الأحد نوفمبر 9, 2025

قال المؤلف رحمه الله: [والشَّفاعةُ ثابتَةٌ للرُّسلِ والأخيارِ في حَقِّ أهل الكبائرِ بالمُستَفيضِ مِنَ الأخبارِ].

(الشرحُ): أنَّه يجب الإيمان بالشَّفاعة في الآخرة لأهل الكبائر لثبوتها بنصِّ القرءان وبالأحاديث المستفيضة أيِ المشهورة خلافًا للمعتزلة. ويَدُلُّ عليها قولُهُ تعالى: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255] وقوله تعالى: {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28]، وقولُهُ صلى الله عليه وسلم لِكُلِّ نبيٍّ دعوة مستجابة فتعجَّل كلُّ نبي دعوتَهُ وإني اختبأت دعوتي شفاعةً لأمتي يوم القيامة فهي نائلةٌ إن شاء الله مَنْ مات مِنْ أُمَّتِي لا يشرك بالله شيئًا اهـ. رواه مسلم وقولُهُ صلى الله عليه وسلم شفاعتِي لأهل الكبائر من أُمَّتِي اهـ. وهو حديثٌ صحيحٌ رواه ابنُ حبان والترمذيُّ وغيرهما ومعناه: أنَّ المحتاجين إلى شفاعته صلى الله عليه وسلم أهلُ الكبائر دون غيرهم فإنهم ناجون فليس بهم حاجةٌ إلى الشفاعة.

وفِي قوله تعالى: {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِين} [المدثر:48] دلالةٌ على إثباتِ الشفاعةِ لعصاة المسلمين فإنَّ أسلوب هذا الكلام يدلُّ على ثبوت الشفاعة في الجملة وإلا لَمَا كان لِنَفْي نَفْعِها عنِ الكافرين معنًى مع كون المقصودِ تقبيحَ حالِهِمْ وتحقيقَ يَأْسِهِمْ لأنَّ مثلَ هذا المقام يقتضِي أن يتوسموا بما يخصهم لا بما يعمهم وغيرَهم مِمَّن ليس بكافرٍ، ولا حُجَّةَ في تعلق الجُبَّائية من المعتزلةِ للاستدلال على ما ذهبوا إليه بقوله تعالى: {وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} الآيةَ [البقرة: 48] وقد أجاب أهلُ الحقِّ عن ذلك بأنَّ الآيةَ مخصوصةٌ بالآياتِ والأحاديثِ الأخرَى فتكونُ في الكفارِ جمعًا بين الأدلة([1]).

قال المؤلف رحمه الله: [وأهلُ الكبائرِ مِنَ المؤمنينَ لا يُخلدونَ في النارِ وإن ماتوا من غيرِ توبةٍ].

(الشرحُ): أنَّ المؤمن إذا مات مِن غير توبةٍ مِن كبائر الذنوب فإنه لا يخلد في النار بل يُنْجِي اللهُ تعالى مَن يشاء من العباد العصاة ويدخلهم الجنة ومنهم من يعذبهم ثم يخرجهم فيدخلهم الجنة.

ومِنَ الدليل على ذلك قولُهُ صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم وابن حبان أشهدُ ألَّا إله إلا الله وأنِّي رسول الله لا يَلْقَى اللهَ تعالى بهما عبدٌ غيرُ شاكٍّ فَيُحجبَ عن الجنة اهـ. وقوله صلى الله عليه وسلم مَن كان ءَاخِرُ كلامه لا إله إلا الله عند الموت دخل الجنة يومًا من الدهر وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه اهـ. رواه ابن حبان.

([1]) قوله: (فتكونُ في الكفارِ جمعًا بين الأدلة) قاله كثيرٌ من المفسِّرين، قال ابن عطية وهذا إنما هو في الكافرين للإجماع وتواتر الحديث بالشفاعة في المؤمنين اهـ. وقال الطبريُّ في تفسيرهما واتقوا يومًا لا تقضِي نفسٌ عن نفس حقًّا لزمها لله ل ثناؤه ولا لغيره ولا يَقبل الله منها شفاعةَ شافع فيُتْرَكُ لَهَا ما لزمها من حقٍّ اهـ. سمير.