الحمدُ لله حمدًا يرضاه لذاتِه والصلاة والسلام على سيدِ مخلوقاته ورضي اللهُ عن الصحابة والآل وأتباعِهم من أهل الشرع والحال والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
اللهم صلِّ صلاةً كاملة وسلِّم سلامًا تامًّا على سيدِنا محمدٍ الذي تنحلُّ به العقد وتنفرجُ به الكرب وتُقضى به الحوائج وتُنالُ به الرغائب وحُسنُ الخواتيم ويستسقى الغمامُ بوجهِه الكريم وعلى آله وصحبه وسلِّم
اللهم اجعل نيّاتِنا وأعمالَنا خالصةً لوجهِك الكريم
أخلصوا نياتِكم لله ربِّ العالمين
يقول صاحبُ كرامةِ تقبيلِ اليمين من سيدِ الأنبياءِ والمرسلين، يقولُ الإمام الكبيرُ أحمدُ الرفاعيّ الكبير في مقالاتِه في برهانِه المؤيد
“أي سادة، الزهدُ أولُ قدَمِ القاصدينَ إلى اللهِ عز وجل وأساسُه التقوى وهي خوفُ الله رأسُ الحكمة”
يقولُ الشيخ يعقوب وقد سُئلَ عن أورادِ سيدي أحمد الرفاعي لنُبيِّنَ كيف حالُ السيدِ أحمدُ الرفاعي وهو يعلِّمُنا معنى التقوى ومعنى الخوفِ من الله ومعنى الزهد وأنّ الحكمةَ في ذلك
فقال: كان يصلي أربع ركعات بألفِ قل هو اللهُ أحد.
مِن جملةِ ما كان من شأنِ الإمامِ أحمدَ الرفاعي رضي الله عنه يصلي أربعَ ركعات لله تعالى، في هذه الركعات بعد الفاتحة يقرأُ قل هو اللهُ أحد ألفَ مرةٍ يكرِّرُها
لماذا قل هو اللهُ أحد؟ لماذا سورة الإخلاص بكلّ هذا العدد؟
لأنّ سورةَ الإخلاص كما جاء في الخبر عن سيدِ البشر رسولِ الله صلى الله عليه وسلم “والذي نفسي بيدِه إنها لَتعْدِلُ ثلُثَ القرآن”
الذي يقرأُها مرةً واحدةً بنيةٍ خالصةٍ للهِ عز وجل له ثوابٌ يشبهُ ثوابَ الذي قرأَ ثلثَ القرآن وأيُّنا يُطيقُ ذلك؟
يروي الإمامُ البيهقي أنّ جماعةً من اليهود جاءوا إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وسألوه لكنْ كان سؤالُهم عنادًا تعَنُّتًا لا استرْشادًا قالوا: يا محمد صفْ لنا ربَّك الذي تعبدُ، أنزلَ اللهُ تعالى على رسولِه صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم، قل هو اللهُ أحد اللهُ الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفُوًا أحد
فقال عليه الصلاة والسلام “هذه صفةُ ربي عز وجل”
سورةُ الإخلاص كان لها هذه الفضيلة الكبيرة لما فيها من معاني توحيدِ الله عز وجل مِن بيانِ صفةِ اللهِ تبارك وتعالى.
فإنّ المذهبَ الحقَّ الذي نصَّ عليه إمامُ أهلِ السنةِ والجماعة أبو الحسن الأشعريّ نقلَه عنه الإمامُ أبو بكر بنُ فورَك والإمام الباقلّانيّ وما وصفَ اللهُ به نفسَه وصَفْناه وما لا فلا، ما أطلقَهُ اللهُ على نفسِه نُطلِقُه لله على ما يليقُ بالله عز وجل بلا كيف بلا تشبيه بلا تمثيل كما كان يقولُ إمامُنا الشافعيُّ رضي الله عنه “آمنتُ بما جاء عن الله على مرادِ الله وبما جاء عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم على مرادِ رسولِ الله”
في هذه السورةِ الكريمة {قل هو اللهُ أحد}[الإخلاص/١] الأحد قال بعضُهم بمعنى الواحد، الواحدُ في حقّ الله هو الواحدُ في ذاتِه الواحدُ في صفاتِه الواحدُ في فعلِه.
فذاتُ اللهِ أزليٌّ أبديّ لا يشبهُ المخلوقات وفعلُ الله أزليٌّ أبديّ لا يشبهُ فعلَ المخلوقات وصفاتُ الله أزليةٌ أبدية ليست كصفاتِ المخلوقات
فاللهُ سبحانه وتعالى واحدٌ لا مِن طريقِ العدد ولكنْ من طريقِ أنه لا شريك له ولا شبيه له، كما قال الإمامُ أبو حنيفةَ النعمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
وقيل الأحد الذي لا يقبلُ الانقسامَ أي ليس جسمًا لأنّ اللهَ عز وجلَّ ليس بجسم، هذه المعاني عندما نقرأُ سورةَ الإخلاص ما أعظمَ أنْ نسْتَحضِرَها، اللهُ ليس جسمًا اللهُ هو الذي خلق الأجسام، الله ليس كمثلِه شىء وهو السميعُ البصير
إنْ قرأنا سورة الإخلاص ونحن نستحضرُ هذه المعاني كم سنجدُ في قلوبِنا من اللذة؟ سنجدُ في ذلك قطعًا لوساوسِ الشيطان وسنجدُ لذةً وتقويةً لنا على طاعةِ الله سبحانه وتعالى مع ما في ذلك مِن عظيمِ الأجرِ والثوابِ من الله تبارك وتعالى.
{قل هو اللهُ أحد* اللهُ الصمد}[الإخلاص/١-٢] يَفتقرُ إليه سبحانه وتعالى خلقُه، كلُّ ما سواه يفتقرُ إليه لأنّ الله هو الخالق وهو سبحانه غنيٌّ عن المخلوق
{قل هو اللهُ أحد* اللهُ الصمد* لم يلد ولم يولَد}[الإخلاص/١-٣] نفيٌ للماديةِ والانحلال فاللهُ موجودٌ بلا مكان اللهُ تعالى لا يحُلُّ في شىءٍ من خلقِه ولا ينحلُّ منه شىء ولا يحُلُّ هو في شىء مَن قال بالحلول فدينُه معلول وما قال بالاتحادِ إلا أهلُ الإلحاد، هكذا قال الإمامُ الزاهدُ العالمُ الصوفيُّ الكبير مُحيِى الدينِ بنُ عربيّ رضي الله تعالى عنه.
{ولم يكن له كفُوًا أحد}[الإخلاص/٤] أي الذي لا يشبهُ خلقَه كما قال سيدي أحمدُ بنُ حنبل رضي الله عنه “مهما تصورتَ ببالك فاللهُ بخلافِ ذلك”.
هذا معنى سورة الإخلاص وفيه بيانُ صفة الله عز وجل، فانظروا كم كانت لذةُ الإمامِ الرفاعي وهو في صلاتِه ويقرأُ سورةَ الإخلاص ألفَ مرة مع الإخلاص والخشوع واستحضارِ هذه المعاني العظيمة.
إذًا كان هذا من أورادِ السيدِ أحمد الرفاعي في أربعِ ركعات كما يقول الشيخ يعقوب يصلّي بألف قل هو اللهُ أحد
ويستغفرُ اللهَ كلَّ يومٍ ألفَ مرة.
واستغفارُ السيد أحمد أنْ يقول “لا إله إلا أنتَ سبحانك إني كنتُ من الظالمين عملتُ سوءًا وظلمتُ نفسي وأسْرفتُ في أمري ولا يغفرُ الذنوبَ إلا أنت فاغفرْ لي وتبْ عليَّ إنك أنت التوابُ الرحيم يا حيُّ يا قيومُ لا إله إلا أنت”
وذكرَ غيرَ ذلك من الأوراد، هذا استغفارُ الإمامِ أحمدَ الرفاعي، هذا الاستغفار كان يقولُه كلَّ يومٍ ألفَ مرة.
لمّا حضرَت الوفاةُ السيدَ أحمد قبلَها بأيام قيل له: أي سيّدي ما نقولُ بعدَك وأيشٍ تُوَرِّثُنا؟ فقال “أيْ عليّ، قل عني..” وذكرَ الرفاعيُّ رضي الله عنه كلامًا معناه أنه ما نامَ في ليلةٍ إلا وهو يرى مَن حولَه من إخوانِه في الطريق أفضلَ منه لشدةِ اتّهامِه نفسَه لشدةِ ما كان عليه رضي الله عنه من التواضع.
ينظرُ إلى مريديه وكأنهم هم فوقَه، وهذا يدلُّ على ما كان عليه الإمامُ أحمد رضي الله عنه من تقوى الله ومنَ الزهدِ والتواضع والخوفِ من الله تبارك وتعالى.
لذلك كان الإمام الرفاعي حجةً في طريقِ الله وقدوةً متينة يجلسُ مع الفقراء ويأكلُ معهم ويخدِمُهم ويقومُ بقضاءِ حوائجِهم ولا يلتفتُ إلى الملوكِ وأبناءِ الدنيا ويُعَظِّمُ المساكينَ ويَنقادُ إليهم.
وكان رضي الله عنه يقول “لا تَزِنِ الخلقَ بميزانِك وزِنْ نفسَك بميزانِ المؤمنينَ لتعْلمَ فضلَهم وإفلاسَك” لا تنظر إلى نفسِك أنك فوق ثم تعتبرَ أنك أنتَ المرجِع وتزِنَ الخلقَ بميزانِك انظر إلى نفسِك أنك دونَ إخوانك حسِّنِ الظنَّ بإخوانِك وعندها أنتَ ستزِنُ نفسَك بميزانِ إخوانِك
“وزِن نفسَك بميزانِ المؤمنين لتعلمَ فضلَهم وإفلاسَك أُفٍّ لأشغالِ الدنيا إذا أقبلَتِ الدنيا علينا كم ستَشْغَلُنا قد تُبسَطُ الدنيا على عبدٍ فيكونُ في ذلك هلاكُه”
ولذلك كان المصطفى عليه الصلاة والسلام يقول “ما قلَّ وكفى خيرٌ مما كثُرَ وألْهى”
أُفٍّ لأشغالِ الدنيا إذا أقبلَت وأُفٍّ لخُسرانِها إذا أدبرَت والعاقلُ لا يركَنُ لشىءٍ
كذلك إذا أدبرَت هذه الدنيا وصرتَ في فقرٍ فلا يكنْ ذلك فقرًا مُطغِيًا يُبعِدُكَ عن طاعةِ الله
والعاقلُ لا يركنْ لشىءٍ إذا أقبلَ كان شغلًا وإذا أدبرَ كان حسْرة، لا يُعلِّقُ قلبُه بمتاعِ الدنيا فإذا صار المتاعُ في يديه شغلَه عن طاعة الله وإذا ذهب المتاعُ منه صار قلبُه في حسرةٍ وفي انشغالٍ لذلك الذي لم يُحصِّلْه
العاقلُ لا يركنُ لشىءٍ إذا أقبلَ كان شُغلًا وإذا أدبرَ كان حسرة، مَن ألزَمَ نفسَه ما لا يحتاجُ إليه ضيّعَ مِن أحوالِه ما يحتاجُ إليه.
ما لا حاجةَ لك به لا تُلزِمْ نفسَك به، مَن ألزمَ نفسَه ما لا يحتاجُ إليه: أنت الآنَ في كفاية فإنْ سعَيْتَ إلى ما هو زائدٌ عن تلكَ الكفاية وألزَمْتَ نفسَك في السعيِ إليه، مَن ألزَم نفسَه ما لا يحتاجُ إليه ضيّعَ مِن أحوالِه ما يحتاجُ إليه.
كان الرفاعيُّ رضي الله عنه يقول “إذا جئتم ولم تجدوا عندي ما يأكلُه ذو كبِد فاسألوني الدعاءَ أدعو لكم فإني حينئِذٍ لي أُسوةٌ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم”
مع كلِّ ما كان يأتي السيدَ أحمد رضي الله عنه منَ الضِّياع منَ الغَلّات كان يُنفقُ ذلك في سبيل الله حتى تجدُه بعضَ الوقت ما بقيَ عندَه شىء، فيقول إذا جئتم ولم تجدوا عندي ما يأكلُه ذو كبد وأنا لا أريدُ أنْ أرُدَّكم اطلبوا مني الدعاء ليس عندي ما أتصدّقُ به ليس عندي ما أُعينُكم به من المال أو من المتاع اطلبوا مني الدعاء أدعو لكم أسوَتي بذلك وقدوتي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.
كان الرفاعيُّ رضي الله عنه يقول “طريقُنا مبْنِيةٌ على ثلاثةِ أشياء: لا نسألُ ولا نَرُدُّ ولا ندَّخِر” هذه الثلاثة لا نسأل ولا نَرُدُّ ولا ندّخر
لا نسألُ الدنيا ولا نسعى وراءَ الدنيا فاتَنا منها ما فاتَنا لا نسأل، ولا نَرُدُّ سائلًا ولا ندّخِرُ لهذه الدنيا إنما ذخائرُنا التقوى ليومِ القيامة.
كان رضي الله عنه يقول “مَن أسْكَنَ نفسَه شيئًا مِن محبةِ الدنيا فقد قتلَها بسيفِ الطمع”
وكان رضي الله عنه يقول “شرطُ الفقير الصادق -المرادُ هنا بالفقير الصوفي، الصوفية يقالُ لهم الفقراء الدراويش أصحابُ الطريق، هذا المعنى، قد يكون عنده مال كثير بمعنى الصوفي الصادق-
ما هو شرطُ الفقير وهذه الكلمات كم يستعملُها الصوفية وبين الرفاعيةِ كثير، لذلك كانوا في المجالس الرفاعية يُنشِدونَ:
يا فقراء طيبوا للسماعِ شيخُنا أحمدُ الرفاعي
شرطُ الفقيرِ الصادق أنه لا يُعلِّقُ نظرَه بشؤونِ الخلقِ وغيرِها فإنه إنْ علّقَها بذلك الْتبسَ عليه الأمر وكلّما اختلطَ الفقيرُ بالخلقِ ظهرَت عيوبُه.
هنا تظهرُ العيوب، عندما اختلطَ بالأغنياء إنْ كان عندَه التعلّقُ بالمال وبالدنيا يظهر، ما في نفسه من العيوب عند المخالطة تظهرُ تلك العيوب.
لذلك علينا أنْ نستعدَّ في خَلوَتِنا قبلَ أنْ نظهرَ بين الناسِ في جَلوَتِنا.
لذلك كان الصوفيةُ يقولون: خذ مِن خَلوَتِكَ لجَلوَتِك
كان الرفاعيُّ رضي اللهُ عنه يضربُ مثلًا جميلًا جدًّا في بيانِ حال الصوفي
يجمعُ رضي الله عنه في هذه الكتاب الذي سأذكرُ إن شاء الله كيف حالُ الصوفيِّ زاهدًا وعابدًا ومُحبًّا لله ومحبًّا لرسولِ الله وخائفًا من الله، كيف قلبُه يحترق وكيف عينُه دامعة باكية، هذه المعاني خذوها من كلامِ السيدِ أحمد، تعلَّموا العشقَ من الشمع فإنّ لونَه أصفرُ وعينَه ملآنةٌ بالدموع وبدنَه دائمًا في احتراقٍ وانْمِحاق، الشمعُ يحترق وقلبُ العاشقِ المحمديِّ محترِق،
مَن لم يَبِتْ والحبُّ حَشْوُ فؤادِه لم يدرِ كيف تُفَتَّتُ الأكبادُ
قلبُه محترِق عينُه دامعة باكية شوقًا تارةً للقاءِ حبيبِه صلى الله عليه وسلم وللقاء ربِّه، وخوفًا تارةً منَ الله عز وجل خوفَ الإجلالِ والتعظيم
واللونُ الأصفرُ في إشارةٍ إلى حالِه من الزهد.
تعلّموا العشقَ منَ الشمعِ فإنّ لونَه أصفر وعينَه ملآنةٌ بالدموع وبدنَه دائمًا في احتراقٍ وانْمِحاق.
وإذا كنا قد ذكرنا هذا العشقَ فإنّ الرفاعيّ رضي الله عنه يقول
“واعلمْ أنّ العشقَ له ثلاثةُ أحوالٍ محمودة: الأكلُ القليل والنومُ القليل والكلامُ القليل.
الأكلُ القليل: هذه أحوالُ العشق، مَن أرادَ مِقياسًا لدرجِ العشقِ فلينظرْ في نفسِه في هذه الأحوال
الأكلُ القليل النوم القليل والكلامُ القليل
فنتيجةُ الأول النومُ القليل، نتيجةُ الأكلِ القليل النومُ القليل، ونتيجةُ النومِ القليل العقلُ والفِراسة قوة العقل، ونتيجةُ الثالث الكلامُ القليل الحكمة.
فلننظرْ في نفوسِنا لنعرفَ حالَنا في العشق وأينَ نحنُ من ذلك الشمع، هل نومُنا قليل؟ هل طعامُنا قليل؟ هل كلامُنا قليل؟ أينَ تجدُنا في هذا الحال؟
إنْ كنتَ كذلك نومٌ قليل وكلامٌ قليل وطعامٌ قليل تعلمُ من نفسِكَ وأنتَ في هذا الحال مِن أكلٍ قليل ونومٍ قليل وكلامٍ قليل أنك في تلك الدرجة من العشق، وهذا هو طريقُ تقوى الله وهو طريقُ الزاهدين.
لذلك كان الرفاعيُّ رضي الله عنه يقول “الزهدُ أولُ قدَمِ القاصدينَ إلى الله فمَن لم يُحكِمْ أساسَه فيه لم يصحَّ له شىءٌ مما بعدَه من المقامات”
إذا لم يكن أساسُك في الزهدِ قويًّا لن تجدَ تلك المقاماتِ بعدَه، إذا لم تُحكِم هذا الأساسَ في الزهد فلن تترَقّى بعد ذلك
علامةُ الفقيرِ الصادق إظهارُ الشِّبَعِ وهو جائع والفرحُ عند الحزن، قلبُه محترق وهو يتبسّم، معدتُه يكادُ يشدُّها بالحجر وهو لا يُظهرُ جوعًا
إظهارُ الشِّبَعِ وهو جائع والفرحِ عند الحزن والنشاطِ عند الكسل والذل بعد العز والفقرِ بعد الغنى وأنْ يصيرَ مردودًا بعدَ أنْ يكونَ مقبولًا
قد تجدُ هذا الشيخ أو هذا السالك أو هذا الصوفي صار عند الناس مردودًا غيرَ مقبول وقد كان قبلَ ذلك مقبولًا ولكنه على حق وثبتَ على ذلك فهو صادق
يقولُ الرفاعيُّ رضي الله عنه “الفقيرُ إنْ صبرَ وتحمّلَ وخدَمَ مَن دونَه وبذلَ مجهودَه فإنك تجدُ هذا الصوفي في ترَقٍّ وقد تجاوزَ عن هفَواتِ الإخوان وتذلّلَ وجعلَ أوقاتَه مُغْتَنمة وتأثّرَ بمَن هو دونَه وأخلصَ في عمله وهجرَ إخوانَ الغفلة وفارقَ مواطنَ الهفَوات وأظهرَ الندمَ على ما فرّطَ وشدَّ مِئزَرَ الكَدّ وأخذَ في إدراكِ ما فاتَ وتذكّرَ ما مضى مِن زَلَلِهِ وتحسّرَ عليه وحزنَ لما بين يديه
إذا وفّقَه اللهُ تعالى لهذه السعادات صار وقتُه كلُّه يقظة ورُفِعَ عنه الغفلة وأثمرَ له الذلُّ والندمُ فصار يجدُ ذلك في قلبِه لأنّ هذا مِن ثمرةِ الطاعة لله من ثمرةِ المراقبة من ثمرة التواضع، من ثمرة الزهد، من ثمرةِ القناعة.
لذلك يقولُ الرفاعي رضي الله عنه “إذا وفّقَه اللهُ تعالى لذلك صار وقتُه كلُّه يقظة ورُفِعَ عنه الغفلة وأثمرَ له الذلُّ والندمُ والخوفُ والكرم وتواتَرَت عليه من الله تعالى النِّعَم حيثُ أيقظَه اللهُ تعالى -أي ألهمَه ما يوقظهُ من غفلتِه- وسبقَت له العناية وبانَت له آثارُ الولاية وعزَّتْ نفسُه عن ملاذِّ الدنيا وجيفتِها وحُطامِها وقنِعَ منها بالقليل وكان قوتُه ما وجدَ ولباسُه ما سترَ العورة ولا يُضيِّعُ أوقاتَه الشريفة في طلبِ القوتِ واللباس بل تقومُ رغبتُه فيما عند الله تعالى وتصِيرُ الدنيا سجنَه ويكثرُ في طلبِ نجاةِ الآخرةِ همُّه ويكونُ قد أسْبلَ دمعَه وزادَ شوقُه ويكونُ دائمًا في خوفِ الفَوْتِ وتوقُّعِ الموت ولم يفرح بشىءٍ من الدينا وزينتِها ويكونُ فرحُه يومَ إقبالِه على مولاه فحصل له عندَ ذلك رضاه، وهذه الفائدةُ في الدنيا والآخرة.
من أورادِ الرفاعيّة وهو وردٌ عظيمُ القدرِ والمقام عند الرفاعيين الكرام ونختمُ هذا الكلام
بسم الله الرحمن الرحيم: يقولُها ثلاثمائة وثلاثَ عشرَ مرة
أستغفرُ اللهَ العظيم: ثلاثَمائة وثلاثَ عشرة مرة
اللهم صلّ على سيدِنا محمدٍ النبيِّ الأميِّ وعلى آله وصحبه: ثلاثَمائة وثلاثَ عشرَة مرة
ويقول: يا لطيف مائة وتسعَ مرات في الصباح والمساء مع الفاتحةِ في البدءِ والختام فإنّ هذا من الأورادِ الرفاعيةِ النافعةِ لأكثر الأشياء لقضاء الحوائج بإذنِ الله.
اللهم إنا نسألُك عملًا نافعًا وقلبًا خاشعًا ولسانًا ذاكرًا وعينًا دامًعا باكيًا
اللهم أمدَّنا بأمدادِ نبيِّنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم وبأمدادِ الأنبياءِ والمرسلين والأولياءِ والصالحين وبمددٍ خاص من سيدِنا أحمدَ الرفاعي.
سبحانك اللهم وبحمدِكَ نشهدُ أنْ لا إله إلا أنت نستغفرُك ونتوبُ إليك
سبحانَ ربِّكَ ربِّ العزةِ عمّا يصفون وسلامٌ على المرسلين
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.