن هذا من خصوصيات النبي يدفعه قول الحافظ ابن حجر في «فتح الباري»([39]): «إن الأصل في أفعاله التأسي به حتى تثبت الخصوصية»، وبقوله([40]): «الخصوصية لا تثبت إلا بدليل».اهـ. وأين الدليل على ذلك؟!

        ثم ماذا يقول في حديث ابن ماجه الذي ذكرته سابقًا، وهو أنه مرَّ بجوارٍ يمدحنه وأقرهن على ذلك؟!

        ويدل إباحته في غير النكاح والعيد قول ابن حجر الهيتمي الشافعي في «فتح الجواد»([41]): «ويُباح الدف وإن كان فيه نحو جلاجل لرجل وامرأة ولو بلا سبب».اهـ. وقول الغزالي في «أحياء علوم الدين»([42]): «العارض الثاني في الآلة بأن تكون من شعار أهل الشرب أو المخنثين، وهي المزامير والأوتار وطبل الكوبة، فهذه ثلاثة أنواع ممنوعة، وما عدا ذلك يبقى على أصل الإباحة كالدّف وإن كان فيه الجلاجل».اهـ.

        وقال البُهوتي الحنبلي في كتابه «شرح منتهى الإرادات»([43]) ممزوجًا بالمتن: «(ويسن إعلان نكاح و) يسن (ضرب عليه بدف مباح… و) يسن ضرب بدف مباح (في ختان وقدوم غائب ونحوها) كولادة وإملاك قياسًا على النكاح».اهـ. وقال في كتابه «كشاف القناع»([44]) ممزوجًا بالمتن: «(ويستحب ضرب الدف) الذي لا حلق فيه ولا صنوج (في الإملاك) بكسر الهمزة، أي: التزويج».اهـ. وقال ابن قدامة الحنبلي في «المغني»([45]): «وقال أحمد رحمه الله: لا بأس بالدف في العرس والختان».اهـ.

        وقال ابن عابدين الحنفي في حاشيته على «الدر المختار»([46]): عند شرح: «جاز ضرب الدف في العرس» «لما في «البحر» عن «المعراج» أنه مباح في النكاح وما في معناه من حادث سرور».اهـ.

        فالحاصل: أنّ الألباني خالف حديث رسول الله بل جعل الحديث تابعًا لرأيه فحرَّم الحلال، وتأول حديث الجارية بما لم يقله أحد قبله لينصر بدعته، فإلى الله المشتكى.

        • الألباني يحكم على نفسه بقلّة المعرفة، ويوهم الناس خلاف الواقع:

        قال الألباني في كتابه «ءاداب الزّفاف» ما نصّه([47]): «لم نر أحدًا ممن ألف في الناسخ والمنسوخ أورد الأحاديث([48]) المذكورة فيما هو منسوخ كالحافظ ابن الجوزي في رسالة «إخبار أهل الرسوخ في الفقه والتحديث بمقدار المنسوخ في الحديث» والحافظ الحازمي في كتابه «الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار».اهـ.

        الرَّدُّ:

        أوهم الألباني أتباعه والقرّاء أنه ذو اطلاع واسع، وأنه لم يترك كتابًا في الناسخ والمنسوخ في الحديث إلا واطّلع عليه، فهذا الألباني جعل كلامه حجة على غيره، فإذا لم يرَ هو في كتب الناسخ والمنسوخ نَسْخَ الأحاديث التي ظاهرها تحريم الذهب المحلّق على النساء لقلة اطلاعه فقد رأى ذلك غيره، فقد نص ابن شاهين على النسخ المذكور في كتابه «الناسخ والمنسوخ من الحديث» وهو كتاب معروف بين طلاب العلم فضلًا عن العلماء، قال ابن شاهين([49]): «وكان في أوّل الإسلام يلبس الرجال الخواتيم الذهب وغير ذلك، وكان الحظر قد وقع على الناس كلهم، ثم أباحه رسول الله للنساء دون الرجال، فصار ما كان على النساء من الحظر مباحًا لهنّ فنسخت الإباحة الحظر».اهـ.

        انظروا أيها القرّاء جرأته في محاولته لنفي ما هو مذكور في كتب العلماء مع عدم اطلاعه عليها، وليس ذلك إلا ليحرّم على النساء لبس الخاتم والسِّوار والسلسال من الذهب. فهل هذا هو التحقيق والتدقيق والرجوع إلى المخطوطات الذي يدّعيه هذا الرجل؟! أم أنه إذا كان يتكلم في مسألة خالف فيها أهل السُّنَّة والجماعة، يستعمل أسلوب التمويه وإخفاء الحقيقة وحذف عبارات العلماء، وغير ذلك من أساليب أهل البدع!

        [1])) الألباني، الكتاب المسمّى مختصر صحيح مسلم للحافظ المنذري (2/308).

        [2])) ابن حجر الهيتمي، الخيرات الحسان (ص23).

        [3])) مسند أحمد (2/420)، قال الحافظ الهيتمي في مجمع الزوائد (10/64): «رواه أحمد وفيه شهر بن حَوْشب وثقه احمد وفيه خلاف وبقية رجاله رجال الصحيح».اهـ.

        [4])) وهو أثبت الناس بحديث ابن عمر رضي الله عنهما.

        [5])) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد (13/346).

        [6])) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد (1/123).

        [7])) ابن حجر العسقلاني، توالي التأسيس (ص42 – 49).

        [8])) البيهقي، مناقب الشافعي (1/54).

        [9])) مسند أحمد (5/323) من دون كلمة «حقّه»، وعزاه الهيثمي في مجمع الزوائد (1/127) للطبراني في المعجم الكبير.

        [10])) العقيدة الطحاوية، شرح وتعليق الألباني (ص48).

        [11])) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الفتن، باب: ما جاء في لزوم الجماعة (4/465).

        [12])) الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (2/35).

        [13])) مسند أحمد (7/460).

        [14])) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب العلم، باب: ما جاء في الحث على تبليغ العلم (5/34).

        [15])) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب العلم، باب: ما جاء في الحث على تبليغ العلم (5/33)

        [16])) الخطيب البغدادي، الفقيه والمتفقه (2/97).

        [17])) النووي، الترخيص بالقيام (ص57).

        [18])) الألباني، فتاوى الألباني (ص61 و63).

        [19])) الألباني، فتاوى الألباني (ص18).

        [20])) تقدم تخريجه.

        [21])) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الخوف، باب: صلاة الطالب والمطلوب راكبًا وإيماء (1/321).

        [22])) ابن عبد البر، جامع بيان العلم (1/160).

        [23])) تقدم تخريجه.

        [24])) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الأقضية، باب: بيان اختلاف المجتهدين (5/133).

        [25])) العز بن عبد السلام، بداية السول في تفضيل الرسول ، تعليق الألباني (ص9، 10).

        [26])) أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب النكاح، باب: الغناء والدف (1/612).

        [27])) الطبراني، المعجم الصغير (1/63).

        [28])) البوصيري، مصباح الزجاج في زوائد ابن ماجه (1/334).

        [29])) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأيمان والنذور، باب: ما يؤمر به من وفاء النذر (3/235).

        [30])) أي: أمامك.

        [31])) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب المناقب، باب: في مناقب عمر بن الخطاب  (5/620).

        [32])) صحيح ابن حبان، كتاب النذور، باب: ذكر الخير الدال على إباحة قضاء الناذر نذره إلا لم يكن بمحرّم عليه (الإحسان، 6/196 – 201).

        [33])) مسند أحمد (3/152).

        [34])) أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب الحظر والإباحة، باب: اللعب واللهو (الإحسان، 7/545).

        [35])) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (2/444).

        [36])) أخرجه النسائي في السنن الكبرى، كتاب عشرة النساء، باب: إباحة الرَّجل لزوجته النظر إلى اللعب (5/307).

        [37])) تاج الدين السبكي، معيد النّعم (ص86).

        [38])) الألباني، الكتاب المسمّى سلسلة الأحاديث الصحيحة (4/142).

        [39])) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (3/547).

        [40])) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (4/62).

        [41])) ابن حجر الهيتمي، فتح الجواد (2/406).

        [42])) الغزالي، إحياء علوم الدين (مع شرحه إتحاف السادة المتقين لمرتضى الزبيدي) (6/502).

        [43])) البهوتي، شرح منتهى الإرادات (3/92).

        [44])) البهوتي، كشاف القناع (5/22).

        [45])) ابن قدامة، المغني (7/434).

        [46])) ابن عابدين، رد المحتار على الدر المختار (5/482).

        [47])) الألباني، الكتاب المسمّى آداب الزفاف (ص151، 152).

        [48])) أي: الأحاديث التي ظاهرها تحريم لبس الذهب المحلَّق على النساء كالخاتم والسوار.

        [49])) ابن شاهين، الناسخ والمنسوخ (ص266).