#2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، قَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، إِمَامِ الْأَتْقِيَاءِ الْعَارِفِينَ، سَيِّدِنَا وَقَائِدِنَا وَحَبِيبِنَا وَنُورِ أَبْصَارِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ الْأُمِّيِّ الْأَمِينِ، الْعَالِي الْقَدْرِ، الْعَظِيمِ الْجَاهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ. أَمَّا بَعْدُ، قَالَ الشَّيْخُ جِيلُ صادِقُ رَحِمَهُ اللَّهُ:
كِتَابُ (الطَّهَارَةِ وَالصَّلاةِ)
الطَّهَارَةُ هِىَ فِعْلُ مَا تُسْتَبَاحُ بِهِ الصَّلاةُ مِنْ وُضُوءٍ وَغُسْلٍ وَتَيَمُّمٍ وَإِزَالَةِ نَجَاسَةٍ وَأَمَّا الصَّلاةُ فَهِىَ أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ مُفْتَتَحَةٌ بِالتَّكْبِيرِ مُخْتَتَمَةٌ بِالتَّسْلِيمِ.
(فَصْلٌ) فِى بَيَانِ الصَّلَوَاتِ الْوَاجِبَةِ وَمَوَاقِيتِهَا (فَمِنَ الْوَاجِبِ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِى الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ) فَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ تَرَكَ صَلاةَ الْوِتْرَ أَوْ نَوَافِلَ الصَّلَوَاتِ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَلَمَّا كَانَتْ مَعْرِفَةُ أَوْقَاتِ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ وَاجِبَةً عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ بَدَأَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِى بَيَانِهَا فَقَالَ (الظُّهْرُ وَ)يَدْخُلُ (وَقْتُهَا إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ) أَىْ مَالَتْ عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ إِلَى جِهَةِ الْمَغْرِبِ وَيَبْقَى وَقْتُهَا (إِلَى مَصِيرِ ظِلِّ كُلِّ شَىْءٍ مِثْلَهُ غَيْرَ ظِلِّ الِاسْتِوَاءِ) أَىْ إِلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَىْءٍ بِقَدْرِ طُولِ الشَّىْءِ زَائِدًا عَلَى ظِلِّ الِاسْتِوَاءِ وَهُوَ ظِلُّ الشَّىْءِ حِينَ تَكُونُ الشَّمْسُ فِى وَسَطِ السَّمَاءِ (وَالْعَصْرُ وَ)يَدْخُلُ (وَقْتُهَا مِنْ بَعْدِ وَقْتِ الظُّهْرِ) أَىْ بِانْتِهَاءِ وَقْتِ الظُّهْرِ بِلا فَاصِلٍ بَيْنَهُمَا وَيَبْقَى وَقْتُهَا (إِلَى مَغِيبِ) كَامِلِ قُرْصِ (الشَّمْسِ وَالْمَغْرِبُ وَ)يَدْخُلُ (وَقْتُهَا مِنْ بَعْدِ مَغِيبِ الشَّمْسِ) وَيَبْقَى وَقْتُهَا (إِلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ الأَحْمَرِ) وَهُوَ حُمْرَةٌ تَظْهَرُ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ فِى جِهَةِ الْغُرُوبِ (وَالْعِشَاءُ وَ)يَدْخُلُ (وَقْتُهَا مِنْ بَعْدِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ) أَىْ بِانْتِهَاءِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ وَيَبْقَى وَقْتُهَا (إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ) وَهُوَ بَيَاضٌ مُعْتَرِضٌ فِى الأُفُقِ الشَّرْقِىِّ (وَالصُّبْحُ وَ)يَدْخُلُ (وَقْتُهَا مِنْ بَعْدِ وَقْتِ الْعِشَاءِ) أَىْ بِانْتِهَاءِ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَيَبْقَى وَقْتُهَا (إِلَى طُلُوعِ) أَوَّلِ جُزْءٍ مِنَ (الشَّمْسِ فَتَجِبُ) مَعْرِفَةُ أَوْقَاتِ (هَذِهِ الْفُرُوضِ) الْخَمْسَةِ وَيَجِبُ أَدَاؤُهَا (فِى أَوْقَاتِهَا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ طَاهِرٍ أَىْ غَيْرِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ) أَمَّا الْكَافِرُ فَلا يُؤْمَرُ بِالصَّلاةِ وَهُوَ عَلَى كُفْرِهِ وَلا تَجِبُ الصَّلاةُ عَلَى الصَّبِىِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ (فَيَحْرُمُ تَقْدِيمُهَا) أَىْ تَقْدِيمُ الصَّلاةِ (عَلَى وَقْتِهَا) لِغَيْرِ عُذْرٍ فَمَنْ قَدَّمَهَا لا تَصِحُّ صَلاتُهُ (وَ)يَحْرُمُ (تَأْخِيرُهَا عَنْهُ) أَىْ تَأْخِيرُ الصَّلاةِ عَنْ وَقْتِهَا (لِغَيْرِ عُذْرٍ) فَمَنْ أَخَرَّهَا عَنْ وَقْتِهَا عَصَى اللَّهَ بِتَأْخِيرِهِ وَصَحَّتْ صَلاتُهُ (فَإِنْ طَرَأَ مَانِعٌ) يَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ الصَّلاةِ (كَحَيْضٍ) أَوْ جُنُونٍ أَوْ إِغْمَاءٍ وَكَانَ طُرُوؤُهُ (بَعْدَمَا مَضَى مِنْ وَقْتِهَا مَا يَسَعُهَا) أَىْ بَعْدَمَا مَضَى مِنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا مَا يَسَعُ الصَّلاةَ فَقَطْ إِنْ كَانَ يُمْكِنُهُ تَقْدِيمُ طُهْرِهِ عَلَى الْوَقْتِ أَوْ مَا يَسَعُ الصَّلاةَ (وَطُهْرَهَا) لِمَنْ لا يُمْكِنُهُ شَرْعًا تَقْدِيمُ طُهْرِهِ عَلَى الْوَقْتِ (لِنَحْوِ سَلِسٍ) وَهُوَ الَّذِى يَظَلُّ الْبَوْلُ يَنِزُّ مِنْهُ (لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا) بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ (أَوْ زَالَ الْمَانِعُ) مِنْ وُجُوبِ الصَّلاةِ (وَقَدْ بَقِىَ مِنَ الْوَقْتِ قَدْرُ تَكْبِيرَةٍ) أَىْ بَقِىَ مِنْ وَقْتِ الصَّلاةِ قَدْرُ مَا يَسَعُ تَكْبِيرَةَ الإِحْرَامِ (لَزِمَتْهُ وَكَذَا مَا قَبْلَهَا إِنْ جُمِعَتْ مَعَهَا) أَىْ إِنْ كَانَتْ تُجْمَعُ مَعَهَا فِى حَالِ الْعُذْرِ كَالسَّفَرِ (فَيَجِبُ الْعَصْرُ مَعَ الظُّهْرِ إِنْ زَالَ الْمَانِعُ بِقَدْرِ تَكْبِيرَةٍ قَبْلَ الْغُرُوبِ) أَىْ بِزَوَالِ الْمَانِعِ قَبْلَ دُخُولِ الْمَغْرِبِ بِقَدْرِ تَكْبِيرَةٍ أَوْ أَكْثَرَ (وَ)تَجِبُ (الْعِشَاءُ مَعَ الْمَغْرِبِ بِإِدْرَاكِ قَدْرِ تَكْبِيرَةٍ قَبْلَ الْفَجْرِ) أَىْ بِزَوَالِ الْمَانِعِ قَبْلَ دُخُولِ الْفَجْرِ بِقَدْرِ تَكْبِيرَةٍ أَوْ أَكْثَرَ.
(فَصْلٌ) فِى بَيَانِ مَا يَجِبُ عَلَى أَوْلِيَاءِ الصِّبْيَانِ وَالصَّبِيَّاتِ.
(يَجِبُ) وُجُوبًا كِفَائِيًّا (عَلَى وَلِىِّ الصَّبِىِّ وَالصَّبِيَّةِ الْمُمَيِّزَيْنِ) وَهُوَ الْوَالِدُ وَكَذَا مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ (أَنْ يَأْمُرَهُمَا بِالصَّلاةِ) وَلَوْ قَضَاءً (وَ)أَنْ (يُعَلِّمَهُمَا أَحْكَامَهَا) مِنْ شُرُوطٍ وَأَرْكَانٍ وَمُبْطِلاتٍ (بَعْدَ) تَمَامِ (سَبْعِ سِنِينَ قَمَرِيَّةٍ) وَالْمُمَيِّزُ هُوَ الَّذِى يَفْهَمُ السُّؤَالَ وَيَرُدُّ الْجَوَابَ. (وَ)يَجِبُ عَلَى الْوَلِىِّ أَنْ (يَضْرِبَهُمَا) ضَرْبًا غَيْرَ مُؤَدٍّ إِلَى الْهَلاكِ (عَلَى تَرْكِهَا) أَىِ الصَّلاةِ (بَعْدَ) تَمَامِ (عَشْرِ سِنِينَ) قَمَرِيَّةٍ (كَصَوْمٍ أَطَاقَاهُ) فَيَجِبُ عَلَى الْوَلِىِّ أَنْ يَأْمُرَهُمَا بِالصِّيَامِ وَيَضَرِبَهُمَا عَلَى تَرْكِهِ كَالصَّلاةِ إِنْ كَانَا يُطِيقَانِهِ.
(وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا تَعْلِيمُهُمَا) أَىْ تَعْلِيمُ الصَّبِىِّ وَالصَّبِيَّةِ الْمُمَيِّزَيْنِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ (مِنْ) أُصُولِ (الْعَقَائِدِ) كَوُجُودِ اللَّهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ وَأَنَّهُ لا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ وَأَنَّ مُحَمَّدًا ﷺ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ إِلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ مِنْ إِنْسٍ وَجِنٍّ وَأَنَّهُ صَادِقٌ فِى كُلِّ مَا جَاءَ بِهِ وَأَنَّهُ خَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ وَأَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْءَانَ وَأَنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ وَأَنَّهُ أَعَدَّ الْجَنَّةَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالنَّارَ لِلْكَافِرِينَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ (وَ)يَجِبُ تَعْلِيمُهُمَا (الأَحْكَامَ) الضَّرُورِيَّةَ (يَجِبُ كَذَا) كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ (وَيَحْرُمُ كَذَا) كَالسَّرِقَةِ وَالْكَذِبِ وَالزِّنَى واللِّوَاطِ وَالْغِيبَةِ وَضَرْبِ الْمُسْلِمِ ظُلْمًا (وَ)يَجِبُ تَعْلِيمُهُمَا (مَشْرُوعِيَّةَ السِّوَاكِ وَالْجَمَاعَةِ) أَىْ أَنَّ اسْتِعْمَالَ السِّوَاكِ سُنَّةٌ وَأَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ بِصَلاةِ الْجَمَاعَةِ.
(وَيَجِبُ عَلَى وُلاةِ الأَمْرِ) الْخَلِيفَةِ أَوْ نَائِبِهِ (قَتْلُ تَارِكِ الصَّلاةِ كَسَلًا) بَعْدَ إِنْذَارِهِ (إِنْ لَمْ يَتُبْ) وَتَوْبَتُهُ تَكُونُ بِأَنْ يُصَلِّىَ (وَحُكْمُهُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ) فَيُجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْغَسْلِ وَالتَّكْفِينِ وَالصَّلاةِ عَلَيْهِ وَالدَّفْنِ فِى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ. وَلا يُعَذَّبُ عَلَى هَذَا الذَّنْبِ الَّذِى أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِيهِ لِقَوْلِهِ ﷺ الْحُدودُ كَفَّارَاتٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِىُّ.
(وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) وُجُوبًا كِفَائِيًّا (أَمْرُ أَهْلِهِ) أَىْ زَوْجَتِهِ وَأَوْلادِهِ (بِالصَّلاةِ) بَعْدَ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ أَحْكَامَهَا أَوْ يُهَيِّئَ لَهُمْ مَنْ يُعَلِّمُهُمْ (وَ)أَمْرُ (كُلِّ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ) أَىْ مَنْ قَدَرَ عَلَى أَمْرِهِ (مِنْ غَيْرِهِمْ).
(فَصْلٌ) فِى بَيَانِ فُرُوضِ الْوُضُوءِ.
(وَمِنْ شُرُوطِ) صِحَّةِ (الصَّلاةِ الْوُضُوءُ) وَهُوَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِى أَعْضَاءٍ مَخْصُوصَةٍ مُفْتَتَحًا بِالنِّيَّةِ (وَفُرُوضُهُ) أَىْ أَرْكَانُهُ (سِتَّةٌ الأَوَّلُ) النِّيَّةُ بِالْقَلْبِ أَىْ (نِيَّةُ الطَّهَارَةِ لِلصَّلاةِ أَوْ غَيْرُهَا مِنَ النِّيَّاتِ الْمُجْزِئَةِ) أَىِ الْكَافِيَةِ كَأَنْ يَنْوِىَ الْوُضُوءَ أَوْ فَرْضَ الْوُضُوءِ (عِنْدَ غَسْلِ) أَوَّلِ جُزْءٍ مِنَ (الْوَجْهِ أَىْ مُقْتَرِنَةً بِغَسْلِهِ عِنْدَ الشَّافِعِىِّ وَتَكْفِى النِّيَّةُ إِنْ تَقَدَّمَتْ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ بِقَلِيلٍ عِنْدَ مَالِكٍ)، وَالْفَرْضُ (الثَّانِى غَسْلُ الْوَجْهِ جَمِيعِهِ) أَىْ غَسْلُ ظَاهِرِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَحَدُّ الْوَجْهِ طُولًا (مِنْ مَنَابِتِ شَعَرِ رَأْسِهِ) بِاعْتِبَارِ غَالِبِ النَّاسِ (إِلَى الذَّقَنِ) وَهُوَ مُجْتَمَعُ اللَّحْيَيْنِ فِى أَسْفَلِ الْوَجْهِ (وَ)عَرْضًا (مِنْ) وَتِدِ (الأُذُنِ إِلَى) وَتِدِ (الأُذُنِ) فَكُلُّ مَا كَانَ ضِمْنَ حَدِّ الْوَجْهِ يَجِبُ غَسْلُهُ (شَعَرًا وَبَشَرًا) أَىْ جِلْدًا وَ(لا) يَجِبُ غَسْلُ (بَاطِنِ لِحْيَةِ الرَّجُلِ) الْكَثِيفَةِ (وَ)بَاطِنِ (عَارِضَيْهِ إِذَا كَثُفَا) وَاللِّحْيَةُ هِىَ الشَّعَرُ النَّابِتُ عَلَى الذَّقَنِ وَالْعَارِضَانِ هُمَا الشَّعَرُ النَّابِتُ عَلَى اللَّحْيَيْنِ وَهُمَا الْعَظْمَانِ اللَّذَانِ أَسْفَلَ الأُذُنِ يَجْتَمِعَانِ فِى أَسْفَلِ الْوَجْهِ وَالشَّعَرُ الكَثِيْفُ هُوَ مَا لا تُرَى الْبَشَرَةُ مِنْ خِلالِهِ، وَالْفَرْضُ (الثَّالِثُ غَسْلُ الْيَدَيْنِ) مَرَّةً واحِدَةً مِنْ رُؤُوسِ الأَصَابِعِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ أَىْ (مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ) وَالْمِرْفَقُ هُوَ مُجْتَمَعُ السَّاعِدِ وَالْعَضُدِ (وَ)غَسْلُ (مَا عَلَيْهِمَا) أَىِ الْيَدَيْنِ مِنْ شَعَرٍ وَأَظَافِرَ وَشُقُوقٍ، وَالْفَرْضُ (الرَّابِعُ مَسْحُ الرَّأْسِ) كُلِّهِ (أَوْ بَعْضِهِ) مَرَّةً وَاحِدَةً (وَلَوْ) كَانَ الْمَمْسُوحُ (شَعْرَةً) أَوْ بَعْضَ شَعْرَةٍ إِذَا كَانَ الْمَمْسُوحُ (فِى حَدِّهِ) أَىِ الرَّأْسِ بِحَيْثُ لا يَخْرُجُ الْجُزْءُ الْمَمْسُوحُ مِنَ الشَّعْرَةِ عَنْ حَدِّ الرَّأْسِ عِنْدَ مَدِّهَا لِجِهَةِ نُزُولِهَا وَيُجْزِئُ أَىْ يَكْفِى الْمَسْحُ عَلَى جُزْءٍ مِنَ الرَّأْسِ لا شَعَرَ عَلَيْهِ، وَالْفَرْضُ (الْخَامِسُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ) أَىِ الْقَدَمَيْنِ وَمَا عَلَيْهِمَا مِنْ شَعَرٍ وَأَظَافِرَ وَشُقُوقٍ (مَعَ الْكَعْبَيْنِ) مَرَّةً وَاحِدَةً وَالْكَعْبَانِ هُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ فِى أَسْفَلِ السَّاقِ وَهَذَا فِى غَيْرِ لابِسِ الْخُفِّ أَمَّا لابِسُ الْخُفِّ فَالْوَاجِبُ فِى حَقِّهِ إِمَّا غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ (أَوْ مَسْحُ الْخُفِّ إِذَا كَمَلَتْ شُرُوطُهُ) وَشُرُوطُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ خَمْسَةٌ وَهِىَ أَنْ يَكُونَا طَاهِرَيْنِ وأَنْ يَكُونَا سَاتِرَيْنِ لِجَمِيعِ الْقَدَمِ مَعَ الْكَعْبَيْنِ وَيُمْكِنُ الْمَشْىُ عَلَيْهِمَا لِتَرَدُّدِ مُسَافِرٍ فِى حَوَائِجِهِ وَأَنْ يَكُونَ الْخُفُّ مَانِعًا لِنُفُوذِ الْمَاءِ وَأَنْ يَبْتَدِئَ لُبْسَهُمَا بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ أَىْ بَعْدَ تَمَامِ الْوُضُوءِ. وَأَمَّا الْفَرْضُ (السَّادِسُ) فَهُوَ (التَّرْتِيبُ هَكَذَا) أَىْ عَلَى النَّحْوِ الْمَذْكُورِ.
(فَصْلٌ) فِى نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ.
(وَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ) أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا (مَا خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ) أَىْ مَا خَرَجَ مِنَ الْقُبُلِ أَوِ الدُّبُرِ سَوَاءٌ كَانَ مُعْتَادًا كَالْبَوْلِ أَوْ غَيْرَ مُعْتَادٍ كَالدَّمِ (غَيْرَ الْمَنِىِّ) فَإِنَّ خُرُوجَهُ بِتَفْكِيرٍ أَوْ نَظَرٍ لا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ عِنْدَ الشَّافِعِىِّ لَكِنْ خُرُوجُهُ يُوجِبُ الْغُسْلَ (وَ)ثَانِيهَا (مَسُّ قُبُلِ الآدَمِىِّ أَوْ حَلْقَةِ دُبُرِهِ) سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا ذَكَرًا أَوْ غَيْرَهُ (بِبَطْنِ الْكَفِّ بِلا حَائِلٍ) وَالنَّاقِضُ مِنْ قُبُلِ الْمَرْأَةِ مُلْتَقَى شُفْرَيْهَا عَلَى الْمَنْفَذِ وَالْمُرَادُ بِالْمَنْفَذِ مَخْرَجُ الْبَوْلِ وَمَدْخَلُ الذَّكَرِ وَالنَّاقِضُ مِنَ الدُّبُرِ مُلْتَقَى الْمَنْفَذِ فَقَطْ فَلا يَنْقُضُ مَسُّ الأَلْيَةِ، وَبَطْنُ الْكَفِّ هُوَ الْقَدْرُ الَّذِى يَسْتَتِرُ عِنْدَ وَضْعِ إِحْدَى الْكَفَّيْنِ عَلَى الأُخْرَى مَعَ تَحَامُلٍ يَسِيرٍ أَىْ كَبْسٍ خَفِيفٍ وَتَفْرِيقِ الأَصَابِعِ (وَ)ثَالِثُهَا (لَمْسُ بَشَرَةِ) الأُنْثَى (الأَجْنَبِيَّةِ) أَىْ غَيْرِ الْمَحْرَمِ (الَّتِى تُشْتَهَى) بِغَيْرِ حَائِلٍ فَإِنْ لَمَسَ رَجُلٌ بَشَرَةَ بِنْتٍ لا تُشْتَهَى أَوْ بَشَرَةَ امْرَأَةٍ بحَائِلٍ أَوْ لَمَسَ غَيْرَ الْبَشَرَةِ مِنْهَا كَشَعَرِهَا لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوؤُهُ (وَ)رَابِعُهَا (زَوَالُ الْعَقْلِ) أَىِ التَّمْيِيزِ بِنَحْوِ جُنُونٍ أَوْ نَوْمٍ (لا نَوْمُ قَاعِدٍ مُمَكِّنٍ مَقْعَدَتَهُ) مِنْ مَقَرِّهِ كَأَرْضٍ أَوْ ظَهْرِ دَابَّةٍ فَإِنَّهُ لا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لِلأَمْنِ مِنْ خُرُوجِ الرِّيحِ وَنَحْوِهِ.
(فَصْلٌ) فِى بَيَانِ أَحْكَامِ الِاسْتِنْجَاءِ.
(يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْ كُلِّ) نَجِسٍ (رَطْبٍ) مُلُوِّثٍ لِلْمَخْرَجِ (خَارِجٍ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ) الْقُبُلِ أَوِ الدُّبُرِ (غَيْرَ الْمَنِىِّ) فَلا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْهُ لِطَهَارَتِهِ عِنْدَ الشَّافِعِىِّ لَكِنْ يُسَنُّ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْهُ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلافِ الأَئِمَّةِ الْقَائِلِينَ بِنَجَاسَتِهِ وَيَكُونُ الِاسْتِنْجَاءُ (بِالْمَاءِ) أَىْ بِصَبِّهِ (إِلَى أَنْ يَطْهُرَ الْمَحَلُّ) بِأَنْ يَذْهَبَ الْخَارِجُ عَيْنُهُ وَأَثَرُهُ (أَوْ بِمَسْحِهِ ثَلاثَ مَسَحَاتٍ أَوْ أَكْثَرَ إِلَى أَنْ يَنْقَى الْمَحَلُّ وَإِنْ بَقِىَ الأَثَرُ بِقَالِعٍ طَاهِرٍ جَامِدٍ غَيْرِ مُحْتَرَمٍ) فَلا يَكْفِى غَيْرُ الْقَالِعِ كَالزُّجَاجِ وَالتُّرَابِ الْمُتَنَاثِرِ وَلا يَكْفِى النَّجِسُ كَالْبَعْرِ أَوِ الْمُتَنَجِّسُ كَحَجَرٍ مُتَنَجِّسٍ بِالْبَوْلِ وَلا يَكْفِى الرَّطْبُ كَمِنْدِيلِ وَرَقٍ مَبْلُولٍ وَلا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمُحْتَرَمِ كَخُبْزٍ أَوْ أَوْرَاقِ عِلْمٍ شَرْعِىٍّ، وَكُلُّ مَا اجْتَمَعَتْ فِيهِ الشُّرُوطُ الأَرْبَعَةُ يَصِحُّ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ (كَحَجَرٍ أَوْ) مِنْدِيلِ (وَرَقٍ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ) لَكِنْ (مِنْ غَيْرِ انْتِقَالِ) الْخَارِجِ عَنِ الْحَشَفَةِ أَىْ رَأْسِ الذَّكَرِ وَعَنِ الصَّفْحَتَيْنِ أَىْ مَا يَنْضَمُّ مِنَ الأَلْيَتَيْنِ عِنْدَ الْقِيَامِ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِلَ الْبَولُ إِلَى مَدْخَلِ الذَّكَرِ عِنْدَ الْمَرْأَةِ (وَقَبْلَ جَفَافِ) الْخَارِجِ (فَإِنِ انْتَقَلَ) الْخَارِجُ (عَنِ الْمَكَانِ الَّذِى اسْتَقَرَّ فِيهِ) بَعْدَ خُرُوجِهِ (أَوْ جَفَّ وَجَبَ الْمَاءُ) فى الِاسْتِنْجَاءِ.
(فَصْلٌ) فِى بَيَانِ مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ وَفُرُوضِهِ.
(وَمِنْ شُرُوطِ) صِحَّةِ (الصَّلاةِ الطَّهَارَةُ مِنَ الْحَدَثِ الأَكْبَرِ بِالْغُسْلِ أَوِ التَّيَمُّمِ) بِالتُّرَابِ (لِمَنْ عَجَزَ عَنِ الْغُسْلِ وَالَّذِى يُوجِبُهُ) أَىِ الْغُسْلَ (خَمْسَةُ أَشْيَاءَ) أَحَدُهَا (خُرُوجُ الْمَنِىِّ) أَىْ ظُهُورُهُ إِلَى ظَاهِرِ حَشَفَةِ الرَّجُلِ وَفَرْجِ الْبِكْرِ أَوْ وُصُولُهُ إِلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ فَرْجِ الثَّيِّبِ أَىْ غَيْرِ الْبِكْرِ عِنْدَ قُعُودِهَا عَلَى قَدَمَيْهَا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ أَوْ لِلِاسْتِنْجَاءِ (وَ)ثَانِيهَا (الْجِمَاعُ) وَهُوَ إِدْخَالُ الْحَشَفَةِ أَىْ رَأْسِ الذَّكَرِ فِى الْفَرْجِ (وَ)ثَالِثُهَا (الْحَيْضُ) وَهُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ رَحِمِ الْمَرْأَةِ عَلَى سَبِيلِ الصِّحَّةِ مِنْ غَيْرِ سَبَبِ الْوِلادَةِ وَأَقَلُّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا (وَ)رَابِعُهَا (النِّفَاسُ) وَهُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ رَحِمِ الْمَرْأَةِ بَعْدَ الْوِلادَةِ وَأَقَلُّهُ قَدْرُ بَزْقَةٍ وَأَكْثَرُهُ سِتُّونَ يَومًا وَالْمُوجِبُ لِلْغُسْلِ مِنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ هُوَ انْقِطَاعُ الدَّمِ (وَ)خَامِسُهَا (الْوِلادَةُ) بِلا بَلَلٍ أَىْ مِنْ غَيْرِ خُرُوجِ دَمٍ.
(وَفُرُوضُ الْغُسْلِ اثْنَانِ نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ الأَكْبَرِ أَوْ نَحْوُهَا) مِنَ النِّيَّاتِ الْمُجْزِئَةِ كَأَنْ يَنْوِىَ فَرْضَ الْغُسْلِ أَوِ الْغُسْلَ الْوَاجِبَ وَيَجِبُ قَرْنُ النِّيَّةِ بِأَوَّلِ مَغْسُولٍ فَلَوْ نَوَى بَعْدَ غَسْلِ جُزْءٍ مِنْ بَدَنِهِ وَجَبَ إِعَادَةُ غَسْلِ ذَلِكَ الْجُزْءِ (وَتَعْمِيمُ جَمِيعِ الْبَدَنِ بَشَرًا وَشَعَرًا وَإِنْ كَثُفَ بِالْمَاءِ) الْمُطَهِّرِ.
(فَصْلٌ) فِى بَيَانِ شُرُوطِ صِحَّةِ الطَّهَارَةِ وَأَحْكَامِ التَّيَمُّمِ.
(شُرُوطُ الطَّهَارَةِ) مِنْ وُضُوءٍ وَغُسْلٍ خَمْسَةٌ أَحَدُهَا (الإِسْلامُ) فَلا تَصِحُّ طَهَارَةُ الْكَافِرِ مِنَ الْحَدَثَيْنِ (وَ)ثَانِيهَا (التَّمْيِيزُ) فَلا تَصِحُّ طَهَارَةُ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ كَطِفْلٍ وَمَجْنُونٍ (وَ)ثَالِثُهَا (عَدَمُ) وُجُودِ (الْمَانِعِ مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ إِلَى) الْعُضْوِ (الْمَغْسُولِ) أَوِ الْمَمْسُوحِ فَلا تَصِحُّ الطَّهَارَةُ مَعَ وُجُودِ مَانِعٍ كَطِلاءِ الأَظَافِرِ لِلنِّسَاءِ الْمُسَمَّى بِالْمَنَكِيرِ وَأَمَّا مَا يَسْتُرُ لَوْنَ الْبَشَرَةِ كَالْحِبْرِ وَلا يَمْنَعُ الْمَاءَ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْجِلْدِ فَلا يَضُرُّ (وَ)رَابِعُهَا (السَّيَلانُ) وَهُوَ أَنْ يَجْرِىَ الْمَاءُ عَلَى الْجِلْدِ بِطَبْعِهِ وَلَوْ بِوَاسِطَةِ إِمْرَارِ الْيَدِ (وَ)خَامِسُهَا (أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ) الْمُسْتَعْمَلُ لِلطَّهَارَةِ طَاهِرًا فِى نَفْسِهِ (مُطَهِّرًا) لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ الَّذِى يَصِحُّ إِطْلاقُ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ بِلا قَيْدٍ كَمَاءِ الْمَطَرِ (بِأَنْ لا يُسْلَبَ اسْمَهُ بِمُخَالَطَةِ طَاهِرٍ يَسْتَغْنِى الْمَاءُ عَنْهُ أَىْ) يَسْهُلُ صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ وَالْمُخَالَطَةُ لِلْمَاءِ بِطَاهِرٍ مَعْنَاهَا (امْتِزَاجُ شَىْءٍ طَاهِرٍ) بِهِ (كَالْحَلِيبِ وَالْحِبْرِ وَشِبْهِ ذَلِكَ فَلَوْ تَغَيَّرَ الْمَاءُ بِهِ) أَىْ بِالْمُخَالِطِ تَغَيُّرًا كَثِيرًا فِى لَوْنِهِ أَوْ طَعْمِهِ أَوْ رِيحِهِ (بِحَيْثُ) سُلِبَ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ فَصَارَ (لا يُسَمَّى مَاءً لَمْ يَصْلُحْ لِلطَّهَارَةِ) بِخِلافِ مَا لَوْ غَيَّرَهُ قَلِيلًا بِحَيْثُ لا يُسْلَبُ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ فَلا يَضُرُّ فَيَبْقَى طَهُورًا (وَأَمَّا) مَا جَاوَرَ الْمَاءَ كَالْعُودِ الصُّلْبِ الَّذِى لا يَتَحَلَّلُ فِى الْمَاءِ فَلا يُؤَثِّرُ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ وَإِنْ تَغَيَّرَتْ رَائِحَتُهُ كَثِيرًا وَكَذَلِكَ (تَغَيُّرُهُ بِمَا لا يَسْتَغْنِى الْمَاءُ عَنْهُ) أَىْ بِمَا يَشُقُّ صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ (كَأَنْ يَتَغَيَّرَ بِمَا فِى مَقَرِّهِ) كَالْعُشْبِ (أَوْ مَمَرِّهِ) كَأَرْضٍ كِبْرِيتِيَّةٍ (أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَشُقُّ صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ فَلا يَضُرُّ فَيَبْقَى) طَاهِرًا (مُطَهِّرًا وَإِنْ كَثُرَ تَغَيُّرُهُ). (وَ)يُشْتَرَطُ لِصَحَّةِ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ الْكَثِيرِ وَهُوَ قُلَّتَانِ أَوْ أَكْثَرُ (أَنْ لا يَتَغَيَّرَ بِنَجِسٍ) كَبَوْلٍ (وَلَوْ تَغَيُّرًا يَسِيرًا وَ)أَمَّا (إِنْ كَانَ الْمَاءُ) قَلِيلًا أَىْ (دُونَ الْقُلَّتَيْنِ) وَهُمَا بِالْمُرَبَّعِ مَا يَسَعُ حُفْرَةً طُولُهَا ذِرَاعٌ وَرُبْعٌ وَكَذَلِكَ عَرْضُهَا وَعُمْقُهَا أَىْ نَحْوُ مِائَتَىْ لِيتْرٍ (اشْتُرِطَ) لِصِحَّةِ الطَّهَارَةِ بِهِ (أَنْ لا يُلاقِيَهُ نَجِسٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهُ) أَىْ لا يُسَامَحُ فِيهِ فَإِنْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ مَعْفُوًّا عَنْهَا كَمَيْتَةِ مَا لا نَفْسَ لَهَا سَائِلَةٌ أَىْ لا دَمَ لَهَا سَائِلٌ كَالذُّبَابِ إِذَا وَقَعَتْ فِى الْمَاءِ وَمَاتَتْ فِيهِ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ فَلا تُنَجِّسُهُ (وَ)يُشْتَرَطُ لِصَحَّةِ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ (أَنْ لا يَكُونَ) الْمَاءُ الْقَلِيلُ (اسْتُعْمِلَ فِى رَفْعِ حَدَثٍ) بِخِلافِ مَا اسْتُعْمِلَ فِى الْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ (أَوِ) الثَّالِثَةِ فَإِنَّهُ طَهُورٌ أَمَّا إِذَا اسْتُعْمِلَ فِى (إِزَالَةِ) شَىْءٍ (نَجِسٍ) أَىْ مُتَنَجِّسٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرِ الْمَاءُ بِالنَّجَاسَةِ وَلا زَادَ وَزْنُهُ بِسَبَبِهَا فَإِنَّهُ يَكُونُ طَاهِرًا غَيْرَ مُطَهِّرٍ.
(وَمَنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ) بَعْدَ طَلَبِهِ لَهُ أَوْ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ لِشُرْبِهِ (أَوْ كَانَ) مَرِيضًا يَخَافُ مِنِ اسْتِعْمَالِهِ أَنْ يَهْلِكَ أَوْ يَتْلَفَ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَائِهِ أَوْ (يَضُرَّهُ الْمَاءُ) بِطُولِ مَرَضِهِ (تَيَمَّمَ) وَالتَّيَمُّمُ هُوَ إِيصَالُ التُّرَابِ إِلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ مَعَ النِّيَّةِ بِشَرَائِطَ مَـخْصُوصَةٍ. وَلا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ إِلَّا (بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَزَوَالِ النَّجَاسَةِ الَّتِى لا يُعْفَى عَنْهَا) إِنْ كَانَتْ بِبَدَنِهِ وَلا يَصِحُّ إِلَّا (بِتُرَابٍ خَالِصٍ) مِنَ الرَّمَادِ وَنَحْوِهِ (طَهُورٍ) لا مُتَنَجِّسٍ بِنَحْوِ بَوْلٍ وَلا مُسْتَعْمَلٍ فِى تَيَمُّمٍ وَ(لَهُ غُبَارٌ).
وَيَكُونُ التَّيَمُّمُ (فِى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ) إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ (يُرَتِّبُهُمَا بِضَرْبَتَيْنِ) أَىْ بِنَقْلَتَيْنِ لِلتُّرَابِ مَعَ تَقْدِيمِ مَسْحِ الْوَجْهِ عَلَى مَسْحِ الْيَدَيْنِ. وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ التَّيَمُّمِ أَنْ يَكُونَ (بِنِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ فَرْضِ الصَّلاةِ) لا بِنِيَّةِ التَّيَمُّمِ وَأَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ (مَعَ النَّقْلِ وَمَسْحِ أَوَّلِ الْوَجْهِ) أَىْ لا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُقْتَرِنَةً بِنَقْلِ التُّرَابِ إِلَى الْوَجْهِ وَأَنْ تُسْتَدَامَ إِلَى مَسْحِ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ. وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِالرِّدَّةِ وَبِمَا يَبْطُلُ بِهِ الْوُضُوءُ وَبِرُؤْيَةِ الْمَاءِ فِى غَيْرِ وَقْتِ الصَّلاةِ أَمَّا لَوْ رَأَى الْمَاءَ وَهُوَ فِى الصَّلاةِ فَإِنْ كَانَ تَيَمَّمَ لِفَقْدِ الْمَاءِ فِى مَكَانٍ يَكْثُرُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ وَإِلَّا فَلا.
(فَصْلٌ) فِى مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ.
(وَمَنِ انْتَقَضَ وُضُوؤُهُ حَرُمَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالطَّوافُ) بِالْكَعْبَةِ (وَحَمْلُ الْمُصْحَفِ وَمَسُّهُ) أَىْ مَسُّ وَرَقِهِ وَجِلْدِهِ الْمُتَّصِلِ بِهِ وَحَوَاشِيهِ (وَيُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ) أَىْ مِنْ مَسِّهِ وَحَمْلِهِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ (الصَّبِىُّ) الْمُمَيِّزُ (لِلدِّرَاسَةِ) وَالتَّعَلُّمِ فِيهِ لِنَفْسِهِ (وَيَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ هَذِهِ) أَىِ الصَّلاةُ وَالطَّوَافُ وَحَمْلُ الْمُصْحَفِ وَمَسُّهُ (وَقِرَاءَةُ الْقُرْءَانِ) بِاللِّسَانِ بِقَصْدِ تِلاوَتِهِ (وَالْمُكْثُ فِى الْمَسْجِدِ) أَوِ التَّرَدُّدُ فِيهِ (وَ)يَحْرُمُ (عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ هَذِهِ) أَىِ الصَّلاةُ وَالطَّوَافُ وَحَمْلُ الْمُصْحَفِ وَمَسُّهُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْءَانِ وَالْمُكْثُ فِى الْمَسْجِدِ (وَالصَّوْمُ قَبْلَ الِانْقِطَاعِ) أَىْ قَبْلَ انْقِطَاعِ الدَّمِ أَمَّا بَعْدَهُ فَيَجُوزُ وَلَوْ قَبْلَ الْغُسْلِ (وَتَمْكِينُ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ) أَىْ سَيِّدِ الأَمَةِ الْمَملُوكَةِ (مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ قَبْلَ الْغُسْلِ) بِلا حَائِلٍ (وَقِيلَ لا يَحْرُمُ إِلَّا الْجِمَاعُ).
(فَصْلٌ) فِى الطَّهَارَةِ عَنِ النَّجَاسَةِ وكَيْفِيَّةِ إِزَالَتِهَا.
(وَمِنْ شُرُوطِ) صِحَّةِ (الصَّلاةِ الطَّهَارَةُ عَنِ النَّجَاسَةِ فِى الْبَدَنِ) كَدَاخِلِ الْفَمِ وَالأَنْفِ وَالْعَيْنِ (وَ)فِى (الثَّوْبِ) الَّذِى يَلْبَسُهُ أَثْنَاءَ صَلاتِهِ (وَالْمَكَانِ) الَّذِى يَمَسُّهُ بِبَدَنِهِ (وَالْمَحْمُولِ لَهُ كَقِنِّينَةٍ) أَوْ وَرَقَةٍ (يَحْمِلُهَا فِى جَيْبِهِ فَإِنْ لاقَاهُ) أَىْ لاقَى بَدَنَهُ أَوْ ثَوْبَهُ (نَجِسٌ) غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهُ (أَوْ) لاقَى (مَحْمُولَهُ) كَرِدَاءٍ يَضَعُهُ عَلَى كَتِفَيْهِ (بَطَلَتْ صَلاتُهُ إِلَّا أَنْ يُلْقِيَهُ حَالًا) كَأَنْ وَقَعَ عَلَى رِدَائِهِ وَكَانَ رَطْبًا فَأَلْقَى الرِّدَاءَ فَوْرًا مِنْ غَيْرِ حَمْلٍ وَنَحْوِهِ أَوْ وَقَعَ عَلَى ثَوْبِهِ وَكَانَ يَابِسًا فَأَزَالَهُ بِنَفْضِ ثَوْبِهِ لا بِيَدِهِ أَوْ كُمِّهِ (أَوْ يَكُونَ) النَّجِسُ (مَعْفُوًّا عَنْهُ) أَىْ يُسَامَحُ فِيهِ (كَدَمِ جُرْحِهِ) فَلا تَبْطُلُ صَلاتُهُ.
(وَيَجِبُ إِزَالَةُ نَجِسٍ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ) أَىْ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصَّلاةِ إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ غَيْرِ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا (بِإِزَالَةِ الْعَيْنِ أَىْ جِرْمِهَا) وَأَوْصَافِهَا (مِنْ طَعْمٍ وَلَوْنٍ وَرِيحٍ بِالْمَاءِ الْمُطَهِّرِ وَ)أَمَّا النَّجَاسَةُ (الحُكْمِيَّةُ) فَتُزَالُ (بِجَرْىِ الْمَاءِ عَلَيْهَا) مَرَّةً وَاحِدَةً (وَالنَّجَاسَةُ الحُكْمِيَّةُ هِىَ الَّتِى لا يُدْرَكُ لَهَا لَوْنٌ وَلا طَعْمٌ وَلا رِيحٌ) كَبَوْلٍ جَفَّ وَذَهَبَتْ أَوْصَافُهُ (وَ)أَمَّا النَّجَاسَةُ (الكَلْبِيَّةُ) أَوِ الْخِنْزِيرِيَّةُ فَتُزَالُ (بِغَسْلِهَا سَبْعًا إِحْدَاهُنَّ مَمْزُوجَةٌ بِالتُّرَابِ الطَّهُورِ) بِحَيْثُ يَتَكَدَّرُ بِهِ الْمَاءُ (وَالْمُزِيلَةُ لِلْعَيْنِ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ وَاحِدَةٌ) أَىِ الْغَسَلاتُ الَّتِى يُزَالُ بِهَا الْحَجْمُ مَعَ الْوَصْفِ تُعَدُّ غَسْلَةً وَاحِدَةً.
(وَيُشْتَرَطُ) فِى إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ (وُرُودُ الْمَاءِ) عَلَيْهَا (إِنْ كَانَ قَلِيلًا) أَىْ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ.
(فَصْلٌ) فِى بَيَانِ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلاةِ.
(وَمِنْ شُرُوطِ الصَّلاةِ اسْتِقْبالُ الْقِبْلَةِ) وَهِىَ الْكَعْبَةُ (وَ)مَعْرِفَةُ (دُخُولِ وَقْتِ الصَّلاةِ) إِمَّا يَقِينًا بِالْمُرَاقَبَةِ وَإِمَّا ظَنًّا كَالِاعْتِمَادِ عَلَى صِيَاحِ الدِّيكِ الْمُجَرَّبِ لِمَعْرِفَةِ دُخُولِ وَقْتِ الصُّبْحِ وَالطَّهَارَةُ عَنِ الْحَدَثَيْنِ الأَصْغَرِ وَالأَكْبَرِ (وَالإِسْلامُ) فَلا تَصِحُّ الصَّلاةُ مِنْ كَافِرٍ (وَالتَّمْيِيزُ) فَلا تَصِحُّ الصَّلاةُ مِنْ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ (وَ)التَّمْيِيزُ (هُوَ أَنْ يَكُونَ الوَلَدُ بَلَغَ مِنَ السِّنِّ إِلَى حَيْثُ يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيَرُدُّ الْجَوَابَ). (وَ)مِنْ شُرُوطِ الصَّلاةِ (الْعِلْمُ بِفَرْضِيَّتِهَا) إِنْ كَانَتِ الصَّلاةُ فَرْضًا (وَأَنْ لا يَعْتَقِدَ فَرْضًا مِنْ فُرُوضِهَا سُنَّةً) كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (وَالسَّتْرُ) أَىْ سَتْرُ الْعَوْرَةِ (بِمَا يَسْتُرُ لَوْنَ الْبَشَرَةِ) وَالشَّعَرِ (لِجَمِيعِ بَدَنِ) الأُنْثَى (الْحُرَّةِ) أَىْ غَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ (إِلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ وَبِمَا يَسْتُرُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ لِلذَّكَرِ وَالأَمَةِ) الْمَمْلُوكَةِ وَيَجِبُ السَّتْرُ (مِنْ كُلِّ الْجَوَانِبِ) وَالأَعْلَى وَ(لا) يَجِبُ مِنَ (الأَسْفَلِ) أَىْ مِمَّا هُوَ أَسْفَلُ مِنَ الْعَوْرَةِ.
(فَصْلٌ) فِى بَيانِ مُبْطِلاتِ الصَّلاةِ.
(وَتَبْطُلُ الصَّلاةُ بِالْكَلامِ) عَمْدًا أَىْ مَعَ ذِكْرِ أَنَّهُ فِى الصَّلاةِ وَكَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ (وَلَوْ) كَانَ النُّطْقُ (بِحَرْفَيْنِ) لا مَعْنَى لَهُمَا (أَوْ بِحَرْفٍ مُفْهِمٍ) لَهُ مَعْنًى (إِلَّا أَنْ نَسِىَ) أَنَّهُ فِى الصَّلاةِ (وَقَلَّ) الْكَلامُ الَّذى تَكَلَّمَ بِهِ كَسِتِّ كَلِمَاتٍ عُرْفِيَّةٍ أَوْ أَقَلَّ وَالْكَلِمَةُ الْعُرْفِيَّةُ هِىَ الْجُمْلَةُ الْمُفِيدَةُ نَحْوُ اذْهَبْ إِلَى السُّوقِ. (وَ)تَبْطُلُ الصَّلاةُ (بِالْفِعْلِ الْكَثِيرِ) الْمُتَوَالِى (وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ مَا يَسَعُ قَدْرَ رَكْعَةٍ مِنَ الزَّمَنِ وَقِيلَ ثَلاثُ حَرَكَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ) وَلَوْ بِأَعْضَاءٍ مُتَعَدِّدَةٍ كَحَرَكَةِ يَدَيْهِ وَرَأْسِهِ عَلَى التَّعَاقُبِ أَوْ دَفْعَةً وَاحِدَةً (وَ)الْقَوْلُ (الأَوَّلُ أَقْوَى دَلِيلًا). (وَ)تَبْطُلُ الصَّلاةُ (بِالْحَرَكَةِ الْمُفْرِطَةِ) كَالْوَثْبَةِ أَىِ الْقَفْزَةِ (وَبِزِيَادَةِ رُكْنٍ فِعْلِىٍّ) عَمْدًا كَأَنْ عَمِلَ رُكُوعَيْنِ فِى رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ (وَبِالْحَرَكَةِ الْوَاحِدَةِ لِلَّعِبِ وَبِالأَكْلِ وَالشُّرْبِ إِلَّا أَنْ نَسِىَ) أَنَّهُ فِى الصَّلاةِ (وَقَلَّ) مَا أَكَلَهُ أَوْ شَرِبَهُ (وَبِنِيَّةِ قَطْعِ الصَّلاةِ وَبِتَعْلِيقِ قَطْعِهَا عَلَى) حُصُولِ (شَىْءٍ وَبِالتَّرَدُّدِ فِيهِ) أَىْ فِى قَطْعِهَا (وَبِأَنْ يَمْضِىَ رُكْنٌ) مِنْ أَرْكَانِ الصَّلاةِ كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ (مَعَ الشَّكِّ فِى نِيَّةِ التَّحَرُّمِ أَوْ يَطُولَ زَمَنُ الشَّكِّ) كَأَنْ شَكَّ وَهُوَ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ هَلْ نَوَى أَثْنَاءَ التَّكْبِيرِ أَوْ لا وَاسْتَمَرَ هَذَا الشَّكُّ حَتَّى انْتَهَى مِنَ الْقِرَاءَةِ أَوْ طَالَ وَقْتُ الشَّكِّ كَأَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْمُلْكِ وَهُوَ شَاكٌّ بَطَلَتْ صَلاتُهُ.
(فَصْلٌ) فِى بَيَانِ شُرُوطِ قَبُولِ الصَّلاةِ.
(وَشُرِطَ مَعَ مَا مَرَّ) مِنْ شُرُوطِ الصِحَّةِ (لِقَبُولِهَا عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) أَىْ لِنَيْلِ الثَّوَابِ مِنَ اللَّهِ (أَنْ يَقْصِدَ بِهَا) أَىْ بِصَلاتِهِ (وَجْهَ اللَّهِ وَحْدَهُ) وَلا يَكُونُ قَصْدُهُ ثَنَاءَ النَّاسِ عَلَيْهِ (وَأَنْ يَكُونَ مَأْكَلُهُ) الَّذِى فِى بَطْنِهِ أَثْنَاءَ صَلاتِهِ (وَمَلْبُوسُهُ وَمُصَلَّاهُ) أَىْ مَكَانُ صَلاتِهِ (حَلالًا وَأَنْ يَخْشَعَ لِلَّهِ قَلْبُهُ فِيهَا وَلَوْ لَحْظَةً) وَالْخُشُوعُ هُوَ اسْتِشْعَارُ الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ أَىْ خَوْفِ الإِجْلالِ وَالتَّعْظِيمِ (فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ) أَىْ إِنْ لَمْ يَخْشَعْ فِى صَلاتِهِ وَلَوْ لَحْظَةً (صَحَّتْ صَلاتُهُ بِلا ثَوَابٍ).
(فَصْلٌ) فِى بَيَانِ أَرْكَانِ الصَّلاةِ.
(أَرْكَانُ الصَّلاةِ سَبْعَةَ عَشَرَ) رُكْنًا وَالرُّكْنُ (الأَوَّلُ) هُوَ (النِّيَّةُ بِالْقَلْبِ لِلْفِعْلِ) أَىْ أَنْ يَقْصِدَ فِعْلَ الصَّلاةِ فِى التَّكْبِيرِ (وَيُعَيِّنَ) الصَّلاةَ (ذَاتَ السَّبَبِ) كَالِاسْتِسْقَاءِ (أَوْ) ذَاتَ (الْوَقْتِ) كَالْعَصْرِ (وَ)لا بُدَّ أَنْ (يَنْوِىَ الْفَرْضِيَّةَ فِى الْفَرْضِ) كَأَنْ يَقُولَ بِقَلْبِهِ مَثَلًا أُصَلِّى فَرْضَ الْعَصْرِ، (وَ)أَنْ (يَقُولَ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ كَكُلِّ رُكْنٍ قَوْلِىٍّ اللَّهُ أَكْبَر) وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ لا يَمُدَّ الْبَاءَ وَأَنْ لا يُبْدِلَ هَمْزَةَ أَكْبَر بِالْوَاوِ (وَ)التَّكْبِيرُ (هُوَ ثَانِى أَرْكَانِهَا)، وَالرُّكْنُ (الثَّالِثُ الْقِيَامُ فِى) صَلاةِ (الْفَرْضِ) وَلَوْ صَلاةَ جِنَازَةٍ (لِلْقَادِرِ) عَلَيْهِ، وَالرُّكْنُ (الرَّابِعُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ) وَيُشْتَرَطُ ابْتِدَاؤُهَا (بِالْبَسْمَلَةِ وَ)لا بُدَّ أَنْ يَأْتِىَ بِكُلِّ (التَّشْدِيدَاتِ) الَّتِى فِيهَا (وَيُشْتَرَطُ مُوَالاتُهَا) بِأَنْ لا يَفْصِلَ بَيْنَ كَلِمَاتِهَا بِأَكْثَرَ مِنْ سَكْتَةِ التَّنَفُّسِ بِلا عُذْرٍ (وَ)يَجِبُ (تَرْتِيبُهَا) بِأَنْ يَأْتِىَ بِهَا عَلَى نَظْمِهَا الْمَعْرُوفِ (وَإِخْرَاجُ الْحُرُوفِ مِنْ مَخَارِجِهَا) وَأَوْلَى الْحُرُوفِ عِنَايَةً الصَّادُ (وَعَدَمُ اللَّحْنِ) أَىِ الْخَطَإِ (الْمُخِلِّ بِالْمَعْنَى) أَىِ الْمُغَيِّرِ لَهُ (كَضَمِّ تَاءِ أَنْعَمْتَ) أَوِ الْمُبْطِلِ لَهُ كَقِرَاءَةِ الَّذِينَ بِالزَّاىِ بَدَلَ الذَّالِ فَإنَّهُ لا مَعْنًى لَهُ (وَيَحْرُمُ اللَّحْنُ الَّذِى لَمْ يُخِلَّ) بِالْمَعْنَى كَقِرَاءَةِ نَعْبُدُ بِكَسْرِ النُّونِ (وَلا يُبْطِلُ) الصَّلاةَ، وَالرُّكْنُ (الْخَامِسُ الرُّكُوعُ) وَيَحْصُلُ (بِأَنْ يَنْحَنِىَ) الْمُصَلِّى (بِحَيْثُ تَنَالُ رَاحَتَاهُ) أَىْ تَبْلُغُ رَاحَتَا يَدَيْهِ (رُكْبَتَيْهِ) مَعَ اعْتِدَالِ الْخِلْقَةِ، وَالرُّكْنُ (السَّادِسُ الطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ) أَىْ فِى الرُّكُوعِ (بِقَدْرِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَهِىَ سُكُونُ كُلِّ عَظْمٍ مَكَانَهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً) بِأَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ هُوِيِّهِ لِلرُّكُوعِ وَبَيْنَ رَفْعِهِ مِنْهُ بِقَدْرِ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالرُّكْنُ (السَّابِعُ الِاعْتِدَالُ بِأَنْ يَنْتَصِبَ بَعْدَ الرُّكُوعِ قَائِمًا) أَىْ يَعُودَ الرَّاكِعُ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ رُكُوعِهِ، وَالرُّكْنُ (الثَّامِنُ الطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ) أَىْ فِى الِاعْتِدَالِ بِأَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ رَفْعِهِ مِنَ الرُّكُوعِ وَهُوِيِّهِ لِلسُّجُودِ بِقَدْرِ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالرُّكْنُ (التَّاسِعُ السُّجُودُ مَرَّتَيْنِ) فِى كُلِّ رَكْعَةٍ (بِأَنْ يَضَعَ جَبْهَتَهُ كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا عَلَى مُصَلَّاهُ) أَىْ عَلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ (مَكْشُوفَةً وَمُتَثَاقِلًا بِهَا) أَىْ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ تَحْتَ رَأْسِهِ قُطْنٌ لَانْكَبَسَ (وَ)أَنْ يَكُونَ (مُنَكِّسًا) لِرَأْسِهِ (أَىْ) بِحَيْثُ (يَجْعَلُ أَسَافِلَهُ أَعْلَى مِنْ أَعَالِيهِ) أَىْ يَجْعَلُ دُبُرَهُ أَعْلَى مِنْ رَأْسِهِ (وَ)أَنْ (يَضَعَ شَيْئًا) وَلَوْ جُزْءًا يَسِيرًا (مِنْ رُكْبَتَيْهِ وَمِنْ بُطُونِ كَفَّيْهِ وَمِنْ بُطُونِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ) عَلَى الأَرْضِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَكْشُوفَةً (وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ خَارِجَ الْمَذْهَبِ) وَهُمُ الْحَنَابِلَةُ (لَيْسَ شَرْطًا فِى السُّجُودِ التَّنْكِيسُ فَلَوْ) سَجَدَ بِحَيْثُ (كَانَ رَأْسُهُ أَعْلَى مِنْ دُبُرِهِ صَحَّتِ الصَّلاةُ عِنْدَهُمْ)، وَالرُّكْنُ (الْعَاشِرُ الطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ) أَىْ فِى السُّجُودِ بِأَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ هُوِيِّهِ لِلسُّجُودِ وَرَفْعِهِ مِنْهُ بِقَدْرِ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالرُّكْنُ (الْحَادِى عَشَرَ الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ)، وَالرُّكْنُ (الثَّانِى عَشَرَ الطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ) بِأَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ رَفْعِهِ مِنَ السُّجُودِ الأَوَّلِ وَهُوِيِّهِ لِلسُّجُودِ الثَّانِى بِقَدْرِ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالرُّكْنُ (الثَّالِثَ عَشَرَ الْجُلُوسُ لِلتَّشَهُّدِ الأَخِيرِ وَمَا بَعْدَهُ مِنَ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِىِّ وَالسَّلامِ)، وَالرُّكْنُ (الرَّابِعَ عَشَرَ التَّشَهُّدُ الأَخِيرُ فَيَقُولُ التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّه السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِىُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُه السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِين أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّه أَوْ أَقَلَّهُ وَهُوَ التَّحِيَّاتُ لِلَّه سَلامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِىُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُه سَلامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِين أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إلَّا اللَّه وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّه)، وَالرُّكْنُ (الْخَامِسَ عَشَرَ الصَّلاةُ عَلَى النَّبِىِّ ﷺ وَأَقَلُّهَا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد) أَوْ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّد، وَالرُّكْنُ (السَّادِسَ عَشَرَ السَّلامُ وَأَقَلُّهُ السَّلامُ عَلَيْكُمْ) وَيُشْتَرَطُ فِيهِ الإِتْيَانُ بَأَل وَالْمُوَالاةُ بَيْنَ كَلِمَتَيْهِ بِأَنْ لا يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِفَاصِلٍ طَوِيلٍ وَكَوْنُهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ بِصَدْرِهِ إِلَى تَمَامِهِ وَأَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ جَمِيعَ حُرُوفِهِ، وَالرُّكْنُ (السَّابِعَ عَشَرَ التَّرْتِيبُ) أَىْ تَرْتِيبُ الِأَرْكَانِ كَمَا ذُكِرَتْ (فَإِنْ تَعَمَّدَ تَرْكَهُ كَأَنْ سَجَدَ قَبْلَ رُكُوعِهِ) أَوْ قَدَّمَ السَّلامَ عَلَى غَيْرِهِ (بَطَلَتْ) صَلاتُهُ لِتَلاعُبِهِ (وَإِنْ سَهَا فَلْيَعُدْ إِلَيْهِ) أَىْ إِنْ تَرَكَ التَّرْتِيبَ سَهْوًا فَلْيَرْجِعْ إِلَى الْمَتْرُوكِ فَوْرًا (إِلَّا أَنْ يَكُونَ) صَارَ (فِى مِثْلِهِ أَوْ بَعْدَهُ فَتَتِمُّ بِهِ) أَىْ بِمِثْلِ الْمَتْرُوكِ (رَكَعَتُهُ) الَّتِى أَنْقَصَ مِنْهَا رُكْنًا (وَلَغَا) حِينَئِذٍ (مَا سَهَا بِهِ) أَىْ مَا فَعَلَهُ حَالَةَ سَهْوِهِ (فَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ تَرْكَهُ لِلرُّكُوعِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ رَكَعَ) أَىْ تَذَكَّرَ (فِى الْقِيَامِ الَّذِى بَعْدَهُ أَوْ فِى السُّجُودِ الَّذِى بَعْدَهُ) تَمَّتْ بِرُكُوعِهِ رَكْعَتُهُ وَ(لَغَا مَا فَعَلَهُ بَيْنَ ذَلِكَ).
(فَصْلٌ) فِى بَيَانِ أَحْكَامِ صَلاةِ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ.
(الْجَمَاعَةُ) فِى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ (عَلَى الذُّكُورِ الأَحْرَارِ الْمُقِيمِينَ الْبَالِغِينَ) الْعَاقِلِينَ (غَيْرِ الْمَعْذُورِينَ فَرْضُ كِفَايَةٍ) فَلا تَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ وَالْمُسَافِرِينَ وَالصِّبْيَانِ وَالْمَعْذُورِينَ بِعُذْرٍ مِنَ الأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِوُجُوبِ الْجَمَاعَةِ كَالْمَرَضِ الَّذِى يَشُقُّ الذَّهَابُ مَعَهُ إِلَى مَكَانِ الْجَمَاعَةِ. وَيَحْصُلُ الْفَرْضُ بِإِقَامَتِهَا بِحَيْثُ يُمْكِنُ لِقَاصِدِهَا إِدْرَاكُهَا بِلا مَشَقَّةٍ ظَاهِرَةٍ. وَالْمُقِيمُ هُوَ مَنْ نَوَى الإِقَامَةَ فِى بَلَدٍ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ غَيْرَ يَوْمَىِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ أَمَّا الْمُسَافِرُ فَهُوَ مَنْ نَوَى الإِقَامَةَ فِيهِ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ غَيْرَ يَوْمَىِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ.
(وَ)الْجَمَاعَةُ (فِى) صَلاةِ (الْجُمُعَةِ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَيْهِمْ) أَىْ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ذَكَرٍ حُرٍّ بَالِغٍ عَاقِلٍ مُقِيمٍ غَيْرِ مَعْذُورٍ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ إِقَامَتُهَا (إِذَا كَانُوا أَرْبَعِينَ مُكَلَّفِينَ مُسْتَوْطِنِينَ فِى أَبْنِيَةٍ لا فِى الْخِيَامِ لِأَنَّهَا لا تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْخِيَامِ). وَالْمُسْتَوْطِنُ هُوَ الَّذِى يُقِيمُ فِى مَكَانٍ وَلا يَفَارِقُهُ إِلَّا لِحَاجَةٍ.
(وَتَجِبُ) الْجُمُعَةِ (عَلَى مَنْ نَوَى الإِقَامَةَ عِنْدَهُمْ) أَىْ فِى بَلَدِ الْجُمُعَةِ (أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ صِحَاحٍ أَىْ) كَوَامِلَ (غَيْرَ يَوْمَىِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ) أَوْ أَكْثَرَ (وَ)تَجِبُ (عَلَى مَنْ بَلَغَهُ نِدَاءُ) الْجُمُعَةِ مِنْ رَجُلٍ (صَيِّتٍ مِنْ طَرَفٍ يَلِيهِ مِنْ بَلَدِهَا) أَىْ تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ أَقَامَ فِى مَكَانٍ لا تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ لَكِنَّهُ يَسْمَعُ الأَذَانَ مِنْ بَلَدٍ الْجُمُعَةِ مِنْ رَجُلٍ صَيِّتٍ أَىْ عَالِى الصَّوْتِ يَقِفُ عَلَى طَرَفٍ قَرِيبٍ مِنَ السَّامِعِ مَعَ اعْتِبَارِ سُكُونِ الرِّيحِ وَكَوْنِ السَّامِعِ مُعْتَدِلَ السَّمْعِ.
(وَشَرْطُهَا) أَىْ شَرْطُ صِحَّةِ الْجُمُعَةِ أَنْ تُصَلَّى فِى (وَقْتِ الظُّهْرِ) فَإِنْ فَاتَتْهُ قَضَاهَا ظُهْرًا (وَخُطْبَتَانِ قَبْلَهَا فِيهِ يَسْمَعُهُمَا الأَرْبَعُونَ) أَىْ تُشْتَرَطُ خُطْبَتَانِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَقَبْلِ الصَّلاةِ يَسْمَعُ أَرْكَانَهُمَا الأَرْبَعُونَ (وَأَنْ تُصَلَّى جَمَاعَةً بِهِمْ) فَلا تَصِحُّ فُرَادَى (وَأَنْ لا تُقَارِنَهَا) أَوْ تَسْبِقَهَا جُمُعَةٌ (أُخْرَى بِبَلَدٍ وَاحِدٍ فَإِنْ سَبَقَتْ إِحْدَاهُمَا) الأُخْرَى (بِالتَّحْرِيمَةِ) أَىْ بِتَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ (صَحَّتِ السَّابِقَةُ وَلَمْ تَصِحَّ الْمَسْبُوقَةُ) وَالْعِبْرَةُ فِى السَّبْقِ وَالْمُقَارَنَةِ بِالنُّطْقِ بِحَرْفِ الرَّاءِ مِنْ تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ وَ(هَذَا) الْحُكْمُ فِى مَا (إِذَا كَانَ يُمْكِنُهُمُ الِاجْتِمَاعُ فِى مَكَانٍ وَاحِدٍ) وَلَمْ يَفْعَلُوا (فَإِنْ شَقَّ ذَلِكَ) عَلَيْهِمْ (صَحَّتِ السَّابِقَةُ وَالْمَسْبُوقَةُ).
(وَأَرْكَانُ الْخُطْبَتَيْنِ حَمْدُ اللَّهِ) بِلَفْظِ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (وَالصَّلاةُ عَلَى النَّبِىِّ ﷺ) بِلَفْظِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ أَوْ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (وَالْوَصِيَّةُ بِالتَّقْوَى) بِالْحَثِّ عَلَى الطَّاعَةِ أَوِ الزَّجْرِ عَنِ الْمَعْصِيَةِ فَلَوْ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ أَوْ أَطِيعُوا اللَّهَ كَفَى وَلا بُدَّ مِنْ حَمْدِ اللَّهِ وَالصَّلاةِ عَلَى النَّبِىِّ وَالْوَصِيَّةِ بِالتَّقْوَى (فِيهِمَا) أَىْ فِى كُلٍّ مِنَ الْخُطْبَتَيْنِ (وَ)قِرَاءَةُ (ءَايَةٍ مُفْهِمَةٍ فِى إِحْدَاهُمَا وَالدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ فِى الثَّانِيَةِ) بِأَمْرٍ أُخْرَوِىٍّ كَأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ.
(وَشُرُوطُهُمَا) أَىِ الْخُطْبَتَيْنِ (الطَّهَارَةُ عَنِ الْحَدَثَيْنِ) الأَصْغَرِ وَالأَكْبَرِ (وَ)الطَّهَارَةُ (عَنِ النَّجَاسَةِ) الَّتِى لا يُعْفَى عَنْهَا (فِى الْبَدَنِ) وَالثَّوْبِ (وَالْمَكَانِ) الَّذِى يُلاقِى بَدَنَهُ (وَالْمَحْمُولِ) كَرِدَاءٍ يَضَعُهُ عَلَى كَتِفَيْهِ (وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ) وَهِىَ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ (وَالْقِيَامُ) فِيهِمَا لِلْقَادِرِ (وَالْجُلُوسُ بَيْنَهُمَا) وَأَقَلُّهُ قَدْرُ الطُّمَأْنِينَةِ وَأَكْمَلُهُ قَدْرُ سُورَةِ الإِخْلاصِ (وَالْمُوَالاةُ) بَيْنَهُمَا بِأَنْ لا يَفْصِلَ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ بِفَاصِلٍ طَوِيلٍ لا تَعَلُّقَ لَهُ بِهِمَا وَالْمُوَالاةُ (بَيْنَ أَرْكَانِهِمَا) فَإِنْ كَانَ الْفَاصِلُ طَوِيلًا وَكَانَ يَتَعَلَّقُ بِالْخُطْبَةِ فَلا تَنْقَطِعُ بِهِ الْمُوَالاةُ كَأَنْ حَمِدَ اللَّهَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِىِّ ﷺ ثُمَّ تَكَلَّمَ طَوِيلًا فِى تَحْذِيرِ النَّاسِ مِنَ الدُّنْيَا ثُمَّ أَوْصَى بِالتَّقْوَى. وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْفَاصِلُ قَصِيرًا كَرَدِّ السَّلامِ فَلا يَضُرُّ لِأَنَّ النَّبِىَّ ﷺ كَانَ مَرَّةً يَخْطُبُ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ مَتَى السَّاعَةُ فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ ﷺ وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا فَهَذَا لا يُعَدُّ طَوِيلًا (وَ)الْمُوَالاةُ (بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّلاةِ وَأَنْ تَكُونَا) أَىْ أَرْكَانُهُمَا (بِالْعَرَبِيَّةِ) وَلَوْ كَانَ كُلُّ الْحَاضِرِينَ أَعَاجِمَ لا يَفْهَمُونَ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ وَمِنْ شُرُوطِ الْخُطْبَتَيْنِ أَنْ يَكُونَا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَقَبْلَ الصَّلاةِ وَأَنْ يَسْمَعَ الأَرْبَعُونَ أَرْكَانَهُمَا.
(فَصْلٌ) فِى بَيَانِ شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ بِالإِمَامِ فِى الصَّلاةِ.
(وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ صَلَّى مُقْتَدِيًا) بِغَيْرِهِ (فِى جُمُعَةٍ) أَىْ فِى صَلاةِ الْجُمُعَةِ (أَوْ غَيْرِهَا) سَبْعَةُ أُمُورٍ أَحَدُهَا (أَنْ لا يَتَقَدَّمَ عَلَى إِمَامِهِ فِى الْمَوْقِفِ) أَىْ الْمَكَانِ الَّذِى يَقِفُ فِيهِ وَالْعِبْرَةُ بِالتَّقَدُّمِ بِعَقِبِ الرِّجْلِ فِى الْقَائِمِ أَىْ مُؤَخَّرِ قَدَمِهِ فَإِنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ بِعَقِبِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ أَمَّا لَوْ قَارَنَهُ فِى الْمَوْقِفِ فَلا تَبْطُلُ صَلاتُهُ (وَ)أَنْ لا يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ بِتَكْبِيرَةِ (الإِحْرَامِ) فَيَجِبُ تَأْخِيرُ جَمِيعِ تَكْبِيرَةِ الْمَأْمُومِ عَنْ جَمِيعِ تَكْبِيرَةِ الإِمَامِ (بَلْ تُبْطِلُ الْمُقَارَنَةُ) لِلإِمَامِ (فِى الإِحْرَامِ وَتُكْرَهُ فِى غَيْرِهِ) مِنَ الأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْمَأْمُومِ مُتَأَخِّرًا عَنِ ابْتِدَاءِ إِمَامِهِ (إِلَّا التَّأْمِينَ) أَىْ قَوْلَ ءَامِين عَقِبَ الْفَاتِحَةِ فَالأَفْضَلُ فِيهِ الْمُقَارَنَةُ أَىْ لا يَسْبِقُهُ وَلا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ. (وَيَحْرُمُ تَقَدُّمُهُ) عَلَى الإِمَامِ (بِرُكْنٍ فِعْلِىٍّ) كَأَنْ رَكَعَ ثُمَّ اعْتَدَلَ وَالإِمَامُ قَائِمٌ وَلا تَبْطُلُ صَلاتُهُ أَمَّا لَوْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ بِبَعْضِ الرُّكْنِ كَأَنْ رَكَعَ ثُمَّ انْتَظَرَهُ فِى الرُّكُوعِ حَتَّى رَكَعَ الإِمَامُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَلا يَحْرُمُ التَّقَدُّمُ عَلَى الإِمَامِ بِرُكْنٍ قَوْلِىٍّ غَيْرِ السَّلامِ. (وَتَبْطُلُ الصَّلاةُ) أَىْ صَلاةُ الْمَأْمُومِ (بِالتَّقَدُّمِ عَلَى الإِمَامِ بِرُكْنَيْنِ فِعْلِيَّيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ طَوِيلَيْنِ أَوْ طَوِيلٍ وَقَصِيرٍ بِلا عُذْرٍ) كَأَنْ رَكَعَ ثُمَّ اعْتَدَلَ وَهَوَى لِلسُّجُودِ وَالإِمَامُ قَائِمٌ وَالرُّكْنُ الطَّوِيلُ هُوَ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقَصِيرُ هُوَ كَالِاعْتِدَالِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ (وَكَذَا التَّأَخُّرُ عَنْهُ بِهِمَا بِغَيْرِ عَذْرٍ) أَىِ التَّأَخُّرُ عَنِ الإِمَامِ بِرُكْنَيْنِ فِعْلِيَّيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ فَإِنَّهُ مُبْطِلٌ لِلصَّلاةِ (وَ)تَبْطُلُ الصَّلاةُ بِالتَّأَخُّرِ عَنِ الإِمَامِ (بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاثَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ وَلَوْ) كَانَ تَأَخُّرُهُ (لِعُذْرٍ) كَأَنْ كَانَ نَاسِيًا أَنَّهُ فِى الصَّلاةِ أَوْ أَنَّهُ مُقْتَدٍ أَوْ كَانَ بَطِىءَ الْقِرَاءَةِ (فَلَوْ تَأَخَّرَ) الْمَأْمُومُ (لِإِتْمَامِ الْفَاتِحَةِ حَتَّى فَرَغَ الإِمَامُ مِنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودَيْنِ فَجَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ) الأَخِيرِ أَوِ الأَوَّلِ (أَوْ قَامَ) لِرَكْعَةٍ أُخْرَى (وَافَقَ الإِمَامَ فِيمَا هُوَ فِيهِ وَأَتَى بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلامِ إِمَامِهِ) فَإِنْ لَمْ يُتَابِعِ الإِمَامَ بَعْدَ دُخُولِهِ فِى الرُّكْنِ الرَّابِعِ وَلا نَوَى مُفَارَقَتَهُ بَلِ اسْتَمَّرَ على تَرْتِيبِ نَفْسِهِ بَطَلَتْ صَلاتُهُ (وَ)أَمَّا (إِنْ أَتَمَّهَا) أَىِ الْفَاتِحَةَ (قَبْلَ ذَلِكَ) أَىْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الإِمَامُ فِى الرُّكْنِ الرَّابِعِ (مَشَى عَلَى تَرْتِيبِ نَفْسِهِ).
(وَ)يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْقُدْوَةِ (أَنْ يَعْلَمَ) الْمَأْمُومُ (بِانْتِقَالاتِ إِمَامِهِ) بِرُؤْيَةِ الإِمَامِ أَوْ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ أَوْ بِسَمَاعِ صَوْتِ الإِمَامِ وَلَوْ بِوَاسِطَةِ الآلَةِ أَوْ صَوْتِ الْمُبَلِّغِ.
(وَأَنْ يَجْتَمِعَا) أَىِ الإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ فِى مَكَانٍ مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَا (فِى مَسْجِدٍ) صَحَّتِ الْقُدْوَةُ وَإِنْ بَعُدَتِ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُمَا جِدًّا بِشَرْطِ إِمْكَانِ مُتَابَعَةِ الإِمَامِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُونَا فِى مَسْجِدٍ بَلْ كَانَا فِى مَكَانٍ ءَاخَرَ (فَـفِى مَسَافَةِ ثَلاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ يَدَوِيَّةٍ) أَىِ اشْتُرِطَ أَنْ لا تَزِيدَ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُمَا أَوْ بَيْنَ الْمَأْمُومِ وَالصَّفِّ الَّذِى قَبْلَهُ عَلَى ثَلاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ تَقْرِيبًا إِنْ كَانَ الْمَأْمُومُونَ صُفُوفًا مُتَتَابِعَةً.
(وَأَنْ لا يَحُولَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ يَمْنَعُ الِاسْتِطْرَاقَ) أَىْ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْقُدْوَةِ فِى غَيْرِ الْمَسْجِدِ عَدَمُ وُجُودِ حَائِلٍ بَيْنَهُمَا يَمْنَعُ مُرُورَ الْمَأْمُومِ إِلَى الإِمَامِ كَجِدَارٍ أَوْ بَابٍ مُغْلَقٍ أَوْ شُبَّاكٍ أَوْ يَمْنَعُ رُؤْيَةَ الإِمَامِ كَبَابٍ مَرْدُودٍ.
(وَأَنْ يَتَوَافَقَ نَظْمُ) أَىْ هَيْئَةُ (صَلاتَيْهِمَا) وَذَلِكَ بِأَنْ يَتَّفِقَا فِى الأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ وَإِنِ اخْتَلَفَا فِى عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَالنِّيَّةِ كَالصُّبْحِ مَعَ الظُّهْرِ (فَلا تَصِحُّ قُدْوَةُ مُصَلِّى الْفَرْضِ) كَظُهْرٍ (خَلْفَ) مَنْ يُصَلِّى (صَلاةَ الْجِنَازَةِ) لِعَدَمِ اتِّفَاقِهِمَا فِى النَّظْمِ.
(وَأَنْ لا يُخَالِفَ) الْمَأْمُومُ (الإِمَامَ فِى سُنَّةٍ تَفْحُشُ الْمُخَالَفَةُ فِيهَا فِعْلًا كَالتَّشَهُّدِ الأَوَّلِ أَىْ جُلُوسِهِ) فَإِنْ تَرَكَهُ الإِمَامُ وَفَعَلَهُ الْمَأْمُومُ بَطَلَتْ صَلاةُ الْمَأْمُومِ (وَتَرْكًا كَسُجُودِ السَّهْوِ) فَإِنْ فَعَلَهُ الإِمَامُ وَتَرَكَهُ الْمَأْمُومُ بَطَلَتْ صَلاةُ الْمَأْمُومِ إِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحُكْمِ وَتَعَمَّدَ ذَلِكَ.
(وَ)يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْقُدْوَةِ (أَنْ يَنْوِىَ) الْمَأْمُومُ (الِاقْتِدَاءَ) أَوِ الْجَمَاعَةَ (مَعَ التَّحَرُّمِ) أَىْ فِى أَثْنَاءِ تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ (فِى) صَلاةِ (الْجُمُعَةِ) وَالْمُعَادَةِ وَالْمَجْمُوعَةِ لِلْمَطَرِ وَالْمَنْذُورَةِ جَمَاعَةً (وَ)أَنْ يَنْوِىَ الِاقْتِدَاءَ (قَبْلَ الْمُتَابَعَةِ) لِلإِمَامِ (وَطُولِ الِانْتِظَارِ) لَهُ (فِى غَيْرِهَا) أَىْ فِى غَيْرِ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْمَذْكُورَاتِ وَلَوْ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ فَإِنْ تَابَعَهُ بِلا نِيَّةِ اقْتِدَاءٍ كَأَنِ انْتَظَرَ رُكُوعَهُ فَرَكَعَ بَعْدَ رُكُوعِهِ أَوِ انْتَظَرَ سُجُودَهُ فَسَجَدَ بَعْدَ سُجُودِهِ كَأَنَّهُ مَأْمُومٌ وَهُوَ لَيْسَ بِمَأْمُومٍ فَسَدَتْ صَلاتُهُ إِنْ طَالَ انْتِظَارُهُ وَأَمَّا إِنِ انْتَظَرَهُ انْتِظَارًا طَوِيلًا وَلَمْ يُتَابِعْهُ فِى الْفِعْلِ أَوْ تَابَعَهُ مُصَادَفَةً بِغَيْرِ قَصْدٍ فَلا تَفْسُدُ صَلاتُهُ وَكَذَا إِنْ تَابَعَهُ فِى الأَقْوَالِ إِلَّا فِى السَّلامِ.
(وَيَجِبُ عَلَى الإِمَامِ نِيَّةُ الإِمَامَةِ) أَوِ الْجَمَاعَةِ فِى التَّكْبِيرِ (فِى) صَلاةِ (الْجُمُعَةِ وَالْمُعَادَةِ) وَالْمَجْمُوعَةِ لِلْمَطَرِ وَالْمَنْذُورَةِ جَمَاعَةً (وَتُسَنُّ فِى غَيْرِهِا). (وَ)الصَّلاةُ (الْمُعَادَةُ هِىَ الصَّلاةُ الَّتِى يُصَلِّيهَا) الشَّخْصُ (جَمَاعَةً مَرَّةً ثَانِيَةً بَعْدَ أَنْ صَلَّاهَا جَمَاعَةً أَو مُنْفَرِدًا).
(فَصْلٌ) فِى بَيَانِ أَحْكَامِ تَجْهِيزِ الْمَيِّتِ.
(غَسْلُ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلاةُ عَلَيْهِ وَدَفْنُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ) أَىْ فَرْضٌ عَلَى بَعْضِ مَنْ عَلِمَ بِحَالِهِ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ (إِذَا كَانَ مُسْلِمًا) وَلَوْ كَانَ طِفْلًا (وُلِدَ حَيًّا) وَأَمَّا الْكَافِرُ الْمُرْتَدُّ وَالْكَافِرُ الأَصْلِىُّ غَيْرُ الذِّمِّىِّ فَلا يَجِبُ لَهُمَا شَىْءٌ مِنْ ذَلِكَ.
(وَوَجَبَ لِـذِمِّىٍّ) أَىْ يَهُودِىٍّ أَوْ نَصْرَانِىٍّ يَدْفَعُ الْجِزْيَةَ (تَكْفِينٌ وَدَفْنٌ) إِنْ لَمْ يَقُمْ بِذَلِكَ أَهْلُ مِلَّتِهِ لَكِنْ لا يَجُوزُ دَفْنُهُ فِى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَلا تَجُوزُ الصَّلاةُ عَلَيْهِ.
(وَ)وَجَبَ (لِسِقْطٍ مَيِّتٍ) أَىْ وُلِدَ مَيِّتًا (غَسْلٌ وَكَفَنٌ وَدَفْنٌ) إِنْ ظَهَرَتْ فِيهِ خِلْقَةُ ءَادَمِىٍّ وَإِلَّا نُدِبَ لَفُّهُ بِخِرْقَةٍ وَدَفْنُهُ (وَلا يُصَلَّى عَلَيْهِمَا) أَىِ الذِّمِىِّ وَالسِّقْطِ الْمَيِّتِ.
(وَمَنْ مَاتَ فِى قِتَالِ الْكُفَّارِ بِسَبَبِهِ) أَىْ مَاتَ مُسْلِمًا بِسَبَبِ الْقِتَالِ (كُفِّنَ فِى ثِيَابِهِ) الْمُلَطَّخَةِ بِالدَّمِ نَدْبًا (فَإِنْ لَمْ تَكْفِهِ) لِسَتْرِ جَسَدِهِ (زِيدَ عَلَيْهَا) إِلَى ثَلاثِ لَفَائِفَ (وَدُفِنَ) فِى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ (وَلا يُغَسَّلُ وَلا يُصَلَّى عَلَيْهِ) أَىْ لا يَجُوزُ غَسْلُهُ وَلا تَجُوزُ الصَّلاةُ عَلَيْهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَهَّرَهُ بِالشَّهَادَةِ أَىْ غَفَرَ ذُنُوبَهُ وَتَوَلَّاهُ بِرَحْمَتِهِ فَأَغْنَاهُ عَنْ دُعَاءِ الْمُصَلِّينَ.
(وَأَقَلُّ الْغُسْلِ) لِلْمَيِّتِ (إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ) إِنْ كَانَتْ عَلَى بَدَنِهِ (وَتَعْمِيمُ جَمِيعِ) بَدَنِهِ (بَشَرِهِ وَشَعَرِهِ وَإِنْ كَثُفَ مَرَّةً) وَاحِدَةً (بِالْمَاءِ) الطَّاهِرِ (الْمُطَهِّرِ) وَالأَفْضَلُ تَثْلِيثُ غَسْلِهِ.
(وَأَقَلُّ الْكَفَنِ سَاتِرٌ) يَسْتُرُ (جَمِيعَ الْبَدَنِ) إِلَّا رَأْسَ مُحْرِمٍ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَوَجْهَ مُحْرِمَةٍ فَلا يَجُوزُ سَتْرُهُمَا (وَثَلاثُ لَفَائِفَ لِمَنْ تَرَكَ تَرِكَةً زَائِدَةً عَلَى دَيْنِهِ وَلَمْ يُوصِ بِتَرْكِهَا) أَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَصْلًا فَإِنْ أَوْصَى بِتَرْكِ تَكْفِينِهِ بِالثَّلاثِ فَالْوَاجِبُ فِى حَقِّهِ مَا يَسْتُرُ الْبَدَنَ.
(وَأَقَلُّ الصَّلاةِ عَلَيْهِ أَنْ يَنْوِىَ فِعْلَ الصَّلاةِ عَلَيْهِ وَالْفَرْضَ وَيُعَيِّنَ) أَنَّهَا صَلاةُ جِنَازَةٍ كَأَنْ يَقُولَ بِقَلْبِهِ أُصَلِّى فَرْضَ صَلاةِ الْجِنَازَةِ عَلَى هَذَا الْمَيِّتِ (وَيَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَهُوَ قَائِمٌ إِنْ قَدَرَ ثُمَّ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ ثُمَّ يَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ) وَلا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِىِّ وَلا تَأْخِيرُهَا (ثُمَّ يَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرُ) ثُمَّ يَقُولَ (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ) وَالأَكْمَلُ الدُّعَاءُ الْمَأْثُورُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِسْلامِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِيمَانِ (ثُمَّ يَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرُ) اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ ثُمَّ يَقُولَ (السَّلامُ عَلَيْكُمْ). وَصَلاةُ الْجِنَازَةِ لا رُكُوعَ وَلا سُجُودَ فِيهَا يُصَلِّيهَا الْمُؤْمِنُ قَائِمًا إِنْ قَدَرَ.
(وَلا بُدَّ فِيهَا مِنَ شُرُوطِ الصَّلاةِ) كَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالطَّهَارَةِ عَنِ الْحَدَثَيْنِ وَعَنِ النَّجَاسَةِ الَّتِى لا يُعْفَى عَنْهَا (وَتَرْكِ الْمُبْطِلاتِ).
(وَأَقَلُّ الدَّفْنِ) لِلْمَيِّتِ أَنْ يُدْفَنَ فِى (حُفْرَةٍ تَكْتُمُ رَائِحَتَهُ) بَعْدَ طَمِّهِ (وَتَحْرُسُهُ مِنَ السِّبَاعِ) أَنْ تَنْبُشَهُ وَتَأْكُلَ جُثَّتَهُ (وَيُسَنُّ أَنْ يُعَمَّقَ) الْقَبْرُ (قَدْرَ قَامَةِ وَبَسْطَةٍ) بِأَنْ يَقُومَ فِيهِ وَيَبْسُطَ يَدَهُ مُرْتَفِعَةً وَهِىَ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ وَنِصْفٌ بِذِرَاعِ الْيَدِ تَقْرِيبًا (وَ)أَنْ (يُوَسَّعَ) بِحَيْثُ يَسَعُ مَنْ يُنْزِلُهُ وَمُعِينَهُ (وَيَجِبُ تَوْجِيهُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ) بِأَنْ يُضْجَعَ عَلَى جَنْبِهِ مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ بِصَدْرِهِ.
(وَلا يَجُوزُ الدَّفْنُ أَيْ دَفْنُ الْمُسْلِمِ فِى الْفِسْقِيَّةِ) لِأَنَّ فِيهِ إِدْخَالَ مَيِّتٍ عَلَى ءَاخَرَ قَبْلَ بِلاهُ وَلا تَمْنَعُ الرَّائِحَةَ فَهِىَ إِهَانَةٌ لِلْمَيِّتِ. وَالْفِسْقِيَّةُ هِىَ بِنَاءٌ تُجْمَعُ فِيهِ الْجَنَائِزُ.
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
لِمُشَاهَدَةِ الدَّرْسِ: https://youtu.be/C6SBFuzuDsE
لِلِاسْتِمَاعِ إِلَى الدَّرْسِ: https://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/mokhtasar-2