الجمعة يوليو 26, 2024

الرد على نظرية داروين([1])

إنّ مما يفترى على الإنسان الأول الذي هو سيدنا آدم عليه السلام أنه كان قردًا أو يشبه القرد، وهذا من الكذب الظاهر الذي شاع عبر نظرية فاسدة ابتدعها بعض الكفار والمضلّلين وفيها تكذيب لقول الله تعالى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 1 – 4]، أي في أحسن صورة، فآدم عليه السلام لم يكن أصله قردًا ثم ترقّى حتى صار إنسانًا، فهذا القول فيه تكذيب للآية المذكورة وللحديث الصحيح: «كان آدم ستينَ ذراعًا طولًا في سبعة أذرع عرضًا»([2]) رواه الإمام أحمد، وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، ذكروا في تفسير هذه الآية أنَّ الله سبحانه وتعالى لـمَّـا خلق الجنة وخلق هذه الأرض أمر بعض الملائكة أن يأخذ من تراب هذه الأرض أبيضِها وأسودِها وما بين ذلك وسهلِها وحَزْنِها – أي: صعبِها – وما بين ذلك، ثم يُرفع هذا التراب إلى الجنة ويغسل بماء الجنة فيصير طينًا ثم حوّل الله هذا الطين إلى صلصال يابس كالفخار وسوّاه لحمًا وعظمًا ودمًا، وقبل أن تنفخ الروح فيه أتى إبليس وصار يدور حوله ويقول: «لأمرٍ ما خُلِقْت»، وكان إبليس في مبدأ أمره جنيًّا مسلمًا مؤمنًا يعبد الله مع الملائكة ثم كفر بعد ذلك لاعتراضه على الله، لأن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم وكان معهم في ذلك الحين إبليس الذي هو من الجن، فلم يَسجدْ معترضًا على أمر ربّه قال الله سبحانه وتعالى في حق آدم عليه السلام: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر: 29]، وليس معنى الآية أن الله روح وآدم جزء منه حاشا لله، فالله هو خالق الأرواح فلا يُشبهها، وإنما أضاف الله روح آدم إلى نفسه تشريفًا لآدم كما أضاف روح عيسى إلى نفسه تشريفًا لعيسى عليه الصلاة والسلام.

وقد علّم الله تعالى سيدَنا آدم أسماء الأشياء كلها، قال الله عزَّ من قائل: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: 31]، فلقد كان آدم عليه السلام يعرف أن هذا جبل وهذا سهل وهذه سماء، ويعلم كلّ اللغات ويتكلم باللغة السريانية ويحسن التعبير، وكان جميل الشكل والصورة، ولم يكن قبيح المنظر بشعًا، فقد ورد عن قتادة رضي الله عنه أنه قال: «ما بعث الله نبيًّا إلا حسن الوجه حسن الصوت، وكان نبيّكم حسن الوجه حسن الصوت»([3]) رواه الترمذيّ وقد تقدَّم.

وإنما نشأتْ هذه النظرية الفاسدة الباطلة في البلاد الأوروبية ثم تردّد صداها في بلاد المسلمين شيئًا فشيئًا حتى ولجت مناهج المدارس والجامعات وهي تقول: إن الإنسان أصله قرد ثم ترقى بسبب عوامل مجهولة حتى صار هذا الإنسان، وهذه النظرية مسماة بنظرية (النشوء والارتقاء) التي ابتدعها (داروين) وتلقَّفها المفتونون بكل جديد ولو كان سخيفًا باطلًا.

ويقول في نظريته الفاسدة هذه إن الإنسان بدأ حياته بجرثومة صغيرة، ظهرت على سطح الماء ثم تحوّلت إلى حيوان صغير، ثم تدرّج هذا الحيوان فأصبح ضفدعًا، فسمكة، فقردًا، ثم ترقّى هذا القرد وتمدّن فصار إنسانًا، فالإنسان في نظره قرد متمدّن، وقد استطاع ذلك القرد بعبقريته ونبوغه أن يتطوّر ويتغيّر فيصبح إنسانًا ذكيًّا بعد أن كان قردًا غبيًّا.

إن هذه النظرية مردودة باطلة عند جميع المسلمين، ومن يعتقدها لا يكون مؤمنًا بالله ورسوله، فالمسلم يعتقد أن آدم عليه السلام الذي هو أول البشر كان جميل الشكل ولم يكن قبيحًا ولا شبيهًا بالقرد ولا على هيئة أخرى منفّرة، وقد جاء في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيَّ ﷺ قال: «خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعًا»([4]) والضمير في كلمة «صورته» يعود على آدم، أي: أن الله خلق آدم على صورة آدم الأصلية ولم يترقَّ من قرد إلى أن صار إنسانًا، وعند مسلم رواية أخرى فيها: «إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته»([5])، فالمراد بهذا الحديث إنْ أُعيد الضمير إلى الأخ أن الله خلق آدم على صورة المضروب([6])، وإن أُعيد الضمير إلى الله كان على معنى الـمِلْك، فتكون الإضافة للتشريف([7])، فكأنه قال خلقه على الصورة التي هي مِلك له مشرّفة عنده، وهكذا يقال في الحديث: «لا تقبّحوا الوجه، فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن([8])»، ولا يصحّ تفسير الحديث بما قال بعضهم من أن المراد أنه خلقه على صفاته تعالى من السمع والبصر والعلم فإن صفات الله ليست كصفات غيره. فقد أجمع أهل الحق أن الله ذات واحد له صفات أزلية بأزلية الذات أبدية لا تزول، وذلك لا ينافي الوحدانية.

ولقد جعل الله عوالم المكلفين ثلاثة: الملائكة والإنس والجن، فالملائكة من نور والجن من نار والإنس من طين كما ورد في الحديث([9])؛ بل صرَّح القرآن بذلك في الجن والإنس فحدَّد لكل عالم عنصرًا خاصًّا به، ولو كان الإنسان يترقّى من قرد أو غيره لَبَيَّنَهُ الله حينما ذكر عنصري الثقلين: الإنس والجانّ، أو لبيّنه الرسول ﷺ حينما ذكر الثلاثة: آدم والملائكة والجانّ، فالقرد قرد منذ خلقه الله لم يتحول إلى حيوان آخر ولن يتحول إليه في المستقبل ولو مضى عليه مئات السنين، والإنسان إنسان كذلك، والفرس فرس كذلك، اللَّهُمَّ إلا ما جاء في القرآن عن مسخ بعض اليهود قردة وخنازير، وهذه حالة نادرة جعلها الله عبرة ونكالًا، على أن أولئك الممسوخين لم يعيشوا أكثر من ثلاثة أيام ثم ماتوا ولم يتناسلوا، قال عزَّ مِن قائل: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (٦٥) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 65، 66]. فنظرية «داروين» التي تقول إن الإنسان أصله قرد ثم ترقّى بسبب عوامل مجهولة حتى صار إنسانًا هي نظرية باطلة لا تقوم على أساس علميّ وتردّها دلائل النقل. على أنها هي في نفسها لا تُفيد علمًا قاطعًا يقينيًّا من جهة واضعها لأنه أعني داروين بنى ذلك على الظنّ كغيره من أصحاب النظريات وهم مُسلّمون بمظنونيّة نظريّاتهم وأنها ليست حقيقة علمية؛ بل مجموعة فَرَضيات، فأمكن ردّها من كلامهم، والله الموفّق للصواب.

[1])) «تشارلز روبرت داروين» Charles Robert Darwin عالم تاريخ طبيعيّ بريطانيّ وعالم حيوان، اشتهر بما سمّي بنظرية التطور ومبدأ الانتخاب الطبيعيّ حول نشأة الإنسان. ولد في إنجلترا في 12 شباط 1809، توفي في 19 نيسان 1882، بدأ اهتمام «داروين» بالتاريخ الطبيعيّ أثناء دراسته للطب. ومن خلال ملاحظاته للأحياء قام «داروين» بدراسة التحول في الكائنات الحية عن طريق الطفرات. صدر كتاب له تحت عنوان: (أصل الأنواع) في عام 1859. لكن نظريته المخالفة للعقل السليم وللدين الإسلاميّ وُوْجِهَتْ بانتقاد كبير وخصوصًا من طرف رجال الدين في جميع أنحاء العالم، وهو نفسه ظل حائرًا في ما عرف بما سماه: (الحلقة المفقودة)، التي تتوسط الانتقال من طبيعة القردة للإنسان الحديث.

[2])) مسند أحمد، أحمد، مسند أبي هريرة رضي الله عنه، (2/353)، رقم 10926.

[3])) الشمائل المحمدية والخصائل المصطفوية، الترمذيّ، (1/261).

[4])) مسند أحمد، أحمد، مسند أبي هريرة رضي الله عنه، (13/504)، رقم 8171.

[5])) صحيح مسلم، مسلم، كتاب البر والصلة، باب: النهي عن ضرب الوجه، (8/32)، رقم 6821.

[6])) الأسماء والصفات، البيهقيّ، (ص290). الباز الأشهب، ابن الجوزيّ، (ص64). مشكل الحديث، ابن فورك، (ص50).

[7])) الأسماء والصفات، البيهقيّ، (ص291). الباز الأشهب، ابن الجوزيّ، (ص65).

[8])) معنى «صورة الرحمن»: الصورة التي خلقها الله وشرَّقها كما قال: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75]، أي: بحفظي ورعايتي، وكالإضافة في قوله تعالى: {نَاقَةُ اللَّهِ} [هود: 64]. وليس المراد أن الله له صورة متكيّفة كما أن للمخلوقات صورًا وأشكالًا وكيفيّات فقد نقل البيهقيّ عن الحافظ المحدّث الفقيه أبي سليمان الخطَّابي أنه قال: «إن الذي يجب علينا وعلى كل مسلم أن يعلمه أن رَبَّنا ليس بذي صورة ولا هيئة، فإنَّ الصورة تقتضي الكيفية وهي عن الله وعن صفاته منفية».اهـ. الأسماء والصفات، باب: ما ذكر في الصورة، (ص376).

[9])) صحيح مسلم، مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب: في أحاديث متفرقة، (8/226).