الإثنين يوليو 14, 2025

#1

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، قَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، إِمَامِ الْأَتْقِيَاءِ الْعَارِفِينَ، سَيِّدِنَا وَقَائِدِنَا وَحَبِيبِنَا وَنُورِ أَبْصَارِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ الْأُمِّيِّ الْأَمِينِ، الْعَالِي الْقَدْرِ، الْعَظِيمِ الْجَاهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ.

(بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْـمـٰنِ الرَّحِيمِ)

     أَىْ أَبْتَدِئُ تَصْنِيفِـى لِـهَذَا الْكِتَابِ بِقَوْلِ بِسْمِ اللَّـهِ مُتَبَـرِّكًا بِذِكْرِ اسْمِ اللَّـهِ. وَلَفْظُ الْـجَلالَةِ اللَّـهُ اسْمٌ يَدُلُّ عَلَى ذَاتِ اللَّـهِ الْمُسْتَحِقِّ لِنِهَايَةِ الـتَّعْظِيمِ وَمَعْنَاهُ مَنْ لَهُ الإِلَــٰهِيَّةُ أَىْ مَنْ لَهُ الْقُدْرَةُ عَلَى إِبْرَازِ الأَحْجَامِ وَصِفَاتِـهَا مِنَ الْعَدَمِ إِلَـى الْوُجُودِ. وَالرَّحْـمـٰنُ مَعْنَاهُ الْكَثِيـرُ الرَّحْـمَةِ لِلْمُؤْمِنِيـنَ وَالْكَافِرِينَ فِـى الدُّنْيَا وَلِلْمُؤْمِنِيـنَ خَاصَّةً فِـى الآخِرَةِ أَمَّا الرَّحِيمُ فَمَعْنَاهُ الْكَثِيـرُ الرَّحْـمَةِ لِلْمُؤْمِنِيـنَ.

     (الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ) أَىْ هَذَا بَيَانٌ لِلصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ أَىْ لِلطَّرِيقِ الْـحَقِّ الْمُوصِلِ إِلَـى الْـجَنَّةِ.

     (الْـحَمْدُ لِلَّـهِ) أَىِ الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى الْـجَمِيلِ الِاخْتِيَارِىِّ عَلَى وَجْهِ الـتَّعْظِيمِ مُسْتَحَقٌّ لِلَّـهِ أَىْ أَنَّ اللَّـهَ تَعَالَـى يَسْتَحِقُّ أَنْ يُثْنَـى عَلَيْهِ عَلَى نِعَمِهِ الَّتِـى أَنْعَمَ بِـهَا عَلَى عِبَادِهِ مِنْ غَـيْـرِ وُجُوبٍ عَلَيْهِ (وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى) سَيِّدِنَا مُـحَمَّدٍ (رَسُولِ اللَّـهِ) أَىِ اللَّهُمَّ زِدْ سَيِّدَنَا مُـحَمَّدًا شَرَفًا وَتَعْظِيمًا وَقَدْرًا وَسَلِّمْهُ مِـمَّا يَـخَافُ عَلَى أُمَّتِهِ (قَالَ اللَّـهُ تَعَالَـى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ﴾) أَىْ أَدُّوا الْوَاجِبَاتِ وَاجْتَنِبُوا الْمُحَرَّمَاتِ وَمِنْ جُـمْلَةِ الْوَاجِبَاتِ تَعَلُّمُ الْعِلْمِ الشَّرْعِـىِّ (﴿وَلْـتَنْظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾) أَىْ لِـيَنْظُرِ الْمَرْءُ مَا يُعِدُّ وَيُقَدِّمُ لِآخِرَتِهِ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ فَيَنْبَغِـى أَنْ يُـحَاسِبَ نَفْسَهُ قَبْلَ أَنْ يُـحَاسَبَ (وَقَالَ) سَيِّدُنَا (عَلِـىٌّ رَضِىَ اللَّـهُ عَنْهُ وَكَـرَّمَ وَجْهَهُ) ارْتَـحَلَتِ الدُّنْيَا وَهِىَ مُدْبِرَةٌ أَىِ الدُّنْيَا سَائِرَةٌ إِلَـى الزَّوَالِ وَارْتَـحَلَتِ الآخِرَةُ وَهِىَ مُقْبِلَةٌ أَىِ الآخِرَةُ سَارَتْ مُقْبِلَةً وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ وَلا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا (الْيَوْمَ الْعَمَلُ) وَلا حِسَابَ أَىِ الدُّنْيَا دَارُ الْعَمَلِ (وَغَدًا الْـحِسَابُ) وَلا عَمَلَ أَىِ الآخِرَةُ دَارُ الْـحِسَابِ وَالْـجَزَاءِ عَلَى الْعَمَلِ وَلَـيْسَتْ دَارَ الْعَمَلِ (رَوَاهُ الْـبُخَارِىُّ) فِـى صَحِيحِهِ (فِـى كِـتَابِ الرِّقَاقِ).

 

(أَعْظَمُ حُقُوقِ اللَّـهِ عَلَى عِبَادِهِ)

     (اعْلَمْ أَنَّ أَعْظَمَ حُقُوقِ اللَّـهِ عَلَى عِبَادِهِ) أَىْ أَعْظَمَ الْفَرَائِضِ الَّتِـى أَمَرَ اللَّـهُ بِـهَا (هُوَ تَوْحِيدُهُ تَعَالَـى) أَىْ مَعْرِفَتُهُ مَعَ إِفْرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ (وَأَنْ لا يُشْرَكَ بِهِ شَىْءٌ لِأَنَّ) الْكُـفْرَ مِنَ (الإِشْرَاكِ بِاللَّـهِ) وَغَـيْـرِهِ (هُوَ أَكْبَـرُ ذَنْبٍ يَقْتَـرِفُهُ الْعَبْدُ) وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْـبُخَارِىُّ أَنَّهُ قِيلَ لِـرَسُولِ اللَّـهِ ﷺ أَىُّ الذَّنْبِ أَشَدُّ قَالَ أَنْ تَـجْعَلَ لِلَّـهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ أَىْ أَنْ تُشْرِكَ بِاللَّـهِ، قِيلَ ثُـمَّ أَىُّ قَالَ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَـخَافَةَ الْفَقْرِ قِيلَ ثُـمَّ أَىُّ قَالَ أَنْ تُزَانِـىَ حَلِيلَةَ جَارِكَ. فَالْكُفْرُ هُوَ أَشَدُّ الذُّنُوبِ عَلَى الإِطْلاقِ (وَهُوَ الذَّنْبُ الَّذِى لا يَغْـفِرُهُ اللَّـهُ) أَىْ لِمَنِ اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ إِلَـى الْمَوْتِ أَوْ وَصَلَ إِلَـى حَالَةِ الْـيَأْسِ مِنَ الْـحَيَاةِ بِرُؤْيَةِ مَلَكِ الْمَوْتِ وَمَلائِكَةِ الْعَذَابِ أَوْ إِدْرَاكِ الْغَرَقِ بِـحَيْثُ أَيْقَنَ بِالْـهَلاكِ كَفِرْعَوْنَ الَّذِى لَـمْ يَقْبَلِ اللَّـهُ تَوْبَتَهُ حِيـنَ أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ وَعَلِمَ أَنَّهُ هَالِكٌ لا مَـحَالَةَ (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ) أَىْ مَا دُونَ الْكُفْرِ مِنَ الْكَـبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ (لِمَنْ يَشَاءُ) مِنْ عِبَادِهِ الْمُسْلِمِيـنَ الْمُتَجَنِّبِيـنَ لِلْكُفْرِ بِنَوْعَيْهِ الإِشْرَاكِ بِاللَّـهِ الَّذِى هُوَ عِبَادَةُ غَـيْـرِهِ وَالْكُفْرِ الَّذِى لَيْسَ فِيهِ إِشْرَاكٌ كَسَبِّ اللَّـهِ أَوْ نَبِـىٍّ مِنْ أَنْبِيَائِهِ (قَالَ) اللَّـهُ (تَعَالَـى ﴿إِنَّ اللَّـهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾) وَقَالَ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ إِنَّ اللَّـهَ لَـيَغْفِرُ لِعَبْدِهِ مَا لَـمْ يَقَعِ الْـحِجَابُ قَالُوا وَمَا وُقُوعُ الْـحِجَابِ يَـا رَسُولَ اللَّـهِ قَالَ أَنْ تَـمُوتَ الـنَّفْسُ وَهِىَ مُشْرِكَةٌ رَوَاهُ أَحْـمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ (وَكَذَلِكَ جَـمِيعُ أَنْوَاعِ الْكُـفْرِ لا يَغْفِرُهَا اللَّـهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَـى ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَـفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّـهِ﴾) أَىْ مَنَعُوا النَّاسَ مِنَ الدُّخُولِ فِـى الإِسْلامِ (﴿ثُـمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُـفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّـهُ لَـهُمْ﴾) وَهَذَا قَيْدٌ لِعَدَمِ الْمَغْفِرَةِ لَـهُمْ فَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ مَاتَ كَافِرًا فَهُوَ مَـحْرُومٌ مِنَ الْمَغْفِرَةِ إِنْ مَنَعَ الـنَّاسَ مِنَ الدُّخُولِ فِـى الإِسْلامِ أَوْ لَـمْ يَـمْنَعْ.

    (وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَــٰهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) أَىْ أَنَّ مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْتَـقِدُ أَنْ لا إِلَــٰهَ إِلَّا اللَّـهُ وَأَنَّ مُـحَمَّدًا رَسُولُ اللَّـهِ وَلَـمْ يَعْبُدْ غَـيْـرَ اللَّـهِ (وَ)يَعْتَقِدُ (أَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّـهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَـى مَرْيَـمَ) أَىْ أَنَّ عِيسَى بِشَارَةُ اللَّـهِ لِمَرْيَـمَ الَّتِـى بَشَّرَتْـهَا بِـهَا الْمَلائِكَةُ بِأَمْرِهِ قَبْلَ أَنْ تَـحْمِلَ بِهِ (وَرُوحٌ مِنْهُ) أَىْ أَنَّ رُوحَ عِيسَى رُوحٌ مُشَرَّفٌ أَىْ عَظِيمٌ عِنْدَ اللَّـهِ صَادِرٌ مِنَ اللَّـهِ خَلْقًا وَتَكْوِينًا (وَ)يَعْتَقِدُ أَنَّ (الْـجَنَّةَ حَقٌّ وَالـنَّارَ حَقٌّ) أَىْ أَنَّـهُمَا مَوْجُودَتَـانِ وَبَاقِـيَتَانِ وَأَنَّـهُمَا دَارَا جَزَاءٍ فَالْـجَنَّةُ دَارُ نَعِيمٍ لِلْمُؤْمِنِيـنَ وَالـنَّارُ دَارُ عِقَابٍ لِلْكَافِرِينَ (أَدْخَلَهُ اللَّـهُ الْـجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَلِ) أَىْ وَفَّقَهُ اللَّـهُ إِذَا دَاوَمَ عَلَى هَذِهِ الشَّهَادَةِ كُلَّ يَوْمٍ إِلَـى الْعَمَلِ الصَّالِحِ بِـحَيْثُ يَـحْسُنُ حَالُهُ وَخِتَامُهُ فَيَدْخُلُ الْـجَنَّةَ بِلا عَذَابٍ وَالْـحَدِيثُ (رَوَاهُ الْـبُخَارِىُّ وَمُسْلِمٌ، وَفِـى حَدِيثٍ ءَاخَرَ فَإِنَّ اللَّـهَ حَرَّمَ عَلَى الـنَّارِ) أَىْ حَرَّمَ أَنْ يَبْقَى فِيهَا إِلَـى الأَبَدِ (مَنْ قَالَ لا إِلَــٰهَ إِلَّا اللَّـهُ يَبْتَغِـى بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّـهِ رَوَاهُ الْـبُخَارِىُّ) أَىْ يَبْتَغِـى الْقُرْبَ إِلَـى اللَّـهِ لا نِفَاقًا مِنْ غَـيْـرِ اعْتِقَادٍ. (وَ)لَيْسَ الْمُرَادُ بِـهَذَا الْـحَدِيثِ أَنَّ الاِقْتِصَارَ عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَــٰهَ إِلَّا اللَّـهُ بِدُونِ الشَّهَادَةِ الـثَّانِيَةِ يَكْـفِى لِلنَّجَاةِ مِنَ الْـخُلُودِ الأَبَدِىِّ فِـى الـنَّارِ بَلْ (يَـجِبُ قَرْنُ الإِيـمَانِ بِرِسَالَةِ مُـحَمَّدٍ بِشَهَادَةِ أَنْ لا إِلَــٰهَ إِلَّا اللَّـهُ وَذَلِكَ أَقَلُّ شَىْءٍ يَـحْصُلُ بِهِ الـنَّجَاةُ مِنَ الْـخُلُودِ الأَبَدِىِّ فِـى الـنَّارِ) بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَـى ﴿وَمَنْ لَّـمْ يُؤْمِنْ بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّـا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيـرًا﴾ أَىْ أَنَّ مَنْ لَـمْ يُؤْمِنْ بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ مُـحَمَّدٍ فَهُوَ كَافِرٌ وَأَنَّ اللَّـهَ تَعَالَـى أَعَدَّ لَهُ سَعِيـرًا أَىْ نَـارَ جَهَنَّمَ.

 

بَيَانُ (مَعْنَـى الشَّهَادَتَـيْـنِ)

     (فَمَعْـنَـى شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَــٰهَ إِلَّا اللَّـهُ إِجْـمَالًا) أَىْ مِنْ غَيْـرِ تَفْصِيلٍ (أَعْـتَـرِفُ بِلِسَانِــى وَأَعْتَقِدُ وَأُذْعِنُ بِقَلْبِـى) بِأَنْ تَقْبَلَ نَفْسِى وَتَعْتَـقِدَ (أَنَّ الْمَعْبُودَ بِـحَقٍّ هُوَ اللَّـهُ تَعَالَـى فَقَطْ) أَىْ لا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ أَنْ يُعْبَدَ أَىْ أَنْ يُتَذَلَّلَ لَهُ نِـهَايَـةُ الـتَّذَلُّلِ إِلَّا اللَّـهُ وَفَسَّرَهَا الإِمَامُ أَبُو الْـحَسَنِ الأَشْعَرِىُّ بِقَوْلِهِ لا خَالِقَ لِشَىْءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ إِلَّا اللَّـهُ وَهَذَا الـتَّفْسِيـرُ أَحْسَنُ ذَكَرَهُ الإِمَامُ الْـبَيْهَقِىُّ فِـى كِتَابِ الِاعْتِقَادِ.

     (وَمَعْـنَـى شَهَادَةِ أَنَّ مُـحَمَّدًا رَسُولُ اللَّـهِ أَعْـتَـرِفُ بِلِسَانِــى وَأُذْعِنُ بِقَلْبِـى أَنَّ سَيِّدَنَـا مُـحَمَّدًا ﷺ مُرْسَلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّـهِ إِلَـى كَافَّةِ الْعَالَمِيـنَ مِنْ إِنْسٍ وَجِنٍّ) أَىْ يَـجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّهُ مُـحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللَّـهِ وَأَنَّ اللَّـهَ أَرْسَلَهُ إِلَـى كَافَّةِ الْـبَشَرِ مِنْ عَرَبٍ وَغَـيْـرِهِمْ وَإِلَـى كَافَّةِ الْـجِنِّ لِـيُبَلِّغَ عَنْهُ وَيُبَشِّرَ مَنْ ءَامَنَ بِالـثَّوَابِ الْعَظِيمِ وَيُنْذِرَ مَنْ كَفَرَ بِالْعَذَابِ الأَلِيمِ كَمَا قَالَ رَبُّـنَا عَزَّ وَجَلَّ ﴿لِـيَكُونَ لِلْعَالَمِيـنَ نَـذِيرًا﴾ وَالإِنْذَارُ هُوَ الـتَّخْوِيفُ بِالـنَّارِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَهَذَا الإِنْذَارُ لِلإِنْسِ وَالْـجِنِّ فَقَطْ أَمَّا الْمَلائِكَةُ فَلا يَعْصُونَ اللَّـهَ أَبَدًا وَلا يَـخْتَارُونَ إِلَّا الطَّاعَةَ بِـمَشِيئَةِ اللَّـهِ فَلا يَـحْتَاجُونَ إِلَـى إِنْذَارٍ. وَيَـجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّهُ ﷺ (صَادِقٌ فِـى كُلِّ مَا يُبَـلِّغُهُ عَنِ اللَّـهِ تَعَالَـى) كَأُمُورِ الآخِرَةِ أَوْ أَخْبَارِ الأُمَمِ السَّابِقَةِ أَوْ تَـحْلِيلِ شَىْءٍ أَوْ تَـحْرِيـمِهِ فَيَجِبُ الإِيـمَانُ أَنَّ اللَّـهَ تَعَالَـى أَرْسَلَهُ إِلَـى كَافَّةِ الْـبَشَرِ وَالْـجِنِّ (لِـيُؤْمِنُوا) أَىْ لِـيَأْمُرَهُمْ بِالإِيـمَانِ (بِشَرِيعَتِهِ وَيَتَّبِعُوهُ) فِـى كُلِّ مَا جَاءَ بِهِ.

     (وَالْمُرَادُ بِالشَّهَادَتَيْـنِ نَفْىُ الأُلُوهِيَّةِ) أَىْ نَفْىُ اسْتِحْقَاقِ الْعِبَادَةِ (عَمَّا سِوَى اللَّـهِ وَإِثْبَاتُـهَا لِلَّـهِ تَعَالَـى) أَىْ إِثْبَاتُ أَنَّ اللَّـهَ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِى يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ (مَعَ الإِقْرَارِ) أَىِ الِاعْتِـرَافِ وَالإِيـمَانِ (بِرِسَالَةِ سَيِّدِنَـا مُـحَمَّدٍ ﷺ) أَىْ فِـى كَـوْنِهِ مُرْسَلًا مِنْ عِنْدِ اللَّـهِ لِأَنَّ الإِيـمَانَ بِـمُحِمَّدٍ لا بُدَّ مِنْهُ لِـيَكُونَ الْعَبْدُ مُؤْمِنًا عِنْدَ اللَّـهِ (قَالَ اللَّـهُ تَعَالَـى ﴿وَمَنْ لَّـمْ يُؤْمِنْ بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيـرًا﴾) أَىْ هَيَّـأْنَـا لَـهُمْ نَارَ جَهَنَّمَ لِكُـفْرِهِمْ فَدَلَّتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلَى أَنَّ مَنْ لَـمْ يُؤْمِنْ بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ مُـحَمَّدٍ فَهُوَ كَافِرٌ وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الْمُنْتَسِبِيـنَ لِلتَّوْرَاةِ وَالإِنْـجِيلِ فَإِنَّ الْقُرْءَانَ سَـمَّاهُمْ أَهْلَ الْكِتَابِ وَسَـمَّاهُمْ كَافِرِينَ لِأَنَّـهُمْ لَـمْ يُؤْمِنُوا بِـمُحَمَّدٍ ﷺ (فَهَذِهِ الآيَةُ صَرِيـحَةٌ فِـى تَكْـفِيـرِ مَنْ لَـمْ يُؤْمِنْ بِـمُحَمَّدٍ ﷺ فَمَنْ نَـازَعَ) أَىْ عَارَضَ وَخَالَفَ (فِـى هَذَا الْمَوْضُوعِ) فَأَنْـكَرَ الإِيـمَانَ بِـمُحَمَّدٍ (يَكُونُ قَدْ عَانَدَ الْقُرْءَانَ وَمَنْ عَانَدَ الْقُرْءَانَ كَفَرَ) لِأَنَّهُ لا يَكُونُ مُؤْمِنًا بِهِ.

     (وَأَجْـمَعَ الْفُقَهَاءُ الإِسْلامِيُّونَ) أَىِ اتَّفَقَ عُلَمَاءُ الإِسْلامِ (عَلَى تَكْـفِيـرِ مَنْ دَانَ بِغَــيْـرِ الإِسْلامِ) أَىْ مَنِ اتَّـخَذَ لِـنَفْسِهِ دِينًا غَـيْـرَ دِينِ الإِسْلامِ (وَ)اتَّفَقُوا (عَلَى تَكْـفِيـرِ مَنْ لَـمْ يُكَـفِّرْهُ) أَىْ مَنْ لَـمْ يُكَـفِّرْ مَنْ دَانَ بِغَـيْـرِ الإِسْلامِ (أَوْ شَكَّ) فِـى كُـفْرِهِ كَأَنْ يَقُولَ لَعَلَّهُ كَافِرٌ وَلَعَلَّهُ غَـيْـرُ كَافِرٍ (أَوْ تَوَقَّفَ) فِـى تَكْـفِيـرِهِ (كَأَنْ يَقُولَ أَنَـا لا أَقُولُ إِنَّهُ كَافِرٌ أَوْ) إِنَّهُ (غَـيْـرُ كَافِرٍ) لِـتَكْذِيبِهِ قَوْلَ اللَّـهِ تَعَالَـى ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَـيْـرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِـى الآخِرَةِ مِنَ الْـخَاسِرِينَ﴾.

     (وَاعْلَمْ بِاسْتِيقَانٍ) أَىْ جَازِمًا بِلا شَكٍّ (أَنَّهُ لا يَصِحُّ الإِيـمَانُ وَالإِسْلامُ وَلا تُقْبَلُ الأَعْمَالُ الصَّالِـحَةُ) مِنَ الْكَافِرِ (بِدُونِ) اعْتِقَادِ مَعْـنَـى (الشَّهَادَتَـيْـنِ) وَالـنُّطْقِ بِـهِمَا (بِلَفْظِ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَــٰهَ إِلَّا اللَّـهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا رَسُولُ اللَّـهِ) أَوْ بِلَفْظِ لا إِلَــٰهَ إِلَّا اللَّـهُ مُـحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّـهِ (أَوْ مَا فِـى مَعْـنَاهُـمَا) كَلَفْظِ لا رَبَّ إِلَّا اللَّـهُ مُـحَمَّدٌ نَبِـىُّ اللَّـهِ (وَلَوْ بِغَـيْـرِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ).

     (وَيَكْـفِى لِصِحَّةِ الإِسْلامِ الـنُّطْقُ) بِالشَّهَادَتَـيْـنِ (مَرَّةً فِـى الْعُمُرِ وَيَبْقَى وُجُوبُـهَا) بَعْدَ تِلْكَ الْمَرَّةِ (فِـى كُلِّ صَلاةٍ لِصِحَّةِ الصَّلاةِ) وَ(هَذَا) أَىِ اشْتِـرَاطُ الـنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَـيْـنِ لِصِحَّةِ الإِسْلامِ هُوَ (فِيمَنْ كَانَ عَلَى غَـيْـرِ الإِسْلامِ ثُـمَّ أَرَادَ الدُّخُولَ فِـى الإِسْلامِ وَأَمَّا مَنْ) وُلِدَ بَـيْـنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْـنِ وَ(نَشَأَ عَلَى الإِسْلامِ وَكَانَ يَعْـتَـقِدُ) مَعْـنَـى (الشَّهَادَتَيْـنِ) عِنْدَ الْـبُلُوغِ (فَلا يُشْتَـرَطُ فِـى حَقِّهِ الـنُّطْقُ بِـهِمَا بَلْ هُوَ مُسْلِمٌ) مُؤْمِنٌ (لَوْ لَـمْ يَنْطِقْ) بِـهِمَا بِلِسَانِهِ إِلَـى أَنْ مَاتَ لَـكِـنَّهُ يَكُونُ عَاصِيًا مُرْتَكِـبًا لِلْكَبِيـرَةِ لِأَنَّهُ لَـمْ يَنْطِقْ بِـهِمَا بَعْدَ الْـبُلُوغِ.

     (وَ)اعْلَمْ أَنَّ أَعْظَمَ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَـى اللَّـهِ أَدَاءُ فَرَائِضِ اللَّـهِ (قَالَ) رَسُولُ اللَّـهِ (ﷺ قَالَ اللَّـهُ تَعَالَـى وَمَا تَقَرَّبَ إِلَـىَّ عَـبْدِى بِشَىْءٍ أَحَبَّ إِلَـىَّ مِـمَّا افْتَـرَضْتُ عَلَيْهِ) وَهُوَ (حَدِيثٌ قُدْسِىٌّ رَوَاهُ الْـبُخَارِىُّ) صَدَّرَهُ رَسُولُ اللَّـهِ بِقَالَ اللَّـهُ (وَأَفْضَلُ وَأَوَّلُ فَرْضٍ هُوَ الإِيـمَانُ بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ) لِقَوْلِهِ ﷺ أَفْضَلُ الأَعْمَالِ إِيـمَانٌ بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ رَوَاهُ الْـبُخَارِىُّ. (وَاعْتِقَادُ أَنْ لا إِلَــٰهَ إِلَّا اللَّـهُ فَقَطْ لا يَكْـفِى مَا لَـمْ يُقْرَنْ بِاعْتِقَادِ أَنَّ مُـحَمَّدًا رَسُولُ اللَّـهِ قَالَ) اللَّـهُ (تَعَالَـى ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ﴾) أَىْ قُلْ يَا مُـحَمَّدُ لِـهَؤُلاءِ الْكَافِرِينَ ءَامِنُوا بِاللَّـهِ وَالرَّسُولِ (﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾) أَىْ فَإِنْ أَعْرَضُوا عَنِ الإِيـمَانِ بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ (﴿فَإِنَّ اللَّـهَ لا يُـحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ أَىْ لا يُـحِبُّ اللَّـهُ مَنْ تَوَلَّـى عَنِ الإِيـمَانِ بِاللَّـهِ وَالرَّسُولِ لِكُفْرِهِمْ) وَلَوْ أَحَبَّهُمْ أَىْ لَوْ أَرَادَ لَـهُمُ الْـخَيْـرَ فِـى الآخِرَةِ لَرَزَقَهُمُ الإِيـمَانَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ مُـحَمَّدٍ ﷺ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ إِنَّ اللَّـهَ يُعْطِـى الْمَالَ لِمَنْ يُـحِبُّ وَلِمَنْ لا يُـحِبُّ وَلا يُعْطِـى الإِيـمَانَ إِلَّا لِمَنْ يُـحِبُّ رَوَاهُ الْـحَاكِمُ فِـى الْمُسْتَدْرَكِ (وَالْمُرَادُ بِطَاعَةِ اللَّـهِ وَالرَّسُولِ فِـى هَذِهِ الآيَـةِ الإِيـمَانُ بِـهِمَا) كَمَا تَقَدَّمَ (فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَـمْ يُؤْمِنْ بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ مُـحَمَّدٍ ﷺ فَهُوَ كَافِرٌ وَأَنَّ اللَّـهَ تَعَالَـى لا يُـحِبُّهُ لِكُـفْرِهِ) مَهْمَا حَسُنَ خُلُقُهُ وَأَحْسَنَ إِلَـى الـنَّاسِ (فَمَنْ قَالَ إِنَّ اللَّـهَ يُـحِبُّ الْمُؤْمِنِيـنَ وَالْكَافِرِينَ لِأَنَّهُ خَلَقَ الْـجَمِيعَ فَقَدْ كَذَّبَ الْقُرْءَانَ فَيُقَالُ لَهُ اللَّـهُ) تَعَالَـى (خَلَقَ الْـجَمِيعَ لَكِنْ لا يُـحِبُّ الْكُلَّ) كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ حِبَّانَ لا تَـحْلِفُوا بِآبَائِكُمُ الَّذِينَ مَاتُوا فِـى الْـجَاهِلِيَّةِ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ (أَىْ تَـحْتَ مَشِيئَتِهِ وَتَصَرُّفِهِ) إِنَّ الَّذِى يُدَهْدِهُهُ (أَىْ يُدَحْرِجُهُ) الْـجُعَلُ بِأَنْفِهِ خَيْـرٌ مِنْ هَؤُلاءِ الْمُشْرِكِيـنَ. وَالْـجُعَلُ يُدَحْرِجُ الْقَذَرَ الَّذِى يَـخْرُجُ مِنْ بَنِـى ءَادَمَ وَيَـجْعَلُهُ حُبَيْبَاتٍ لِـيَتَقَوَّتَ بِهِ. وَالْـجُعَلُ حَشَرَةٌ صَغِيـرَةٌ سَوْدَاءُ.

(الْفَرْضُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ)

     (وَاعْلَمْ أَنَّ الـنُّطْقَ بِالشَّهَادَتَـيْـنِ بَعْدَ الْـبُلُوغِ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ) مُسْلِمٍ (مُكَلَّفٍ) أَىْ بَـالِغٍ عَاقِلٍ (مَرَّةً وَاحِدَةً فِـى عُمُرِهِ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ عِنْدَ الْمَالِكِـيَّةِ لِأَنَّـهُمْ لا يُوجِبُونَ الـتَّحِيَّاتِ فِـى الصَّلاةِ إِنَّـمَا هُمْ يَعْـتَبِـرُونَـهَا سُنَّةً) مُؤَكَّدَةً وَهِىَ مَا كَانَ يُوَاظِبُ عَلَيْهِ الـنَّبِـىُّ ﷺ فَيَكْفِى عِنْدَهُمْ أَنْ يَـجْلِسَ وَيَقُولَ السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَهُوَ جَالِسٌ (وَعِنْدَ غَـيْـرِهِمْ كَالشَّافِعِيَّةِ وَالْـحَنَابِلَةِ تَـجِبُ فِـى كُلِّ صَلاةٍ لِصِحَّةِ الصَّلاةِ).

(لا دِينَ صَحِيحٌ إِلَّا الإِسْلامُ)

     (الدِّينُ الْـحَقُّ) الْمَقْبُولُ (عِنْدَ اللَّـهِ) هُوَ (الإِسْلامُ قَالَ) اللَّـهُ (تَعَالَـى ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَـيْـرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِـى الآخِرَةِ مِنَ الْـخَاسِرِينَ﴾) أَىْ مَنِ اتَّـخَذَ لِنَفْسِهِ دِينًا غَـيْـرَ دِينِ الإِسْلامِ فَلَنْ يَقْـبَلَهُ اللَّـهُ مِنْهُ (وَقَالَ تَعَالَـى أَيْضًا ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّـهِ الإِسْلامُ﴾) أَىْ أَنَّ الدِّينَ الصَّحِيحَ الَّذِى ارْتَضَاهُ اللَّـهُ لِعِبَادِهِ مِنَ الْـبَشَرِ وَالْـجِنِّ وَالْمَلائِكَةِ هُوَ الإِسْلامُ وَهُوَ دِينُ جَـمِيعِ الأَنْبِيَاءِ (فَكُلُّ الأَنْبِيَاءِ مُسْلِمُونَ) يَعْبُدُونَ اللَّـهَ وَلا يُشْرِكُونَ بِهِ شَيْئًا قَالَ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ دِينُهُمْ وَاحِدٌ وَأُمَّهَاتُـهُمْ شَتَّـى رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْـمَدُ. شَبَّهَ الرَّسُولُ الأَنْبِيَاءَ بِالإِخْوَةِ لِعَلَّاتٍ أَىْ كَمَا أَنَّ الإِخْوَةَ لِعَلَّاتٍ أَبُوهُمْ وَاحِدٌ وَأُمَّهَاتُـهُمْ مُـخْتَلِفَاتٌ كَذَلِكَ الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ فِـى الدِّينِ دِينُهُمْ وَاحِدٌ وَشَرَائِعُهُمْ مُـخْتَلِفَةٌ وَالشَّرَائِعُ هِىَ الأَحْكَامُ الَّتِـى أَنْزَلَـهَا اللَّـهُ عَلَى أَنْبِيَائِهِ. وَهَذَا الْـحَدِيثُ فِيهِ دِلالَةٌ صَرِيـحَةٌ عَلَى أَنَّ الأَنْبِيَاءَ جَـمِيعَهُمْ كَانُوا عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ هُوَ الإِسْلامُ قَالَ تَعَالَـى ﴿وَوَصَّىٰ بِـهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِـىَّ إِنَّ اللَّـهَ اصْطَـفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ وَقَالَ تَعَالَـى ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّـا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِيـنَ﴾ وَقَالَ سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿تَوَفَّنِـى مُسْلِمًا وَأَلْـحِقْنِـى بِالصَّالِـحِيـنَ﴾ وَقَالَ تَعَالَـى ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِى إِلَـى اللَّـهِ قَالَ الْـحَوَارِيُّونَ نَـحْنُ أَنْصَارُ اللَّـهِ﴾ أَىْ أَنْصَارُ دِينِ اللَّـهِ ﴿ءَامَنَّا بِاللَّـهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾. وَالْـحَوَارِيُّونَ الَّذِينَ هُمْ تَلامِيذُ عِيسَى كَانُوا عَلَى الإِسْلامِ بِدَلِيلِ قَوْلِـهِمْ ﴿وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ وَفِـى هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ عَلَى الإِسْلامِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِى عَلَّمَهُمْ هَذَا الدِّينَ ثُـمَّ كَيْفَ يَكُونُ عِيسَى عَلَى دِينٍ ءَاخَرَ غَـيْـرِ الإِسْلامِ كَمَا يَقُولُ بَعْضُ الْـجُهَّالِ وَاللَّـهُ تَعَالَـى يَقُولُ ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَـيْـرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِـى الآخِرَةِ مِنَ الْـخَاسِرِينَ﴾ فَإِذًا عَلَى زَعْمِهِمْ عِيسَى الـنَّبِـىُّ الْمُرْسَلُ يَكُونُ فِـى الآخِرَةِ مِنَ الْـخَاسِرِينَ. هَؤُلاءِ كَذَّبُوا قَوْلَ اللَّـهِ تَعَالَـى ﴿وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِيـنَ﴾ أَىْ أَنَّ أَنْبِيَاءَ اللَّـهِ هُمْ أَفْضَلُ الْـخَلْقِ. أَمَّا تَسْمِيَةُ عِيسَى بِالْمَسِيحِ فَقَدْ قِيلَ لِكَـثْرَةِ سِيَاحَتِهِ أَىْ تَنَقُّلِهِ فِـى الأَرْضِ لِـيُعَلِّمَ النَّاسَ دِينَ اللَّـهِ وَيَدْعُوَهُمْ إِلَـى عِبَادَةِ اللَّـهِ وَحْدَهُ وَقِيلَ سُـمِّىَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ يَـمْسَحُ بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ عَلَى الأَبْرَصِ وَالأَكْمَهِ أَىِ الَّذِى يُولَدُ أَعْمَى فَيُشْفَى بِإِذْنِ اللَّـهِ. وَسَيِّدُنَـا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ لَـمْ يَكُنْ يَهُودِيًّـا بَلْ كَانَ عَلَى الإِسْلامِ كَغَـيْـرِهِ مِنَ الأَنْبِيَاءِ بِدَلِيلِ أَنَّ السَّحَرَةَ لَمَّا ءَامَنُوا بِـمُوسَى وَأَسْلَمُوا دَعَوُا اللَّـهَ أَنْ يُثَـبِّـتَهُمْ عَلَى الإِيـمَانِ وَالإِسْلامِ فَقَالُوا ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَـيْنَا صَبْـرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِيـنَ﴾. (فَمَنْ كَانَ) مُؤْمِنًا بِاللَّـهِ وَ(مُتَّبِعًا لِمُوسَى ﷺ) أَىْ ءَامَنَ بِاللَّـهِ رَبًّـا وَصَدَّقَ بِرِسَالَةِ مُوسَى (فَهُوَ مُسْلِمٌ مُوسَوِىٌّ وَمَنْ كَانَ) مُؤْمِنًا بِاللَّـهِ وَ(مُتَّبِعًا لِعِيسَى ﷺ فَهُوَ مُسْلِمٌ عِيسَوِىٌّ وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِمَنِ اتَّبَعَ مُـحَمَّدًا ﷺ) فِيمَا جَاءَ بِهِ (مُسْلِمٌ مُـحَمَّدِىٌّ).

     (وَالإِسْلامُ هُوَ الدِّينُ الَّذِى رَضِيَهُ اللَّـهُ) أَىْ أَحَبَّهُ اللَّـهُ (لِعِبَادِهِ وَأَمَرَنَا بِاتِّـبَاعِهِ) قَالَ تَعَالَـى ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَـى ﴿لا إِكْـرَاهَ فِـى الدِّينِ﴾ فَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَـجُوزُ لِكُلِّ إِنْسَانٍ أَنْ يَعْتَـقِدَ مَا يَشَاءُ إِنَّـمَا مَعْنَاهُ أَنَّكَ يَا مُـحَمَّدُ لا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُكْرِهَ قُلُوبَ الْكُـفَّارِ عَلَى الإِيـمَانِ إِنَّـمَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُكْرِهَ ظَوَاهِرَهُمْ أَىْ أَنْ تُـجْبِـرَهُمْ بِقُوَّةِ السِّلاحِ عَلَى النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَـيْـنِ. وَكَذَلِكَ الآيَةُ ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْـتَدْنَا لِلظَّالِمِيـنَ نَارًا أَحَاطَ بِـهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ فَإِنَّـهَا نَزَلَتْ عَلَى مَعْـنَـى الـتَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ وَلَيْسَ فِيهَا تَـخْيِيـرٌ لِلإِنْسَانِ بَيْـنَ أَنْ يُؤْمِنَ أَوْ يَكْفُرَ وَسِيَاقُ الآيَةِ يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْـنَـى. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ ﷺ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ الـنَّاسَ حَتَّـى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَــٰهَ إِلَّا اللَّـهُ وَأَنِّـى رَسُولُ اللَّـهِ رَوَاهُ الْـبُخَارِىُّ وَمُسْلِمٌ وَهُوَ حَدِيثٌ مُتَوَاتِرٌ. (وَلا) يَـجُوزُ أَنْ (يُسَمَّى اللَّـهُ مُسْلِمًا كَمَا تَلَـفَّظَ بِهِ بَعْضُ الْـجُهَّالِ) لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَعْنَاهُ الْمُنْقَادُ وَاللَّـهُ لا يَنْقَادُ لِغَــيْـرِهِ بَلْ غَـيْـرُهُ يَنْقَادُ لَهُ أَىْ أَنَّ الْمُسْلِمَ مُنْقَادٌ لِأَوَامِرِ اللَّـهِ بِالإِيـمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ الَّذِى أَرْسَلَهُ أَمَّا اللَّـهُ تَعَالَـى فَهُوَ الآمِرُ الـنَّاهِـى الَّذِى لا ءَامِرَ لَهُ وَلا نَـاهٍ فَلا يَنْقَادُ لِأَحَدٍ بَلْ يَفْعَلُ فِـى مُلْكِهِ مَا يُرِيدُ وَيَـحْكُمُ فِـى خَلْقِهِ بِـمَا يَشَاءُ أَىْ يَفْرِضُ مَا يَشَاءُ وَيُـحَرِّمُ مَا يَشَاءُ فَلَـيْسَ مِنْ أَسْـمَائِهِ تَعَالَـى مُسْلِمٌ بَلِ اسْـمُهُ السَّلامُ أَىِ السَّالِـمُ مِنْ كُلِّ نَقْصٍ. وَلا يَـجُوزُ تَسْمِيَةُ اللَّـهِ إِلَّا بِـمَا جَاءَ فِـى الْقُرْءَانِ أَوِ الْـحَدِيثِ الـثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّـهِ ﷺ أَوْ أَجْـمَعَتْ عَلَيْهِ الأُمَّةُ.    

     (فَقَدِيـمًا كَانَ الْـبَشَرُ جَـمِيعُهُمْ) فِـى زَمَنِ ءَادَمَ وَشِيثٍ وَإِدْرِيسَ (عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ هُوَ الإِسْلامُ) لَـمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ كَافِرٌ قَالَ تَعَالَـى ﴿كَانَ الـنَّاسُ أُمَّةً وَّاحِدَةً﴾ أَىْ كَانُوا كُلُّهُمْ عَلَى الإِسْلامِ (وَإِنَّـمَا حَدَثَ الشِّرْكُ وَالْكُـفْرُ بِاللَّـهِ تَعَالَـى بَعْدَ) وَفَاةِ (الـنَّبِـىِّ إِدْرِيسَ) أَىْ بَعْدَ وَفَاةِ ءَادَمَ بِأَلْفِ سَنَةٍ وَاسْتَمَرَّ الـنَّاسُ عَلَى الْكُـفْرِ زَمَانًا إِلَـى أَنْ بَعَثَ اللَّـهُ سَيِّدَنَـا نُوحًا (فَكَانَ نُوحٌ) عَلَيْهِ السَّلامُ (أَوَّلَ نَبِـىٍّ أُرْسِلَ إِلَـى الْكُـفَّارِ يَدْعُو إِلَـى عِبَادَةِ اللَّـهِ الْوَاحِدِ الَّذِى لا شَرِيكَ لَهُ) أَمَّا أَوَّلُ الأَنْبِيَاءِ عَلَى الإِطْلاقِ فَهُوَ سَيِّدُنَـا ءَادَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ تَعَالَـى ﴿إِنَّ اللَّـهَ اصْطَـفَى ءَادَمَ وَنُوحًا وَءَالَ إِبْرَاهِيمَ وَءَالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِيـنَ﴾ أَىِ اخْتَارَ ءَادَمَ لِلنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ. وَيَشْهَدُ لِـنُبُوَّتِهِ حَدِيثُ الـتِّـرْمِذِىِّ ءَادَمُ فَمَنْ سِوَاهُ مِنَ الأَنْبِيَاءِ تَـحْتَ لِوَائِــى يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَأَجْـمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى نُبُوَّتِهِ فَمَنْ نَفَى نُبُوَّتَهُ فَهُوَ كَافِرٌ بِالإِجْـمَاعِ. (وَقَدْ حَذَّرَ اللَّـهُ) أُمَمَ (جَـمِيعِ الرُّسُل ِمِنْ بَعْدِهِ) أَىْ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ (مِنَ الشِّرْكِ فَقَامَ سَيِّدُنَـا مُـحَمَّدٌ ﷺ بِتَجْدِيدِ الدَّعْوَةِ) أَىْ دَعْوَةِ الأَنْبِيَاءِ (إِلَـى الإِسْلامِ بَعْدَ أَنِ انْقَطَعَ فِيمَا بَيْـنَ الـنَّاسِ فِـى الأَرْضِ) إِذْ لَـمْ يَكُنْ بَيْـنَ الْـبَشَرِ عَلَى الأَرْضِ فِـى وَقْتِ بَعْثِهِ مُسْلِمٌ غَـيْـرُهُ يَعِيشُ مُـخْتَلِطًا بِالـنَّاسِ كَمَا أَخْبَـرَ اللَّـهُ تَعَالَـى فِـى الْقُرْءَانِ ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِــى وَنُسُكِى وَمَـحْيَاىَ ومَـمَاتِـى لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِيـنَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَـا أَوَّلُ الْمُسْلِمِيـنَ﴾ فَدَعَا رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ إِلَـى عِبَادَةِ اللَّـهِ عَزَّ وَجَلَّ (مُؤَيَّدًا بِالْمُعْجِزَاتِ الدَّالَةِ عَلَى نُبُوَّتِهِ فَدَخَلَ الْبَعْضُ فِـى الإِسْلامِ) كَالْـجَعْدِ بنِ قَيْسٍ الْمُرَادِىِّ الَّذِى أَسْلَمَ بِسَبَبِ مَا سَـمِعَهُ مِنْ جِنِّـىٍّ مُسْلِمٍ مِنْ أَتْبَاعِ سَيِّدِنَـا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ وَإِخْبَارِهِ لَهُ بِظُهُورِ سَيِّدِنَـا مُـحَمَّدٍ ﷺ وَأَنَّهُ قَدْ بُعِثَ فَلَّمَا وَصَلَ إِلَـى مَكَّةَ سَأَلَ أَهْلَهَا عَنْ سَيِّدِنَـا مُـحَمَّدٍ ﷺ فَاجْتَمَعَ بِهِ وَءَامَنَ بِهِ وَأَسْلَمَ (وَجَحَدَ بِنُبُوَّتِهِ) أَىْ أَنْـكَرَهَا (أَهْلُ الضَّلالِ الَّذِينَ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ مُشْرِكًا قَبْلًا كَفِرْقَةٍ مِنَ الْـيَهُودِ عَبَدَتْ عُزَيْرًا) وَهُوَ رَجُلٌ مِنَ الصَّالِـحِيـنَ تَلا الـتَّوْرَاةَ مِنْ حِفْظِهِ بَعْدَ أَنْ تَلِفَتْ نُسَخُهَا فَقَالَ بَعْضُ بَنِـى إِسْرَائِيلَ هَذَا ابْنُ اللَّـهِ فَكَـفَرُوا ثُـمَّ كَذَّبُوا عِيسَى وَمُـحَمَّدًا (فَازْدَادُوا كُـفْرًا إِلَـى كُـفْرِهِمْ وَءَامَنَ بِهِ) أَىْ بِـمُحَمَّدٍ (بَعْضُ أَهْلِ الْكِتَابِ الْيَهُودِ وَالـنَّصَارَى كَعَبْدِ اللَّـهِ بنِ سَلامٍ عَالِـمِ الْـيَهُودِ بِالْمَدِينَـةِ) وَهُوَ مِنَ الْمُبَشَّرِينَ بِالْـجَنَّةِ سَأَلَ النَّبِـىَّ ﷺ عَنْ أُمُورٍ لا يَعْرِفُهَا إِلَّا نَبِـىٌّ فَأَجَابَهُ عَنْهَا بِالْوَحْىِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّـهِ بنُ سَلامٍ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَــٰهَ إِلَّا اللَّـهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّـهِ (وَ)كَذَا ءَامَنَ بِهِ (أَصْحَمَةُ الـنَّجَاشِىُّ مَلِكُ الْـحَبَشَةِ وَكَانَ نَصْرَانِيًّا ثُـمَّ) أَسْلَمَ وَ(اتَّبَعَ الرَّسُولَ اتِّـبَاعًا كَامِلًا) فَصَارَ وَلِـيًّا مِنْ أَوْلِـيَاءِ اللَّـهِ (وَمَاتَ) فِـى الْـحَبَشَةِ (فِـى حَيَاةِ رَسُولِ اللَّـهِ ﷺ وَصَلَّى عَلَيْهِ الرَّسُولُ صَلاةَ الْغَائِبِ يَوْمَ مَاتَ أَوْحَى اللَّـهُ إِلَـيْهِ بِـمَوْتِهِ) فَقَالَ الرَّسُولُ ﷺ مَاتَ الْيَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَى أَخِيكُمْ أَصْحَمَةَ رَوَاهُ الْـبُخَارِىُّ (ثُـمَّ كَانَ يُرَى عَلَى قَبْـرِهِ فِـى اللَّيَالِـى نُورٌ) كَمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّـهُ عَنْهَا (وَهَذَا دَلِيلٌ أَنَّهُ صَارَ مُسْلِمًا كَامِلًا وَلِـيًّا مِنْ أَوْلِـيَاءِ اللَّـهِ رَضِىَ اللَّـهُ عَنْهُ).

     (وَالْمَبْدَأُ) أَىِ الأَسَاسُ (الإِسْلامِـىُّ الْـجَامِعُ لِـجَمِيعِ أَهْلِ الإِسْلامِ) مِنْ لَدُنْ ءَادَمَ إِلَـى يَوْمِ الْقِيَامَةِ هُوَ (عِبَادَةُ اللَّـهِ وَحْدَهُ) وَأَنْ لا يُشْرَكَ بِهِ شَىْءٌ وَإِيـمَانُ كُلٍّ مِنْهُمْ بِنَبِـىِّ عَصْرِهِ.

(حُكْمُ مَنْ يَدَّعِى الإِسْلامَ لَـفْظًا وَهُوَ مُنَاقِضٌ لِلإِسْلامِ مَعْنًـى)

     أَىْ هَذَا بَيَانُ حُكْمِ مَنْ يَدَّعِى الإِسْلامَ وَهُوَ مُـخَالِفٌ لِلإِسْلامِ فِـى الْـحَقِيقَةِ بِاعْتِقَادِ أَوْ قَوْلِ أَوْ فِعْلِ مَا يُنَافِيهِ.

     (هُنَاكَ طَوَائِفُ عَدِيدَةٌ) أَىْ فِرَقٌ مُتَعَدِّدَةٌ (كَذَّبَتِ الإِسْلامَ مَعْـنًـى) أَىْ حَقِيقَةً (وَلَوِ انْتَمَوْا لِلإِسْلامِ) أَىْ وَلَوْ كَانُوا يَنْتَسِبُونَ إِلَـى الإِسْلامِ (بِقَوْلِـهِمُ الشَّهَادَتَـيْـنِ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَــٰهَ إِلَّا اللَّـهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا رَسُولُ اللَّـهِ وَصَلَّوْا وَصَامُوا) أَىْ صُورَةً (لِأَنَّـهُمْ نَـاقَضُوا الشَّهَادَتَـيْـنِ بِاعْتِقَادِ مَا يُنَافِيهِمَا فَإِنَّـهُمْ خَرَجُوا مِنَ الـتَّوْحِيدِ) أَىِ الإِسْلامِ إِمَّا (بِعِبَادَتِـهِمْ لِغَـيْـرِ اللَّـهِ) أَوْ بِتَكْذِيبِهِمْ مَا أَنْزَلَهُ اللَّـهُ عَلَى نَبِيِّهِ ﷺ (فَهُمْ كُـفَّارٌ لَيْسُوا مُسْلِمِيـنَ كَالَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ أُلُوهِيَّةَ عَلِـىِّ بنِ أَبِـى طَالِبٍ) وَهُوَ الْـخَلِيفَةُ الرَّاشِدُ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّـهِ ﷺ (أَوْ) أُنَـاسٍ يَعْبُدُونَ (الْـخَضِرَ) وَهُوَ نَبِـىٌّ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ (أَوْ) أُنَاسٍ يَعْتَقِدُونَ الأُلُوهِيَّةَ لِلسُّلْطَانِ الْعُبَيْدِىِّ الْمَعْرُوفِ بِلَقَبِ (الْـحَاكِمِ بِأَمْرِ اللَّـهِ) الَّذِى ادَّعَى الأُلُوهِيَّةَ وَدَعَا النَّاسَ لِعِبَادَتِهِ (وَغَـيْـرِهِمْ أَوْ) أُنَاسٍ يَـأْتُونَ (بِـمَا فِـى حُكْمِ ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ) أَىْ يَـأْتُونَ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يُـخْرِجُهُمْ مِنَ الإِسْلامِ كَالْمُعْتَزِلَةِ الْقَائِلِيـنَ بِأَنَّ الْعَبْدَ يَـخْلُقُ أَفْعَالَهُ وَالْـحُلُولِـيَّةِ الْقَائِلِيـنَ بِأَنَّ اللَّـهَ يَـحُلُّ فِـى غَـيْـرِهِ وَأَهْلِ الْوَحْدَةِ الْمُطْـلَقَةِ الْقَائِلِيـنَ بِأَنَّ اللَّـهَ هُوَ الْعَالَـمُ وَإِنَّ أَفْرَادَ الْعَالَـمِ أَجْزَاءٌ مِنْهُ تَعَالَـى. 

     (وَحُكْمُ مَنْ يَـجْحَدُ) أَىْ يُنْكِرُ مَعْـنَـى (الشَّهَادَتَـيْـنِ) أَوْ إِحْدَاهُـمَا (التَّكْفِيـرُ قَطْعًا) أَىْ قَوْلًا وَاحِدًا بِلا خِلافٍ (وَمَأْوَاهُ) فِـى الآخِرَةِ (جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا أَبَدًا لا يَنْقَطِعُ فِـى الآخِرَةِ عَنْهُ الْعَذَابُ) وَلا يُـخَفَّفُ (إِلَـى مَا لا نِـهَايَةَ لَهُ وَمَا هُوَ بِـخَارِجٍ مِنَ الـنَّارِ) كَمَا قَالَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَـهُمْ سَعِيـرًا خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ وَقَالَ تَعَالَـى ﴿وَمَا هُمْ بِـخَارِجِيـنَ مِنَ الـنَّارِ﴾ وَعَلَى هَذَا أَهْلُ الإِسْلامِ قَاطِـبَةً وَخَالَفَ فِـى ذَلِكَ جَهْمُ بنُ صَفْوَانَ وَابْنُ تَيْمِيَةَ. وَكَفَّرَ ابْنُ تَيْمِيَةَ جَهْمًا لِقَوْلِهِ بِفَنَاءِ الْـجَنَّةِ وَالنَّارِ ثُـمَّ شَارَكَهُ فِـى نِصْفِ عَقِيدَتِهِ فَقَالَ إِنَّ الـنَّارَ تَفْنَـى لا يَبْقَى فِيهَا أَحَدٌ، ذَكَرَ ذَلِكَ فِـى رِسَالَةٍ لَهُ وَنَقَلَهُ عَنْهُ تِلْمِيذُهُ ابْنُ قَـيِّمِ الْـجَوْزِيَّـة فِـى كِتَابِهِ حَادِى الأَرْوَاحِ إِلَـى بِلادِ الأَفْرَاحِ.

     (وَمَنْ أَدَّى أَعْظَمَ حُقُوقِ اللَّـهِ) أَىْ أَدَّى أَعْظَمَ فَرْضٍ فَرَضَهُ اللَّـهُ عَلَى الْعِبَادِ (بِتَوْحِيدِهِ تَعَالَـى أَىْ تَرْكِ الإِشْرَاكِ بِهِ شَـيْئًا وَتَصْدِيقِ رَسُولِهِ ﷺ) أَىْ ءَامَنَ بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَاجْتَنَبَ الْكُـفْرَ فَإِنَّهُ (لا يَـخْلُدُ فِـى نَـارِ جَهَنَّمَ خُلُودًا أَبَدِيًّـا وَإِنْ دَخَلَهَا بِـمَعَاصِيهِ وَمَآلُهُ) أَىْ مَصِيـرُهُ (فِـى الـنِّهَايَةِ عَلَى أَىِّ حَالٍ كَانَ) هُوَ (الْـخُرُوجُ مِنَ الـنَّارِ وَدُخُولُ الْـجَنَّةِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ قَدْ نَـالَ الْعِقَابَ الَّذِى يَسْتَحِقُّ إِنْ لَـمْ يَعْفُ اللَّـهُ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ يَـخْرُجُ مِنَ الـنَّارِ مَنْ قَالَ لا إِلَــٰهَ إِلَّا اللَّـهُ وَفِـى قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيـمَانٍ رَوَاهُ الْـبُخَارِىُّ) أَىْ أَنَّ الْمُسْلِمَ مَهْمَا كَانَ إِيـمَانُهُ ضَعِيفًا طَالَمَا أَنَّ الإِيـمَانَ فِـى قَلْبِهِ فَلا بُدَّ أَنْ يَـخْرُجَ مِنَ الـنَّارِ إِنْ دَخَلَهَا بِـمَعَاصِيهِ.

     (وَأَمَّا الَّذِى قَامَ بِتَوْحِيدِهِ تَعَالَـى وَاجْتَنَبَ مَعَاصِيَهُ وَقَامَ بِأَوَامِرِهِ) أَىْ ءَامَنَ بِاللَّـهِ عَزَّ وَجَلَّ وَنَزَّهَهُ عَنْ مُشَابَـهَةِ خَلْقِهِ وَءَامَنَ بِنَبِيِّهِ مُـحَمَّدٍ ﷺ وَأَدَّى الْفَرَائِضَ وَاجْتَنَبَ الْمُحَرَّمَاتِ (فَيَدْخُلُ الْـجَنَّةَ بِلا عَذَابٍ حَيْثُ النَّعِيمُ الْمُقِيمُ الْـخَالِدُ) لا يَلْقَى فِيهَا جُوعًا وَلا عَطَشًا وَلا نَكَدًا (بِدِلالَةِ الْـحَدِيثِ الْقُدْسِىِّ الَّذِى رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ قَالَ اللَّـهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْدَدْتُ لِعِبَادِىَ الصَّالِـحِيـنَ مَا لا عَـيْـنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَـمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ) أَىْ أَنَّ اللَّـهَ عَزَّ وَجَلَّ أَعَدَّ لِعِبَادِهِ الصَّالِـحِيـنَ نَعِيمًا فِـى الْـجَنَّةِ لَـمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ الْـخَلْقِ وَلا سَـمِعَ بِهِ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ إِنْسَانٍ (وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ) رَضِىَ اللَّـهُ عَنْهُ بَعْدَ أَنْ رَوَى هَذَا الْـحَدِيثَ (اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ قَوْلَهُ تَعَالَـى ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَـهُم مِّنْ قُرَّةِ أَعْـيُـنٍ﴾) أَىْ مَا أُخْفِىَ لَـهُمْ مِنَ الـنَّعِيمِ الَّذِى تَقَرُّ بِهِ أَعْيُنُهُمْ أَىْ تَفْرَحُ بِهِ مِـمَّا لَـمْ يُطْلِعِ اللَّـهُ عَلَيْهِ مَلائِكَـتَهُ وَلا أَنْبِيَاءَهُ (﴿جَزَاءً بِـمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾) وَالْـحَدِيثُ (رَوَاهُ الْـبُخَارِىُّ فِـى الصَّحِيحِ).

(بَيَانُ أَقْسَامِ الْكُفْرِ)

     (وَاعْلَمْ يَا أَخِى الْمُسْلِمَ أَنَّ هُنَاكَ اعْتِقَادَاتٍ وَأَفْعَالًا وَأَقْوَالًا تَنْقُضُ الشَّهَادَتَيْـنِ) أَىْ تُـخَالِفُ مَعْـنَـى الشَّهَادَتَيْـنِ (وَتُوقِعُ فِـى الْكُـفْرِ لِأَنَّ الْكُـفْرَ ثَلاثَةُ أَنْوَاعٍ كُـفْرٌ اعْتِقَادِىٌّ) كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَـى ﴿إِنَّـمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ ثُـمَّ لَـمْ يَرْتَـابُوا﴾ أَىْ لَـمْ يَشُكُّوا (وَكُفْرٌ فِعْلِـىٌّ) كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَـى ﴿لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ﴾ (وَكُفْرٌ لَفْظِـىٌّ) كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَـى ﴿يَـحْلِفُونَ بِاللَّـهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ﴾ وَكُلٌّ مِنَ الأَنْوَاعِ الثَّلاثَةِ مُـخْرِجٌ مِنَ الإِسْلامِ بِـمُفْرَدِهِ مِنْ غَيْـرِ أَنْ يَنْضَمَّ إِلَيْهِ نَوْعٌ ءَاخَرُ (وَذَلِكَ بِاتِّـفَاقِ) الْعُلَمَاءِ مِنَ (الْمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ كَالـنَّوَوِىِّ وَابْنِ الْمُقْرِئِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَابْنِ عَابِدِينَ مِنَ الْـحَنَفِيَّةِ وَالْـبُهُوتِــىِّ مِنَ الْـحَنَابِلَةِ وَالشَّيْخِ مُـحَمَّدٍ عِلِّيشٍ مِنَ الْمَالِكِـيَّةِ وَغَيْـرِهِمْ فَلْيَنْظُرْهَا مَنْ شَاءَ وَكَذَلِكَ غَـيْـرُ عُلَمَاءِ الْمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ الْمَاضِيـنَ) قَاطِـبَةً (كَالأَوْزَاعِـىِّ فَإِنَّهُ كَانَ مُـجْتَهِدًا لَهُ مَذْهَبٌ كَانَ يُعْمَلُ بِهِ ثُـمَّ انْقَرَضَ أَتْبَاعُهُ).

     وَ(الْكُفْرُ الِاعْتِقَادِىُّ مَكَانُهُ الْقَلْبُ كَـنَفْىِ) أَىْ إِنْـكَارِ (صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّـهِ تَعَالَـى الْوَاجِبَةِ لَهُ إِجْـمَاعًا كَـوُجُودِهِ وَكَوْنِهِ قَادِرًا وَكَوْنِهِ سَـمِيعًا بَصِيـرًا) فَمَنْ نَفَى وُجُودَ اللَّـهِ بِقَلْبِهِ فَهُوَ كَافِرٌ وَكَذَلِكَ مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّـهَ غَـيْـرُ قَادِرٍ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَالَ الْـحَافِظُ ابْنُ الْـجَوْزِىِّ مَنْ نَفَى قُدْرَةَ اللَّـهِ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ كَافِرٌ بِالِاتِّـفَاقِ أَىْ بِلا خِلافٍ فَلا يُعْذَرُ أَحَدٌ فِـى الْـجَهْلِ بِقُدْرَةِ اللَّـهِ وَنَـحْوِهَا مِنْ صِفَاتِهِ الْوَاجِبَةِ لَهُ إِجْـمَاعًا مَهْمَا بَلَغَ الْـجَهْلُ بِصَاحِبِهِ. وَمِنَ الْكُـفْرِ اعْتِقَادُ أَنَّ اللَّـهَ جِسْمٌ كَثِيفٌ يُـجَسُّ بِالْـيَدِ كَالإِنْسَانِ أَوْ جِسْمٌ لَطِيفٌ لا يُـجَسُّ بِالْـيَدِ كَالْـهَوَاءِ (أَوِ اعْتِقَادُ أَنَّهُ) تَعَالَـى (نُورٌ بِـمَعْـنَـى الضَّوْءِ) لِأَنَّ الضَّوْءَ مَـخْلُوقٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَـى ﴿الْـحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِى خَلَقَ السَّمَــٰـوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّـلُمَاتِ وَالـنُّورَ﴾ أَمَّا إِذَا قَالَ قَائِلٌ اللَّـهُ نُورٌ بِـمَعْـنَـى الْـهَادِى فَلا يُعْتَـرَضُ عَلَيْهِ لِأَنَّ اللَّـهَ تَعَالَـى سَـمَّى نَفْسَهُ بِـهَذَا الِاسْمِ قَالَ تَعَالَـى ﴿اللَّـهُ نُورُ السَّمَــٰـوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ وَوَرَدَ هَذَا الِاسْمُ فِـى تَعْدَادِ أَسْـمَاءِ اللَّـهِ الْـحُسْنَـى عِنْدَ الْـبَيْهَقِـىِّ وَغَـيْـرِهِ. وَمِنَ الْكُفْرِ اعْتِقَادُ أَنَّ اللَّـهَ جِسْمٌ قَاعِدٌ فَوْقَ الْعَرْشِ (أَوْ أَنَّهُ رُوحٌ) أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَـى ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُّوحِنَا﴾ فَمَعْنَاهُ أَمَرْنَـا جِبْـرِيلَ أَنْ يَنْفُخَ فِـى مَرْيَـمَ الرُّوحَ الَّتِـى هِىَ مِلْكٌ لَنَا وَمُشَرَّفَةٌ عِنْدَنَا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّـهَ رُوحٌ لِأَنَّ الرُّوحَ جِسْمٌ لَطِيفٌ تَنَزَّهَ اللَّـهُ عَنْ ذَلِكَ (قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْغَنِـىِّ الـنَّابُلُسِىُّ) فِـى كِتَابِهِ الْفَتْحِ الرَّبَانِـىِّ (مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّـهَ) جِسْمٌ (مَلَأَ السَّمَــٰـوَاتِ وَالأَرْضَ أَوْ أَنَّهُ جِسْمٌ قَاعِدٌ فَوْقَ الْعَرْشِ فَهُوَ كَافِرٌ وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ).

     وَ(الْكُفْرُ الْفِعْلِـىُّ) يَـحْصُلُ بِالْـجَوَارِحِ أَىِ الأَعْضَاءِ (كَإِلْقَاءِ الْمُصْحَفِ) أَوْ أَوْرَاقِهِ (فِـى الْقَاذُورَاتِ) فَإِنَّ رَمْيَهُ فِـى الْقَاذُورَاتِ عَمْدًا كُفْرٌ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ (قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ) فِـى رَدِّ الْمُحْتَارِ (وَلَوْ لَـمْ يَقْصِدِ الِاسْتِخْفَافَ لِأَنَّ فِعْلَهُ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ). وَمِنَ الْكُفْرِ رَمْىُ كُـتُبِ الْـحَدِيثِ فِـى الْقَاذُورَاتِ (أَوْ أَوْرَاقِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّـةِ أَوْ أَىِّ وَرَقَةٍ عَلَيْهَا اسْمٌ مِنْ أَسْـمَاءِ اللَّـهِ تَعَالَـى مَعَ الْعِلْمِ بِوُجُودِ الِاسْمِ فِيهَا) أَمَّا رَمْىُ الِاسْمِ الَّذِى يُطْـلَقُ عَلَى اللَّـهِ وَيُطْلَقُ عَلَى غَـيْـرِهِ كَالرَّحِيمِ إِنْ لَـمْ يُقْصَدْ بِهِ اللَّـهُ فَلا يَكُونُ كُـفْرًا. (وَمَنْ عَلَّقَ شِعَارَ الْكُفْرِ عَلَى نَفْسِهِ) وَهُوَ مَا اتَّـخَذَهُ الْكُـفَّارُ عَلامَةً دِينِيَّةً خَاصَّةً بِـهِمْ (فَإِنْ كَانَ) عَلَّقَهُ (بِنِيَّةِ الـتَّبَـرُّكِ) أَىْ لِاعْتِقَادِ وُجُودِ الْـبَـرَكَةِ فِيهِ (أَوْ) عَلَّـقَهُ بِنِيَّةِ (الـتَّعْظِيمِ أَوِ الِاسْتِحْلالِ) أَىْ عَلَّقَهُ تَعْظِيمًا لَهُ أَوْ جَوَّزَ تَعْلِيقَهُ (مِنْ غَـيْـرِ ضَرُورَةٍ كَانَ) كَافِرًا (مُرْتَدًّا). وَكَذَا يَكْفُرُ مَنْ عَلَّقَ شِعَارَ الْكُفْرِ عَلَى نَفْسِهِ وَدَخَلَ مُـخْتَلِطًا مَعَ الْكُـفَّارِ مَعَابِدَهُمْ لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لا يَصْدُرُ إِلَّا مِنْ كَافِرٍ.

     وَ(الْكُفْرُ الْقَوْلِــىُّ) يَـحْصُلُ بِاللِّسَانِ (كَمَنْ يَشْتِمُ اللَّـهَ تَعَالَـى بِقَوْلِهِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّـهِ مِنَ الْكُفْرِ أُخْتَ رَبِّكَ أَوِ ابْنَ اللَّـهِ) وَ(يَقَعُ الْكُفْرُ هُنَا وَلَوْ لَـمْ يَعْتَـقِدْ أَنَّ لِلَّـهِ أُخْتًا أَوِ ابْنًا) وَكَذَلِكَ لَوْ زَعَمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ ابْنَ اللَّـهِ الْمَحْبُوبَ عِنْدَ اللَّـهِ فَإِنَّ هَذَا لا يُنْجِيهِ مِنَ الْكُـفْرِ لِأَنَّهُ كَذَّبَ الْقُرْءَانَ قَالَ اللَّـهُ تَعَالَـى ﴿لَـمْ يَلِدْ ولَـمْ يُولَدْ ولَـمْ يَكُنْ لَّهُ كُـفُوًا أَحَدٌ﴾ وَقَالَ تَعَالَـى ﴿وَقَالَتِ الْـيَهُودُ وَالـنَّصَارَى نَـحْنُ أَبْنَاءُ اللَّـهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِّـمَّنْ خَلَقَ﴾ وَقَدْ ثَبَتَ فِـى الْـحَدِيثِ الْـقُدْسِىِّ أَنَّ نِسْبَةَ الْوَلَدِ إِلَـى اللَّـهِ شَتْمٌ لِلَّـهِ قَالَ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ قَالَ اللَّـهُ تَعَالَـى شَتَمَنِـى ابْنُ ءَادَمَ وَلَـمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَفَسَّرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّـاىَ فَقَوْلُهُ اتَّـخَذَ اللَّـهُ وَلَدًا رَوَاهُ الْـبُخَارِىُّ.

     (وَلَوْ نَـادَى مُسْلِمٌ مُسْلِمًا ءَاخَرَ بِقَوْلِهِ يَـا كَافِرُ بِلا تَـأْوِيلٍ) أَىْ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ وَلا يَعْلَمُ عَنْهُ شَيْئًا يَعْتَقِدُهُ كُـفْرًا فَقَالَ لَهُ يَا كَافِرُ مُرِيدًا أَنَّ مَا عَلَيْهِ هَذَا الْمُسْلِمُ مِنَ الدِّينِ كُـفْرٌ (كَـفَرَ الْقَائِلُ لِأَنَّهُ سَـمَّى الإِسْلامَ كُـفْرًا) وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّـهِ ﷺ قَالَ إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَخِيهِ يَـا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِـهَا أَحَدُهُـمَا (أَىْ كَانَ الْوِزْرُ عَلَى أَحَدِهِـمَا) فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ (أَىْ إِنْ كَانَ كَافِرًا حَقِيقَةً خَارِجًا مِنَ الإِسْلامِ فَالْوِزْرُ عَلَيْهِ دُونَ مَنْ كَـفَّرَهُ) وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ (أَىْ وَإِلَّا كَانَ الْوِزْرُ عَلَى مَنْ كَـفَّرَهُ بِغَـيْـرِ حَقٍّ فَإِمَّا أَنْ يَقَعَ فِـى ذَنْبٍ كَبِيـرٍ لِأَنَّهُ كَفَّرَهُ مُتَأَوِّلًا أَىِ اسْتَـبْشَعَ شَـيْئًا نَـهَى الشَّرْعُ عَنْهُ مِـمَّا هُوَ دُونَ الْكُـفْرِ اسْتِبْشَاعًا شَدِيدًا كَشُرْبِ الْـخَمْرِ أَوِ الزِّنَـى أَوِ الِانْتِحَارِ فَظَنَّ لِـجَهْلِهِ أَنَّهُ كُـفْرٌ فَـكَفَّرَهُ لِـحُصُولِ ذَلِكَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ يَكْفُرَ بِـهَذَا الْقَوْلِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الإِسْلامَ الَّذِى عَلَيْهِ هَذَا الشَّخْصُ الْمُسْلِمُ كُـفْرًا). (وَ)كَذَلِكَ (يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ لِلْمُسْلِمِ يَا يَهُودِىُّ أَوْ أَمْثَالَـهَا مِنَ الْعِبَارَاتِ بِنِيَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِـمُسْلِمٍ إِلَّا إِذَا قَصَدَ أَنَّهُ يُشْبِهُ الْـيَهُودَ) لِكَوْنِهِ مَثَلًا يُعَامِلُ الـنَّاسَ بِالرِّبَـا (فَلا يَكْفُرُ) لَكِنْ عَلَيْهِ ذَنْبٌ كَبِيـرٌ بِـخِلافِ مَا لَوْ قَالَ أَنَـا كَافِرٌ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ وَلا تَـأْوِيلَ لِكَلامِهِ.

     (وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ أَحَبُّ إِلَـىَّ مِنَ اللَّـهِ) كَفَرَ الْقَائِلُ لِأَنَّهُ اسْتَخَفَّ بِاللَّـهِ فَاللَّـهُ تَعَالَـى تَـجِبُ مَـحَبَّتُهُ أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ (أَوْ) قَالَ لَـهَا (أَعْبُدُكِ كَفَرَ إِنْ كَانَ يَفْهَمُ مِنْهَا الْعِبَادَةَ الَّتِـى هِىَ خَاصَّةٌ لِلَّـهِ تَعَالَـى) أَمَّا إِنْ كَانَ يَظُنُّ مِنْ شِدَّةِ جَهْلِهِ أَنَّ مَعْنَى أَعْبُدُكِ أُحِبُّكِ مَـحَبَّةً شَدِيدَةً فَلا يَكْفُرُ.

      (وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِشَخْصٍ ءَاخَرَ) بِالْعَامِيَّةِ (وَالْعِيَاذُ بِاللَّـهِ يلْعَنْ رَبَّـكَ) بِـمَعْـنَـى أَلْعَنُ رَبَّـكَ (كَفَرَ) الْقَائِلُ (وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ لِلْمُسْلِمِ يلْعَنْ دِينَكَ) بِـمَعْـنَـى أَلْعَنُ دِينَكَ يَقْصِدُ بِذَلِكَ دِينَ الإِسْلامِ. (قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِنْ قَصَدَ سِيـرَتَهُ) أَىْ عَادَاتِهِ وَأَخْلاقَهُ الْـخَبِيثَـةَ (فَلا يَكْفُرُ) لِأَنَّ لَفْظَ الدِّينِ يَـأْتِـى بِـمَعْـنَـى السِّيـرَةِ (قَالَ بَعْضُ الْـحَنَفِيَّةِ يَكْفُرُ إِنْ أَطْلَقَ أَىْ إِنْ لَـمْ يَقْصِدْ سِيـرَتَهُ وَلا قَصَدَ دِينَ الإِسْلامِ) لِأَنَّ الإِطْلاقَ يُـحْمَلُ عِنْدَ فَقْدِ الْقَرِينَةِ أَىِ الدَّلِيلِ عَلَى الْمَعْـنَـى الْمُتَبَادِرِ وَهُوَ الِاعْتِقَادُ.

     (وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّـهِ فُلانٌ زَاحَ رَبِّـى لِأَنَّ هَذَا فِيهِ نِسْبَةُ الْـحَرَكَةِ) وَالِانْتِقَالِ (وَالْمَكَانِ لِلَّـهِ) وَكَذَا يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ وَيَفْهَمُ مِنْهَا نِسْبَةَ الِانْزِعَاجِ إِلَـى اللَّـهِ.

     (وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ) بِالْعَامِيَّةِ (وَالْعِيَاذُ بِاللَّـهِ قَدْ اللَّـه يَقْصِدُ الْمُمَاثَلَةَ) فِـى الْـحَجْمِ أَوِ الْمَنْزِلَةِ (وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ نَسَبَ إِلَـى اللَّـهِ جَارِحَةً مِنَ الْـجَوَارِحِ) أَىِ الأَعْضَاءِ كَالأُذُنِ وَالْفَمِ.

     (وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ أَنَا رَبُّ مَنْ عَمِلَ كَذَا) أَوْ أَنَا رَبُّ الـنَّجَّارِينَ لِأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ رَبًّـا لِلْعِبَادِ فَلا مَعْنَـى لَهُ إِلَّا أَنَّهُ خَالِقُهُمْ بِـخِلافِ مَا لَوْ قَالَ أَنَـا رَبُّ النـِّجَارَةِ بِـمَعْنَـى أَنِّـى خَبِيـرٌ بِـهَا فَإِنَّهُ جَائِزٌ. وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ يَـمْلِكُ شَيْئًا كَدَابَّـةٍ فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فُلانٌ رَبُّ هَذِهِ الدَّابَّـةِ بِـمَعْنَـى مَالِكِهَا كَمَا جَاءَ فِـى الْـحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِى أَخْرَجَهُ ابْنُ شَاهِيـنَ فِـى دَلائِلِ الـنُّبُوَّةِ أَنَّ الرَّسُولَ ﷺ قَالَ مَنْ رَبُّ هَذَا الْـجَمَلِ فَجَاءَ فَتًـى مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ هَذَا لِــى فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ أَلا تَتَّـقِى اللَّـهَ فِـى هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِـى مَلَّكَكَ اللَّـهُ إِيَّـاهَا فَإِنَّهُ شَكَا إِلَـىَّ أَنَّكَ تُـجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ أَىْ تُتْعِبُهُ. وَكَذَلِكَ الْعَبِيدُ الْمَمْلُوكُونَ وَالإِمَاءُ الْمَمْلُوكَاتُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فُلانٌ رَبُّ هَؤُلاءِ الْعَبِيدِ وَرَبُّ هَؤُلاءِ الإِمَاءِ بِـمَعْـنَـى مَالِكِهِمْ أَمَّا قَوْلُ فُلانٌ رَبُّ الْعَائِلَةِ أَوْ رَبُّ الأُسْرَةِ فَهُوَ قَبِيحٌ لا يَـجُوزُ لِأَنَّهُ لا يَـمْلِكُهُمْ لَكِنْ مَنْ قَالَ فُلانٌ رَبُّ الْعَائِلَةِ أَوْ رَبُّ الأُسْرَةِ وَيَظُنُّ أَنَّـهَا تُطْـلَقُ عَلَى مَنْ يَكْفِى عِيَـالَهُ حَاجَاتِـهِمْ فَلا نُكَـفِّرُهُ بَلْ نَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ. أَمَّا الـتَّعْبِيـرُ الصَّحِيحُ فَهُوَ أَنْ يُقَالَ فُلانٌ صَاحِبُ الْعِيَالِ أَوْ مُعِيلُ الْعِيَالِ لِأَنَّ الأُسْرَةَ هُمْ أَقَارِبُ الرَّجُلِ الذُّكُورُ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ. وَأَمَّا الرَّبُّ بِالأَلِفِ وَاللَّامِ فَهُوَ مِنَ الأَسْـمَاءِ الْـخَاصَّةِ بِاللَّـهِ قَالَ ابْنُ مَنْظُورٍ فِـى لِسَانِ الْعَرَبِ وَلا يُقَالُ الرَّبُّ فِـى غَـيْـرِ اللَّـهِ إِلَّا بِالإِضَافَةِ أَىْ مَعَ قَيْدٍ كَقَوْلِ فُلانٌ رَبُّ الْـبَيْتِ أَىْ مَالِكُ الْـبَيْتِ.

     (وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ) يَقُولُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّـهِ فُلانٌ جَنَّنَ رَبِّـى أَوْ هَلَكَ رَبِّـى أَوْ (يَقُولُ) بِالْعَامِيَّةِ (وَالْعِيَاذُ بِاللَّـهِ) فُلانٌ (خَوَتْ رَبِّـى) أَىْ جَنَّنَهُ (أَوْ قَالَ لِلْكَافِرِ اللَّـهُ يُكْرِمُكَ بِقَصْدِ أَنْ يُـحِبَّهُ اللَّـهُ كَفَرَ لِأَنَّ اللَّـهَ تَعَالَـى لا يُـحِبُّ الْكَافِرِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَـى ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّـهَ لا يُـحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ أَىْ لا يُـحِبُّ اللَّـهُ مَنْ أَعْرَضَ عَنِ الإِيـمَانِ بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ لِكُفْرِهِمْ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ لِكَافِرٍ اللَّـهُ يُكْرِمُكَ وَلا يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّـهَ يُـحِبُّهُ بَلْ أَرَادَ الدُّعَاءَ لَهُ بِالـتَّوْسِعَةِ فِـى الرِّزْقِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ لِأَنَّ مَعْـنَـى أَكْـرَمَهُ اللَّـهُ فِـى اللُّغَةِ وَسَّعَ عَلَيْهِ الرِّزْقَ.

     وَاعْلَمْ أَنَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ لِلْكَافِرِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَـفَرَ لِأَنَّهُ كَذَّبَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ قَالَ اللَّـهُ تَعَالَـى ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَـفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّـهِ ثُـمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُـفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّـهُ لَـهُمْ﴾ وَقَالَ تَعَالَـى ﴿مَا كَانَ لِلنَّبـِىِّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِيـنَ وَلَوْ كَانُوا أُولِـى قُرْبَـى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّـنَ لَـهُمْ أَنَّـهُمْ أَصْحَابُ الْـجَحِيمِ﴾ وَقَالَ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ إِنَّ اللَّـهَ لَيَغْفِرُ لِعَبْدِهِ مَا لَـمْ يَقَعِ الْـحِجَابُ قَالُوا وَمَا وُقُوعُ الْـحِجَابِ يَـا رَسُولَ اللَّـهِ قَالَ أَنْ تَـمُوتَ الـنَّفْسُ وَهِىَ مُشْرِكَةٌ رَوَاهُ أَحْـمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ. (وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ لِلْكَافِرِ) الْـحَىِّ (اللَّـهُ يَغْفِرُ لَكَ) أَىْ (إِنْ) قَالَ ذَلِكَ وَ(قَصَدَ أَنَّ اللَّـهَ تَعَالَـى يَغْفِرُ لَهُ وَهُوَ) مُسْتَمِرٌّ (عَلَى كُفْرِهِ إِلَـى الْمَوْتِ) كَفَرَ الْقَائِلُ لِأَنَّهُ كَذَّبَ قَوْلَ اللَّـهِ تَعَالَـى ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَـمْ يَكُنِ اللَّـهُ لِـيَغْفِرَ لَـهُمْ﴾ أَمَّا مَنْ قَالَ لِكَافِرٍ حَىٍّ اللَّـهُ يَغْفِرُ لَكَ وَقَصَدَ أَنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ لَهُ بِدُخُولِهِ فِـى الإِسْلامِ فَلا يَكْفُرُ. وَلا يَـجُوزُ الْقَوْلُ لِكَافِرٍ حَىٍّ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَلَوْ كَانَ بِقَصْدِ أَنْ يَغْفِرَ اللَّـهُ لَهُ بِدُخُولِهِ فِى الإِسْلامِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ يُوهِـمُهُ أَنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ لَهُ وَهُوَ كَافِرٌ. وَيَـجُوزُ الْقَوْلُ لِلْكَافِرِ الْـحَىِّ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ بِالإِسْلامِ أَمَّا الـنَّبِـىُّ ﷺ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقُولَ لِكَافِرٍ حَىٍّ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ أَىْ بِدُخُولِهِ فِـى الإِسْلامِ فَقَدْ قَالَ الـنَّبِـىُّ ﷺ لِعَمِّهِ أَبِـى طَالِبٍ لَأَسْتَغْـفِرَنَّ لَكَ مَا لَـمْ أُنْهَ عَنْكَ مَعْنَاهُ لَأَطْلُبَـنَّ مِنَ اللَّـهِ أَنْ يَغْفِرَ لَكَ بِدُخُولِكَ فِـى الإِسْلامِ مَا لَـمْ تَـمُتْ كَافِرًا لِأَنَّ الرَّسُولَ مَنْهِىٌّ عَنِ الِاسْتِغْفَارِ لِمَنْ مَاتَ عَلَى غَـيْـرِ الإِسْلامِ. (وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ قَالَ لِمَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ اللَّـهُ يَرْحَـمُهُ بِقَصْدِ أَنْ يُرِيـحَهُ) اللَّـهُ (فِـى قَـبْـرِهِ لا بِقَصْدِ أَنْ يُـخَفَّفَ عَنْهُ عَذَابُ الْقَـبْـرِ مِنْ غَـيْـرِ أَنْ يَنَالَ رَاحَةً فَإِنَّهُ إِنْ قَالَ ذَلِكَ بِـهَذَا الْقَصْدِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لا يَكْفُرُ) أَىْ إِنْ قَالَ ذَلِكَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّـهَا تَعْنِـى الـتَّخْفِيفَ عَنْهُ فِـى الْقَـبْـرِ لا أَنَّهُ يَرْتَاحُ كَمَا يَرْتَـاحُ الْمُسْلِمُ فَلا يَكْفُرُ.

      (وَيَكْفُرُ مَنْ يَسْتَعْمِلُ كَلِمَةَ الْـخَلْقِ مُضَافَةً لِلنَّاسِ فِـى الْمَوْضِعِ الَّذِى تَكُونُ فِيهِ بِـمَعْـنَـى الإِبْرَازِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَـى الْوُجُودِ كَأَنْ يَقُولَ لِشَخْصٍ اخْلُقْ لِـى كَذَا كَمَا خَلَقَكَ اللَّـهُ) لِأَنَّ الْـخَلْقَ بِـمَعْـنَـى الإِبْرَازِ مِنَ الْعَدَمِ لا يُطْلَقُ إِلَّا عَلَى اللَّـهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْـخَلْقَ فِـى لُغَةِ الْعَرَبِ لَهُ خَـمْسَةُ مَعَانٍ أَحَدُهَا الإِبْرَازُ مِنَ الْعَدَمِ إِلَـى الْوُجُودِ وَلا يُطْلَقُ بِـهَذَا الْمَعْـنَـى إِلَّا عَلَى اللَّـهِ، أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَـى ﴿فَتَبَارَكَ اللَّـهُ أَحْسَنُ الْـخَالِقِيـنَ﴾ فَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّـهَ أَحْسَنُ الْمُقَدِّرِينَ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ لا يُـخْطِـئُ وَلا يَتَغَـيَّـرُ أَمَّا تَقْدِيرُ غَـيْـرِهِ فَيَجُوزُ عَلَيْهِ الْـخَطَأُ وَالـتَّغَــيُّـرُ فَيُطْلَقُ الْـخَلْقُ عَلَى غَيْـرِ اللَّـهِ بِـمَعْنَـى الـتَّقْدِيرِ. وَيَأْتِــى الْـخَلْقُ بِـمَعْنَـى الـتَّصْوِيرِ كَمَا فِـى قَوْلِ اللَّـهِ تَعَالَـى ﴿وَإِذْ تَـخْلُقُ مِنَ الطِّيـنِ كَهَـيْئَةِ الطَّـيْـرِ﴾ أَىْ كَانَ سَيِّدُنَـا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ يُصَوِّرُ مِنَ الطِّيـنِ صُورَةَ خُفَّاشٍ ثُـمَّ يَـخْلُقُ اللَّـهُ فِيهَا الرُّوحَ فَتَطِيـرُ حَتَّـى تَغِيبَ عَنْ أَنْظَارِ الـنَّاسِ ثُـمَّ تَقَعُ مَيْتَةً وَهَذِهِ مِنْ جُـمْلَةِ مُعْجِزَاتِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلامُ. وَيُطْلَقُ الْـخَلْقُ بِـمَعْـنَـى افْتِـرَاءِ الْكَذِبِ وَهَذَا لا يُضَافُ إِلَّا إِلَـى الْعَبْدِ قَالَ تَعَالَـى ﴿وَتَـخْلُقُونَ إِفْكًا﴾ أَىْ تَفْتَـرُونَ الْكَذِبَ فَنَسَبَ إِلَـى الْمُشْرِكِيـنَ خَلْقَ الإِفْكِ أَىِ افْتِـرَاءَهُ. وَيُطْلَقُ الْـخَلْقُ بِـمَعْنَـى سَوَّى وَمَلَّسَ فَيُقَالُ فِـى اللُّغَةِ خَلَقْتُ هَذَا الْـخَشَبَ كُـرْسِيًّا أَىْ سَوَّيْتُهُ أَمْلَسَ بِـحَيْثُ يَصْلُحُ لِلْجُلُوسِ عَلَيْهِ.

     (وَيَكْفُرُ مَنْ يَشْتِمُ) مَلَكَ الْمَوْتِ (عَزْرَائِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ كَمَا قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ) الْمَالِكِـىُّ (فِـى تَـبْصِرَةِ الْـحُكَّامِ أَوْ أَىَّ مَلَكٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ عَلَـيْهِمُ السَّلامُ) كَجِبْـرِيلَ وَمِيكَائِيلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَـى ﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّـهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْـرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّـهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ﴾. وَكَذَا يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ لَوْ شَهِدَ عِنْدِى الْمَلائِكَةُ بِكَذَا مَا قَبِلْتُهُمْ أَىْ مَا صَدَّقْتُهُمْ لِأَنَّهُ استَخَفَّ بِـهِمْ وَطَعَنَ فِـى صِدْقِهِمْ وَأَمَانَتِهِمْ أَوْ يَقُولُ أَنَـا بَرِىءٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَىْ لا أُعَظِّمُ الْمْلَائِكَةَ الَّذِينَ كَـرَّمَهُمُ اللَّـهُ وَعَظَّمَهُمْ. وَكَذَا يَكْفُرُ مَنْ يَنْسُبُ الْـخِيَانَةَ إِلَـى الْمَلَكِ جِبْـرِيلَ عَلَيهِ السَّلامُ كَأَنْ يَقُولَ إِنَّ جِبْـرِيلَ أُمِرَ بِالـنُّزُولِ بِالْوَحْىِ عَلَى عَلِـىٍّ لَكِنَّهُ أَخْطَأَ فَـنَـزَلَ عَلَى مُـحَمَّدٍ ﷺ.

     (وَكَذَلِكَ) يَكْفُرُ (مَنْ يَقُولُ أَنَـا عَايِفْ اللَّـه أَىْ كَرِهْتُ اللَّـهَ وَ)كَذَا (يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ اللَّـهُ لا يَتَحَمَّلُ فُلانًا إِذَا فَهِمَ) مِنْهَا (الْعَجْزَ) أَىْ نِسْبَةَ الْعَجْزِ إِلَـى اللَّـهِ (أَوْ أَنَّ اللَّـهَ يَنْزَعِجُ مِنْهُ أَمَّا إِذَا كَانَ يَفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ أَنَّ اللَّـهَ يَكْرَهُهُ) لِفِسْقِهِ (فَلا يَكْفُرُ) لَكِنْ يَـجِبُ نَـهْيُهُ عَنْهَا.

     (وَيَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ) بِالْعَامِيَّةِ (يلْعَنْ سَـمَاءَ رَبِّكَ لِأَنَّهُ اسْتَخَفَّ بِاللَّـهِ تَعَالَـى) فَإِنَّ مَنْ يَتَلَـفَّظُ بِـهَذِهِ الْكَلِمَةِ يُرِيدُ بِـهَا لَعْنَ الْـخَالِقِ وَكَذَا يَكْفُرُ إِنْ قَصَدَ سَبَّ السَّمَاءِ الَّتِـى هِىَ مَسْكَنُ الْمَلائِكَةِ لِأَنَّ اللَّـهَ عَظَّمَ شَأْنَـهَا وَجَعَلَهَا قِـبْلَةَ الدُّعَاءِ وَمَهْبِطَ الرَّحَـمَاتِ وَالْبَـرَكَاتِ.

     (وَكَذَلِكَ) يَكْفُرُ (مَنْ يُسَمِّى الْمَعَابِدَ الدِّينِيَّةَ لِلْكُفَّارِ بُيُوتَ اللَّـهِ) لِأَنَّـهَا أَمَاكِنُ بُنِيَتْ لِلشِّرْكِ وَالْكُفْرِ فَلا تَكُونُ مُعَظَّمَةً عِنْدَ اللَّـهِ (وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَـى ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللَّـهِ الـنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّـهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ﴾ فَالْمُرَادُ بِهِ) أَنَّ اللَّـهَ جَعَلَ الْـحُكَّامَ يَدْفَعُونَ الأَذَى وَالضَّرَرَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ فَصَارَ بِـهِمُ الأَمَانُ وَلَوْلاهُمْ لَـهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَسَاجِدُ. وَالصَّوَامِعُ وَالْبِيَعُ وَالصَّلَوَاتُ هِىَ (مَعَابِدُ الْـيَهُودِ وَالـنَّصَارَى لَمَّا كَانُوا عَلَى الإِسْلامِ لِأَنَّـهَا كَمَسَاجِدِ أُمَّةِ مُـحَمَّدٍ) ﷺ (حَيْثُ إِنَّ الْكُلَّ بُنِـىَ لِـتَوْحِيدِ اللَّـهِ وَتَـمْجِيدِهِ) أَىْ تَعْظِيمِهِ (لا لِعِبَادَةِ غَيْـرِ اللَّـهِ فَقَدْ سَـمَّى اللَّـهُ الْمَسْجِدَ الأَقْصَى مَسْجِدًا وَهُوَ لَـيْسَ مِنْ بِنَاءِ أُمَّةِ مُـحَمَّدٍ) بَلْ بَنَاهُ سَيِّدُنَا ءَادَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ (فَلْيَتَّـقِ اللَّـهَ امْرُؤٌ وَلْـيَحْذَرْ أَنْ يُسَمِّىَ مَا بُنِـىَ لِلشِّرْكِ بُيُوتَ اللَّـهِ وَمَنْ لَـمْ يَتَّـقِ اللَّـهَ قَالَ مَا شَاءَ) ثُـمَّ وَجَدَ عَاقِـبَةَ قَوْلِهِ فِـى الآخِرَةِ إِنْ لَـمْ يَتُبْ. أَمَّا الْـيَهُودُ فَقَدْ سُـمُّوا بِـهَذَا الِاسْمِ لِأَنَّ الَّذِينَ عَـبَدُوا الْعِجْلَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى بَعْدَ أَنْ تَـابُوا أَىْ رَجَعُوا إِلَـى الإِسْلامِ قَالُوا ﴿إِنَّـا هُدْنَـا إِلَـيْكَ﴾ وَقِيلَ سُـمُّوا يَهُودًا لِـتَهَوِّدِهِمْ أَىْ لِـتَـمَايُلِهِمْ عِنْدَ قِرَاءَةِ الـتَّوْرَاةِ ثُـمَّ بَعْدَ أَنْ كَفَرُوا بِتَكْذِيبِهِمْ لِسَيِّدِنَا عِيسَى بَـقِىَ هَذَا الِاسْمُ عَلَيْهِمْ. أَمَّا الـنَّصَارَى فَسُمُّوا بِاسْمِ أَرْضٍ يُقَالُ لَـهَا نَـاصِرَة فِـى فِلَسْطِيـنَ، نُسِبُوا إِلَـى تِلْكَ الأَرْضِ. وَالـنَّصَارَى بَعْدَ أَنْ كَـفَرُوا بِتَكْذِيبِهِمْ لِسَيِّدِنَـا مُـحَمَّدٍ بَـقِىَ هَذَا الِاسْمُ عَلَيْهِمْ قَالَ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ مَا مِنْ يَهُودِىٍّ أَوْ نَصْرَانِـىٍّ يَسْمَعُ بِـى ثُـمَّ لا يُؤْمِنُ بِـى وَبِـمَا جِئْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الـنَّارِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَـى ﴿إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالـنَّصَارَى وَالصَّابِئِيـنَ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِـحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّـهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَـحْزَنُونَفَلا يَعْنِـى الْيَهُودَ الَّذِينَ كَـفَرُوا بِعِيسَى وَبِـمـُحَمَّدٍ وَلا يَعْنِـى الـنَّصَارَى الَّذِينَ يَعْبُدُونَ عِيسَى ولا الصَّابِئِيـنَ بَعْدَ أَنْ عَـبَدُوا الْكَوَاكِبَ إِنَّـمَا يَعْنِـى مَنْ كَانَ مِنْ هَؤُلاءِ عَلَى الإِسْلامِ وَاتَّقَى اللَّـهَ تَعَالَـى، فَهَؤُلاءِ كَأُمَّةِ مُـحَمَّدٍ، مَنْ كَانَ تَـقِيًّا لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَـحْزَنُونَ فِـى الآخِرَةِ. أَمَّا الصَّابِئُونَ فَهُمْ قَوْمٌ أَقْدَمُ مِنَ الْـيَهُودِ وَالـنَّصَارَى، كَانُوا مُسْلِمِينَ ثُـمَّ انْـحَرَفُوا فَصَارُوا كَافِرِينَ.

لِمُشَاهَدَةِ الدَّرْسِ: https://youtu.be/VqFDjw2T_eM

لِلِاسْتِمَاعِ إِلَى الدَّرْسِ:    https://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/sirat-1

الموقع الرسمي للشيخ جيل صادق: https://shaykhgillessadek.com