الجمعة أكتوبر 11, 2024

الصلاة سرُّ النجاح والفلاح

ليُعلمْ أنَّ الصلواتِ الخمسَ لها مكانةً عظيمةً عندَ اللهِ، وهي عمودُ الإسلامِ كما قالَ صلى الله عليه وسلم: «رأسُ الأمرِ الإسلامُ، وعمودُهُ الصلاةُ» أخرجَهُ أحمدُ والنسائيُّ والترمذيُّ وقالَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

فالصلاةُ هي أفضلُ الأعمالِ بعدَ الإيمانِ باللهِ ورسولِهِ وهي أولُ شيءٍ يُسألُ عنهُ المؤمنُ يومَ القيامةِ، وهي نورٌ وفلاحٌ كيفَ ينشغلُ عنها مسلمٌ؟ وكيفَ يتعاطى ما يصدُّهُ عنها؟ وهي وصيةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأمتهِ حينَ خروجِهِ مِنَ الدنيا، فعن عليٍّ قالَ: كانَ ءاخرُ كلامِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «الصلاةَ الصلاةَ اتقوا اللهَ فيما ملكتْ أيمانُكم» رواهُ أبو داودَ وابنُ ماجهْ.

كما أنها قرةُ عينهِ صلى الله عليه وسلم من هذهِ الدنيا فقد أخرجَ أحمدُ في مسندهِ والنسائيُّ والبيهقيُّ في السننِ وصحَّحَهُ الحاكمُ في المستدركِ وغيرُهم أنَّهُ صلى الله عليه وسلم قال: «حُبّب إلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمُ النِّسَاءُ وَالطّيبُ وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاة»، معناهُ: النساءُ والطيبُ أميلُ إليهما ميلًا طبيعيًّا لا أتعلقُ بهما، إنّما ميلٌ طبيعيٌّ. أما الصلاةُ فهي قرةُ عيني، معناهُ: أفرحُ بِها أكثرُ من كلِّ شيءٍ، لذلكَ كانَ الرسولُ يقومُ الليلَ فيصلي التهجدَ ثم ينامُ ثم يقومُ ثم ينامُ ثم يوقظُهُ أذانُ الفجرِ.

والصلاةُ تنهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ قالَ اللهُ : {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ} [سورة العنكبوت: 45] بِمعنى أن الذِّكرَ الذي في الصّلاةِ أكبَرُ أعمَالِ الصَّلاةِ، ففيها الشهادتانِ «أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وأشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ»، وفيها «الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ»، وفيها التسبيحُ وفيها التكبيرُ وفيها الدّعاءُ. هي الصلاةُ ذكرٌ، وليس معناهُ أنَّ اشتغالَ المرءِ بالتسبيحِ والتحميدِ بلسانهِ ونحوِ ذلكَ من الأذكارِ أفضلُ منَ الصلواتِ الخمسِ.

ولنْ ينتهِيَ المسلمُ بصلاتِهِ عنِ الفحشاءِ والمنكرِ إلَّا إذَا حافظَ عليها وأدَّاهَا بِحقِّهَا وداوَمَ عليها، ولذلكَ قالَ اللهُ تعالى : {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ والصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا للَّهِ قَانِتِينَ} [سورة البقرة: 238]، فَمَنْ حافَظَ عَلَيْها بتَعَلُّمِ أحْكامِها وأَدّاها عَلى ما يُوافِقُ شَرْعَ اللهِ فَقَدْ فازَ ونَجا، ومَنْ ضَيَّعَها فَقَدْ خابَ وخَسِرَ. فَعَلَيْنَا أَنْ نُحافِظَ عَلَيْها في حالِ الصِّحَّةِ والْمَرَضِ والضِّيقِ والسَّعَة وحالِ الأمْنِ والْخَوْفِ.

فَالصَّلاةُ سِرُّ النَّجاحِ والفَلاحِ فَإِنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ ونجَحَ، وإنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خابَ وخَسِرَ. والْمُحَافَظَةُ عَلَْها عُنْوانُ الصِّدْقِ والإيمانِ، والتَّهاونُ بِها عَلامَةُ الخِزْيِ والخُسْرانِ.

خَمْسُ صَلَواتٍ مَنْ حافَظَ عَلَيْهِنَّ فَأْحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلّاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ فَأَتَمَّ رُكُوعهُنَّ وسُجُودَهُنَّ وخُشُوعَهُنَّ كانَ لَهُ عِنْدَ اللهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ وكانَتْ لَهُ نُورًا وبُرْهانًا وَنَجاةً يَوْمَ القِيامَةِ.

ومَنْ لَمْ يُحافِظْ عَلَيْهِنَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِنْدَ اللهِ عَهْدٌ أنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ ولَمْ يَكُنْ لَهُ يَوْمَ القِيامَةِ نُورٌ ولا بُرْهانٌ، وَحَشَرَهُ اللهُ مَعَ أَهْلِ الخَيْبَةِ والخُسْران فرعونَ وهامانَ وقارونَ وأُبيِّ بنِ خلفٍ. قالَ العلماءُ: ووجهُ حشرهِ مع هؤلاءِ الكفرةِ أنهُ إنِ انْشغلَ عن الصلاةِ بملكهِ فإنهُ يُحشرُ مع فرعونَ، وإنِ انشغلَ عنها بوزارتهِ حُشِرَ مع هامانَ، وإنِ انشغلَ عنها بمالهِ حُشِرَ مع قارونَ، وإن انشغلَ عنها بتجارتهِ وبيعهِ وشرائهِ حُشِرَ مع أُبيِّ بنِ خلفِ تاجرِ المشركينَ بمكةَ.

الصلاةُ يُؤديها المؤمنُ في وقتِها كما أمرَهُ اللهُ : {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كتَابًا مَّوْقُوتًا} [سورة النساء: 103]، وتوعّدَ اللهُ تباركَ وتعالى تاركَها بالويلِ الذي هو العذابُ الشديدُ بقولهِ : {وَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [سورة الماعون: 4، 5]، أي: الويلُ لِمن يُؤخِّرُ الصلاةَ عن وقتِها بغيرِ عذرٍ حتى يدخل وقتُ الصلاةِ الأخرى، وهذا معنى السهوِ في هذه الآيةِ.

اللَّهُمَّ أعنّا على ذِكرِكَ وشُكرِك وحُسنِ عبادتك

اللَّهُمَّ أنت السّلامُ ومنكَ السلام تبارَكت يا ذا الجلال والإكرام