إنَّ سيدنا آدم عليه السلام هو أول البشر، وقد أرسله الله تعالى إلى زوجته حواء وأولادهما ليعلّمهم دين الحق دين الإسلام، وكان عليه السلام جميل الصورة والصوت، منتصب القامة، مغطّى العورة، يرتدي الملابس التي حاكتها له السيدة حواء التي تعلّمت هي وزوجها سيدنا آدم عليهما السلام أصول المعيشة على يد سيدنا جبريل عليه السلام.
ومن الكفر كما هو معلوم في دين الله إنكار نبوّة نبيّ مجمع على نبوّته كموسى وعيسى وإبراهيم وآدم عليهم الصلاة والسلام، ونبوّة آدم اتّفق المسلمون عليها وأجمعوا، وممن نقل إجماعهم في ذلك الإمام أبو منصور التميميّ البغداديّ في موضعين من كتابه أصول الدين فقال ما نصّه: «أجمع أصحابُ التواريخ من المسلمين على أنّ عددَ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا كما وردت به الأخبار الصحيحة أوّلهم أبونا آدم عليه السلام وآخرهم نبيّنا محمد ﷺ».اهـ. وقال في موضع آخر: «أجمع المسلمون وأهل الكتاب على أنّ أوّل مَن أرسل من الناّس آدم عليه السلام»([1]).اهـ. وهذا الإجماع مستند إلى النصوص القرآنية والحديثية.
فمن القرآن قول الله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّـهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} الآية [المائدة: 27]، وفي ذلك دليل واضحٌ على رسالة آدم، وأن أبناءه كانوا على شريعة أنزلت على أبيهم، ولو لم يكن نبيًّا مرسلًا فكيف كانوا يعرفون الأحكام من تحليل وتحريم.
وقد استدل الفخر الرازي على رسالة آدم بقوله: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ} [طه: 122] فقال: الرسالة والاجتباء متلازمان؛ لأن الاجتباء لا معنى له إلا التخصيص بأنواع التشريفات ولك من جعله الله رسولًا فقد خصه بذلك لقوله تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام، 124]»([2]).اهـ.
ومن السُّنَّة أحاديث كثيرة منها حديث الترمذي عن أبي سعيد الخُدريّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «أنا سيدُ ولدِ آدمَ يومَ القيامةِ ولا فخرَ، وبيدي لواءُ الحمدِ ولا فخرَ، وما مِنْ نبيّ يومئذٍ آدم فَمَنْ سواهُ إلا تحتَ لوائي، وأنا أولُ مَنْ تنشقُ عنه الأرضُ ولا فخر»([3]) الحديث.
ومنها أيضًا حديث البخاريّ: «لا تُقتل نفسٌ ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأوّل كِفْلٌ من دمها»([4]) إذ لو لم يكن مرسلًا إلى أبنائه لم يكونوا مكلفين، فلم يكن يُكْتَب على ابن آدم المذكور ذنب.
وأما تكفير منكر نبوّته فهو في الفتاوى الهندية ففيها ما نصّه: «عن جعفر في من يقول: آمنتُ بجميع أنبيائه ولا أعلم أنَّ آدم نبيٌّ أم لا، يكفر كذا في العتابية»([5]).اهـ.
وقال ملا علي القاري([6]) في شرح الفقه الأكبر ما نصّه: «والأنبياء عليهم الصلاة والسلام كلّهم، أي: جميعهم الشامل لرسلهم ومشاهيرهم وغيرهم أولهم آدم عليه الصلاة والسلام على ما ثبت بالكتاب والسُّنَّة وإجماع الأمة، فما نُقل عن بعض من إنكار نبوّته يكون كفرًا»([7]).اهـ.
وقد أخبر الله تبارك وتعالى في كتابه بتفضيل الجنس البشريّ على غيره من الأجناس، ولو كان أولهم آدم وأبناؤه يعيشون بغير شريعة يعملون بها لكانوا كالبهائم ليس لهم ذلك الفضل الذي ناله أبوهم بإسجاد الملائكة له.
وروى ابن حبّان في صحيحه قال: «أخبرنا محمد بن عمر بن يوسف، حدَّثنا محمّد بن عبد الملك بن زنجويه، حدَّثنا أبو توبة، حدَّثنا معاوية بن سلام، عن أخيه زيد بن سلام قال: سمعت أبا سلام قال: سمعت أبا أمامة أن رجلًا قال: يا رسول الله، أنبيًّا كان آدم؟ قال: «نعم مُكَلَّم([8])»، قال: فكم كان بينه وبين نوح؟ قال: «عشرة قرون»([9]).
وفي صحيح ابن حبّان أيضًا عن أبي ذرّ الغفاريّ رضي الله عنه أنه قال: «قلت: يا رسول الله كم الأنبياء؟ قال: «مائة ألف وعشرون ألفًا» قلت: يا رسول الله كم الرسل من ذلك؟ قال: «ثلاثمائة وثلاثة عشر جمًّا غفيرًا»، قلت: يا رسول الله من كان أوّلهم؟ قال: «آدم» قلت: يا رسول الله أنبيّ مرسل؟ قال: «نعم، خلقه الله بيده([10]) ونفخ فيه من روحه([11])»([12])، وكلام من تكلّم في إبراهيم بن هاشم بن يحيـى الغسّانيّ أحد رواة هذا الحديث لا يضرّ في تصحيحه؛ لأن ابن حبان ذكره في كتاب الثقات([13]).
ورواه الحافظ ابن حجر([14]) في عدة مواضع مطوّلًا وعزاه لمحمد بن أبي عمر، ومختصرًا وعزاه لإسحاق بن راهويه.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر هذا الحديث([15]) أيضًا في شرح البخاريّ عازيًا له لابن حبّان مع ذكر أن ابن حبّان صحّحه ولم ينتقده لكون ذلك الراوي المختلف فيه قد وجد لحديثه شواهد، وكثير من الأحاديث يكون في إسنادها من هو مختلف في توثيقه ويوجد لحديثه شاهد([16]) يُقوّيه ويجبُر ما فيه من وهن.
وقال في موضع آخر: «قوله الآية قيل قدّم ذكر نوح فيها لأنه أول نبيّ أرسل أو أول نبيّ عوقب قومه، فلا يردّ كون آدم أول الأنبياء مطلقًا كما سيأتي بسط القول في ذلك في الكلام على حديث الشفاعة»([17]).اهـ.
ويحتّم كون آدم رسولًا أن النبيَّ غير الرسول يكون تابعًا لرسول قبله، ولم يكن قبل آدم بشر حتى يكون فيهم رسول ويكون آدم نبيًّا تابعًا له.
أما حديث البخاريّ الذي فيه: «أن الناس يأتون نوحًا يوم القيامة فيقولون: أنت أوّل الرسل إلى أهل الأرض»([18])، فمعناه: أنه أول رسول أُرسل إلى قبائل متعددة؛ لأن من كان قبله لم يكونوا كذلك، فوصف نوح عليه السلام بالأولية في الرسالة ليس مطلقًا وإنما هو مقيّد بدليل ذكر المتعلَّق بعده وهو: «إلى أهل الأرض»([19]).
ومن الدليل على رسالة آدم أنه أُحِلَّ له أن يزوّج بنيه من بناته، الذكر من هذا البطن من الأنثى من البطن الآخر، ثم نسخ هذا الحكم بموته. ولولا أن فعل آدم الذي فعله من تزويج بنيه من بناته بوحي أوحي إليه؛ لأنه رسول من الله لكان ذلك التصرف تصرفًا باطلًا، ولكان ذلك كتسافد([20]) البهائم، ولكان البشر الأول لا نسب لهم شرعيّ؛ بل كانوا أبناء زنى، وذلك منافٍ لكرامة آدم عند الله.
فنفي رسالة آدم تكذيب للدين فهو كفر، وهو كإنكار نبوته الذي نقل الإجماعَ على أنه كفر غيرُ واحدٍ، منهم ابن حزم([21]) فقد ذكر أنَّ المخالفِ في ذلك متّفق على كفره، وذلك في كتابه مراتب الإجماع([22]).
[1])) أصول الدين، البغداديّ، (ص159، 175).
[2])) مفاتيح الغيب، الفخر الرازي، (2/164).
[3])) سنن الترمذيّ، الترمذي، باب: في فضل النبيّ ﷺ، (5/308)، رقم 3148.
[4])) صحيح البخاريّ، البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب: خلق آدم صلوات الله عليه وذريته، (4/162)، رقم 3335.
[5])) الفتاوى الهندية، نخبة علماء برئاسة نظام الدين البلخي، (17/143).
[6])) علي بن (سلطان) محمد، نور الدين الملا الهروي القاري (ت1014هـ)، فقيه حنفي، من صدور العلم في عصره. ولد في هراة وسكن مكة وتوفي بها. قيل: «كان يكتب في كل عام مصحفًا وعليه طرر من القراءات والتفسير فيبيعه فيكفيه قوته من العام على العام».اهـ. وصنف كتبًا كثيرة منها: (تفسير القرآن)، و(الأثمار الجنية في أسماء الحنفية) و(الفصول المهمة) في الفقه. الأعلام، الزركلي، (5/12).
[7])) شرح الفقه الأكبر، ملا علي القاري، (ص56).
[8])) «مكلّم، أي: لم يكن نبيًّا فقط؛ بل كان نبيًّا مكلّمًا أنزل عليه الصحف».اهـ. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، ملا علي القاري، باب: بدء الخلق وذكر الأنبياء، (1/399).
[9])) صحيح ابن حبان، ابن حبان، ذكر الإخبار عما كان بين آدم ونوح صلوات الله عليهما من القرون، باب: بدء الخلق، (14/69).
[10])) بيده: أي: بعنايته.
[11])) من روحه: أي: من الروح المشرّفة عند الله.
[12])) صحيح ابن حبان، ابن حبان، ذكر الاستحباب للمرء أن يكون له من كل خير حظ رجاء التخلص في العقبى بشيء منها، باب: ما جاء في الطاعات وثوابها، (2/76).
[13])) الثقات، ابن حبان، (8/79)، رقم 12326.
[14])) المطالب العالية، ابن حجر، (14/220).
[15])) فتح الباري، ابن حجر، (6/361).
[16])) «الشاهد أن يروى حديث آخر بمعناه يعني من حديث صحابي آخر».اهـ. النكت على كتاب ابن الصلاح، ابن حجر، (2/682).
[17])) فتح الباري، ابن حجر، المقدمة، (1/9).
[18])) صحيح البخاريّ، البخاري، كتاب التفسير، باب: تفسير سورة الإسراء، (6/105).
[19])) فتح الباري، ابن حجر، (11/434).
[20])) «السّفاد: نَزْو الذَّكر على الأنثى». لسان العرب، ابن منظور، مادة: (س ف د)، (3/218).
[21])) علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهريّ (ت456هت)، انتقد كثيرًا من العلماء والفقهاء، وأجمعوا على تضليله وحذّروا سلاطينهم من فتنته، ونهوا عن عوامهم عن الدنو منه، فأقصته الملوك وطاردته، فرحل إلى بادية من بلاد الأندلس فتوفي فيها. أشهر مصنفاته: (الفصل في الملل والأهواء والنحل). الأعلام، الزركلي، (4/254، 255). وفي جنوحه نحو الفلسفة التي كان فيها مخالفة لمعتقد المسلمين قال الذهبيّ: «مهر في المنطق وأجزاء الفلسفة، فأثّرت فيه تأثيرًا ليته سلم من ذلك».اهـ. سير أعلام النبلاء، الذهبيّ، (18/186). فالحذر كل الحذر من مطالعة كتب الظاهريّ إلا بعد التضلّع من علوم الشريعة لا سيما ما فيها مما يتعلق بأصول الدين وقواعد العقائد والمعان والحقائق، لأنه لم تكن له يد في هذه العلوم، وإنما أخذها بالفهم فلم يحسن كلامه فيها، وإنما ذكرنا ابن حزم مع ضلاله لأنه ينقل إجماع الصحابة.
[22])) مراتب الإجماع، ابن حزم، (1/173).