الأحد نوفمبر 9, 2025

قال المؤلف رحمه الله: [والعلم الثَّابت بهِ يُضاهى العِلمَ الثَّابِتَ بالضَّرورةِ في التيقُّنِ والثَّباتٍ].

(الشرحُ): أنَّ العلمَ الذِي يُستفاد مِنْ خبر المعصوم يُشابِهُ العلمَ الثابتَ بالضرورة كالمحسوسات والقضايا المتواترة في التيقن والثباتِ أيْ عدم احتمال الزوال بتشكيك المشكِّكِ في حق من شهده، وأما في حق مَن لم يشهد خبرَ المعصومِ بل وصل إليه خبرُه بواسطةٍ فإنما يُفيد ذلك العلمَ القطعيَّ إذا بلغه الخبرُ بالتواتر.

قال المؤلف رحمه الله: [وأما العقلُ فهو سَبَبٌ للعلمِ أيضًا].

(الشرحُ): أنَّ العقل مفيد للعلم فإن قيل لو كان هذا يفيد العلم القطعيَّ لَتَحَقَّقَ في كلِّ مَن نظر فيه والواقعُ خلاف ذلك فإنَّ كثيرًا من الناظرين فيه لا يتحقق لهم ذلك العلمُ القطعيُّ فالجواب أن يقال إنما لم يحصل لهم العلمُ به لفساد نظرهم وأما النظر الصحيح وهو الذي استوفَى شرط النظر فهو في حدِّ ذاته مفيد للعلم القطعيّ.

قال المؤلف رحمه الله: [وما ثَبَتَ منه بالبديهَةِ فهو ضروريٌّ كالعلم بأنَّ كلَّ الشَّيءِ أعظمُ من جُزئِهِ وما ثَبَتَ بالاستدلالِ فهو اكتسابيٌّ].

(الشرحُ): أنَّ العلم الحاصل بالعقل يكون بديهيًّا أو استدلاليًّا، فما ثبت مِن قضايا العقل بالبديهة فهو ضروريٌّ ويعني بالبديهةِ أولَ تَوَجُّهِ القلبِ والتفاتِهِ إلى أمرٍ ما مِن غير احتياجٍ إلى التفكر وذلك كالعلم بأنَّ كلَّ الشَّيْءِ أعظمُ مِن جزئه بعد تصوُّرِ معنى الكُلِّ والجُزْءِ.

وأمَّا الاتسابِيُّ فهو الذي يحصل من الاكتساب عن مباشرة الشخصِ الأسبابَ باختياره كصرف العقلِ والنظرِ في المقدمات في العلوم الاستدلاليةِ، وكالإصغاءِ وتقليبِ الحدقة نحوِ ذلك في الحِسِّيَّةِ.

تنبيه: قال الشيخ شرف الدين التلمساني في شرح لمع الأدلة إنَّ الشرع إنما ثبت بالعقل فلا يتصور وروده بما يكذب العقل فإنه شاهده فلو أتى بذلك لبطل الشرع والعقل معًا، فإذا تقرّر هذا فنقول كل لفظ يرد من الشرع في الذات والأسماء والصفات بما يوهم خلاف العقل فلا يخلو إما أن يكون متواترًا أو ءَاحَادًا فإن كان ءَاحَادًا وهو نصٌّ لا يحتمل التأويل قطعنا بتكذيب ناقله أو سهوه أو غلطه، وإن كان ظاهرًا فالظاهر منه غيرُ مُرادٍ، وإن كان متواترًا فلا يُتصور أن يكون نصًّا لا يَحتمل التأويل فلا بُد أن يكون ظاهرًا أو محتَمِلًا فحينئذٍ نقول الاحتمالُ الذي دلَّ العقل على خلافه ليس بمراد منه اهـ.

وهذا الذي ذكره ابنُ التِّلِمسانِيّ رحمه الله هو الذي عليه المحدِّثون أيضًا فقد ذكر الحافظ الفقيهُ الخطيبُ البغداديُّ في كتابه الفقيه والمتفقِّهِ ما نصه [وإذا روى الثقةُ المأمونُ خبرًا متَّصلَ الإسناد رُدَّ بأمورٍ أحدها أن يخالف موجَبات العقول فيُعلم بطلانه لأنَّ الشرع إنما يَرِدُ بمجوَّزات العقول وأمَّا بخلاف العقول فلا، والثاني أن يُخالف نص الكتاب أو السُّنَّة المتواترة فيُعلم أنه لا أصلَ له أو منسوخٌ، والثالث أن يُخالف الإجماع فيُستدل على أنه منسوخٌ أو لا أصلَ له لأنه لا يجوز أن يكون صحيحًا غير منسوخ وتجمع الأمة على خلافه] انتهى.

فعلماء الحديث يحكمون أن الحديث إذا خالف صريح العقل أو النَّص القرءاني أو الحديث المتواتر ولم يَقبل تأويلًا فهو باطلٌ وهو ما ذكره الفقهاء والأصوليون في كتب أصول الفقه كجمع الجوامع لتاج الين السبكيِّ وغيرِه.