الأحد نوفمبر 9, 2025

قال المؤلف رحمه الله: [والعالَمُ بجميعِ أجزائِهِ محدَثٌ إذ هو أعيانٌ وأعراضٌ فالأعيانُ ما لهُ قيامٌ بذاتِهِ وهو إما مُركَّبٌ وهو الجسمُ أو غيرُ مركَبٍ كالجوهر وهو الجُزءُ الذي لا يَتَجَزأ].

(الشرحُ): أنَّ ما سوى الله تعالى وهو العالَمُ بجميع أجزائه مِن السمٰواتِ وما فيها والأرضِ وما عليها مِمَّا دخل في الوجود كُلَّهُ حادثٌ. وهذا الأمر عليه كلُّ الطوائف التي تنتحل الأديانَ ولم يخالف في ذلك إلا الفلاسفةُ.

وقسم المؤلفُ رحمه الله العالَمَ إلى أعيان وأعراض ولا ثالثَ لَهُما لأنَّ الأعيان ما له قيامٌ بذاته أيْ تَحَيُّزٌ بنفسه أي ليس تحيزه تابعًا لتحيُّزِ شَيْءٍ ءَاخَرَ كالشخص من الأشخاص من بنِي ءَادَمَ كالفرد من أفراد الحجر والفرد من أفراد الشجر إلى غير ذلك، هذه الأشياء أعيانٌ لأنها متحيزةٌ تحيُّزًا مستقلًا أيْ غيرَ تابعٍ لِتَحَيُّزِ شيْءٍ ءَاخَرَ.

والأعيان إما مركبةٌ من جزأين فأكثر ويُسَمَّى المركب جسمًا أو غيرُ مركبة كالجوهر، والجوهرُ في اللغة الأصلُ وفي اصطلاحِ المتكلِّمينَ الجزءُ الذي لا يقبل الانقسام من التناهي في القِلَّةِ ويقال له الجوهر الفردُ. وإنما سُمِّيَ الجوهرَ لأنه أصل الأجسام فإنها تحصل مِن جوهرين فأكثر فتصيرُ قابلةً للانقسام ويُعَبَّرُ عنه بالجُزْء الذي لا يَتجزأ.

وبرهان حدوث العالم هو ملازمتُهُ للأعراض الحادثة فإن أجرام العالم يستحيل انفكاكها عن الأعراض كالحركة والسكون، وهذه الأعراض حادثة بدليل مشاهدة تغيره، فيلْزَمُ حدوثُ الأجرامُ واستحالَةُ وجودِها في الأزلِ قطعًا لاستحالة انفكاكها عن الأعراض إذ حدوثُ أحدِ المتلازِمَين يستلزمُ حدوثَ الآخر ضرورةً.

قال المؤلف رحمه الله: [والعَرَضُ ما لا يقومُ بذَاتِهِ].

(الشرحُ): أنَّ العرضَ الذي هو أحد قسمي الحادثات ما لا يقوم بذاته بل بغيره بأن يكون تابعًا له في التحيز كبياض الجسم الأبيض وسواد الجسم الأسود وحركةِ الجِرمِ وسكونهِ ونحوِ ذلك.

قال في شرح الكبرى العَرَضُ ما كانتْ ذاتُه لا تشغل فراغًا ولا له قيامٌ بنفسه وإنما يكون وجودُهُ تابعًا لوجود الجوهر كالعِلْمِ الذي يقوم بالجوهر وكالحركة واللون فإنها لا تشغل فراغًا بل الفراغُ الذي شغله الجوهرُ قبل اتصافه بها ه الفراغُ الذي شغله مع اتصافه بها من غير زيادةٍ اهـ.

قال المؤلف رحمه الله: [ويَحدُثُ فِي الأجسامِ والجواهرِ كالألوانِ والأكوانِ والطُّعُومِ والرَّوائحِ].

(الشرحُ): أنَّ العرَض يحدُثُ فِي الأجسامِ المركَّبَةِ والجواهرِ غيرِ المركَّبَةِ فكلٌّ منهما يتَّصِفُ بالصفاتِ وتقومُ به المعَانِي ومِنْ أمثلةِ الأعراضِ الألوانُ كالبياض والسواد وما بينهما ومنها الأكوانُ وهي الاجتماع والافتراق والحركة والسكون فإنها لا تتحيز بذاتها كما قال الإمامُ البيهقيُّ في كتابه الأسماء والصفات ما نصُّهُ [الله تعالى لا يوصف بالحركة لأن الحركة والسكون يتعاقبان في محل واحد، وإنما يجوز أن يوصف بالحركة من يجوز أن يوصف بالسكون وكلاهما من أعراض الدث وأوصاف المخلوقين والله تبارك وتعالى متعال عنهما ليس كمثله شيء] اهـ.

وكذلك الطعومُ والروائح من الأعراض، فأما الطعوم فأنواعها تسعةٌ وهي المرارة والحَرافة والملوحة والعفوصة والحموضة والقبض والحلاوة والدسومة والتفاهة وهي أي التفاهة عبارة عن طعم بين الحلاوة والدسومة وحصروها في هذه الأقسام التسعة بطريق التتبع، وأما الروائح فأنواعها متعددةٌ وليست لها أسماءٌ مخصوصةٌ.